أن تطور التشريع الفرنسي في الحد من الجزاءات الجنائية في جريمة إصدار شيك بدون رصيد، حتى الغى الجزاء الجنائي لهذه الجريمة ٩١ الصادر في ٣٠ ديسمبر ١٩٩١ م، -بموجب قانون الشيك الفرنسي رقم ١٣٨٢واستعاض عن هذا الجزاء الجنائي بجزاءات مصرفية ومالية ذات طبيعية مدنية وضريبية. وقد حاول المشرع المصري في قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ م مسايرة هذا التطور، ولكن لم يصل به الحد إلى الغاء العقاب الجنائي على جريمة إصدار شيك بدون رصيد وإنما اكتفى المشرع بتخفيف العقاب على هذه الجريمة بجعل العقوبة جنحة عقوبتها الحبس أو الغرامة، فأصبح الحبس اختيارياً للقاضي بعد أن كان إجبارياً طبقاً لنص المادة ٣٣٧ عقوبات، التي تم الغائها، كما أن المشرع حدد الحد الأقصى للغرامة بخمسون ألف جنيه، ولم يحدد الحد الأدنى مما يعطي للقاضي سلطة النزول بهذا المبلغ للحد الذي يراه مناسباً، هذا بالإضافة للعقوبات التكميلية التي قررها قانون التجارة قصد بها الإقلال عملاً من إصدار شيكات بدون رصيد كما هو الشأن فيما نصت عليه المادة ٥٣٧/١ من قانون التجارة الجديد حيث أعطت للمحكمة في حالة العود الحق في أن تأمر بسحب دفتر الشيكات من المحكوم عليه ومنع إعطائه دفاتر شيكات جديدة لمدة تعينها وتتولى النيابة العامة تبليغ هذا الأمر إلى جميع البنوك. كما أن قانون التجارة أجاز للمحكمة التي تقضي بالإدانة في إحدى جرائم الشيك المنصوص عليها في المادة ٥٣٤ والخاصة بجريمة إصدار شيك بدون رصيد أن تأمر بنشر الحكم على نفقة المحكوم عليه في صحيفة يومية ويجب أن يتضمن هذا النشر اسم المحكوم عليه وموطنه ومهنته والعقوبة المحكوم عليه بها. وبالتالي وضع المحكوم عليه في موضع استهجان المجتمع بأسره، وتدوينه في القائمة السوداء، حيث لا يجد من يتعامل معه بعد ذلك. لذلك فإننا نرى أن المشرع في قانون التجارة الجديد أقام نوعاً من الإتزان في العقاب على جريمة إصدار شيك بدون رصيد حيث خفف من العقاب من ناحية، ووضع النصوص التي تؤدي عملاً إلى الحد والإقلال من جريمة إصدار شيك بدون رصيد من ناحية أخرى.

النص القانوني الذي يحكم جريمة إصدار شيك بدون رصيد:

تنص المادة ٥٣٤ من قانون التجارة على أنه ” يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب أحد الأفعال الآتية:

أ – إصدار شيك ليس له مقابل وفاء وقابل للصرف.

ب- استرداد كل الرصيد أو بعضه أو التصرف فيه بعد إصدار الشيك بحيث يصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك.

ج- إصدار أمر المسحوب عليه بعدم صرف الشيك في غير الحالات المقررة قانوناً.

د – تحرير شيك أو التوقيع عليه بسوء نية على نحو يحول دون صرفه”.

أركان جريمة إصدار شيك بدون رصيد :

يتضح من نص المادة ٥٣٤ من قانون التجارة أن الأفعال التي نصت عليها تمثل إخلال بالثقة في الشيك لأنها جميعاً تؤدي إلى عدم إمكان السحب مقابل الشيك سواء وقعت هذه الأفعال وقت إعطاء الشيك أو بعد الإعطاء. وبالتالي يشترط لقيام هذه الجريمة توافر شرط مفترض وركنين الركن المادي ويتمثل في واقعة إصدار شيك مع عدم وجود رصيد أو عدم إمكان سحب مقابله، والركن المعنوي يتمثل في القصد الجنائي، وسوف نقوم ببيان ذلك كما يلي :

الشرط المفترض :

يعد الشيك شرطاً مفترضاً لجريمة إصدار شيك بدون رصيد، ويقصد بمفترضات الجريمة بوجه عام، تلك العناصر أو المراكز أو الصفات، أو الوقائع القانونية أو المادية التي تكون سابقة على ارتكاب الفعل المكون للجريمة، ويترتب على تخلفها عدم وجود الجريمة. وعلى ذلك لا تقع جريمة إصدار شيك بدون رصيد إلا إذا كان الصك محل الجريمة شيكاً في مفهوم قانون التجارة، لذلك يجب التأكد من استكمال الشيك لمقوماته الأساسية ومطابقته لما جاء بالمواد ) ٤٧٥ ،٤٧٤ ،٤٧٣ ( من قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ م حتى يخضع للجزاء الجنائي المنصوص عليه في المادة ٥٣٤ /1من قانون التجارة ، فلا ينطبق هذا الجزاء الجنائي إذا كان الفعل واقعاً على كمبيالة أو سند لأمر أو غير ذلك من الأوراق المديونية الأخرى، ففي هذه الحالات لا ينطبق نص المادة ٥٣٤/١ من قانون التجارة، حيث أن المشرع قصد حماية الشيك بهذه الجريمة دون غيره من الأوراق التجارية الأخرى. لذلك يجب التأكد من أن الشيك يتضمن البيانات الإلزامية ، بالإضافة إلى كونه مسحوباً على أحد البنوك وعلى نماذج البنك المسحوب عليه، لذلك لا تنطبق هذه الجريمة إذا كانت الشيكات خطية غير مكتوبة على نماذج البنوك أو الشيكات المسحوبة على غير البنوك. لذلك يجب على المحكمة أن تشير في حكمها إلى طبيعة الورقة، فإن كانت شيكاً قضت بقيام الجريمة – على فرض توافر بقية الأركان – وإن لم تكن حكمت بالبراءة. ومما لا شك فيه أن هذا الشرط المفترض يقلل من حالات إصدار شيك بدون رصيد، حيث يقتصر التجريم على الشيكات المطابقة للبيانات الإلزامية التي جاء بها قانون التجارة والمكتوبة على نماذج البنك المسحوبة عليه دون غيرها.

الركن المادي :

يشتمل الركن المادي لجريمة إصدار شيك بدون رصيد على عنصرين، العنصر الأول واقعة إصدار شيك، والعنصر الثاني عدم إمكانية سحب مقابلة لسبب يرجع إلى الساحب. وسوف نتناول هذين العنصرين كما يلي :

أولا: العنصر الأول: واقعة إصدار شيك :

يتضح من نص المادة ٥٣٤/١ من قانون التجارة أن المشرع يشترط فعل إصدار شيك، أي واقعة إصدار شيك يطرحه للتداول وتسليمه للمستفيد أو وكيله أو إرساله إليه(1) .لذلك يختلف إصدار الشيك عن إنشائه لأن إنشائه هو كتابة وتحريره، فلا تقوم جريمة إصدار شيك بدون رصيد على مجرد إنشاء الشيك واحتفاظ الساحب به طالما أنه لم يطرحه للتداول ويسلمه للمستفيد. ويرى بعض الفقهاء(2) أن المقصود بإصدار الشيك تخلي الساحب نهائياً عن حيازته وتسليمه للمستفيد مباشرة أو عن طريق وسيط، ويؤدي هذا القول أن لإصدار شيك عنصران : أولهما مادي يتمثل في المناولة المادية، وثانيهما معنوي، ويتمثل في إرادة التخلي عن الحيازة لدى الساحب، وإرادة اكتسابها لدى المستفيد(3) فيجب أولاً أن يقوم الساحب بتحرير الشيك وتضمينه البيانات القانونية المطلوبة فإن احتفظ به كان فعله هذا من قبيل الأعمال التحضيرية التي تخرج عن دائرة التجريم، أما إذا قام بتسليمه للمستفيد أو وكيله فقد خرج من حوزته، وأصبح مطروحاً للتداول. معنى ذلك أن فعل إصدار الشيك يتم بمناولة الشيك من الساحب أو من وكيله إلى المستفيد أو وكيله يداً بيد، أو بإرساله بالبريد، والعبرة عندئذ بوصول الشيك فعلاً إلى المستفيد أو إلى وكيله. إذ تظل ملكية الرسالة لصاحبها – وفقاً لقواعد القانون المدني – إلى اللحظة التي يتسلمها فيها المرسل إليه(4) ويشترط أيضاً لتحقق فعل الإصدار الذي تقع به الجريمة أن يكون الساحب قد توافر لديه إرادة التخلي عن الحيازة الكاملة للشيك إلى المستفيد، فإذا كان الشيك قد فقد أو سرق أو زور، انهار الركن المادي لجريمة إصدار شيك بدون رصيد.

وإذا كان الساحب قد حرر الشيك ووقعه ثم سلمه إلى وكيله على سبيل الأمانة، بمعنى أن تسليمه له لم يكن مصحوباً بنية التخلي نهائياً عن حيازته فلا تقع الجريمة، وأساس ذلك أن إعطاء الشيك وتسليمه على سبيل الأمانة إنما قصد به حفظ الشيك وعدم التنازل عن حيازته حيازة كاملة أو الحق الثابت به على سبيل التمليك، الأمر الذي تنتفي معه وظيفة الشيك الأساسية كأداة وفاء(5) أما إذا خان المودع لديه الأمانة وسلم الشيك للمستفيد فلا تقع بفعله الجريمة أيضاً لأنه ليس هو الساحب. وإذا كان الساحب قد سلم الشيك للوكيل مع إرادة التخلي نهائياً عن حيازته لكي يقوم بتسليمه إلى المستفيد، فالوكيل في هذا الغرض يعتبر شريكاً بالمساعدة في جريمة الساحب إذا كان عالماً بأن الشيك لا يقابله رصيد، أما إذا كان الوكيل قد استغل صفة الوكيل فحرر الشيك بوصفه وكيلاً عن صاحب الحساب وسلمه للمستفيد دون أن يكون للشيك رصيد قائم وقابل للسحب فإنه يعتبر فاعلاً أصلياً للجريمة لأن وكالته عن صاحب الحساب، لا تنفي أنه هو الذي ارتكب الجريمة التي دين من أجلها(6) ولا تقع جريمة إصدار شيك بدون رصيد إذا حرر الساحب شيكاً لمصلحته وقدمه للمسحوب عليه البنك لصرفه وكان يعلم بعدم وجود رصيد، لأن الجريمة لا تقع بتحرير الشيك وتوقيعه ولا بتقديمه إلى البنك المسحوب عليه وإنما تتم بفعل الإصدار الذي يتمثل في تسليم الساحب أو من ينوب عنه الشيك للمستفيد أو من ينوب عنه تسليماً ناقلاً لملكية الشيك.

ثانياً : العنصر الثاني: عدم إمكانية سحب مقابل الشيك لسبب يرجع إلى الساحب :

لا يكفي لقيام الركن المادي لجريمة إصدار شيك بدون رصيد أن يقع فعل الإصدار على صك له مظهر الشيك وفقاً لأحكام قانون التجارة ، وإنما يجب – فضلاً عن ذلك – أن تتوافر إحدى الحالات التي حددها المشرع في المادة ٥٣٤/١ من قانون التجارة والتي تجعل من المتعذر سحب قيمة الشيك.

وهذه الحالات هي كما يلي :

١- إصدار شيك ليس له مقابل وفاء قابل للصرف.

٢- استرداد كل الرصيد أو بعضه أو التصرف فيه بعد إصدار الشيك بحيث يصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك.

٣- إصدار أمر للمسحوب عليه بعدم صرف الشيك في غير الحالات المقررة قانوناً.

٤- تحرير شيك أو التوقيع عليه بسوء نية على نحو يحول دون صرفه.

ويلاحظ أن الحالة الأولى والرابعة وهما حالة عدم وجود مقابل وفاء قابل للصرف وتحرير شيك أو التوقيع عليه بسوء نية ، يمكن أن يقعا وقت اعطاء الساحب الشيك إلى المستفيد، ويمكن أن يقعا وقت التظهير أو التسليم الحاصل من المستفيد أو الحامل إذا كان يعلم أن الشيك ليس له مقابل وفاء يفي بقيمته أو غير قابل للصرف، حيث أن الفقرة الثانية من المادة ٥٣٤ من قانون التجارة جعلت من التظهير أو التسليم جريمة مساوية لجريمة الساحب التي تتمثل في إعطاء الشيك إلى المستفيد أو لحامله. أما الحالة الثانية والثالثة وهما استرداد كل الرصيد أو بعضه أو التصرف فيه بعد إصدار الشيك بحيث يصبح الباقي لا يفي قيمة الشيك وإصدار أمر للمسحوب عليه بعدم صرف الشيك في غير الحالات المقررة قانوناً، هذين الحالتين تقع بعد اعطاء الشيك.

ويلاحظ أيضاً أن المشرع في المادة ٥٣٤ من قانون التجارة الجديد نص على أغلب الحالات التي تنص عليها المادة ٣٣٧ من قانون العقوبات – التي تم إلغائها بموجب قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ م – إلا أنه توسع في نطاق الحماية الجنائية للشيك حيث شمل الحالة التي يمكن فيها للساحب تعطيل صرف الشيك بعد الإصدار بتصرف كان لا يندرج تحت أية صورة مما نصت عليها المادة٣٣٧ عقوبات، وهي صورة تعمد تحرير الشيك أو توقيعه بصورة تمنع صرفه، فالساحب في هذه الصورة كان يمكنه أن يفلت من المسئولية الجنائية على الرغم من أن تصرفه حال دون صرف قيمة الشيك الذي أصدره بالفعل، وقد تدارك المشرع في المادة ٥٣٤ من قانون التجارة هذا النقص وشمل بالتجريم كل فعل يهدف الساحب بسوء نية إلى الحيلولة دون صرف قيمة الشيك. وقيل بيان الحالات التي نصت عليها المادة ٥٣٤/١ التي تؤدي إلى عدم إمكانية سحب مقابل الشيك لسبب يرجع إلى الساحب، نوضح ما هو المقصود بالرصيد في الشيك.

المقصود بالرصيد :

يقصد بالرصيد في الشيك مقابل الوفاء، لأن الرصيد هو ناتج العملية الحسابية بين جانبي الدائن والمدين للساحب في ذمة المسحوب عليه. وتنظم أحكام مقابل الوفاء في الشيك المواد ٤٩٩ ،٤٩٨ ،٤٩٧ ، من قانون التجارة والتي تعرف مقابل الوفاء بأنه مبلغ من النقود مستحق الأداء مساو بالأقل لمبلغ الشيك وجائز التصرف فيه بموجب شيك طبقاً لاتفاق صريح أو ضمني بين الساحب والبنك المسحوب عليه. وسبق شرح أحكام مقابل الوفاء في الشيك لذلك نحيل إليها منعاً للتكرار.

حالات عدم إمكان سحب مقابل الوفاء :

الحالة الأولى : إصدار شيك ليس له مقابل وفاء قابل للصرف :

يشترط طبقاً لنص الفقرة الأولى )أ( من المادة ٥٣٤ من قانون التجارة ، لارتكاب جريمة إصدار شيك بدون رصيد إصدار شيك ليس له مقابل وفاء قابل للصرف. هذه الحالة تفترض إحدى صور ثلاثة : أن يكون الرصيد غير موجود إطلاقاً، أن يكون الرصيد غير كاف، أن يكون الرصيد موجوداً وكافياً ولكنه غير قابل للسحب.

١- عدم وجود رصيد مطلقاً:

تتحقق جريمة إصدار شيك بدون رصيد إذا كان الساحب لم يكن لديه رصيد مودع لدى البنك المسحوب عليه مطلقاً، فيجب أن يكون للساحب وقت إصدار الشيك رصيد يكفي لتغطية قيمته، ولا يشترط أن يكون الرصيد مملوكاً للساحب ما دام له حق السحب منه كأن يكون رئيساً للجمعية أو الشركة صاحبة الحساب المودع بالبنك طالما له الحق في ذلك. ولا يغني عن وجود الرصيد أن يكون الساحب قد أودع لدى المسحوب عليه بعض السندات لبيعها ودفع قيمة الشيك من ثمنها، إذ لا يعدو أن يكون ذلك مجرد احتمال لوجود الرصيد. وإذا انعدم وجود الرصيد مطلقاً تقع الجريمة ولو كان المستفيد يسلم وقت إعطائه الشيك بأنه لا يقابله رصيد، بل أن المشرع عاقب المستفيد على ذلك ونص في المادة ٥٣٥ من قانون التجارة على أن “يعاقب بغرامة لا تجاوز ألف جنيه المستفيد الذي يحصل بسوء نية على شيك ليس له مقابل وفاء، سواء في ذلك أكان شخصاً طبيعياً أم اعتبارياً”، لأن المشرع يهدف من جريمة إصدار شيك بدون رصيد إلى حماية الثقة في الشيك باعتباره أداة وفاء تقوم مقام النقود في المعاملات.

٢- أن يكون الرصيد غير كاف:

تقوم جريمة إصدار شيك بدون رصيد لو كان للساحب رصيد في البنك المسحوب عليه لكنه غير كاف للوفاء بقيمة الشيك، حتى لو حصل المستفيد على هذا الرصيد الموجود(7)، وإذا كان الفرق بين قيمة الشيك والرصيد تافهاً كان ذلك دليل على عدم توافر القصد الجنائي لدى الساحب وهذا أمر يدخل في تقدير قاضي الموضوع.

٣- أن يكون الرصيد موجوداً وكافياً ولكنه غير قابل للسحب:

تتوافر جريمة إصدار شيك بدون رصيد إذا كان للساحب رصيد لدى البنك المسحوب عليه وكافياً للوفاء بقيمة الشيك ولكنه غير قابل للسحب لأنه محجوز عليه لدى المسحوب عليه، أو لأن الساحب انتفت لديه أهلية الأداء كما لو كان قاصراً غير مأذون له بإدارة أمواله، أو كان الساحب تاجراً وأشهر إفلاسه. ويشترط لوقوع الجريمة أن يكون الرصيد غير قابل للسحب وقت إصدار الشيك، فإذا تحقق عدم القابلية للسحب بعد اعطاء الشيك انتفت الجريمة، لذلك يجب لكي تقوم مسئولية الساحب أن يعلم وقت اعطاء الشيك بعدم قابلية الرصيد للصرف، أما إذا كان يجهل ذلك سواء لم يعلم به مطلقاً أو علم به في تاريخ لاحق لإعطاء الشيك فلا يتوافر القصد الجنائي ولا تقوم الجريمة. وإذا كان الرصيد غير موجود مطلقاً، أو كان موجوداً وغير كاف أو غير قابل للسحب فإنه لا يشترط قيام المستفيد بتحرير بروتستو عدم الدفع حتى تقوم المسئولية الجنائية للساحب(8)

الحالة الثانية : استرداد كل الرصيد أو بعضه أو التصرف فيه بعد إصدار الشيك بحيث يصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك :

رأى المشرع في قانون التجارة أنه لا يكفي لتحقيق الهدف من جريمة إصدار شيك بدون رصيد كافياً وقابلاً للسحب وقت إصدار الشيك، وإنما يجب أن يظل هذا الرصيد تحت تصرف المستفيد إلى حين الحصول على مقابل الشيك. فالعبرة بضرورة توافر الرصيد الكافي للوفاء بقيمة الشيك لحظة إصدار الشيك وبقائه حتى يتمكن المستفيد من الحصول على قيمته. فلابد أن يظل مقابل الوفاء تحت تصرف المستفيد، ولا يجدي الساحب ما يثيره حول الظروف التي أحاطت به والتي أدت إلى سحب الرصيد(9) ولا يحول دون قيام الجريمة أن يكون المستفيد قد قدم الشيك بعد انقضاء المواعيد التي تحددها المادة ٥٠٤ من قانون التجارة التي تجعل المدة ثلاثة أشهر إذا كان الشيك مسحوباً في مصر وأربعة أشهر إذا كان الشيك مسحوباً في الخارج أو المادة التي جرى عليها العمل في البنوك لأن الشيك لا تتغير طبيعته بانتهاء هذه المواعيد بل تظل له صفة الشيك بناء عليه تمنع على الساحب استرداد الرصيد، إلا إذا أثبت الساحب أن مرور مدة طويلة على اعطاء الشيك وكثرة الشيكات التي أصدرها لم تمكنه من العلم بأن هذا الشيك لم يتم صرفه حيث ينتفي لديه في هذه الحالة القصد الجنائي. ويجب ملاحظة أن إثبات الساحب أن مقابل الوفاء قد قدمه للبنك المسحوب وأن المقابل ظل موجوداً لدى المسحوب عليه حتى انقضاء ميعاد تقديم الشيك لا يعفيه من المسئولية طالما أن هذا المقابل قد زال بفعله هو أما إذا كان هذا المقابل قد زال بفعل غير منسوب إلى الساحب فإنه لا تقوم المسئولية(10) كما لو ألغى البنك الاعتماد المفتوح لصالح الساحب.

الحالة الثالثة : إصدار أمر للمسحوب عليه بعدم صرف الشيك في غير الحالات المقررة قانوناً:

هذه الحالة تفرض علينا أولاً، الكلام عن إصدار أمر من الساحب إلى المسحوب عليه بعدم صرف الشيك والتي يترتب عليها قيام جريمة إصدار شيك بدون رصيد، وتفرض علينا ثانية بيان الحالات المقررة قانوناً والتي يجوز فيها للساحب إصدار أمر للمسحوب عليه بالامتناع عن الصرف وهي حالات وإن لم تقع بها جريمة إصدار شيك بدون رصيد إلا أنها تعطي للحامل الحق بالقيام بإجراءات أخرى لشطب الاعتراض على الصرف والتزام البنك بالصرف وإلا تعرض للمسئولية.

أولاً: إصدار أمر للمسحوب عليه بعدم الصرف :

تعتبر في حكم عدم وجود رصيد وبالتالي قيام جريمة إصدار شيك بدون رصيد، قيام الساحب بإصدار أمر للمسحوب عليه بالامتناع عن صرف الشيك، وتقع الجريمة بمجرد صدور هذا الأمر، ولو كان الساحب يستند إلى أسباب مشروعة(11) لفسخ أو انقضاء العلاقة التي بينه وبين المستفيد إذ لا تعدو هذه الأسباب أن تكون من قبيل البواعث التي لا تأثير لها على قيام المسئولية. ومن المفروض وفقاً لأحكام قانون التجارة ، ألا يلتزم البنك بأوامر عملائه بعدم الصرف إلا في حالات المعارضة الصحيحة التي نصت عليها المادة ٥٠٧ /أ من قانون التجارة حيث لا يقبل الاعتراض في وفاء الشيك إلا في حالة ضياعه أو إفلاس حامله أو الحجر عليه لأن البنك يسأل إذا توافرت الجريمة التي ينص عليها قانون التجارة في المادة ٥٣٣/١ حيث يعاقب بالغرامة التي لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه كل موظف بالبنك ارتكب عمداً أحد الأفعال الآتية :

ب( الرفض بسوء نية وفاء شيك له مقابل وفاء كامل أو جزئي ولم يقدم بشأنه اعتراض صحيح. ويكون البنك مسئولاً بالتضامن مع موظفيه المحكوم عليهم عن سداد العقوبات المالية المحكوم بها. وما لا شك فيه أن قيام البنك بالوفاء، رغم صدور الأمر، بالامتناع عن الصرف في غير حالات الاعتراض الصحيح، إنما يتم ذلك تنفيذاً لالتزامه القانوني، لأن عدم صرف الشيك في غير الحالات المقررة قانوناً من شأنه إهدار الثقة في التعامل بالشيكات، وإهدار الحماية التي يستهدفها المشرع من تحقيق التجريم مما يخل بالثقة الواجب توافرها في التعامل بالشيكات ولو لم يتحقق ضرر من جراء ذلك الفعل المادي الصادر من الساحب، لذلك يتحقق الاعتداء على المصلحة محل الحماية القانونية رغم قيام البنك بالوفاء تنفيذاً لالتزامه القانوني.

ثانياً: الحالات المقررة قانوناً لإباحة الأمر بعدم الصرف :

نص المشرع في المادة ٥٠٧ /أ من قانون التجارة على حالات الاعتراض الصحيحة في الوفاء بقيمة الشيك، حيث نصت على أنه ” لا يقبل الاعتراض في وفاء قيمة الشيك إلا في حالة ضياعه أو إفلاس حامله أو الحجر عليه”. وقد نظمت المواد من ٥١١-٥١٤ من قانون التجارة الإجراءات الواجب اتباعها في حالة ضياع أو هلاك الشيك وحق كل من الساحب والمستفيد الحصول على قيمته في هذه الحالات، وقد سبق لنا شرح هذه الأحكام تفصيلاً فنحيل عليه. وعليه عدم العقاب في حالات الاعتراض الصحيحة هي أن المشرع راعى أن للساحب مصلحة مشروعة فيجب أن يصون ماله بغير انتظار حكم من القضاء. ولكن المشرع راعى من ناحية أخرى أنه في حالة الاعتراض في غير الحالات المقررة قانوناً، أي بالرغم من الحظر المنصوص عليه في المادة ٥٠٧ /أ ولأسباب أخرى، وقام البنك بالامتناع عن الصرف واحترم أوامر عملائه – لأن البنك قدر أن نص المادة ٥٣٣/١ لا ينطبق لعدم وجود سوء نية – فإن المشرع حرص في هذه الحالة على حقوق المستفيد وأعطى له الحق في اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة بشطب هذا الاعتراض، فقد قرر المشرع في الفقرة الثانية من المادة ٥٠٧ أنه ” إذا حصل الاعتراض على الرغم من هذا الحظر لأسباب أخرى تعين على محكمة الأمور المستعجلة بناء على طلب الحامل أن تقضي بشطب الاعتراض ولو في حالة قيام دعوى أصلية”. بناء على ذلك، إذا قام الحامل، الذي صدر الأمر من الساحب بعدم صرف قيمة الشيك له لأسباب أخرى غير المحرر بالفقرة الأولى من المادة ٥٠٧ ، بالالتجاء إلى قاضي الأمور الوقتية متظلماً من أمر الساحب بعدم صرف قيمة الشيك، تلتزم المحكمة بالقضاء بشطب الاعتراض ولو كان هناك دعوى أصلية قائمة بين الساحب والمستفيد في أحقية صرف قيمة الشيك. ويلتزم البنك في هذه الحالة بصرف قيمة الشيك التزاماً بأمر المحكمة، رغم اعتراض الساحب وإصدار أمره إلى البنك بعدم الصرف.

الحالة الرابعة : تحرير شيك أو توقيع عليه بسوء نية بصورة تحول دون صرفه :

هذه الحالة تتوافر إذا قام الساحب بتحرير الشيك على غير النماذج المطبوعة من البنك المسلمة له، أو قيام الساحب بتوقيع غير مطابق للتوقيع المدرج في البنك، كان تعمد التوقيع بصورة غير مقروءة أو بصورة فورمة مختلفة عن الفورمة الموضوعة لدى البنك، أو تعمد الساحب تضمين الشيك بعض الأخطاء أو الشطب أو الحشر قاصداً أو متعمداً من ذلك عدم صرفه. فهذه الحالات تجعل الرصيد غير قابل للصرف بفعل الساحب على الرغم من وجود مقابل وفاء يغطي قيمة الشيك وفي ظل المادة ٣٣٧ عقوبات التي تم إلغاؤها كان الرأي منقسماً بين عدم مسألة الساحب جنائياً(12)، وبين اعتبار الجريمة قائمة أيضاً في هذه الحالات لأن الساحب هو الذي حال بفعله وجعل الرصيد غير قابل للسحب وبذلك يتحقق الركن المادي(13) وقد جاء قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ م ونص على تجريم هذه الحالة صراحة وذلك في الفقرة )د( من المادة ) ٥٣٤/1)

الركن المعنوي : القصد الجنائي :

طبيعة القصد الجنائي في الشيك :

صورة الركن المعنوي في جريمة اعطاء شيك بدون رصيد هي القصد الجنائي، وقد عبر المشرع عن هذا لركن في قانون التجارة ، حيث يشترط على الساحب لتطبيق أحكام المادة ٥٣٤/١ حيث نصت على أن ” يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب عمداً أحد الأفعال الآتية:….”.

ويكفي توافر القصد العام لقيام جريمة إصدار شيك بدون رصيد حيث يكفي توافر عنصري الإرادة والعلم، فيجب أن تتجه إرادة الجاني إلى الفعل الذي يتكون منه الركن المادي للجريمة، وأن تكون هذه الإرادة معتبرة قانوناً أي مميزة ومدركة ومختارة، كذلك يجب أن يكون الجاني عالماً بعناصر الجريمة. وعلى ذلك فإن القصد الجنائي في جريمة إصدار شيك بدون رصيد يتوافر بمجرد علم مصدر الشيك بعدم وجود مقابل وفاء له في تاريخ إصداره، أو بعدم كفاية المقابل، أو بعدم قابليته للسحب، وينتفي القصد إذا كان الساحب يعتقد خطأ وقت إصدار الشيك بوجود الرصيد وكفايته وقابليته للسحب. كما يتوافر القصد الجنائي إذا سحب المتهم الرصيد بعد إعطاء الشيك وهو يعلم بأنه يترتب على ذلك عدم وجود مقابل للوفاء بالشيك أو عدم كفاية ما تبقى من الرصيد بعد السحب للوفاء بقيمته، كذلك يتوافر القصد في حالة أمر الساحب للمسحوب عليه بعدم دفع قيمة الشيك بعد اعطائه في غير حالات الاعتراض الصحيحة المنصوص عليها في المادة ٥٠٧ /أ من قانون التجارة ، فإذا كان الساحب يعتقد وقت إصدار الأمر بتوافر حالة من حالات الاعتراض الصحيحة كضياع الشيك او تفليس حامله او الحجر عليه انتفى لديه القصد الجنائي إذا كان اعتقاده مبنياً على أسباب معقولة. فإذا توافر القصد الجنائي بهذا الشكل فلا عبرة بعد ذلك بالأسباب أو البواعث التي دفعت إلى إصدار الشيك بدون رصيد وفي ذلك قضت محكمة النقض بأنه لا عبرة بالأسباب الدافعة لإصدار الشيك لأنها من قبيل البواعث التي لا تأثير لها في قيام المسئولية الجنائية وإن كان يعتد بها عند المطالبة بقيمة الشيك. ولا يشترط لقيام جريمة إصدار شيك بدون رصيد توافر قصد جنائي خاص وهو نية الإضرار بالمستفيد بحرمانه من قيمة الشيك أو نية الإثراء على حسابه، بل يكفي توافر القصد الجنائي العام بالتحديد السابق ذكره.

إثبات القصد الجنائي :

يفترض توافر القصد الجنائي لدى الساحب، ولا يعفيه من المسئولية إلا أن يثبت انتفاء العلم لديه وقت إعطاء الشيك بعدم وجود رصيد وله في ذلك كافة طرق الإثبات. وفي حالة سحب الرصيد بعد اعطاء الشيك فإن القصد الجنائي لا يتوافر إذا كان المتهم يعتقد وقت سحبه الرصيد أن الشيك الذي أصدره قد وفى أوانه اعتقد أن الباقي بعد السحب يكفي للوفاء بقيمته. وأما الأمر بعدم الدفع بعد اعطاء الشيك فإن إصدار هذا الأمر للبنك المسحوب عليه ينطوي في حد ذاته على توافر القصد الجنائي أياً كانت الأسباب أو البواعث التي دفعته إلى إصدار هذا الأمر طالما أنها خارجة عن الحالات المقررة قانوناً في المادة ٥٠٧ /أ وهي حالات الأغراض الصحيحة. أما عن حالة تحرير الشيك أو توقيعه على نحو يحول دون صرفه فإن الساحب عليه أن يثبت أنه لم يكن سيء النية وأنه لم يتعمد ذلك.

العقوبات التكميلية لجريمة إصدار شيك بدون رصيد :

نص المشرع في المادة ٥٣٤/١ من قانون التجارة المصري الجديد على أن “يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب عمداً أحد الأفعال الآتية : ….”.وأضاف في الفقرة الثالثة من ذات المادة أنه ” إذا عاد الجاني إلى ارتكاب إحدى هذه الجرائم خلال خمس سنوات من تاريخ الحكم عليه نهائياً في أي منها تكون العقوبة الحبس والغرام التي لا تجاوز مائة ألف جنيه”، فالمشرع شدد العقوبة في حالة العدد وجعل الحبس إجبارياً للقاضي وليس اختيارياً كما ضاعف من الحد الأقصى للغرامة إلى مائة ألف جنيه. وللمجني عليه أو وكيله الخاص في الجرائم ، وهي جريمة إصدار شيك بدون رصيد، أن يطلب من النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال وفي أية حال كانت عليها الدعوى إثبات صلحه مع المتهم. ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الادعاء المباشر. وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا تم الصلح أثناء تنفيذها ولو بعد صيرورة الحكم باتاً )المادة ٥٣٤/٤ تجاري).

________________________

1- د/ سميحة القليوبي، الأوراق التجارية، الطبعة الثالثة ١٩٩٩ دار النهضة العربية ، ص ٣٧٧ .

2- د/ حسنين إبراهيم عبيد – الوجيز في قانون العقوبات – القسم الخاص مطبعة ١٩٩٤ م، دار النهضة العربية ص ٤٣٣.

3- نقض ٢٢ نوفمبر سنة ١٩٦٠ مجموعة أحكام النقض، س ١١ ، رقم ١٥٥ ص ٨١.

4- د/ فوزية عبد الستار – شرح قانون العقوبات – القسم الخاص جرائم الأموال- دار النهضة العربية طبعة ١٩٧٩ ص ٢٤٢.

5- د/ سميحة القليوبي، المرجع السابق، ص ٣٧٧ .

6- نقض ٥ فبراير سنة ١٩٦٣ مجموعة أحكام محكمة النقض س ١٤ رقم ٢٢ ص .١٠٣.

7- راجع المادة ٤٩٩ من قانون التجارة حيث تعطي للمستفيد الحق في قبض مقابل الوفاء الناقص.

8- راجع المادة ٥٢٧ من قانون التجارة.

9- نقض ١٩ ديسمبر سنة ١٩٦٤ م مجموعة أحكام محكمة النقض س ١١ رقم ١٧٧ ص ٩٠٩ .

10- راجع المادة ٥٢٧ من قانون التجارة.

11- نقض ٨ أبريل سنة ١٩٥٢ مجموعة أحكام محكمة النقض س ٣ رقم ٢٩٦ ص ٧٩٢.

12- نقض جلسة ٢٢/11/1966ممجموعة أحكام النقض س ١٧ رقم ٢١٣ ص ١١٣٢ ، ونقض جلسة 25/4/1976م١٩٧٦ م س ٢٧ رقم 100ص461.

13- فوزية عبد الستار، المرجع السابق، ص ٢50.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .