حجية أحكام المحكمة الإدارية العليا المصرية

مقال حول: حجية أحكام المحكمة الإدارية العليا المصرية

حجية أحكام المحكمة العليا

بسم الله الرحمن الرحيم

باسم الشعب

مجلس الدولة

المحكمة الإدارية العليا

بالجلسة المنعقدة علناً برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور احمد ثابت عويضة رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد محمد عبد المجيد وعبد الفتاح السيد بسيونى ومحمد عبد الرازق خليل وحسن حسنين على المستشارين

* إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 16 من مايو سنة 1981 أودع الأستاذ عبد الحليم حسن رمضان المحامي بصفته – وكيلا عن الطاعنين – بقلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري “دائرة منازعات الأفراد والهيئات” بجلسة 17 من مارس 1981 في الدعوى رقم 102 لسنة 32 ق والقاضي بقبول الدعوى شكلا وبرفضها موضوعا وإلزام المدعين المصروفات.

وطلبت الطاعنتان الحكم بقبول الطعن شكلا وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبطلانه واعتباره كأن لم يكن وبقبول طلبات الطاعنتين المطلوبة بصحيفة الدعوى مع إلزام المطعون ضدهم متضامنتين بالمصاريف والأتعاب.

وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن انتهت فيه إلى قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وإلزام الطاعنتين بالمصاريف.

وقد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بجلسة 1/11/1982 ، وبجلسة 20/12/1982 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) لنظره بجلسة 5/2/1983.

وقد تداول الطعن بجلسات المحكمة الإدارية العليا على الوجه الثابت بالمحاضر وحجز الطعن للحكم بجلسة اليوم مع التصريح بمذكرات لمن يشاء خلال ثلاثة أسابيع وخلال هذا الميعاد تقدمت الطاعنتان بمذكرة دفعتا فيها بعدم دستورية القانونين رقمي 15 لسنة 1967 ، 5 لسنة 1970 ، وطلبتا إحالة ملف الطعن إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في هذا الدفع. وبجلسة اليوم صدر الحكم التالي ، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

* المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.

ومن حيث أن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.

ومن حيث أن عناصر المنازعة تخلص – حسبما يبين من الأوراق – في أن المرحوم شكري أحمد مصطفى كان قد أقام الدعوى رقم 102 لسنة 32 ق بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 22/10/1977 طلب فيها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 318 لسنة 1977 بإحالة قضية خطف وقتل الدكتور محمد حسين الذهبي وما ارتبط بها من جرائم أخرى وكذلك جرائم أعضاء جماعة التكفير والهجرة وما ارتكبه أفرادها من جرائم أخرى إلى القضاء العسكري. وقال المدعى في بيان دعواه أنه أودع سجن القلعة حبسا احتياطيا على ذمة القضية رقم 6 لسنة 1977 عسكرية أمن دولة عليا لاتهامه في حادث خطف وقتل المرحوم الدكتور محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف الأسبق ، ثم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 318 لسنة 1977 بإحالة القضية إلى القضاء العسكري. ونعى المدعى على هذا القرار أنه يميز هذه القضية عن غيرها من قضايا القتل وقلب النظم الاجتماعية والاقتصادية التي أحيلت إلى محاكم أمن الدولة وفي ذلك إخلال جسيم بمبدأ المساواة بين المواطنين المنصوص عليها في المادة 40 من الدستور ، كما أن في ذلك الحيلولة بين المدعى وأعضاء جماعته من المدنيين وبين قاضيهم الطبيعي ، فضلا عن أن مصدر القرار الطعين قد تعدى حدود ولايته الدستورية والقانونية إلى اختصاص قضائي غير مقرر له لأن إحالة القضايا تخرج عن نطاق اختصاصه في إنشاء وتنظيم المرافق والمصالح العامة. وأن اختصاص رئيس الجمهورية في إحالة الجرائم إلى القضاء العسكري بمقتضى أحكام المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية لا يخوله حق إحالة قضية بعينها أو متهمين بذواتهم إلى هذا القضاء على فرض شرعية أحكام هذه المادة المعدلة بالقرار بقانون رقم 5 لسنة 1970 الصادر في 29/1/1970 والذي سقط لعدم عرضه على المجلس التشريعي.

كذلك فقد سلب مصدر القرار اختصاص نيابة أمن الدولة والنيابة العامة التي تولت تحقيق القضية منذ البداية وما كانت تجوز الإحالة إلا من البداية قبل شروع النيابة العامة في التحقيق.

وبجلسة 27/11/1977 حكمت المحكمة في الشق المستعجل من الدعوى برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المدعى بالمصروفات.

وأقامت قضاءها على أساس أن الفقرة الثانية من المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية التي صدر القرار المطعون فيه استنادا إليها تجيز لرئيس الجمهورية في حالة إعلان الطوارئ أن يحيل إلى القضاء العسكري أيا من الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات أو أي قانون آخر.

وقد ورد النص في شأن الجرائم التي ترد عليها الإحالة عاما ومطلقا ومن ثم فإن القرار بهذه الإحالة يجوز أن ينصب عل جريمة معينة عقب وقوعها فعلا وتحديد المتهم أو المتهمين بارتكابها ، كما يجوز أن يصدر القرار متضمنا نوعا أو أنواعا معينة من الجرائم كلما ارتكبت واحدة منها تولت النيابة العسكرية التحقيق فيها تمهيدا لإحالة المتهم إلى المحكمة العسكرية. واتباع هذا الأسلوب أو ذاك من المسائل التي تدخل في تقدير رئيس الجمهورية للاعتبارات التي يسرى من أجلها اختصاص القضاء العسكري بمحاكمة المتهم بارتكاب الجريمة ويكون قراره الصار في هذا الشأن سليما ولا مطعن عليه مادام قد خلا من إساءة استعمال السلطة. وأضافت المحكمة أنه لا يبدو من ظاهر الأوراق أن ثمة دليل يصم القرار المطعون فيه بعيب إساءة استعمال السلطة. وبالنسبة لما أثاره المدعى بشأن عدم دستورية نص المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية المعدلة بالقانون رقم 5 لسنة 1970 بمقولة سقوط هذا القرار بقانون لعدم عرضه على المجلس التشريعي منذ يوم صدوره ، أو لما يترتب عليه من الحيلولة بين المتهمين وبين قاضيهم الطبيعي عضو السلطة القضائية المعرفة في الفصل السابع من الدستور. قالت المحكمة أن المحكمة العليا فصلت في ذلك في حكميها الصادرين في الدعويين رقمي 12 لسنة 5 ، 1 لسنة 7 دستورية إذ قضت بأن نص المادة السادسة من القانون المشار إليه صادر بناء على تفويض في نطاق الموضوعات الواردة في القانون رقم 15 لسنة 1967. وهذا القانون صدر في ظل العمل بدستور سنة 1964 الذي لم يكن يشترط في المادة 120 منه عرض القرارات التفويضية على مجلس الأمة لإقرارها. كما قضت بأن إحالة رئيس الجمهورية ما يراه من الجرائم التي تقع في فترة قيام حالة الطوارئ إلى المحاكم العسكرية لا ينتقص من الاختصاص المقرر للمحاكم الأخرى بالفصل في الجرائم مادام هذا الاختصاص مخولا للقضاء العسكري بنص له قوة القانون.

وانتهت المحكمة العليا إلى دستورية نص المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 المعدلة بالقانون رقم 5 لسنة 1970.

وخلصت محكمة القضاء الإداري في حكمها المشار إليه إلى أن الظاهر من الأوراق أن القرار المطعون فيه يتسم بالمشروعية ، الأمر الذي يجعل طلب وقف تنفيذه غير قائم على أسباب جدية يرجح معها الحكم بإلغائه.

وإذ كان المدعى قد نفذ فيه الحكم الصادر عليه من المحكمة العسكرية العليا بإعدام شنقا وذلك بتاريخ 19/3/1978 ، فقد قامت أرملتاه السيدة فوقية جبر أحمد العوف والسيدة / استشهاد البنا مصطفى ثابت بتصحيح شكل الدعوى بصحيفة أعلنت إلى المدعى عليهم بتاريخ 3/2/1981 ، وطلبتا الحكم بذات الطلبات المبداة في صحيفة الدعوى.

وبجلسة 17/3/1981 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلا وبرفضها موضوعا وألزمت المدعيتين بالمصروفات. وأقامت قضاءها على ذات الأسباب التي قام عليها الحكم الصادر بجلسة 27/11/1977 برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.

ومن حيث أن تقرير الطعن في الحكم المشار إليه قد قام على الأسباب التالية:

1 – بطلان الحكم المطعون فيه لصدوره باسم المرحوم كري أحمد مصطفي بعد موته ورغم تصحيح شكل الدعوى بتدخل الطاعنتين وحضورهما جلسات الدعوى وذلك طبقا لحكم المادة 178 من قانون المرافعات التي تنص على أن “القصور في أسباب الحكم الواقعية والنقص أو الخطأ الجسيم في أسماء الخصوم وصفاتهم يترتب عليه بطلان الحكم.

2 – لا يجوز الاحتجاج بقضاء رفض الطعون الدستورية على غير المدعين فيها تطبيقا لقاعدة نسبية الأحكام ، ولأن الأحكام الصادرة برفض الطعون بعدم دستورية نص في القانون – خلافا للأحكام الصادرة بقبولها – لا تعتبر حجة على الكافة. كما أن مورث الطاعنتين ، وهما من بعده ، أبديا أسبابا للطعن بعدم دستورية المادة 6 من قانون الأحكام العسكرية لم يسبق عرضها على المحكمة الدستورية في طعون سابقة على الحكمين الصادرين من المحكمة العليا في الدعويين المشار إليها ولا في طعون لاحقة. واختلاف أسباب الطعن بعدم دستورية يبرر عرض الطعن على المحكمة الدستورية للإدلاء برأيها في مدى صحتها والحكم في ضوئها.

3 – سقوط القانون رقم 15 لسنة 1967 والقرار بقانون رقم 5 لسنة 1970 وعدم دستوريتهما. وكذلك عدم الاعتداد بدستور سنة 1964 ، حيث أنه لا يعتد بعد دستور سنة 1956 الدائم إلا بدستور سنة 1971 لأن كل من دستور سنة 1958 ، دستور سنة 1964 صدر ممن لا يملك إلغاء الدستور الدائم. ولما كان كل من دستور سنة 1956 ودستور سنة 1971 قد نصا على حتمية عرض القرارات التي يصدرها رئيس الدولة أثناء غيبة السلطة التشريعية على هذه السلطة في أول اجتماع لها وإلا سقط ما كان لها من قوة القانون. لذلك يكون كل من القرارين بقانونين رقمي 15 لسنة 1967 ، 5 لسنة 1970 غير دستوري.

4 – بافتراض دستورية القرار بقانون رقم 5 لسنة 1970 المشار إليه ، فإنه لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يحيل إلى القضاء العسكري قضايا إلا بقرار تشريعي يصدر بقواعد عامة مجردة تطبق على نوعيات الجرائم التي يرى إحالتها قبل وقوع هذه الجرائم لأن إحالة الجرائم بعد وقوعها وتحديد المتهمين فيها بأشخاصهم يفقد القاعدة القانونية خواصها التشريعية.

5 – تدعى الطاعنتان أن رئيس الجمهورية تعسف في إصدار قراره المطعون فيه لأنه أصدره عن شهوة الانتقام من المتهمين في حادث خطف وقتل المرحوم الشيخ محمد حسين الذهبي ، وقد أفصح عن هذه الشهوة في عديد من تصريحاته المعلنة.

وقد طلبت الطاعنتان في مذكرتهما المقدمة بعد حجز الطعن للحكم وفي خلال الميعاد المحدد لتقديم مذكرات – إحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية القانون رقم 15 لسنة 1967 والقانون رقم لسنة 1970 المشار إليهما. واستندتا في طلبهما إلى أن الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا برفض الدعاوى الدستورية لا تكسب أية حجية قبل الكافة تطبيقا للمادة 101 من قانون الإثبات – ومن ثم لا تكسب هذه الأحكام حجية إذا حصل تغيير في موضوع الدعوى أو سببها حتى ولو اتحد مضمونها. وأردفت المذكرة أن القانون رقم 15 لسنة 1967 الذي صدر استنادا إليه القانون رقم 5 لسنة 1970 بتعديل المادة السادسة من قانون باطل ومخالف لدستور سنة 1964 حيث لم ينص على موضوعات التفويض ولم يحدد مدة نفاذه ، ولم يصدر بمناسبة الظروف الاستثنائية التي كانت تمر بالبلاد إبان العدوان الإسرائيلي عليها وهي حالة الحرب الدفاعية التي لا يجوز أن تتجاوزها موضوعات التفويض. كذلك فإن المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية قد خالفت أحكام وثيقة إعلان حقوق الإنسان العالمي التي أقرتها حكومة مصر والتزمت بها من تاريخ التوقيع عليها في 4/8/1967 كما تخالف أيضا أصلا دستوريا قررته المادة 40 بان المواطنين لدى القانون سواء.

ومن حيث أنه على الوجه الأول من أوجه الطعن الخاص ببطلان الحكم المطعون فيه لصدوره باسم المرحوم شكري أحمد مصطفى بعد موته ورغم تصحيح شكل الدعوى بتدخل الطاعنتين – فإن المادة 178 من قانون المرافعات تنص على انه “يجب أن يبين في الحكم المحكمة التي أصدرته وتاريخ إصداره ومكانه……….وأسماء الخصوم وألقابهم وصفاتهم وموطن كل منهم وحضورهم وغيابهم……….والقصور في أسباب الحكم الواقعية والنقص أو الخطأ الجسيم وصفاتهم ، وكذا عدم بيان أسماء القضاة الذين أصدروا الحكم يترتب عليه بطلان الحكم”.

ومن حيث أن البادي بجلاء من نص الفقرة الثانية من المادة 178 المشار إليها أن الخطأ في أسٍماء الخصوم وصفاتهم الذي يترتب عليه بطلان الحكم هو – كما نصت هذه الفقرة – الخطأ الجسيم ، أي الذي يترتب عليه تجهيل البيان ، فلا يعلم من الحكم اسم المدعى عليه ، أو تذكر فيه الأسماء وتجهل الصفات فلا يمكن تحديد من الخصم المدعى ومن المدعى عليه ، والقاعدة التي استقر عليها الفقه والقضاء في هذا الخصوص أن الحكم يكمل بعضه بعضا فإن ورد اسم أحد الخصوم أو صفته خطأ في موضوع من مواضع الحكم ، ولكنه ورد صحيحا في مواضع أخرى ، فإن ذلك يعتبر من قبيل الخطأ المادي غير المؤدي إلى الجهالة ، ولأنه يمكن أن يستدل على صحيح الاسم أو الصفة من ذات الحكم . وقد سبق أن قضت محكمة النقض بأنه متي كان النقص أو الخطأ في أسماء الخصوم وصفاتهم ليس من شأنه التشكيك في حقيقة الخصم واتصاله بالدعوى فإنه لا يعتبر نقصا أو خطأ جسيما يترتب عليه بطلان الحكم. “نقض 10/6/1954 ، 20/6/1957 1 لسنة 5 ، 8″.

ومن حيث أن الثابت من النسخة الأصلية للحكم المطعون فيه – ومسودته – أنه ولئن كان قد ورد بديباجة الحكم أن الدعوى مقامة من شكر أحمد مصطفى ، الذي كان قد تم إعدامه في الفترة من تاريخ صدور الحكم في الشق المستعجل من الدعوى برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه حتى تاريخ نظر الشق الموضوع في الدعوى – إلا أن الحكم المطعون فيه قد استعرض في بيان إجراءات الدعوى وكذا في أسبابه أن المدعى – المذكور توفى إلى رحمة الله بتنفيذ الحكم الصادر عليه بالإعدام شنقا بتاريخ 19/3/1978 وأن أرملتيه السيدتين/ فوقية جبر أحمد العوف ، واستشهاد البنا مصطفى ثابت قامتا بتصحيح شكل الدعوى بصحيفة معلنة للمدعى عليهم بتاريخ 3/2/1981. وأنهما طلبتا الحكم بذات الطلبات الواردة بعريضة الدعوى. ورتبت المحكمة على ذلك أن الدعوى استأنفت سيرها طبقا لحكم المادة 133 مرافعات ، ومن ثم قضت بقبولها شكلا ، وبرفضها موضوعا وبإلزام المدعيتين بالمصروفات.

ومفاد ذلك أنه ليس ثمة أدنى شك من الاطلاع على الحكم المطعون فيه من أن المدعيتين هما أرملتا المرحوم شكري أحمد مصطفى – المذكورتان – وأن صفتيهما كمدعيتين قد توافرت لهما بعد أن قامتا بتصحيح شكل الدعوى بتوجيه الخصومة باسميهما إلى المدعى عليهم عقب وفاة مورثيهما – المدعى الأصلي – وأنه لا خطأ في اسميهما الواردين في الحكم ، كما وأن المنطوق قد قضى بإلزام المدعيتين بالمصروفات. وبناء عليه فليس ثمة خطأ جسيم من شأنه تجهيل أسماء الخصوم أو صفاتهم – مما تعنيه الفقرة – الثانية من المادة 178 مرافعات – قد شاب الحكم المطعون فيه ، كي يصح الدفع ببطلانه.

ومن حيث أنه على الوجه الثاني من الطعن وحاصله انه لا يجوز الاحتجاج بقضاء رفض الطعون الدستورية على غير المدعين فيها تطبيقا لقاعدة نسبية الأحكام ، لأن الأحكام الصادرة برفض الطعون بعدم دستورية نص في القانون – خلافا للأحكام الصادرة بقبولها – لا تعتبر حجة على الكافة – فإن هذا لوجه من الطعن مردود عليه بأن المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادرة بالقانون رقم 48 لسنة 1979 إذ نصت على أن “أحكام المحكمة في الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة”. فقد أوردت حكما مطلقا يسرى على جميع الأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية سواء بالقبول أو بالرفض ، ومرد ذلك في حقيقة الأمر إلى أن الدعاوى الدستورية هي بطبيعتها دعاوى عينية ينصب النزاع فيها على مدى دستورية نص قانوني معين ، ويصدر الحكم فيها إما بعدم دستورية هذا النص فيترتب على ذلك – حسبما تنص الفقرة الثالثة من المادة 49 المشار إليها – عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم في الجريدة الرسمية ، أو برفض الدعوى بما يعني دستورية النص. وفي كلتا الحالتين فاحكم حجة على الكافة ، ولا تجوز إعادة المنازعة في شأن دستورية ذلك النص أيا ما كان أطراف المنازعة لأن هؤلاء الأطراف ليسوا محل اعتبار في الدعوى الدستورية. كذلك فقد كانت المادة 31 من قانون الإجراءات والرسوم أمام المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1970 تنص على أن “ينشر في الجريدة الرسمية منطوق الأحكام الصادرة من المحكمة العليا بالفصل في دستورية القوانين ، وتكون هذه الأحكام ملزمة لجميع جهات القضاء”.

وقد أكدت هذا المبدأ المحكمة الدستورية العليا بحكمها الصادر في القضية من عدم عرض القرار بقانون رقم 5 لسنة 1970 المعدل لحكم المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية على السلطة التشريعية في أول اجتماع لها ، فقد سبق أن أوضح الحكم المطعون فيه أن هذا السبب من أسباب الطعن بعدم دستورية القانون عرض على المحكمة العليا في الدعويين رقمي 12 لسنة 5 ق دستورية ، 1 لسنة 7 ق دستورية وأن هذه المحكمة قضت بأن الاحتجاج بعد عرض القرار بقانون رقم 5 لسنة 1970 على مجلس الشعب للنظر في إقراره بما يستتبع سقوطه تلقائيا وزوال ما كان له من قوة القانون طبقا لما تقضي به المادة 108 من دستور سنة 1971 – هذا الاحتجاج مردود بأن القرار بقانون رقم 5 لسنة 1970 صدر بناء على قانون التفويض رقم 15 لسنة 1967 في ظل دستور سنة 1964 الذي لم يكن يشترط في المادة 120 منه عرض القرارات التفويضية على مجلس الأمة للنظر في إقرارها ومن ثم لا يسرى الحكم المستحدث بنص المادة 108 من دستور سنة 1971.

ومن حيث أنه عن السبب الذي أسست عليه الطاعنتان دفعهما بعدم دستورية القانون رقم 15 لسنة 1967 ، وحاصله أن هذا القانون لم ينص على موضوعات التفويض ولم يحدد مدة نفاذه ولم يصدر بمناسبة الظروف الاستثنائية التي كانت تمر بالبلاد وهي حالة الحرب التي لا يجوز أن تتجاوزها موضوعات التفويض – فإن هذا السبب ليس جديدا وقد سبق عرضه على المحكمة العليا ومناقشته في الدعاوى الدستورية أرقام 9 لسنة 4 ق ، 12 لسنة 4 ق ، 13 لسنة 4 ق ، 8 لسنة 5 ق حيث قضت المحكمة بأن “القانون رقم 15 لسنة 1967 قد صدر بناء على اقتراح تقدم به بعض أعضاء مجلس الأمة في 29 من مايو سنة 1967 وقد بنى هذا الاقتراح على أن الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد تقتضي تفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون كي يمارس هذه السلطة بالسرعة والحسم حماية لأمن الدولة وسلامتها ……

وقد صدر هذا القانون في ظروف تبرره وكانت مواجهتها بسرعة وحسم تقتضي توسيع اختصاصات رئيس الجمهورية على وجه يخوله إصدار التشريعات اللازمة لمواجهة تلك الظروف ودفع أخطارها”. وأردفت المحكمة العليا بأن “عدم تحديد القانون رقم 15 لسنة 1967 للمدة التي تجرى فيها التفويض بوحدة أو أكثر من وحدات قياس الزمن لا يعنى خلوه من أي تحديد لتلك المدة – ذلك أنه قد تضمن ضابطا يمكن على أساسه تحديدها وهو قيام الظروف الاستثنائية التي حدت بمجلس الأمة إلى تفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون في الموضوعات التي فوض فيها. وقد كشفت الأعمال التحضيرية لهذا القانون عن علة تحديد مدة التفويض على هذا الوجه …. ذلك أن تحديد وقت معين أو مدة محددة لمباشرة هذه الصلاحيات أمر صعب غاية الصعوبة بل يكاد يكون مستحيلا لأن المعركة متحركة مترجحة تتغير بين يوم وآخر ………… فليس ممكنا تحديدها بوقت معين ويكفي أن تحدد بأنها الظروف الاستثنائية القائمة ، وربط التفويض بتلك الظروف بحيث يدور معها وجودا وعدما ينطوي على تحديد لمدة التفويض بما تنتفي معه مخالفة الدستور في هذا الصدد”. وأضافت المحكمة بأنه “بالنسبة إلى موضوعات التي يجرى فيها التفويض فإن المادة الأولى من القانون رقم 15 لسنة 1967 قد حددت موضوعات معينة هي تلك التي تتعلق بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة كل إمكانياتها البشرية والمادية ودعم المجهود الحربي والاقتصاد الوطني” وأنه ولئن كان هذا التحديد يتسم بالسعة فإن ذلك تبرره جسامة الأخطار التي تعرضت لها البلاد وما تتطلبه مواجهتها من تخويل رئيس الجمهورية سلطة تقديرية واسعة تمكنه من التصرف بسرعة وحسم لمواجهة تلك الأخطار. وليس من شأنها أن تعيب القانون فيما انطوى عليه من تفويض في تلك الموضوعات بعيب مخالفة الدستور ، وخاصة أنه تضمن معيارا عاما يمكن على أساسه رسم حدود التفويض التي يتعين التزامها في ممارسة رئيس الجمهورية ما فوض فيه من اختصاص استثنائي وهو أن يكون ما يصدره من قرارات في الموضوعات التي فوض فيها ضروريا لمواجهة الظروف الاستثنائية التي تعرضت لها البلاد.

ومن حيث أنه متي استبان مما تقدم أن كافة الأسباب التي تستند إليها الطاعنتين في الدفع بعدم دستورية كل من القانون رقم 15 لسنة 1967 ، والقانون رقم 5 لسنة 1970 المعدل لنص المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية ، قد سبق للمحكمة العليا بحثها ومناقشتها والقضاء برفض الدعاوى المقامة بعدم دستورية هذين القانونين.

لذا يضحي الوجه الثاني والثالث من الطعن الماثل غير قائمين على أسس صحيحة من الواقع أو القانون.

كذلك يكون الدفع بعدم دستورية هذين القانونين وطلب إحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا – الذي أبدته الطاعنتان في مذكرتهما الأخيرة – غير جدي حقيقا بالالتفات عنه.

ومن حيث أنه على الوجه الرابع من أوجه الطعن ، فإن المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 – معدلة بالقانون رقم 5 لسنة 1970 تنص على أن “تسرى أحكام هذا القانون على الجرائم المنصوص عليها في البابين الأول والثاني من الكتاب الأول من قانون العقوبات ، وما يرتبط بها من جرائم والتي تحال إلى القضاء العسكري بقرار من رئيس الجمهورية.

ولرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يحيل إلى القضاء العسكري أيا من الجرائم التي يعاقب قانون العقوبات أو أي قانون آخر”.

وكما قضى به الحكم المطعون فيه – بحق – فإن عبارة “أيا من الجرائم التي يعاقب عليها القانون أو أي قانون آخر” من العموم والإطلاق بحيث تتسع لأية جريمة يرى رئيس الجمهورية – في حالة الطوارئ – لظروف واعتبارات يقدرها إحالتها إلى القضاء العسكري. وسواء انصبت الإحالة على أنواع معينة من الجرائم يحددها قرار الإحالة تحديدا مجردا ، أو انصب على جرائم وقعت فعلا ورؤى أن تتم المحاكمة عنها أمام القضاء العسكري ، فإن لرئيس الجمهورية طالما كانت حالة الطوارئ معلنة – أن يحيل أيا من الجرائم إلى القضاء العسكري دون ما معقب عليه في ذلك مادام أن قراره بالإحالة قد خلا من إساءة استعمال السلطة.

ومن حيث أنه ولئن ادعت الطاعنتان أن رئيس الجمهورية قد تعسف في استعمال سلطته عندما أصدر القرار المطعون فيه ، لأنه أصدره عن شهوة الانتقام من المتهمين – إلا أنه لا صحة لهذا الإدعاء ذلك أن قرار الإحالة المطعون فيه في الظروف التي صدر فيها لا يمثل تعسفا من جانب مصدر القرار.

ومن حيث أنه لما تقدم جميعه يبين أن الحكم المطعون فيه لا شائبة عليه ، وأنه إذ قضى برفض الدعوى فقد أصاب وجه الحق والقانون.

ومن ثم يتعين الحكم برفض الطعن الماثل ، وإلزام الطاعنتين المصاريف عملا بحكم المادة 184 مرافعات.

* فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وألزمت الطاعنتين مصروفات الطعن.

شارك المقالة

1 تعليق

  1. محمد الزينى

    27 مايو، 2019 at 6:31 م

    صدر حكم لعائلتى بريع وتعويض عن نزع ملكيه للمنفعه العامه هذا الحكم بنى قضائه على حكم نهائى وبات من محكمة القضاء الادارى و2 حكم نهائى وبات من محكمة الاستئناف فى هذه الدعوى عائلتى لم تكتب اسمى فى الدعوى رغم ان اسمى فى اعلام الوراثه قمت برفع الدعوى لصرف مستحقاتى من الريع والتعويض بذات الطلبات والخصوم وتم الاشاره الى حكم عائلتى=======السؤال هل من حق الخصوم اثارة ادله جديده اوقانون لم يشار اليه فى دعوى عائلتى السابقه وهل ممكن استفيد من حكم الماده 101 اثبات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.