هل يمنعك النظام من توسيع حصتك السوقية ؟

أشرت في مقال سابق إلى كون الاقتصادات المتقدمة تهدف بشكل أساسي إلى تسهيل أسواقها للمستثمرين وتحفيز الصناعات ودعم نمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتعزيز المنافسة ومكافحة الممارسات الاحتكارية التي أضحت شبحاً يهدد تطور الأسواق الناشئة وشباكاً عنكبوتية خانقة تهدد نمو الأسواق وتجعلها دائرة مغلقة تحبس في داخلها السلعة والسعر ليدورا في عجلة ضيقة كعجلة الفئران المحتبسة في أقفاص التجارب فتضعف حيوية قطاع الأعمال وتقلص فرص انفتاحه على الأسواق العالمية وتقلل رغبة القطاع الصناعي بالابتكار والتجديد وتفوت على الاقتصاد الكثير من الموارد والمداخيل، وتعمق مشكلة البطالة وتجذر الصعوبات التي تواجهها المنشآت الصغيرة والمتوسطة في منافسة المنشآت الكبيرة وتعرقل دخول رؤوس الأموال والاستثمارات إلى السوق، وتخلق بيئة طاردة لرؤوس الأموال.

ما يهمني هنا هو إيضاح ما يلتبس في أذهان الكثيرين حول تنامي الحصص السوقية للمنشآت، فهل هذا التنامي حقٌ مشروع في نظر القانون؟ أم أنه مخالفة نظامية بحد ذاتها تستوجب تدخل الجهات الرقابية لإيقافه عند نسب معينة؟
من المهم أولاً التعريف بهذا النوع من النمو الحصصي للمنشآت، وعن النظام المختص به، والجهة الرقابية المعنية بتطبيق وإنفاذ النظام.

أما من ناحية المفهوم فإن سيطرة المنشأة على نسبة عالية من السوق يسمى (الهيمنة) وقد تناوله نظام المنافسة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/25 وتاريخ 4/5/1425هـ والمعدل في العام 1435هـ، ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار مجلس المنافسة رقم (126) وتاريخ 4/9/1435هـ، وقد بينت المادة الثانية من نظام المنافسة مفهوم الهيمنة بأنه “وضع تكون من خلاله المنشأة أو مجموعة منشآت قادرة على التأثير في السعر السائد في السوق من خلال التحكم في نسبة معينة من العرض الكلي لسلعة أو خدمة معينة في الصناعة التي تمارس نشاطها فيها وتحدد اللائحة هذه النسبة طبقاً لمعايير تشمل تركيبة السوق ومدى سهولة دخول منشآت أخرى للسوق، وأي معايير أخرى يقررها المجلس”، كما نصت المادة الثامنة من اللائحة التنفيذية لنظام المنافسة على أن “الوضع المهيمن أو الهيمنة يتحقق عند بلوغ نسبة حصة المنشأة أو مجموعة منشآت في السوق (٤٠%) على الأقل من القيمة الإجمالية لمبيعات السلعة أو الخدمة طوال فترة (١٢) شهراً، أو تكون من خلاله المنشأة أو مجموعة منشآت قادرة على التأثير في السعر السائد في السوق”.

ويهدف نظام المنافسة ولائحته التنفيذية إلى حماية المنافسة العادلة وتشجيعها ومكافحة الممارسات الاحتكارية التي تؤثر على المنافسة المشروعة وتسري أحكامه على جميع المنشآت العاملة في الأسواق السعودية وعلى أي أنشطة خارج المملكة إذا ترتبت عليها آثار مخلة بالمنافسة المشروعة داخل المملكة ما عدا المؤسسات العامة والشركات المملوكة بالكامل للدولة، وتختص الهيئة العامة للمنافسة بتطبيق هذا النظام وتلقي الشكاوى وإطلاق المبادرات للتحقق من مدى وجود مخالفة أيٍ من المنشآت –سواءً المهيمنة أو غيرها- لأحكام النظام.

إن هيمنة المنشأة على ما نسبته 40% أو أكثر من السوق لا يعد بحد ذاته مخالفة لمجرد الهيمنة، بل لا يعدو الاعتداد به أكثر من كونه معياراً فيما إذا أساءت المنشأة أو مجموعة منشآت استغلال هذا الوضع المهيمن بارتكاب أيٍ من مخالفات المادة الخامسة من نظام المنافسة، ومن المحفز للمنشآت العاملة في الأسواق تعظيم أرباحها وتوسيع نطاق حصتها السوقية لتصل إلى ما هو أكثر من الأربعين بالمئة، وهو حقٌ مشروع بلا شك، إلا أن النظام شدد في منع الممارسات المخلة بالمنافسة في حال تحقيق المنشأة لهذا المعيار، ففيما لو ارتكبت منشأة صغيرة لا تتجاوز حصتها السوقية 5% مثلاً واحدةٌ من ممارسات المادة الخامسة من نظام المنافسة –والتي تعرف بـ(ممارسات إساءة استغلال الوضع المهيمن)- فإن النظام لا يعاقب على ذلك النوع من الممارسات لأن مرتكبها لم يحقق معيار الهيمنة، إذ إن الطرف المتضرر من هذه الممارسات يستطيع اللجوء لخيارات أخرى متعددة مع احتفاظه بحقه في اللجوء للقضاء المختص في حالات الخلافات التعاقدية، أما إن صدرت تلك الممارسات من المنشأة المهيمنة (المسيطرة)، كقيام المصنع المهيمن على 40% من السوق المعني بفرض اشتراطات تمنع من حرية التنافس على عمليات إعادة البيع على بائع التجزئة؛ فإن تلك الممارسة ستحد ولا بد من خيارات الطرف المتضرر (بائع التجزئة) نظراً لقلة الخيارات ومحدوديتها في ظل سيطرة المصنع في هذا المثال على حصة عالية تبلغ 40% أو أكثر من السوق.
إذاً: فإن الهيمنة بحد ذاتها لا تعد مخالفة لأحكام نظام المنافسة ما لم تسئ المنشأة استغلال هذا الوضع المهيمن بطريق مباشر أو غير مباشر.

علاوةً على ذلك؛ يحظر نظام المنافسة جميع صور الاتفاقيات أو العقود بين المنشآت المتنافسة أو التي من المحتمل أن تكون متنافسة سواء كانت مكتوبة أو شفهية وصريحة كانت أم ضمنية إذا كان الهدف منها أو الأثر المترتب عليها تقييد التجارة أو الإخلال بالمنافسة بين المنشآت كالحد من حرية تدفق السلع والخدمات إلى الأسواق أو إخراجها منها بصفة كلية أو جزئية من خلال إخفائها أو تخزينها دون وجه حق أو الامتناع عن التعامل فيها، وكافتعال وفره مفاجئة في السلع والخدمات بحيث يؤدي تداولها إلى سعر غير حقيقي يؤثر في باقي المتعاملين في السوق، وكذلك منع أي منشأة من استخدام حقها في دخول السوق أو الخروج منه أو عرقلة ذلك في أي وقت، أو حجب السلع والخدمات المتاحة في السوق بصفة كلية أو جزئية عن منشأة أو منشآت معينة.

أما فيما يخص المنشآت المهيمنة على ما نسبته 40% فأكثر من السوق أو ذات مركز تنافسي قوي يمكّنها من التأثير على السعر السائد في السوق؛ فقد حظر النظام على المنشأة التي تتمتع بتلك الأوصاف إساءة استغلال وضعها المهيمن بأي شكل من الأشكال كبيع السلعة أو الخدمة بسعر أقل من التكلفة بهدف إخراج منافسين من السوق، أو فرض قيود على توريد السلعة أو الخدمة بهدف إيجاد نقص مصطنع في توافر المنتج لزيادة الأسعار، أو رفض المنشأة التعامل مع منشأة أخرى دون مسوغ بغرض الحد من دخولها السوق، أو غير ذلك.

إن نشر الثقافة القانونية وبث الوعي في مجتمع الأعمال –خاصة- مسؤولية نبيلة يتعين أن تتظافر لتحقيقها جميع الأجهزة والمؤسسات الرسمية وعلى رأسها الهيئة العامة للمنافسة بما أولاه تنظيمها من عناية في نشر الوعي بثقافة المنافسة؛ تعزيزاً للمنافسة العادلة في الأسواق وتشجيعاً للتنافس الفعال الذي تنعكس آثاره الإيجابية في المدى البعيد على المستهلك والابتكار الصناعي والجودة السلعية، ليس ذلك فحسب بل من المنتظر من مؤسسات المجتمع والمتخصصين والكتاب الإسهام في نشر الوعي القانوني في مختلف القطاعات وبين رجال الأعمال وأفراد المجتمع لتصحيح المفاهيم الواردة في مضامين الأنظمة والقوانين سيما تلك التي تمارَس الأنشطة التجارية على ضوئها.

عبدالعزيز محمد العبيد
باحث ومستشار قانوني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت