جريمة الوساطة في الرشوة وجريمة تعيين شخص لأخذها في القانون المصري

الطعن 4482 لسنة 52 ق جلسة 28/ 11/ 1982 مكتب فني 33 ق 193 ص 930 جلسة 28 من نوفمبر سنة 1982

برياسة السيد المستشار/ أمين أمين عليوة نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: جمال الدين منصور، وصفوت مؤمن، صلاح خاطر وحسن عميرة.
————–
(193)
الطعن رقم 4482 لسنة 52 القضائية

1 – إثبات “شهود”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. نقض “أسباب الطعن. مالا يقبل منها”. رشوة.
حق محكمة الموضوع في تحصيل أقوال الشاهد وتفهمها واستخلاص مراميها غير مقيدة بالأخذ بالأقوال الصريحة أو بمدلولها الظاهر. مادامت لا تحرف الشهادة عن موضعها.
2 – دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره”. رشوة. نقض “أسباب الطعن. ما يقبل منها”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة. كفاية إثباتها أركان الجريمة والأدلة على ارتكاب المتهم لها دون مسايرته فيما ساقه من أدلة للتدليل على براءته.
3 – رشوة. جريمة “أركانها”. قانون “تفسيره”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. نقض “أسباب الطعن. مالا يقبل منها”.
المادتان 107 مكرر، 108 مكرر عقوبات.
نطاق تطبيق كل منهما.؟ مثال لتسبيب غير معيب.

—————–
1 – لما كان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تحصل أقوال الشاهد وتفهم سياقها وتستشف مراميها مادامت فيما تحصله لا تحرف الشهادة عن موضعها وهى في ذلك غير مقيدة بألا تأخذ إلا بالأقوال الصريحة أو مدلولها الظاهر.
2 – لما كان ذلك وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم في شأن اطراحه أقوال شهود النفي مردودا بما هو مقرر من أن المحكمة ليست ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي في كل جزئية يثيرها فانه يكفى لسلامة الحكم أن يثبت أركان الجريمة ويبين الأدلة على وقوعها من المتهم وليس عليه أن يتحدث عن الأدلة التي ساقها في سبيل التدليل على براءته وهى مجرد أقوال شهود يريد المتهم لها معنى لم تر المحكمة مسايرته فيه فأطرحتها أخذا بالأدلة القائمة في الدعوى.
3 – المادة 107 مكررا من قانون العقوبات تنص على انه “يعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي ومع ذلك يعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة اذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها”. أما نص المادة 108 مكررا من ذات القانون فيجرى بأنه “كل شخص عين لأخذ العطية أو الفائدة أو علم به ووافق عليه المرتشي أو أخذ أو قبل شيئا من ذلك مع علمه بسببه ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة مساوية لقيمة ما أعطى أو وعد به وذلك اذا لم يكن قد توسط في الرشوة”. ويبين من هذين النصين أن المشرع عرض في كل منهما لجريمة تختلف عن الوردة في النص الآخر وأن جريمة الوساطة في الرشوة تختلف عن جريمة تعيين شخص لأخذها. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن بأدلة سائغة أنه ارتكب الجريمة المنصوص عليها في المادة 108 مكررا آنفة الذكر فانه لا موجب لإعمال الإعفاء المقرر في المادة 107 مكررا من قانون العقوبات لكونه قاصرا على الراشي والوسيط دون غيرهما ويكون منعى الطاعن في هذا الشأن لا سند له.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 12 من يونيه سنة 1978 بدائرة مركز المنزلة محافظة الدقهلية: الأول – بصفته موظفاً عمومياً كاتب مواد البناء ومراجع الماهيات بالوحدة المحلية …… طلب رشوة لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن طلب من …… مبلغ خمسين جنيها على سبيل الرشوة مقابل تسليمه إذن صرف حصة الحديد المقررة له. الثاني – عين بواسطة المتهم الأول لأخذ العطية التي طلبها على سبيل الرشوة من…… وطلبت من مستشار الإحالة أحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتها طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضوريا عملا بالمواد 103، 108 مكررا، 110، 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم الأول بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه ألف جنيه. وبمعاقبة المتهم الثاني بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وتغريمه مبلغ خمسين جنيها وبمصادرة مبلغ الرشوة المضبوط.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض…. الخ.

المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة طلب رشوة لأداء عمل من أعمال وظيفته قد شابه خطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال ذلك بأنه عول على أن النقيب…. شاهد واقعة استلام الطاعن الثاني لمبلغ الرشوة مع أن أقوال الشاهد المذكور قد خلت مما يفيد رؤية تلك الواقعة، كما عول على أقوال الطاعن الثاني مع أنه الذى حرر إذن الحديد المرخص به للمجنى عليه وسلمه له بعد قبض مبلغ الرشوة منه وما كان اعتراف الطاعن الثاني بالرواية التي تدين الطاعن الأول إلا اعتقادا منه بأنه وسيط في الجريمة وان اعترافه يعفيه من العقوبة، وقد ثبت ان الطاعن الثاني كان بمنزل الطاعن الأول في حضور شهود، إذ شهد….. بأن الطاعن الأول سلم الطاعن الثاني دفتر الإذن للحصول على توقيع رئيس المجلس القروى على بعضها ولم يسمع أن الطاعن الأول كلفه بتسليم الإذن للمجنى عليه وقبض مبلغ الرشوة وأنه لو كان الطاعن منتويا الحصول على الرشوة لسلم الإذن للمجنى عليه الذى قصد إليه بمنزله دون وساطة الطاعن الثاني.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل الواقعة في قوله “أن…… توجه إلى الوحدة المحلية بالجمالية لاستلام إذن شراء حديد باسمه بكمية قدرها 925ر4 طنا وتقابل مع الموظف المختص بتسليمه هذا الإذن وهو المتهم الأول وقام هذا الأخير بإعداد الإذن فعلا وحصل على توقيع المختصين عليه واطلع…… عليه إلا أنه رفض تسليمه الإذن إلا اذا دفع له مبلغ خمسين جنيها كرشوة وفعلا توجه……. صحبة المتهم الأول حاملا دفتر أذون صرف الحديد ومعهما المتهم الثاني إلى مدينة…… وذهبوا ثلاثتهم إلى محل تاجر الحديد……. وإذ رفض سداد مبلغ الرشوة للمتهم الأول فقد رفض هذا الأخير تسليمه الإذن وانصرف ومعه المتهم الثاني مؤكدا له انه لن يتسلم الإذن إلا بعد سداد مبلغ الرشوة المطلوب وان تسليم المبلغ سوف يتم أما له أو لزميله المتهم الثاني – فقام…… بتحرير شكوى قدمها للسيد وكيل نيابة…… الذى حرر عليها عبارة السيد رئيس وحدة مباحث المنزلة لضبط المتهم حالة تعاطيه الرشوة وقام النقيب……. رئيس وحدة مباحث…… بتحرير محضر استدلالات أثبت فيه أرقام أربع ورقات مالية فئة عشرة جنيهات وورقتين ماليتين فئة خمسة جنيهات ثم قام بإعداد كمين بالقرب من محل تاجر الحديد….. وحضر المجنى عليه بصحبة شخص تبين فيما بعد أنه المتهم الثاني وشاهد هذا الأخير يتسلم مبلغ الرشوة من المجنى عليه ويسلمه إذن صرف الحديد فقام بضبطه وبتفتيشه عثر معه على مبلغ الخمسين جنيه بجيب الفانلة التي يرتديها وهو ذات المبلغ المثبتة أرقامه بمحضر الاستدلالات كما اعترف المتهم الثاني بأن المتهم الأول عينه لاستلام مبلغ الرشوة المضبوط”. ثم أورد الحكم الأدلة على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعنين مستمدة من أقوال…… والنقيب…… رئيس وحدة مباحث……. وكل من…… و…… و…… و…… من قوة مباحث مركز….. ومن اعتراف الطاعن الثاني. لما كان ذلك وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تحصل أقوال الشاهد وتفهم سياقها وتستشف مراميها مادامت فيما تحصله لا تحرف الشهادة عن موضعها وهى في ذلك غير مقيدة بألا تأخذ إلا بالأقوال الصريحة أو مدلولها الظاهر، وكان البين من المفردات المضمومة أن ما أورده الحكم مستمدا من أقوال رئيس وحدة مباحث….. له سنده الصحيح من الأوراق ولم يكن فيما حصله الحكم منها ما يخرج بها عن مؤداها، اذ أنه يؤخذ منها أنه شاهد من مكمنه واقعة تسلم الطاعن الثاني مبلغ الرشوة من…… وأنه سارع إلى القبض عليه وقد ردد هذا القول أفراد قوة مباحث…… آنفو الذكر، ومن ثم فان منعى الطاعن على الحكم في هذا الخصوص لا يكون له محل لما كان ذلك وكان الطاعن لا ينازع في صحة ما نقله الحكم المطعون فيه من أقوال الطاعن الثاني وكان ما أورده الحكم ودلل به على مقارفة الطاعن لجريمة طلب الرشوة التي دين بها كافيا وسائغا ولا يتنافر مع الاقتضاء العقلي والمنطقي فان ما يثيره الطاعن من منازعة في سلامة ما استخلصته المحكمة من أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم في شأن اطراحه أقوال شهود النفي مردودا بما هو مقرر من أن المحكمة ليست ملزمة بتعقب المتهم من مناحي دفاعه الموضوعي في كل جزئية يثيرها فانه يكفى لسلامة الحكم أن يثبت أركان الجريمة ويبين الأدلة على وقوعها من المتهم وليس عليه أن يتحدث عن الأدلة التي ساقها في سبيل التدليل على براءته وهى مجرد أقوال شهود يريد المتهم لها معنى لم تر المحكمة مسايرته فيه فأطرحتها أخذا بالأدلة القائمة في الدعوى. لما كان ما تقدم فان الطعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.
ثانيا: الطعن المقدم من الطاعن الثاني:
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون أخطأ في تطبيق القانون ذلك انه عول في إدانة الطاعن على اعترافه وأطرح دفاعه بأن الواقعة المسندة إليه لا تعدو أن تكون صورة من صور الوساطة في الرشوة بما يحق له أن يتمسك بالإعفاء المقرر بنص المادة 107 مكررا من قانون العقوبات لإخباره بالجريمة أثناء التحقيق واعترافه بها بجلسة المحكمة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لما أثاره الطاعن ورد عليه بقوله “وحيث انه لا محل لما أثاره المتهم الثاني من حقه في الإعفاء من العقوبة إعمالا لنص المادة 107 مكررا من قانون العقوبات ذلك لان هذا الإعفاء إنما ينصرف إلى الراشي والوسيط فقط دون الشخص الذى يعينه المرتشي لاستلام مبلغ الرشوة – متى كان ذلك وكان الثابت للمحكمة أن المتهم الثاني أقر صراحة أن المتهم الأول رفض تسليم إذن الحديد للمجنى عليه في الليلة السابقة على يوم الضبط إلا اذا دفع له خمسون جنيها ثم اعترف بأن المتهم الأول طلب منه مصاحبة المجنى عليه يوم الضبط وعدم تسليمه إذن الحديد إلا بعد استلام مبلغ الخمسين جنيها منه وبالتالي يكون قد ثبت يقينا أن المتهم الثاني وهو يتسلم مبلغ الخمسين جنيها من المجنى عليه كان يعلم علم اليقين أن هذا المبلغ يدفع كرشوة لأداء المتهم الأول عملا من أعمال وظيفته هو تسليم المجنى عليه إذن الحديد الخاص به”. وما ساقه الحكم فيما تقدم صحيح في القانون ذلك أن المادة 107 مكررا من قانون العقوبات تنص على انه “يعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي ومع ذلك يعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة اذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها”. أما نص المادة 108 مكررا من ذات القانون فيجرى بأنه “كل شخص عين لأخذ العطية أو الفائدة أو علم به ووافق عليه المرتشي أو أخذ أو قبل شيئا من ذلك مع علمه بسببه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة متساوية لقيمة ما أعطى أو وعد به وذلك اذا لم يكن قد توسط في الرشوة”. يبين من هذين النصين أن المشرع عرض في كل منهما لجريمة تختلف عن الواردة في النص الآخر وأن جريمة الوساطة في الرشوة تختلف عن جريمة تعيين شخص لأخذها. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن بأدلة سائغة أنه ارتكب الجريمة المنصوص عليها في المادة 108 مكررا آنفة الذكر فانه لا موجب لإعمال الإعفاء المقرر في المادة 107 مكررا من قانون العقوبات لكونه قاصرا على الراشي والوسيط دون غيرهما ويكون منعى الطاعن في هذا الشأن لا سند له. لما كان ما تقدم فان الطعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .