أسباب كسب ملكية العقار غير المحفظ و طرق تنظيمها و إثباتها

القانون الواجب التطبيق في العقارات غير المحفظة

المطلب الاول: ولادة العقار غير المحفظ

أسباب كسب الملكية هي الوقائع القانونية التي تؤدي إلى اكتساب شخص ملكية شيء معين إما ابتداء و إما نقلا من شخص آخر[1]، و سنحصر هنا فقط أسباب كسب ملكية العقارات و نحصر بالضبط كسب ملكية العقار غير المحفظ ، فتكون أسباب هذا الكسب إما تصرفات قانونية كالعقد أو الوصية أو الشفعة و قد تكون وقائع مادية مثل الميراث و الإحياء و الحيازة.
۞ الإحياء: إحياء أراضي الموات و ذلك عندما تكون الأرض ميتة غير صالحة للاستعمال فإن جعلها صالحة للانتفاع بها يعتبر إحياء لها و يرى الفقهاء أن كل من وضع يده على أرض ميتة غير مملوكة لأحد و قام بإحيائها و تحويلها إلى ارض صالحة للاستغلال تصبح مملوكة له ملكية تامة و يرى المالكية أنه بالنسبة للأراضي القريـبة من العمران لا يجوز إحياؤها إلا بعد الحصول على الإذن بذلك. أما الأرض المملوكة لشخص أهملها حتى صارت ميتة فلا يعتبر إحياؤها من طرف الغير سببا لملكيتها، بل تبقى مملوكة لصاحبها القديم[2]
و رأي الإمام مالك أن الأرض إذا عادت مواتا قبل ان ينتقل الملك إلى غير المحيي زالت الملكية عنه و يكون لغيره ان يمتلكها بإحيائها[3]

۞ الحيازة : هي وضع اليد على الشيء بتعمد حيازته حيازة هادئة مستمرة مستأثرة بمنافعه استئثارا كاملا لمدة معينة بنية التملك[4]
و هي تعرف لدى الفقه المالكي بالحيازة و في باقي المذاهب بوضع اليد و هي 3 أنواع :
1- الحيازة المكسبة للملكية مع جهل أصل الملك و مدتها 10 أشهر لقول خليل ” و حوز طال عشرة أشهر” كإحياء أراضي الموات.
2- الحيازة المكسبة للملكية مع علم أصل الملك و هي الحيازة الاستحقاقية و لا بد فيها للحائز أن يثبت 5 شروط : اليد أي وضع اليد ؛ النسبة أي تنسب حيازة الأرض له ؛ التصرف أن يتصرف في العقار تصرف المالك بملكه ؛ أن يكون التصرف بدون منازع أي أن لا ينازعه في هذه الحيازة أحد و المدة و هي 10 سنين المقررة شرعا بين الأجانب و 40 سنة بين الأقارب و إذا كانت بينهم عداوة و مشاحنة تتقلص إلى 10 سنوات على أن لا تكون هذه الحيازة يتخللها كراء أو عارية أو نحو أي دون تقطع’وتضم مدة السلف الى مدة الخلف سواء في الحيازة او السكوت عن الحيازة[5]
3ـ الحيازة مع علم أصل الملك و مع علم مدخل الحائز: فإذا كان مدخل الحائز ناقلا للملكية فإن حيازته ستنفعه،أما إذا كان المدخل بكراء أو نحو فحيازته لا تنفعه ولو طالت [6]
و تشترط فيها الشروط الخمس فضلا عن شروط أ خرى، فالحيازة لا تنفع صاحبها إلا إذا كان الحائز حاضرا عالما ساكتا في حيازته، حاضرا في موقع العقار الذي حازه غير متغيب، عالما بأن العقار آل إليه بسبب من أسباب الملكية، ساكتا لم ينازعه أحد. فإذا اجتمعت كل الشروط تكون الحيازة قاطعة للنزاع.
لكن أملاك الدولة العامة لا يمكن تملكها بالحيازة، كما أن حيازة الأجنبي عن البلد غير نافذة إلا إذا اقترنت بشراء أو نحو [7].

۞ العقد : العقد المكسب للملكية يتوقف إما على إرادتين كالبيع و ما يتم بإرادة واحدة كالهبة و الصدقة.
و بالنسبة للعقار غير المحفظ فهناك آراء متناقضة بخصوص نقل ملكيته بواسطة العقد فهناك من يذهب إلى أن مجرد تراضي الطرفين في العقد يجعله قائما طالما أن الفقه الإسلامي لم يشترط شكل معين بل مجرد التراضي فضلا عن فصلي ق ل ع 488 و491 ينصان على تمام البيع بمجرد تراضي عاقديه و اللذان لا يطبقان عل العقار المحفظ و المنقولات التي ترهن رهنا رسميا[8] إذن بالمخالفة يطبقان على المنقول والعقار غير المحفظ.
لكن هناك رأي آخر يذهب إلى أن العقود التي ترد حتى على العقار غير المحفظ يجب أن تخضع للشكلية التي ينص عليها الفصل 489 و هي شكلية الكتابة لأن هذا الفصل جاء عاما { إذا كان عقارا … وجب أن يجري البيع كتابة …} و هذا هو رأي الأستاذ الكزبري حيث يقول كي تسري العقود المتضمنة نقل ملكية عقار غير محفظ أو بصورة أعم نقل الحقوق العينية المترتبة على عقار غير محفظ في مواجهة الغير يجب تضمينها في عقد كتابي ثابت التاريخ و تسجيله في السجل الخاص المعد لذلك[9].
و من العقود التي تعتبر سببا في كسب الملكية بالإضافة إلى عقد البيع في الفقه الإسلامي عقد المعاوضة و التصيير و الإقامة و المغارسة و المزارعة و الجعل و هبة الثواب و الصلح و التبرعات من هبة و صدقة و النحلة[10].

۞ الشفعة :
في العقار غير المحفظ يرجع فيها إلى الفقه الاسلامي و لا تطبق مقتضيات الفصول 974ـ 975ـ976ـ ق ل ع
و تعرف بأنها استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه[11] أو تملك العقار المبيع و الحلول محل المشتري في جميع حقوقه و التزاماته .
و لها 4 اركان: الشفيع و المشفوع به اي الشخص المشتري و الشقص المشفوع اي الحصة المشفوعة، كلها او جزؤها[12].
و أسباب أو حالات الشفعة هي 4 إذا وجدت حالة منها فإنها تخول لصاحبها حق أخذ العقار المبيع بالشفعة و هي : 1 – الشريك على الشيوع أي في نفس العقار المبيع – 2 الشريك في ملكية الحائط الفاصل – 3 الشريك في حق الارتفاق – 4 الجار الملاصق .
و الحكمة من الشفعة هي دفع الضرر المحتمل من المالك الجديد
و من آثار الشفعة تملك الشفيع للعقار المشفوع فيه و لا يتملك الشفيع هذا العقار إلا بالتراضي أو بحكم القاضي فيحل محل المشتري في كافة حقوقه الناشئة عن عقد البيع الأصلي و بالمقابل يتحمل بكافة الالتزامات[13].

۞ الإرث و الوصية :
يعتبر الإرث و الوصية ناقل للملكية من ميت إلى حي أو سبب من الأسباب المكسبة للملكية عن طريق النقل من شخص إلى آخر أي من السلف إلى الخلف العام[14] و تنتقل أموال التركة إلى الوارث أو إلى الموصي إليه بمجرد وفاة المورث أو الموصي سواء كانت هذه الأموال منقولة أم كانت عقارية و سواء كانت العقارات غير محفظة أم عقارات محفظة لكن ما يتغير هو أن هذه الأخيرة لكي يكون لها أثر قانوني فيجب أن تسجل في السجل العقاري.
المطلب الثاني : توثيق التصرفات التي ترد على العقار غير المحفظ و وسائل إثباتها
يتميز نظام توثيق المعاملات المنصبة على العقارات غير المحفظة بكونها أقرب ما يكون إلى نظام الشهر الشخصي[15]إذ لم تكن هناك وسيلة رسمية لشهر التصرفات العقارية، و إنما كانت الوثائق تسلم إلى أصحابها من غير أن تخضع للإعلان أو القيد في سجل معين معد لذلك[16].
و الجهة المكلفة بتحرير التصرفات المتعلقة بالعقار غير المحفظ و إبرام الوثائق المثبتة لها هم العدول، فهم المؤهلون لذلك نظرا لطبيعة تكوينهم و ممارستهم لمهام توثيق المعاملات في المجال الشرعي.
و رجوعا إلى سنة 1914 قام المشرع و في إطار تنظيمه للقضاء الشرعي على عهد الحماية بتنظيم سجلات خاصة لقيد التصرفات التي ترد على العقارات غير المحفظة.

سجلات التوثيق

هذه السجلات تحفظ في المحكمة ، فمسك القضاء لها يعد ضمانة كبرى’ إذ هناك سجل بقسم التوثيق بكل محكمة ابتدائية تضمن به جميع التصرفات العقارية التي يتم إبرامها من طرف العدول مما له أهمية توثيقية فقط.
و بين الصعوبات و المشاكل التي تواجه توثيق التصرفات الواردة على العقارات غير المحفظة:
§ تحرير الوثائق و تسجيلها على أسماء الأشخاص، مما يخلق صعوبة في معرفة هوية مالك العقار أو صاحب الحق العيني،و هذه من مشاكل نظام الشهر الشخصي عامة.
§ إذا خضع العقار لعدة تصرفات فإنها تضمن بنفس السجل و لكن في أماكن مختلفة و بدون رابط فيصعب الجمع بينها.[17]
§المعتمد على الأسماء في البحث عن صاحب العقار يواجه مشكلة تشابه الأسماء بالأخص باللغة العربية[18]
§ و حتى مع إقرار هذه السجلات و إلزامية قيد الوثائق فإن القضاء عندنا استقر على رضائية التصرفات اي لا تجب فيها الكتابة و بالتبع التسجيل.

– سجل الحجز التحفظي :
نص عليه الفصل 455 من قانون المسطرة المدنية و هو سجل خاص بشهر الحجز التحفظي على العقارات غير المحفظة فقط.
فإذا تم حجز تحفظي على عقار غير محفظ فيتم إنجاز محضر و ترسل نسخة من الأمر بالحجز و محضر الحجز بواسطة عون التنفيذ إلى رئيس المحكمة الابتدائية قصد تقييده بسجل خاص موضوع رهن إشارة العموم.

+ السجل الوطني للأملاك العقارية :
أحدث هذا السجل سنة 1962 و أعيد تنظيمه سنة 1973 ، و تدرج في هذا السجل جميع العقارات كيفما كان نظامها القانوني و يجوز للعموم الاطلاع على هذا السجل و أخذ نسخ موجزة منه.
و فيما يتعلق بالعقارات غير المحفظة فقد أوجب المشرع على الملاك و كذا أصحاب الحقوق العينية أن يخبروا المصلحة المكلفة بمسك و حفظ هذا السجل بجميع التغييرات التي تطرأ على الوضعية المادية و القانونية للعقار، كما أوجب على الموثقين و العدول و كتاب الضبط بجميع المحاكم أن يوجهوا إلى المصلحة المكلفة بهذا السجل نسخة موجزة من جميع الرسوم و الأحكام المتعلقة بوضعية العقارات غير المحفظة[19] .

بالنسبة لإثبات ملكية عقار غير محفظ :
+ و لاتبات التصرفات الواردة على العقار غير المحفظ ، يعتمد في دلك على مجموعة من لوسائل نظمها الفقه الإسلامي مثل الكتابة و الشهادة و الاقرار[20] و اليمين و سنقتصر على الكتابة و الشهادة لأهميتهما و شيوعهما.
و رغم أن كتابة عقود المعاملات المالية ليست واجبة فإنها تبقى أهم وسيلة لحفظ الحقوق وإثباتها
و الوثيقة العدلية يميز فيها بين الشهادة الأصلية و هي تسجيل العدل ما يسمعه و ما يشهد عليه، و بين الشهادة الاسترعائية التي يسجل العدل مضمونها بما في علمه[21]. و نظرا لأهمية الوثيقة العدلية ففقهاء التوثيق حددوا لها شروطا و أسباب بطلانها[22].
و نورد هنا شهادة العدلين بالأتمية أو الأكملية والأهلية لإثبات صحة التصرفات الصادرة عن المتعاقد ، و هي حجة رسمية على أن المتعاقد لم يكن وقت الإشهاد مريضا[23]
وصولا إلى شهادة اللفيف التي لا زالت تحتل الصدارة في ميدان الميراث إن لم نقل أنها تشكل الوسيلة الوحيدة لإثبات الحقوق فيها[24]
ويمكن إثبات التصرفات العقارية بعوض بشهادة اللفيف كما في بيع العقار غير المحفظ فالصلح في العقار بمثابة البيع يقتضي الإشهاد به لدى عدلين أو على الأقل توفر النصاب الكامل من الشهود الذين يشهدون بحضورهم لوقوع الصلح بين المتعاقدين[25] و تعتبر القسمة كذلك بمثابة البيع و كلما تعلقت بعقار غير محفظ يمكن أتباتها بشهادة الشهود و اللفيف.
و شهادة اللفيف عندما تستوفي جميع شروطها و تحرر في رسم مذيل بتوقيع العدلين متلقيين لها، لا تكون تامة إلا إذا ذيلت بخطاب القاضي المكلف بالتوثيق، و حينها تعد في نظر القانون وثيقة رسمية بصريح نص المادة 35 من قانون رقم 16ـ03 المتعلق بخطة العدالة [26]
أما التصرفات القانونية بغير عوض إذا انصبت على عقار غير محفظ فإنها لا تصح إلا بالحيازة الفعلية معاينة من طرف عدلين حسبما جرى به العمل، كالحبس و الصدقة و الهبة ، أما الوصية فيجوز إثباتها بشهادة العدلين[27].
لإثبات حق ناشئ عن إرث يجب الإدلاء بوثيقة تسمى بالإراثة و هي وثيقة ضرورية لإثبات الموت وعدد الورثة[28].
و يجب أن تكون هذه الرسوم محررة من طرف العدول مع خطاب قاضي التوثيق عليها و أن تضمن بسجلات المحكمة فيكون من حق المالك بعد ذلك طلب تسلم أصل أو نسخة صحيحة من رسم ثبوت الملكية.
و تجدر الإشارة بأن الرسم العدلي غير المخاطب عليه من طرف قاضي التوثيق يعتبر وثيقة غير تامة فهي محض زمام تقييد. و لا يأخذ صبغته الرسمية إلا بخطاب القاضي عليه.
و هذه الرسوم رغم صبغتها الرسمية إلا أنها لا تكتسي الصفة القطعية حيث يمكن الطعن في صحتها[29].

المراجع

[1] نزيه الصادق المهدي :دروس في نظرية الأموال، كلية الحقوق، جامعة محمد الخامس’ ص 77

[2] محمد ابن معجوز : الحقوق العينية في الفقه الإسلامي و التقنين المغربي ، مطبعة النجاح، الطبعة الولى، 1420/1990، ص 310 و ما بعدها.

محي الدين اسماعيل علم الدين:الاموال و المواريث و الوصية، جامعة محمد الخامس،ص72 [3]
نزيه الصادق المهدي :م.س، ص 128 [4]
محي الدين اسماعيل علم الدين:م.س، ص87 [5]
سعيد دغيمر: محاضرات غير منشورة ملقاة على طلبة الماستر في مادة القانون العقاري المعمق،السنة الجامعية 2008/2009..[6]
سعيد دغمير : : محاضرات غير منشورة ملقاة على طلبة الماستر في مادة القانون العقاري المعمق،السنة الجامعية 2008/2009[7]
محمد ابن معجوز : م.س، ص 326[8]
مأمون الكزبري:التحفيظ العقاري و الحقوق العينية الاصلية و التبعية،الجزء الاول،الطبعة الثانية، 1987، العربية للطباعة و النشر، ص155. [9]
للإطلاع على هذه العقود : الرجوع إلى محمد ابن معجوز، م.س.ص : 328 و ما بعد [10]
الدليل العملي للعقار غير المحفظ : منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية و القضائية، سلسلة الدراسات و الأبحاث، العدد 2 ، فبراير 2007 ، ص 113[11]
سعيد دغمير : : محاضرات غير منشورة ملقاة على طلبة الماستر في مادة القانون العقاري المعمق،السنة الجامعية 2008/2009 [12]
نزيه الصادق المهدي : م.س ، ص 84[13]
نزيه الصادق المهدي : م.س، ص 137[14]
أحمد ادريوش أصول نظام التحفيظ العقاري ، الطبعة الأولى ، 2003 ، مطبعة الأمنية، الرباط، ص 70[15]
أحمد ادريوش ،: م.س، ص 70- 71[16]
محمد خيري : ندوة العقار إلى أين ؟ : م.س ، ص 23[17]
أحمد ادريوش ،: م.س، ص 74[18]
أحمد ادريوش : م.س، ص 78 – 79[19]
للتوسع أكثر، الرجوع إلى محمد ابن معجوز: وسائل الإثبات في الفقه الإسلامي،مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1984، ص 21 و ما بعد بالنسبة للإقرار و ص 249 بالنسبة لليمين [20]
الدليل العملي للعقار غير المحفظ: م.س، ص59 [21]
للإطلاع الركوع إلى الدليل العملي، م.س، ص 60 وما بعدها [22]
الدليل العملي للعقار غير المحفظ: م.س، ص 77ـ 78 [23]
رشيد عسعوس: حجية’ اللفيف في فض النزاعات المتعلقة بالعقار غير المحفظ، المنازعات العقارية من خلال اجتهادات المجلس الأعلى،الندوة الجهوية الخامسة، مطبعة الامنية، الرباط، 2007، ص307 [24]
ابراهيم بحماني:القوة الاثباتية لشهادة اللفيف أمام القضاء المدني و آفاقها المستقبلية،مجلة القضاء و القانون،العدد146، السنة30، ص65[25].
رشيد عسعوس: ، م.س، ص322 [26]
ابراهيم بحماني: م.س، ص67[27]
السيد الأجراوي: إتبات صفة الادعاء بالاراتة،مجلة القضاء و القانون،عدد140/141، السنة27، ص33.[28]