إذا طرح أمام القاضي الوطني حكم أجنبي بغرض الأمر بتنفيذه، كيف يكون موقفه اتجاه هذا الطلب؟، بهذا الخصوص اختلفت الأنظمة القانونية إلى نظامين يتمثلان في نظام رفع الدعوى، ونظام الأمر بالتنفيذ، وعليه سنحاول توضيح هذه الأنظمة مع تحديد موقف القانون الجزائري من ذلك.

أولاً : نظام رفع الدعوى

يفهم من هذا النظام أنه كل من يرغب في تنفيذ حكم في دولة غير الدولة التي اصدرته، أن يرفع دعوى قضائية مبتدئة أمام الدولة المعنية بالتنفيذ، والحكم الصادر في موضوع هذه الدعوى هو وحده الذي يتمتع بالقوة التنفيذية، أما الحكم الأجنبي الأول يمكن أن يستعين به قاضي هذه الدولة كسند إثبات لا غير، هذا النظام تأخذ به الدول التي تدور في فلك التشريع الإنجليزي(1).

ثانيا ً: نظام الأمر بالتنفيذ

 وهو النظام السائد والذي اتخذ أسلوب المراجعة ثم تطور إلى أسلوب المراقبة (2)، وتأخذ به النظم القانونية، اللاتينية كالتشريع الفرنسي والتشريعات العربية (3)، ووفقا لهذا النظام فإن الحكم الأجنبي لا يتمتع بالقوة التنفيذية إلا بعد شموله بالأمر بالتنفيذ، وهناك أسلوبان.

أ- أسلوب المراجعة: ومحتوى هذا الأسلوب أن القاضي الوطني يراجع الحكم الأجنبي من حيث الشروط الشكلية ومن حيث الموضوع، حتى يتأكد من أن القاضي الذي أصدر الحكم قد فصل فيه على وجه سليم وظل يعمل به القضاء الفرنسي لحقبة زمنية طويلة(4).

ب- أسلوب المراقبة: إن محكمة النقض الفرنسية وفي حكمها الشهير الصادر في 7 جانفي 1964 المتعلق بقضية منزر( 5) انصرفت عن أسلوب الم ا رجعة مؤيدة لأسلوب المراقبة، الذي يقصد به أن القاضي الوطني لا يأمر بالتنفيذ إلا بعد التحقق من توافر عدة شروط لازمة لصحة الحكم من الناحية الشكلية، دون المساس بالموضوع، وتم حصر هذه الشروط فيما يلي:

– ضرورة كون المحكمة الأجنبية مختصة بإصدار الحكم.

– صحة وسلامة الم ا رفعة التي أتبعت أمام المحكمة الأجنبية .

– تطبيق القانون المختص طبقا لقواعد تنازع القوانين الفرنسية.

– عدم وجود أي غش نحو القانون.

– أن يكون الحكم متوافقا مع النظام العام الدولي.

هذا التطور الذي وصل إليه موضوع تنفيذ الأحكام الأجنبية، يعود الفضل فيه إلى القضاء الفرنسي الذي أجتهد في التخفيف من الشروط المطلوبة لتنفيذ الأحكام الأجنبية، أما المشرع الجزائري وعلى غرار باقي الدول العربية يكون قد حذا حذو المشرع الفرنسي)6)، فأخذ بنظام الأمر بالتنفيذ من خلال مراقبة الحكم الأجنبي للتأكد من توافر الشروط الشكلية والأساسية دون الخوض في الموضوع (7) وهذا ما كان عليه القضاء في العديد من أحكامه (8). وعليه أجمع شراح قانون الإجراءات المدنية الجزائري(9).

__________________

1- أنظر: – عادل خير: تنفيذ الأحكام الأجنبية في القانون المصري والمقارن” مجلة التحكيم والقانون، مركز الدكتور عادل خير للقانون والتحكيم، القاهرة 1999 ، ص 5.

-الطيب برادة: التنفيذ الجبري في التشريع المغربي بين النظرية والتطبيق، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط 1988 ، ص 190.

2- نبيل سليمان: تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، دار النهضة العربية، القاهرة 2006 ، ص 56.

3- أنظر: ولد الشيخ شريفة: تنفيذ الأحكام الأجنبية، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر 2004 ، ص 61 وكذلك عبد المنعم كيوة: ” هل أن الحكم الأجنبي القاضي بإسناد الحضانة خاضع للاعتراف به وتنفيذه بتونس لإجراء الأكساء بالصيغة التنفيذية أمام المحاكم التونسية” المجلة القانونية التونسية ، مركز النشر الجامعي، تونس 1998 ، ص 121 وما بعدها وأيضا عمارة بلغيث: الرسالة السابقة، ص74.

4- أنظر: – عادل خير: المرجع السابق، ص 6.

-عمارة بلغيث: التنفيذ الجبري وإشكالاته، دارسة تحليلية مقارنة لطرق التنفيذ وٕاجراءاته ومنازعاته، دار العلوم، الحجار

. عنابة 2004 ، ص 74.

5- محتوى حكم منزر الشهير أشار إليه كل من: – عادل خير: المرجع السابق، ص 6.

-ولد الشيخ شريفة: المرجع السابق، ص 91.

-عمارة بلغيث: الرسالة السابقة، ص 80.

6- أنظر :- أعراب بلقاسم القانون الدولي الخاص الجزائري، تنازع الإختصاص القضائي الدولي، الجنسية، الجزء الثاني الطبعة الرابعة دار هومة، الجزائر 2006 ، ص 55.

-عمارة بلغيث: الرسالة السابقة، ص 48.

7- النصوص التشريعية المنظمة لهذا الموضوع يمكن القول أن المشرع الجزائري قد إستلهمها من التشريع الفرنسي، وذلك لإعتبارين، الإعتبار الأول وهوأن القانون الفرنسي يعد مصد ا ر تاريخيا للقانون الجزائري و الإعتبارالثاني: يتمثل في الموقف السياسي الذي إتخذته الجزائر بعد الإستقلال بموجب أمر 62- 157 المؤرخ في 31 –- 12- 1962 والذي يقضي باستمرار العمل بالقوانين الفرنسية إلا ما كان منها مخالفا للسيادة الوطنية.

8- عمارة بلغيث: التنفيذ الجبري وٕاشكالاته ، ص 38

9- مرامرية حمه: نفيذ الأحكام الأجنبية في القانون الجزائري”، مجلة العلوم الإجتماعية والإنسانية، المركز الجامعي الشيخ العربي التبسي، تبسة، العدد الثاني، سبتمبر 2007 ، ص 119

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .