التضليل والخداع في الإعلانات التجارية
محمد بن عبدالله السهلي
لم يعد الإعلان التجاري مجرد وسيلة يستخدمها المنتج للتعريف بمنتجاته، بل تجاوز الأمر ذلك ليغدو الإعلان صناعة قائمة بذاتها لها أساليبها وطرقها الخاضعة لوسائل ممنهجة وعلمية تستهدف التأثير على أذواق المستهلكين وإتجهاتهم، وأضحت الإعلانات بتأثيراتها أحد محددات تغير الأنماط المعيشية للحياة الاجتماعية في المملكة، فبلغ الإنفاق على هذه الصناعة أرقاماً هائلة، وبحسب بعض الدراسات بلغ حجم الإنفاق على الإعلانات التجارية في المملكة لعام 2007م حوالي 998مليون دولار (موقع العربية نت 1429/1/4ه).

من المسلمات الآن أن الإعلانات مسألة في غاية الأهمية للمنتجين والمستهلكين ولا يمكن الاستغناء عنها، وحياتنا اليومية تزخر بكم هائل من الإعلانات بمختلف الوسائل والأفكار، وهذا الكم الهائل سيتسرب إليه حتماً عنصر يشوهه ويفقده مصداقيته ويصيب المستهلك بالضرر، ونعني به عنصر (التضليل والخداع). فالمعلن يهدف من إعلانه إلى التعريف بالمنتج الذي يقدمه للجمهور سواء كانت سلعة أو خدمة، ليحقق أكبر قدر ممكن من المبيعات والأرباح، لذا وفي سبيل تحقيق هذا الهدف فمن المتوقع أن يقوم بعض المعلنين باستخدام التضليل والخداع في إعلاناتهم تطبيقاً لقاعدة الغاية تبرر الوسيلة. وفي مواجهة ذلك ولتنظيم كل ما يتعلق بالإعلانات عموماً كان من الطبيعي أن يسن المنظم في المملكة قواعد منظمة لها، وجاءت هذه القواعد في نظام المطبوعات والنشر الصادر عام 1421ه واللائحة التنفيذية له والصادرة في العام 1422ه.

عند دراسة أي نظام أو لائحة وتقييمها من حيث شموليتها وفعاليتها فإن الأمر يتطلب قراءة الواقع المستهدف بالتنظيم، والأمر ينطبق حتماً على واقع الإعلان في المملكة، لمعرفة مدى اتصال الواقع بالتنظيم. في البدء عرفت اللائحة التنفيذية لنظام المطبوعات والنشر الدعاية والإعلان الخاضعة لأحكامها في مادته الأولى بأنها (ممارسة النشاطات الخاصة بتصميم وتنفيذ الإعلانات التجارية والتحريرية والمصورة والمرسومة والناطقة وإصدار التقاويم والمفكرات والأدلة التجارية والاقتصادية وأدلة الخدمات والهدايا وما شابهها، وكذلك إعداد وتنفيذ الحملات التسويقية ذات العلاقة بالسلع والخدمات).

ويتضح من التعريف أن اللائحة أخذت بالمفهوم الواسع للإعلان، وهو اتجاه صائب لأهمية الإعلان المتزايد. وبعد معرفة المقصود بالإعلان في النظام، يمكن القول إن واقع الإعلان في المملكة يشهد الكثير من المخالفات ونستدل بذلك عن طريق قراءة أحكام النظام أو اللائحة ومن ابرز هذه المخالفات التضليل والخداع للمستهلكين بصور وطرق شتى، فالمادة (73) من اللائحة التنفيذية تنص في إحدى فقراتها على ما يلي: (لا يجوز نشر إعلانات تتضمن مواد من شأنها تضليل المستهلك) وحتى لا نتهم بالتعميم، نسرد هنا بعض الأدلة على التضليل الممارس في الإعلانات والمخالف لما أتت به أحكام النظام، ومنها:

النسب والأرقام المذكورة في الإعلانات والتي تخالف الواقع. فمثلاً إعلان عن عصير يذكر فيه أنه طبيعي 100%، وهو في حقيقته مليء بالمواد الحافظة والمصنعة، وإعلان آخر يقول إن 80% من نساء السعودية يستخدمن هذا المستحضر للعناية بالبشرة، فكيف تم احتساب هذه النسبة، وقس على ذلك الكثير من إعلانات تحوي نسب تخدع المستهلك بلا شك.

الإعلانات عن التخفيضات التجارية الوهمية، وما يتبعها من تلاعب بالأسعار.
إعلانات تطوير القدرات الشخصية واكتشاف الذات وخلافها.

الإعلانات الطبية وما يحدث فيها من ترويج لأدوية تخفيف الوزن وتساقط الشعر وأعشاب طبية وغيرها، دون الحصول على ترخيص من وزارة الصحة. وكذلك الإعلان عن وصول طبيب زائر يحمل مؤهلات وخبرات لا ندري كيف توافرت في شخص واحد، ولا يمكن التحقق من صحتها.

الإعلانات المبوبة وما تتضمنه من أمور لا تؤمن عواقبها مثل صيانة أجهزة الحاسب الآلي في المنازل، وإعلانات بيع أجهزة إلكترونية أو أثاث قد تكون مسروقة.

وغيرها من الأمثلة، وما نود أن نصل إليه هو التأكيد على وجود حالات كثيرة للتضليل تصيب المستهلكين، والتساؤل هنا في حال وجود تضليل وخداع في الإعلان مهما كانت صورته، فهل يمكن مساءلة المعلن ومقاضاته عن ذلك؟ من ناحية المبدأ الجواب نعم، فأحكام النظام واللائحة واضحة نحو حظر التضليل بالمستهلك في الإعلانات، كما ذكرنا في المادة (73) باللائحة. واللائحة تضمنت عقوبات لمخالفة أحكامها، إضافة إلى القواعد العامة في الشريعة الإسلامية والتي تحرم الغش والخداع ووجوب تعويض المتضرر عن الضرر الذي يصيبه، وكل كذلك كما أسلفنا من ناحية المبدأ، أما من ناحية التطبيق فالجواب هو لا وجود للمساءلة أو للمقاضاة، فلا يزال مفهوم حماية المستهلك وتثقيفه بحقوقه من المسائل المهملة، فلا يوجد لدينا جمعيات أو هيئات خاصة لحماية المستهلك تتبنى قضايا المستهلكين وتدافع عن حقوقهم تجاه الأضرار التي تصيبهم ومنها طبعاً التضليل في الإعلانات التجارية، ومن هذا المنطلق لن نستغرب أن تستمر الإعلانات التجارية في التضليل، وحتى نكون منصفين فإننا لا نقصد جميع الإعلانات والمعلنين طبعاً.

ونختتم حديثنا باستعراض بعض محظورات مضامين الإعلانات والواردة في المادة (74) من اللائحة وهي:

1– عدم نشر الإعلانات عن أي مستحضر طبي أو برامج علاجية توفرها المؤسسات العلاجية إلا بموافقة وزارة الصحة على ذلك.

2- عدم نشر إعلانات عن الدراسة في الخارج وبرامجها إلا بموافقة وزارة التعليم على مضمون الإعلان.

3- استخدام اللغة العربية السليمة للإعلان.

هذه بعض المحظورات في الإعلانات فهل هي بالفعل مطبقة، نترك الجواب لك عزيزي القارئ. وقصارى القول إننا نؤمن أشد الإيمان بأهمية الإعلانات وفائدتها للمعلن والمستهلك، وندرك الأثر الكبير الذي تتركه على المستهلكين سلباً أو إيجاباً، ولكن ندرك في المقابل إيضاً أن التضليل الذي يمارس على المستهلكين في الإعلانات يحظى في حالات كثيرة بصمت مطبق من الجهات المسؤولة عن الرقابة على الإعلان، والنتيجة التي نتوقعها ولكن لا نتمناها هو استمرار التضليل في الإعلانات التجارية والمتضرر النهائي هو المستهلك البسيط.

@ باحث قانوني

[email protected]

إعادة نشر بواسطة محاماة نت