مكانة الحدث في الجريمة في القانون المغربي

المقـــدمــة:/
الجريمة في المجتمع ليست ظاهرة حديثة، بل عانت منها المجتمعات ، وهي قديمة قدم البشرية، فتاريخ الجريمة هو تاريخ الإنسانية، فقد عرفتها التشريعات في مختلف العصور عن طريق منع ارتكاب بعض الأفعال التي تشكل اضطرابا و خطورة على المجتمع والعلاقات السائدة فيه

وذلك بتضمين مجموع تلك الأفعال التي تشكل خللا وتنافي المبادىء التي يجب أن تسود الجماعة في نصوص قانونية تعتبر الإطار التشريعي الذي يحدد تلك الأفعال المجرمة، والعقوبات التي تطال مرتكبيها بواسطة مجموعة من النصوص التي تنظم مبادىء التجريم وتحدد الأفعال التي تعتبر جرائم وكذا الأركان اللازم توافرها، ذلك انطلاقا من المنظومة الاجتماعية و الاعتقادات و المرجعية الدينية السائدة في كل مجتمع، من حيث الزمان والذي يضفي على سلوك ما صفة الجريمة.

فقد كانت النظرة إلى الجريمة و الانحراف في العصور القديمة مرتبطة بمفاهيم دينية مشوهة، إذ كانت تعتبر الجريمة رجسا من عمل الشيطان وأن الجاني يتحدى إرادة الله، فالخارج عن القانون هو خارج عن قانون السماء فلم يكن هناك مبررات لمعرفة أسباب الجريمة وخطرها لأن العقاب أمر محتوم فهو عقاب إلهي.

وقد أقامت التشريعات القديمة ( تشريعات حمو رابي، التشريعات الرومانية و المصرية…) فكرة المسؤولية الجنائية على أساس الفعل المادي وحده، أي أنها مادية بحثة ولم يكن يسمح بأي تساؤل حول نصيب المسؤولية في الأساس الأدبي أو الأخلاقي، إذا ما علمنا أن التسبب في الفعل الضار كان وحده كافيا لرد الفعل العقابي، سواء كان المتسبب إنسان أم جماد أم حيوان،مجنونا أم عاقلا

ثم بعد ذلك تطور الأمر، وظهر دور الإرادة في وقوع الجريمة وصدور الخطأ من جانب المجرم- النواة الأولى لظهور مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص – وبعدها أرسى المذهب التقليدي المسؤولية الجنائية على أساس المسؤولة الأدبية و الأخلاقية في حرية الإرادة والاختيار معتبرة أن الإنسان يتمتع بشكل مطلق بحرية الاختيار وبإرادة حرة في إدراك الخير من الشر.
بعد ذلك ظهرت المدرسة الوضعية منكرة دور الإرادة في الجريمة مرتكزة على أساس الجبرية و الحتمية، باعتبار الجريمة هي نتاج عوامل طبيعية واجتماعية.

إن دراسة النظرية العامة للجريمة يتطلب تحديد معناها وما يستتبع هذا التعريف من نتائج قانونية يجب الوقوف عليها لإستجلاء معنى الجريمة والدور الذي تلعبه في حياة الفرد الجماعة.

وبالرجوع إلى القانون الجنائي المغربي نجده يعرف الجريمة بكونها عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه.

كما نص بأنه، يحدد التشريع الجنائي أفعال الإنسان التي يعدها جرائم بسبب ما تحدثه من اضطرا بات اجتماعية، ويجب زجر مرتكبيها بعقوبات أو تدابير وقائية
ولاكتمال دراسة الجريمة لابد من الوقوف على أركانها الثلاث، ركنها المادي و المعنوي وكذا الشرعي، واعتبارا لكون الركن المادي في الجريمة واحد، لا يختلف من شخص لآخر بصرف النظر عن سن مرتكب الفعل ، بل يبقى الإشكال في تحديد العقوبة لكل واحد منهما داخل نصوص التجريم والعقاب، من جهة، ومدى توافر القصد الجنائي وقيمة عند ارتكاب الفعل من جهة ثانية، وهنا تتجلى المعاملة الفارقة بين الراشد والحدث على مستوى الركن المعنوي والركن القانوني، إذ حاول المشرع إعطاء ضمانات كافية للحدث تختلف عن التي هي للراشد وذلك اعتبار أنه منعدم أو ناقص الإدراك أو التميز، وبالتالي انعدام العقوبة أو تحفيظها .

إلا أن الاهتمام بالطفولة بشكل عام في القانون الجنائي لم يبق مرتكزا على الحدث الجانح فقط بل تعداه إلى الطفل الضحية، فكان ذلك نتجية ظهور علم جديد يهتم بوضع الضحية داخل الجريمة، الذي حاول من خلاله لفت انتباه مشرع الدول إلى المعاناة الكثيرة التي تعيشها وإيجاد السبل الكفيلة بمساعدتها على تخطي تلك المعاناة، لكون وضعية الحدث جانحا أو ضحية هي وضعية متكاملة في علم الجريمة، وليست متعارضة.

فالحديث عن مكانة الحدث داخل الجريمة يستوجب منا أن نتطرق للحالات التي يكون فيها هذا الحدث هو مرتكب الفعل الإجرامي ( المبحث الأول)، وكذا الحالة التي يكون في الطفل ضحية ( المبحث الثاني)

المبحـــث الأول : الحـــــدث الـــجــــانـــح
المبحـــث الثانـــي : الطفـــــــل الضحيـــــة

المبـــحــث الأول: الحـــــدث الـــجــــانح

للجريمة كمؤسسة قانونية ومصطلح قانوني مجرد، أركان أو عناصر عامة لا يمكن أن تتحقق بدون توافرها، إلى جانب هذه الأركان العامة توجد عناصر خاصة تختلف من جريمة إلى أخرى، فالعناصر العامة المتطلبة لوجود جريمة ثلاث وهي الركن المادي( و الذي سبقت الإشارة ) و الركن الشرعي ( المطلب الأول ) والركن المعنوي (المطلب الثاني).

المطلب الأول الركن الشرعي

يقصد بالركن القانوني للجريمة أنه لا يجوز اعتبار فعل أو امتناع ما جريمة إلا ادا ورد نص قانوني صريح يجرم إتيان هدا الفعل أو الامتناع عن إتيانه، بما يعني ضرورة خضوع الفعل أو الامتناع لنص من نصوص التجريم و أنه لكي يعتبر الفعل أو الامتناع جريمة لا بد من وجود نص جنائي يجرمه و يضفي عنه صبغة اللامشروعية ، فالركن الشرعي للجريمة هو الذي يعبر عنه بقاعدة لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص. فالفعل لا يعد جريمة يوقع من أجله العقاب إلا ادا تبت وجود قاعدة قانونية سابقة عن ارتكابه تبرر صفته الإجرامية و تحدد العقاب الذي يطال من أتاه. و هدا المبدأ يحمي الفرد من التحكم و لا يستطيع القاضي معاقبته إلا على الأفعال التي وصفها المشرع بأنها جرائم، و لا بالعقوبات الا يلك التي حددها من حيث النوع و المقدار .

ويعتبر هدا المبدأ أهم ضمانة على حرية الأفراد و أن هده الضمانة في ذات الوقت قيد على سلطات الدولة المختلفة بما فيها السلطة القضائية. و تطبيق هدا المبدأ يجعل القاضي ملزما بالنصوص الصادرة على المشرع في تحديد ما يعتبر جريمة من الأفعال و ما لا يعتبر كذلك، و في تحديد أركان الجريمة و شروطها .

فالغاية من إقرار هذا المبدأ هي حماية الفرد من المشرع ومن القاضي على السواء ، يحميه من المشرع لأنه يقصر سلطته على التشريع بالمستقبل فيكون الفرد على بينة من التصرفات المجرمة التي يعاقب عليها القانون ، ويحميه من القاضي لأن قانونية الجريمة والعقوبة يغل يده من اعتبار فعل ما جريمة إدا لم ينص عليه القانون ،كما يمنعه من الحكم بأية عقوبة لم ينص عليها القانون للجريمة المعروضة عليه .

و ادا كان المشرع يملك سلطة تحديد الجرائم و العقوبات المقررة لها فانه يجب أن يراعي في دلك البساطة و الدقة و الوضوح احتراما لحرية الأفراد و حفاظا على مصالح المجتمع، كما أن مبدأ الشرعية يفرض على السلطة القضائية ألا تجرم فعلا لم ينص التشريع الجنائي على تجريمه و أن تقوم بالتزامات تتمثل في تطبيق القانون و تأويله و تفسيره طبقا لأحكام التشريع الجنائي .

و لا يكفي أن يحدد القانون سلفا نوع الجزاء المقرر لكل جريمة و مقداره حتى يضمن بلوغ الغاية المرجوة ، و إنما ينبغي أن يحاول جعل الجزاء ملائما لحالة كل مجرم و ظروفه الخاصة على قدر الإمكان، لأن المجرم تختلف حالته باختلاف درجة أهليته للاختيار و الخطأ من جهة، و تحمل المسؤولية من جهة أخرى و هدا ما يعرف بنظرية تفريد العقاب و الذي تبنته معظم التشريعات الجنائية و أصبح من أهم موضوعات علم العقاب و الشغل الشاغل لعلماء القانون الجنائي و ترى النظرية أن شخصية المجرم يجب أن يكون لها المكان الأول و الموجه لسياسة العقاب .

ولعل إفراد معاملة خاصة بالأحداث الجانحين على مستوى النصوص الموضوعية يعتبر الهدف الأول والأخير لإرساء معاملة فارقيه، أساسها تخفيض العقوبة واعتبار أن القصد منها ليس هو القسوة والإيلام بقدر ما هي تدبير غايته إصلاح الجانح وإعادة تأهيله وتقويمه.

لذلك فإن القواعد التي تحكم مسؤولية الأحداث الجانحين هي قواعد خاصة تختلف عن تلك التي تحدد مسؤولية البالغين الجزائية ، ولا يتم إلا بإلغاء مؤسسة العقاب ــ ببعدها الانتقامي أو ألإيلامي ــ من تشريع الأحداث الجانحين ، فالأحدث الجانح هو ضحية أكثر من كونه مجرم ، وقد أصبح ثابتا عمليا أن وسائل العنف والتعذيب والقسوة لا تفيد شيء في معالجة انحراف الأحداث بل ربما تزيد من حدتها .

ولتفادي ذلك يجب أن تواجه مرحلة الحداثة بتشريع خاص على أن يحيطها المشرع بمعاملة خاصة على ضوء سياسة اجتماعية تهدف إلى توفير الرعاية والحماية للجيل الناشئ عن طريق تقرير تدابير إصلاحية تلاؤم كل حدث على حدا .

فادا كان الأصل أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يضفي على النص طابع الجمود لكونه مبدئيا لا يعير اهتماما لشخصية الجاني والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تحيط به عند ارتكاب الجريمة وقبلها، رغم أن النص في ذاته يحاول تلطيف من صرامة هذا المبدأ بنصه على كون العقوبة ذات حدين أدنى وأقصى، للقاضي سلطة تقديرية في تحديد الجزاء الأنجع للجاني ، فإن المشرع حاول أن يتجاوز هذا الأمر من خلال النص في فصول الخاصة بالأحداث التي تأخذ في الاعتبار ظروف الحدث وشخصيته أثناء تحديد النص المجرم للأفعال المرتكبة من طرفه .

ر
و بالرجوع إلى نصوص القانون الجنائي المغربي نلاحظ بأن المشرع حاول إرساء معاملة فارقيه عل مستوى النصوص الموضوعية بين الأحداث و الرشداء، على اعتبار أن ظاهرة الجنوح لدى الأحداث هي ظاهرة اجتماعية و ليست ظاهرة إجرامية و لدلك فان تحديد تلك العوامل كفيل بأن يؤدي إلى علاج نوازع و أسباب الجريمة لدى الأحداث.

المطلب الثاني : الركـــن المــعـــــــــــــنــــوي

لكي توجد الجريمة قانونا لا يكفي وجود فعل أو ترك منصوص ومعاقب عليه من طرف القانون ،وإنما يجب أن يكون هذا الفعل أو الامتناع قد نتج عن إرادة متبصرة لارتكابه،ويكون الهدف من ذلك هو مخالفة القانون ،فهذا الربط والعلاقة بين النشاط الإجرامي وبين فاعله هو ما يسمى بالركن المعنوي للجريمة .

فالركن المعنوي إدا هو انصراف إلى تحقيق هدفه المخالف للقانون أي وجود القصد الجنائي، هذا الأخير الذي يتمثل في اتجاه علم الجاني وإرادته إلى ارتكاب فعل مخالف للقانون الجنائي ، لكن إدا كان الركن المعنوي يقوم على القصد الجنائي فإن مضمون هدا الأخير قد عرف نقاش حادا بين الفقهاء ن فمنهم من يرى أن القصد الجنائي ينحصر في الإرادة ــ إرادة ارتكاب الفعل إرادة تحقيق النتيجة ــ ونهم من حدده في نظرية العلم وال=ي يتوفر حينما يريد الجاني الفعل ألجرمي مع توفر علمه بكافة العناصر الأخرى المكونة للركن المادي للجريمة .

وهكذا يمكن القول بان القصد الجنائي في معناه العام ن هو علم المجرم واتجاه إرادته إلى ارتكاب فعل مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه

ولقد عرف القصد الجنائي عدة تعريفات ، فبالنسبة ل EMILE GARCON ” هو إرادة الجاني لارتكاب الجريمة كما حددها القانون ،مع علمه بأن ذلك منهى عنه قانونا ” أما أرتولان ORTOULIN فعرفه “بأنه توجيه الفعل أو الامتناع إلى أحداث النتيجة الضارة لتي تتكون منها الجريمة ” وبالتالي فإن الجريمة التي تتحقق في الواقع بسبب نشاط الفاعل ما هي إلى محصلة لما خالج نفس الجاني قبل تنفيده مادياتها ، فالمغتصب مثلا يريد الاعتداء على عرض المغتصبة ، وهذه الارادة هي التي دفعته إلى مواقعة المجني عليها كرها عنها

ومن هنا فإن القصد الجنائي عنصر مرتبط بالجاني، أي أن تحديد العقوبة يتطلب بالأساس قيام إرادة الجاني لإتيان الفعل والعلم بمخالفته للقانون، وبهذا يتحمل مسؤولية فعله، إلا أن المسؤولية الجنائية تختلف في أسسها وأركانا عن الركن المعنوي، فهناك فرق جوهري بينهما، ذلك أنه إذا كانت المسؤولية الجنائية هي التزام بتحمل النتائج التي يرتبها القانون الجنائي على وقوع الجريمة وهي العقوبة . والتي لا تقوم إلا بتوفر عناصر الأهلية الجنائية المتمثلة في التمييز والإدراك وحرية الاختيار ، وقت ارتكاب الجريمة لا قبلها ولا بعدها .

فإن الركن المعنوي على خلاف ذلك يقوم على القصد الجنائي أو الخطأ الغير العمدي، ويرتبط ارتباطا وثيقا بالجريمة المرتكبة وينتج عن هذا الفرق أن الركن المعنوي للمسؤولية الجنائية ضروري لتطبيق العقوبة وإن لم يكن بالضرورة ركن في الجريمة، فعدم قيام المسؤولية الجنائية إن كان يبعد العقوبة فإنه لا يمنع من تطبيق التدابير الاحترازية، بالإضافة إلى فرق آخر بينهما وهو أن عناصر الركن المعنوي للمسؤولية الجنائية لا توجد في النموذج القانوني للجريمة ، بينما أركان الجريمة لابد أن يتعرض لها النص التجريمي نل ويحددها .

وباعتبار الركن المعنوي يمثل أحد أركان المسؤولية كما سبق الذكر، فهو يظم العناصر النفسية لها ويشكل في نفس الوقت انعكاسا لمادياتها في نفسية الجاني ولهذا لا يتصور قيام الجريمة بتخلف ركنها المعنوي إذ لا يمكن أن يسال شخص عن الجريمة دون أن تكون ثمة علاقة بين مادياتها ونفسيتها، غير أنه لا يمكن القول بقيام الركن المعنوي للجريمة، إلا إدا توفرت في الجاني الأهلية الجنائية التي تسمح بإسناد الواقعة الغير المشروعة إلى إرادته.

و لهدا فانه في الحالات التي يدخل ما يطرأ على الأهلية الجنائية مما يعدمه، يجعل من غير الممكن الحديث عن الإسناد المعنوي، فالحالات التي لا يتمتع فيها الشخص بالأهلية الجنائية لا يعتبر مانعا من موانع الأهلية الجنائية التي تحول دون المسؤولية الجنائية بقدر ما تعتبر مانعا للإسناد المعنوي أي الإثم .

ويتطلب هذا الإسناد المعنوي للجريمة أن يكون الفاعل متمتعا بالأهلية الجنائية، وأن يكون ارتكابه للفعل المجرم عن عقل وتمييز و اختيار، فهو يعي الفعل ويميزه عن غيره من الأفعال المباحة ويختار بين ارتكابه وعدم ارتكابه، وأن يكون قادرا على إدراك معنى أفعاله وحرا في اختيار سلوك الجريمة.

وقد اختلفت المدارس الفقهية المؤطرة للقانون الجنائي حول وجود إرادة حرة لدى الإنسان يستطيع بواسطتها أن يوجه أفعاله كما يشاء أم أن هناك ظروفا توجه إرادة الإنسان رغما عنه.

فالمدرسة التقليدية تبنت المبدأ الأخلاقي في المسؤولية الجنائية وحددت شروط المساءلة الجنائية للفرد على ضرورة توافره على أهلية وإدراك يمكناه من التمييز بين الخير والشر وفقا لإرادة حرة يختار بموجبها سلوكه ويوجهه وفق الطريق الذي يريد.

وتبعا لذلك، فالفرد إما أن يكون عديم الإدراك و الإرادة كالمجنون والطفل فلا يسأل عما يرتكبه من أفعال ضارة. وإما أن يكون متمتعا بملكتي الإدراك والإرادة، وهنا يجب مساءلته عما ارتكب تحديد مسؤوليته عن أفعاله مسؤولية كاملة.

ونخلص من خلال آراء المدرسة التقليدية أنه لا يكفي ارتكاب الشخص لفعل مجرم قانونا، وإنما يشترط إضافة إلى ذلك أن يكون متمتعا بملكتي الإرادة و الاختيار، أي أن يمكن من الوجهة القانونية إسناد الفعل إليه. إذ لا يكفي نسبة الفعل إلى الجاني ماديا، و إنما ينبغي أن توجد علاقة نفسية بين الجاني و الواقعة المنسوبة إليه باتجاه إرادته إلى مخالفة أوامر الشارع ونواهيه.

أما المدرسة الوضعية التي تبنت فكرة الحتمية والانسياق، واعتيرت أن الإنسان مجبرا عن ارتكاب الجريمة نتيجة عوامل متعددة داخلية أو خارجية تدفع إلى ارتكابها، والتي توجه سلوك الفرد نحو الجريمة رغما عنه، كما نادت بأساس جديد لهذه المسؤولية انطلاقا من الفلسفة التي اعتمدتها وهي ضرورة مساءل من ارتكب فعلا ضارا بالجماعة باعتباره مسؤولا مسؤولية اجتماعية.

وأن مصلحة المجتمع تقتضي دفع الضرر عنه، لذلك تبنت المدرسة فكرة إصلاح المجرمين عن طريق معاملتهم الجنائية تبعا لدرجة خطورتهم، وذلك من خلال تفريد المعاملة العقابية وفق ما تتطلبه حالة الجاني الذاتية و الاجتماعية قصد تحديد المعاملة الجنائية الملائمة.
ونخلص من خلال ذلك أساس المسؤولية عند المدرسة التقليدية هو الخطأ و المسؤولية الأخلاقية، وعند المدرسة الوضعية هو حماية المجتمع من الأعمال الضارة به و الحرص على المنفعة العامة.

فالرأي الأول يشترط لقيام المسؤولية الجنائية ركنين الإسناد المادي و الإسناد المعنوي، في حين الرأي الثاني فلا يشترط حتى الإسناد المادي، فهو يوصي بتطبيق المسؤولية الاجتماعية على كل فرد ثبت ارتكابه لفعل مخالف لمبادئ المجتمع ولو كان عديم الإدراك والإرادة كالمجنون والصغير

ورغم كل هذا فالمبدأ السائد اليوم في التشريعات وفي الفقه على حد سواء هو الأخذ بمبدأ المسؤولية الشخصية والعنصر النفسي في الجريمة، وبصورة مختصرة فالمسؤولية الجزائية تقوم على المسؤولية الأدبية ويكون الخطأ بمعناه الواسع الأساس الذي يحدد مدى توافرها

وقد تأثر المشرع المغربي كغيره من التشريعات المقارنة بأفكار المدرسة التقليدية وببعض أفكار المدرسة الوضعية، وذلك من خلال اشتراطه الإدراك وحرية الإختيار كأساس لقيام المسؤولية. فالإدراك معناه أن يكون للشخص ملكات ذهنية تمكنه من معرفة محمول الأعمال التي يأتيها ويقدر الأمور بتقديرها الصحيح و يصوب إرادته قصد اختيار السلوك المطابق للقانون أو المخالف له.
فعندما يعتري الشخص مانع من موانع الأهلية الجنائية فإن ذلك يؤثر على إرادته و يجرد الأفعال المجرمة التي يرتكبها من ركنها المعنوي.

فبانعدام الإدراك و الإرادة و التمييز تنعدم مسؤولية الفاعل عن الفعل الذي اقترفه أي انعدام الركن المعنوي ولو توافر الركنان المادي والقانوني .

فالبرجوع إلى القانون الجنائي المغربي نجده في بعض الفصول يشترط من أجل قيام المسؤولية الإدراك والإرادة والتمييز ، لأن المسؤولية تتفاوت حسب امكانية نسبة الأفعال الإجرامية إلى مرتكبيها مع الوضع في الاعتبار قواهم العقلية وقدرتهم على التمييز.

لذلك إدا ما اعترى المسؤولية الجنائية بعض العوارض كالعاهة العقلية أو صغر السن أو غيرها من
الحالات التي تبطلها أو تنقصها ، فإننا نكون أمام أسباب انعدام المسؤولية الجنائية التي تؤثر على العقوبات الأساسية وليست العقوبات التبعية .
والإعفاء من العقوبة انطلاقا من العناصر الذاتية المتصلة بالجاني يطهر من خلال موقف القانون من الأحداث والمختل العقل.

فقد نصت المادة 132ق.ج.م. كل شخص سليم العقل قادر على التمييز يكون مسؤولا شخصيا عن الجرائم التي يرتكبها ، ولا يستثنى من هدا المبدأ إلا الحالات التي ينص القانون صراحتا على خلاف ذلك .

فعندما ذهب المشرع إلى اعتبار الطفل دون الثانية عشرة من عمره غير مميز فدلك لكون هده القرينة قاطعة لايجوز اتباث عكسها حتى لو كان يتمتع بملكات تجعله يميز أفعاله ويدرك نتائجها من الناحية الواقعية .

كما أن نقص الإدراك قد يصل إلى الحد الذي يجعل من الطفل غير آهل لتحمل المسؤولية الكاملة، لذلك فإن صغر السن يمكن أن يعدم المسؤولية أو ينقص منها ، وهذا ما جاء في المادة 138 و 139ق.ج.م. لكون موانع المسؤولية الجزائية لها طابع شخصي، وان مجالها وإرادة الجاني فبنتفاءها ينتفي الركن المعنوي للجريمة .

المبحث الثاني: الطـــفل الــضحـــية.

إن الاهتمام بموضوع الطفل الضحية هو حديث نسبيا رغم أن الجرائم الجرائم المرتكبة ضد الأطفال كانت موجودة ولم تنتظر مجهود الباحثين من أجل الحديث عنها وإبرازها
وكان ذلك نتيجة تطور علم الضحية في النظام الجنائي ( المطلب الأول )، الشيء الذي جعل المشرع المغربي يولي اهتماما بالطفل الضحية ومحاولة إيجاد نصوص في قانونه الجنائي تتصدى للاعتداء على الأطفال ( المطلب الثاني )

المطلب الأول : تطور الضحية في النظــــام الجنائي

أتى على الضحية ظهر من الزمن أهمل فيه وضعه وجرد من كل سلطة بعد أن كان المحور الرئيسي في الموقف الإجرامي وصاحب الحق في معاقبة الجاني أو العفو عنه – مقابل تعويض أو بدونه – واستأثرت الدولة بتلك السلطة وبات لا يعترف بغير الدولة والجاني كطرف في العلاقة التي تنشأ عن الجريمة ، أما الضحية فلم يبق له سوى أن يجتهد في الحصول على التعويض الذي يستحقه من الجاني بدعوى مستقلة لا تعيرها الدولة الاهتمام.

وإذا كان الأمر كذلك فإنه يقتضي عند دراسة السلوك الإجرامي ومرتكبه دراسة الضحية باعتبار أنه يمثل الطرف الثالث في الموقف الإجرامي ، فالمعرفة الأكثر عمقاً للظاهرة الإجرامية والدفاع الفعال عن المجتمع في مواجهتها يتطلبان كما يقول نواريل” بحق الموازنة بين السلوك الإجرامي والأهمية الخاصة للجاني وضحيته.

أما الجاني فلم يكن له شأن في رسم السياسة الجنائية حتى شهد النظام الجنائي تغييراً كبيراً نتيجة لفكر المدرسة الوضعية الايطالية غير منحي الاهتمام في الجريمة ـ كسلوك مجرد ـ بالجاني وما يرتبط به من عوامل ، فأصبحت شخصيته محط اهتمام القانون الجنائي ، وهو توجه بطريق غير مباشر إلى الاهتمام بالضحية وهذا ما تم التأكيد عليه من طرف الباحثين في منتصف القرن العشرين من خلال الاهتمام بالجوانب المتعلقة بالضحية ودورها في الظاهرة الإجرامية وأدخلته عنصراً ثالثاً في الدراما الإجرامية الذي يمثل أهم المحاور التي تدور حولها الدراسات الجنائية ، وبدا الفكر الجنائي يتجه بصورة جدية إلى دور الضحية .

فأجريت الأبحاث وعقدت الندوات والمؤتمرات الدولية العلمية التي اتخذت هذا الموضوع محوراً للدراسات والبحث وكان من النتائج التي أسفرت عنها تلك الجهود العلمية ظهور تصنيفات للضحايا تبعاً لمدى فاعليتهم للتعرض إلى خطر الجريمة .

ومن تلك الندوات العلمية عقدت الجمعية الدولية للعقوبات والسجون دورتين إحداهما في روما عامن1885، والأخرى في بطرسبورج عام 1890. نوقشت فيهما بعض الجوانب المتعلقة بحقوق الضحية ، ثم عقدت دورة أخرى في باريس عام 1895.

إلا أن الدورات الثلاث لم يحقق الهدف منها ، ثم أعيد طرح الموضوع مجدداً خلال الدورة التي عقدت في بروكسل عام 1955 ووضعت بعض الأفكار التي قيلت حول أهمية الدراسة العلمية للضحية ضمن جدول أعمال والتوصيات الهولندية البلجيكية لعلم الإجرام التي انعقدت في 19 ديسمبر 1958 ودورة مجموعة دراسات علم الإجرام بجامعة بروكسل الحرة التي نظمت في الفترة من 26 يناير ـ 23 فبراير 1959 وفي هذين الملتقيين تمت مناقشة عدد من التقارير التي تناولت دور الضحية مع التركيز في هذا الصدد على الأطفال كضحايا للجرائم الواقعة على العرض .

مؤتمر الأمم المتحدة للوقاية من الجريمة المنعقد في ميلانو سنة 1985 صدر الإعلان الخاص بالمبادئ الأساسية الخاصة بحقوق الضحية حيث جاء في هذا الإعلان أنه يجب التعامل مع ضحايا الإجرام بعطف واحترام وأن تسهل أمامهم سبل القضاء المؤدية إلى التعويض عن الأضرار اللاحقة بهم وذلك عبر أصول شكلية مبسطة .
كما يطالب الإعلان بتقديم المعونة القضائية لضحايا الإجرام بحيث لا يتحملون أعباء الرسوم القضائية، وباحترام خصوصياتهم بحيث لا يحصل تدخل في شؤونهم الخاصة وإزعاجهم وإلزامهم بالانتقال دوماً إلى المحاكم كما يطالب باتخاذ الحيطة لتأمين سلامتهم في حلهم وتنقلهم وأن تصدر الأحكام بأسرع وقت ممكن .

ويطالب الإعلان بأن تتخذ الحكومات التدابير اللازمة لإنشاء صناديق تعويض على الضحايا الذين أصيبوا بأذى في أنفسهم ولم يعرف الفاعل أو أنه كان غير ملئ أو غير قادر على التعويض عن كامل الأضرار التي ألحقها بضحيته . كما يقتضي اتخاذ التدابير التي تحمل وتشجع المؤسسات العامة والخاصة على الاهتمام بالضحية وتقديم كافة أنواع المساعدات لها من مالية وطبية واجتماعية . وفي هذا السبيل يقتضي تنظيم دورات تدريبية للعاملين في هذا الحقل، وفي حقل الشرطة والقضاء والصحة العامة والشؤون الاجتماعية لإكسابهم الخبرة اللازمة التي يتطلبها مثل هذا الأمر.

وأحس المجتمع الدولي بأهمية هذا الوضع ودعت الدول مجتمعة ومنفردة إلى توجيه اهتمامها نحو وضع استراتيجيات ترمي إلى الوقاية من جميع أشكال العنف ضد الأطفال ومكافحتها بصورة فعالة مع توفير الحماية والمساعدة التي تعينهم على تجاوز محنتهم .

وان مصطلح الضحية وتعريفها يعرف اختلافا ، حيت نجد معظم القوانين لا تخرج عن استعمال المصطلحين ــ المجني علي أو الضحية ــ، فإن التعريف السائد هو كل شخص يعاني من ضرر مادي أو جسدي أو معنوي من جراء رد فعل غير متبصر صادر من طرف الغير .

والحدث باعتبار صغر سنه، هو الأكثر عرضة إلى الاعتداء حتى قبل الولادة إذا ما كانت الأم تتعاطى المخدرات مثلا خاصة في الشهرين الأوليين من الحمل، أو إذا ما تم ضرب الأم وإيذائها فمن الممكن أن يؤدي هذا إلى مشاكل في نمو الطفل الجسدي أو الذهني، فكلما كان سن الطفل اصغر كلما كان تأثير الاعتداء عليه اكبر .

والعدالة ذاتها تقضي بأن يراعى المشرع وضع اعتبار للضحية، في أنظمة قواعد التجريم والعقاب والقواعد الإجرائية، خاصة إذا كانت الضحية طفلاً ضعيف البدن وقاصر الإدراك والتمييز فليس من العدل أن تتساوى مراكز الجناة لمجرد أن ما أقدم عليه كل منهم من سلوك مادي يماثل ما قام به الآخرون ، وإنما العدل أن يكون للجوانب المتعلقة بالضحايا دور في تفريد المسؤولية واختلافها من واقعة إلى أخرى ، فخطورة من يعتدي على شخص قادر على الدفاع تقل عن خطورة من يعتدي على طفل مغلوب لا قوة له ولا معين على أمره .

وهكذا وبعد التأكد من ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الضحية في الدراما الإجرامية ، كان من الضروري على المشرع العمل على إرساء قواعد خاصة في منظومته القانونية المتعلقة بالضحية ، والأخذ بها أثناء المتابعة ، بل وتشديد العقاب في حالة كون الحدث ضحية .

المطـــلب الثــاني : الإهتــمام بالطــفــل الضحـــية في قواعـــد القانون الجنـــائي:

يعتبر الاهتمام بالضحية عموما من بين الإشكالات المطروحة على المشرع الوطني، حيث في الغالب ما نجد الاهتمام التشريعي ينصب على الجانح أو الجاني، في غياب تام للضحية التي تتكبد وحدها الآثار الجانبية للاعتداء دون أي اهتمام طبي أو اجتماعي من شأنه أن يساعد على تحمل تلك الآثار

فكان من اللازم أن يعطى للضحية اهتماما كبيرا في مجال التجريم و العقاب، إن بتشديد العقوبة التي تطال الجاني من جراء الاعتداء عليها، أو بتخفيظها، وذلك انطلاقا من المعطيات الذاتية للضحية.

فالضحية حسب القانون الجنائي يمكنها أن تؤثر على معاقبة المجرم، ويأخذ هذا التأثير مظاهر إيجابية بالنسبة للمجرم في حالات متعددة، فيكون ذلك سببا في عذر معف أو مخفظ للعقوبة، بل أحيانا يكون تصرف الضحية سببا مبررا، بينما في حالات أخرى تكون صفاة الضحية و خصائصها سببا في تشديد العقوبة .

ومن تم يظهر أن القانون الجنائي أولى اهتماما خاصا لشخصية الضحية عند تصديه لبعض الأفعال بالتجريم و العقاب، وذلك من أجل إيجاد أفضل الأساليب التي تؤدي إلى تحقيق أهداف المنع الجنائي.
فقد حاول المشرع حين تنظيمه لعقاب بعض الج

رائم أن يأخذ في الاعتبار شخصية الضحية و الصفات المتعلقة بحالتها و خصائصها البيولوجية و النفسية و الاجتماعية، و يظهر لنا هذا الاهتمام رغبة المشرع في ضمان حماية خاصة لبعض الأشخاص و الفئات الاجتماعية، وذلك لصفات تتعلق بهم فتجعلهم أكثر عرضة للاعتداءات الإجرامية، أو رغبة من المشرع في الدفاع عن قيم اجتماعية أو أخلاقية معينة

فاختيار المجرم لضحيته بعناية يؤدي إلى إضفاء صفة الخطورة على هذا الجاني، و بالتالي يجب التصدي لإجرامه بنوع من الشدة، لأن العدالة الجنائية تقتضي أن يراعي المشرع وضع اعتبار الضحية في أنظمة قواعد التجريم و العقاب، إذا كان الضحية طفلا، وذلك لكون الجوانب الذاتية المتعلقة بالضحية من المفروض أن تلعب دورا في بفريد المسؤولية .

فصغير السن غالبا ما يكون هدفا مثاليا للعديد من الاعتداءات لعدم قدرته على دفع الاعتداء الذي يتعرض له.

لأن الأطفال ونظرا لمجموعة من الخصائص الذاتية هم الأكثر عرضة للاعتداءات الإجرامية، وأكثر استعدادا أو قابلية للوقوع ضحية عمل إجرامي بحكم ما يتوافر فيهم من سمات تجعلهم هدفا سهل المنال وأكثر جاذبية للاعتداء .

إذ الاحتمال كبير في أن يصيروا ضحايا أعمال إجرامية تصيب سلامة أبدانهم أو صحتهم النفسية أو أعراضهم، فالضعف البدني والنفسي الذي يميز الأطفال، يجعلهم في أمس الحاجة إلى رعاية وعناية خاصة من قبل أسرهم وكذا أفراد المجتمع بشكل عام.

ووعيا من المشرع المغربي بهذا الاعتبار بادر إلى صياغة عدة نصوص تهدف في مجملها إلى حماية حق الطفل في الحياة وفي صحة جيدة وحقه في الاستفادة من وسط أسري ومستوى معيشي ملائم وضروري لاكتمال نضجه النفسي و العقلي و الجسدي .

وهي نصوص تعاقب على بعض الجرائم التي لا يمكن أن يكون ضحيتها سوى الأطفال، وأخرى تجعل من صفة الطفل ظرفا مشددا للعقوبة.

لذلك تشدد المشرع في عقاب الجاني التي يأتي فعلا مجرما على ضحية صغير، فتجسد بذلك الاهتمام بالطفل الضحية من خلال الاعتراف بضعفه وعدم نضجه البدني و العقلي وجعل مصلحته محل الاعتبار الأول.

فقد ضاعف المشرع المغربي العقوبة المخصصة لبعض الجرائم إذا كان الضحية طفلا، كما جعل في جرائم أخرى صفة الضحية ركنا لقيامها، وأفرد عقوبات تطال مرتكبيها، كالحرمان من التغذية أو العناية أو العلاج، تعريض الطفل للاستغلال، الإهمال المادي أو المعنوي، تحريضه على ممارسة أفعال غير مشروعة، ترك الأطفال أو تعريضهم للخطر..

وبالتالي سواء تعلق الأمر بصحة الطفل أو حياته أو سلامته البدنية والنفسية، فالمشرع يتدخل لمنح حماية خاصة لهذا الطفل، حماية ترتكز أساسا على تهديد المجرم بإمكانية تعرضه لعقوبة قاسية إذا قام بالاعتداء على هذا الكائن الذي يعتبر بيولوجيا ضعيفا، وعقليا غير مكتمل النضج
فالعبرة التي جعلت المشرع يتشدد في معاقبة المعتدي على الطفل سواء كان الاعتداء بدنيا – قتل، ضرب، جرح – أو جنسيا – الاستغلال الجنسي، هتك العرض…- أو نفسي، هو كون الطفل ليست له المناعة الكافية لتحمل الاعتداء الموجه إليه، فالطفل ضحية تلك الاعتداءات يشعر دائما بعجز أمام المعتدي و لا يبدي أية مقاومة، إما لعجزه البدني أو لعدم تقديره لخطورة الأفعال المرتكبة ضده، وإدراك مغزاها وعواقبها.

وأن سهولة إصابته باختلالات في وظائف جسمه أو اضطرا بات نفسية أو عقلية تؤثر على حياته ونموه السليم . وأن هذه الظروف كان من المفروض على المعتدي أن يراعيها ويضع في حسبانه النتيجة المحتملة لفعله.

فيكون بذلك المشرع قد تصدى لحماية حق الطفل في الحياة والنماء وضمان سلامته الجسدية والنفسية، كما حاول إفراد معاملة خاصة للضحية صغير السن وتسهيلات كبيرة للمطالبة بحقوقه والعمل على تأهيل الطفل الضحية تأهيلا نفسيا قصد تخطيه للأزمة التي يصاب بها نتيجة أفعال الاعتداء التي مورست عليه. – وإن كان ذلك على المستوى النظري فحسب –

لأنه بالرجوع إلى مقتضيات الترسانة الجنائية المغربية يمكن القول بأن المشرع لم يعترف على الإطلاق بحق الطفل ضحية العنف في التأهيل كما نصت عليه المادة 39 من الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل ، إذ أن المشرع المغربي وإن كان قد استجاب للالتزامات الدولية بشأن الطفل وخصوصا الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل فإنه ركز اهتمامه فقط بالطفل الجانح دون الطفل ضحية العنف وحقه في تأهيل اجتماعي ونفسي يساعده على تخطي الآلام التي يعانيها .

فرغم أن الاعتقاد قد ترسخ لدى المهتمين بالضحية على انه يجب الاهتمام بها ليس فقط من الجانب المادي، بتعويضها عن الضرر الذي لحق بها، بل يلحون على ضرورة تنظيم إطار محكم لعلاج الضحية ومساعدتها وتأهيلها نفسيا واجتماعيا. لتخطي الآثار النفسية للصدمة والآلام الجسدية التي ألمت به من جراء الاعتداء والعمل بالموازاة مع ذلك على إيجاد تدابير حماية اجتماعية توفر له من جديد فرص الاندماج الاجتماعي.