الجروح من المنظورين القانوني والطبي

ينصب إهتمام الطبيب المعالج عند معاينة الجروح على الناحية العلاجية البحتة، ويتركز هاجسة الأكبر في إنقاذ حياة المصاب أو مداواة جروحة، أما الطبيب الشرعي فيختلف منظوره قليلا (بلوخان وكوردنر 1991) حيث يهدف فحصه إلى وصف الإصابة وبيان أسبابها المحتملة أو طبيعة الأدوات المستخدمة والمدة المحتملة للعلاج وهل يحتمل الشفاء الكامل أم لا؟ كل ذلك في إطار تصنيفات وردت في النصوص القانونية ليتمكن العاملون بالقانون من تكييف الإصابة وبالتالي تطبيق تلك النصوص.

وتحاول هذه الدراسة المتواضعة الإجابة عن بعض التساؤلات التي قد تدور في ذهن الطبيب أو العامل بالقانون أو حتى المثقف العادي في ذلك السبيل.

تمهيد:

تمثل حالات الجروح أو الإصابات معظم عمل الطب الشرعي في العالم العربي (بن عمران 1993 – الخياط 2000)، وتلك تكون لحقت بأشخاص أحياء إما بسبب إعتداء او عرضا أو في ظروف أخرى، وتحيل النيابة العامة أو الشرطة الشخص المصاب إلى الطبيب الشرعي الذي يقوم بفحصه وإرسال تقرير مفصل حول الإصابة الى الجهة الطالبة، ومن المفترض أن يحتوي ذلك التقرير على الرأي الفني للطبيب الفاحص المؤسس على حقائق علمية ثابتة ومستقرة ومتعارف عليها،

والخلاف بين رأي طبيب شرعي وآخر في حالة معينة وارد، وإن حدث فهو غالبا ما يعود إلى عملية تأويل الحقائق إلى أراء، ويعتبر الخلاف في الرأي ظاهرة صحية طالما كان ذلك مقيدا في حدود تحكمها قواعد مسؤولة، لأن كلا من الجهات القضائية والطبيب الشرعي يسعون في النهاية إلى هدف واحد وهو إظهار الحقيقة، فإن كانت الحقيقة تتمثل في كلمة “أعلم” فلا غضاضة من التسليم بذلك سواء من جانب جهة الخبرة – المتمثلة هنا في الطب الشرعي – أو من جانب الجهة القضائية، وعلى ضوء الرأي الطبي الشرعي تقوم النيابة العامة بتكييف الجريمة الواقعة على المجني عليه إلى جناية أو جنحة حسب نصوص قانونية معينة، ويتم التصرف طبقا لما نص عليه القانون تبعا لجسامة الأذى الذي نجم عن الإعتداء حتى ينال الجاني العقوبة المفروضة، أما في الحوادث العارضة أو إصابات العمل فيتعلق الأمر بالحق المدني في التعويض الذي يتناسب ايضا مع مقدار الأذى الواقع على المتضرر والذي يقدره القاضي مستعينا بتقرير الطبيب الشرعي أو بقرار من لجنة طبية متخصصة.

أمثلة من قوانين مختلفة:

وقبل الخوض في الموضوع من الناحية الطبية وقبل التطرق إلى تصنيف أنواع الجروح المختلفة وأوصافها وكيفية حدوثها، لعله من المستحب إلقاء نظرة على النصوص القانونية التي تعرضت لجريمة الإيذاء، وحتى يتمكن القارئ من التمعن في القصد من وراء النصوص بشكل أفضل، أردت ألا أكتفي بمصدر واحد بل رأيت ضرورة أن أسوق أمثلة متباينة من قوانين مختلفة بدون أن اعلق على أوجه الإختلاف بينها بل تركت ذلك لإستنباط القارئ محكما حسن الإدراك والمنطق السليم؛ المبنيين على الحق والعدل.

المثال الأول – قانون العقوبات الإتحادي (1987):
المادة (117): يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنين من أحدث بغيره عمدا عاهة مستديمة.
وإذا توفرت أحد الظروف المبينة في الفقرة الثانية من المادة (332) عد ذلك ظرفا مشددا.

وتتوفر العاهة المستديمة إذا أدت الإصابة إلى قطع أو إنفصال عضو أو بتر جزء منه أو فقد منفعته أو نقصها أو تعطيل وظيفة إحدى الحواس تعطيلا كليا أو جزئيا بصورة دائمة. ويعتبر في حكم العاهة المستديمة كل تشويه جسيم لا يحتمل زوالة:

المادة (339): يعاقب بالحبس وبالغرامة من إعتدى على سلامة جسم غيره بأية وسيلة وأفضى الإعتداء إلى مرضه أو عجزه عن أعماله الشخصية مدة تزيد على عشرين يوما وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة والغرامة التي لا تجاوز عشرة آلاف درهم إذا لم تل نتيجة الإعتداء الى درجة الجسامة المذكورة في الفقرة السابقة. وإذا نشأ عن الإعتداء على حبلى إجهاض عد ذلك ظرفا مشددا.

المثال الثاني – قانون العقوبات الدبوي – 1970 (أستبدل بالقانون الإتحادي عام 1987):
المادة (245) تعريف لفظة الإعتداء:
يعتبر الشخص أنه إرتكب اعتداء على آخر إذا قام باحد الأفعال الآتية دون موافقة الآخر ودون مبرر أو عذر شرعي:

أ?- إذا ضربه أو لمسه أو حركه أو استعمل نحوه بصورة مباشرة أو غير مباشرة أي نوع من أنواع القوة لدرجة سببت له أذى أو ألما أو مضايقة شخصية.
ب?- إذا حاول أو هدد بإستعمال مثل تلك القوة المذكورة نحوه وهو في موقف ظاهر لإستعمالها مسببا بذلك للآخرين خوفا معقولا من أذى أو ألم محدق أو مضايقة شخصية محدقة به.

المادة (246) الإعتداء البسيط:
1. كل من إعتدى قصدا على شخص آخر يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة أو بغرامة لا تزيد على 1500 ريال أو بكلتا هاتين العقوبتين، إذا لم يقع الإعتداء في أحوال فرض لها هذا القانون عقوبة أشد.
2. تتوقف الملاحقة بموجب هذه المادة على شكوى المعتدى عليه وتسقط دعوى الحق العام بتنازل المشتكي عن شكواه ما لم يصدر في الدعوى حكم قطعي.

المادة (247) الإعتداء الذي يسبب أذىً جسمانيا فعليا:
كل من اعتدى على شخص آخر قصدا وألحق به بالفعل أذىً جسمانيا تزيد المدة اللازمة للشفاء منه عن عشرة أيام يعاقب إذا لم يشكل فعله جرما أشد بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات او بغرامة لا تزيد على 4000 ريال أو بهاتين العقوبتين معا.

المادة (248) الإعتداء على أنثى حامل مع العلم:
كل من اعتدى قصدا على أنثى حامل وألحق بها بالفعل أذىً جسمانيا مع علمه بحملها يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سبع سنوات، وإذا أدى الإعتداء إلى إجهاض الحامل أو ولادة جنينها ميتا بسبب الإعتداء يعاقب الجاني بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات.

المثال الثالث – قانون العقوبات الليبي (1953):
المادة (379) الإيذاء البسيط:
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تجاوز خمسين جنيها كل من أحدث بغيره أذى في شخصه أدى إلى مرض.
وإذا لم تجاوز مدة المرض عشرة أيام ولم يتوافر ظرف من الظروف المشددة المنصوص عليها في المادة (382) فلا يعاقب على الجريمة إلا بناء على شكوى الطرف المتضرر.

المادة (380) الإيذاء الجسيم:
يعد الإيذاء الشخصي جسيما ويعاقب عليه بالحبس مدة لا تزيد على سنتين او بغرامة لا تجاوز مائة جنيه إذا توافر أحد الظرفين الآتيين:
1. إذا نجم عن الإيذاء مرض يعرض للخطر حياة المعتدى عليه أو يعرضه للعجز عن القيام بأعماله العادية مدة تزيد على أربعين يوما.
2. إذا وقع الفعل على الحامل ونجم عنه تعجيل الوضع.

المادة (381) الإيذاء الخطير:
يعد الإيذاء الشخصي خطيرا ويعاقب عليه بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات إذا نشأ عن الفعل:
1. مرض لا يرجى الشفاء منه أو يحتمل عدم الشفاء منه.
2. فقد حاسة من الحواس أو إضعافها إضعافا مستديما.
3. فقد أحد الأطراف أو الأعضاء أو إضعافة إضعافا مستديما أو فقد منفعته أو فقد القدرة على التناسل أو صعوبة مستديمة جسيمة في الكلام.
4. تشويه مستديم في الوجه.
5. إجهاض الحامل المعتدي عليها.

هدف المشرع من التمييز بين درجات الإيذاء:

ومن خلال تمحيص القوانين الثلاثة مجتمعة يستنبط منها هدف مشترك أراده المشرع وهو أن يتمكن العامل بالقانون من تقسيم الإعتداء إلى درجات متفاوته، الدرجة الأولى تشمل الإعتداء بالضرب الذي لا يتخلف عنه أذى جسماني أو مرض، والدرجة الثانية تشمل الإعتداء الذي يتخلف عنه مرض أو أذى بسيط، ويلاحظ أن بعض النصوص تقيد قيام الدعوى القضائية في الحالتين السابقتين بشكوى الطرف المتضرر، أي أنه يجوز فيهما التنازل، وفيما يتعدى ذلك يكون الإعتداء شديدا بحيث يتخلف عنه مرض أو أذى جسيم أو خطير،

وحينئذ تقوم الدعوى القضائية حتى بدون شكوى الطرف المتضرر، أي أن ذلك النوع من الإيذاء يعتبر من جرائم الحق العام، مع ملاحظة أن استخدام لفظي جسيم وخطير هو إستخدام اصطلاحي كما جاء اعلاه بالمادتين 380 و 381، وقد أختلفت النصوص قليلا في تحديد درجات الإيذاء وأيضا في مقدار العقوبة المقررة في بعض الأحيان على الرغم من تساوي درجة الإيذاء، ولكن يبقى المنطق القانوني متشابها في مبدأ التناسب طردا بين مقدار العقوبة ودرجة الإيذاء.

العاهة المستديمة ونسبة العجز الوظيفي:

كلمة (عاهة) في اللغة تعني ما يصيب الماشية أو الزرع من آفات (المعجم الوسيط- الجزء الثاني ص 662، 665 والمنجد – ص 539)، ويلاحظ من الأمثلة السابقة أن لفظ (عاهة مستديمة) لم يرد إلا في القانون الإتحادي (1987)، ويفهم من السياق أن المشرع أراد به أن يستخدم كمصطلح قانوني فني يدل على مجموعة من اصناف الإيذاء الجسيم، بدليل أنه فسره في الفقرتين الثالثة والرابعة من المادة (337)، بحيث يستطيع العاملون بالقانون (مأمورو الضبط القضائي ورجال النيابة العامة والقضاة والمحامون) تأويل ما يرد عادة في التقرير الطبي الشرعي من وصف لطبيعة الضرر الجسماني المترتب على الإعتداء أو الإصابة (على سبيل المثال: قطع أو إنفصال عضو أو تشويه جسيم مستديم بالوجه) إلى المصطلح القانوني المعبر عنه (العاهة المستديمة)، ولذلك فإنني إعتقد أن مهمة الطبيب الشرعي هنا تتمثل حصرا في تحديد الاذى اللاحق بالمجني عليه ووصف ما ترتب عليه من ضرر بدون الخوض فيما إن كان ذلك عاهة مستديمة أم لا، لأن ذلك القرار – في تقديري – هو من باب التكييف القانوني الذي يقع في صميم إختصاص العامل بالقانون وهو ما أراده المشرع،

كما أرى أنه من الأمثل ألا يحاول الطبيب الشرعي تحديد مقدار العجز بنسبة مئوية معينة بل يقتصر على تحديد الضرر اللاحق بالمصاب ووصفة وصفا دقيقا والإكتفاء بذلك، لأن مقدار نسبة العجز ستترتب عليه في النهاية قيمة التعويض المادي الذي تقرره المحكمة، ولتلافي الإفراط او التفريط في تحديد مقدار التعويض المادي أرى ألا يكون متناسبا فقط مع نسبة مئوية يحكمها فقدان يد أو ساق حتى وإن كانت تلك النسبة المئوية دقيقة، فلا تنحصر العلة فقط في يد أو ساق فقدها إنسان ما، ولكن العلة الحقيقية تتمثل في قيمة اليد أو الساق عند الإنسان الذي فقد أيا منهما وماذا كانت تمثل له وكيف سيؤثر ذلك في مستقبل حياته وطبيعة عمله، فنجد أن فقدان نفس العضو تختلف تبعاته من شخص إلى آخر حسب متغيرات ذاتية تحتاج في سبيل إدراكها الى دراسة مستفيضة ومتأنية،

ولذلك أرى أن يعهد بذلك القرار إلى لجنة فنية تشتمل على مجموعة من ذوي الخبرات الرفيعة في النواحي الطبية العلاجية المختلفة والنواحي القانونية والنفسية والإجتماعية والإقتصادية، ويمكن أن يكون الطبيب الشرعي أحد الأعضاء المهمين في مثل تلك اللجنة الفنية، ولكني أرى أنه من الإسراف أن يناط إليه منفردا بمثل تلك المهمة لأنه مهما إرتقى تأهيلة التخصصي ومهما بلغ علمه فإن خبرته تبقى محصورة في الأمور التي أهل لأجلها والعلوم التي درسها وإجتاز امتحانات الكفاءة فيها، وتلك لم تشتمل – بالتأكيد – على حساب وتحديد نسبة العجز ولا حتى معرفة المفهوم القانوني للعاهة المستديمة ومن الأمور المؤكدة أيضا أن الدراسة التخصصية في الطب الشرعي لا تشتمل بالضرورة على منهج لدراسة القانون ولا حتى القانون الجنائي، وأي معرفة يكتسبها الطبيب الشرعي في ذلك المجال تعود إلى اهتماماته الشخصية ومجهوداته الذاتية.

وقد جرت العادة في الوطن العربي منذ نشأة الطب الشرعي أن الطبيب الشرعي يعرف كل شيء، وأصبحت الجهات القضائية مهيأة بالفطرة لتقبل ذلك المفهوم، وقد تم توارث هذا المفهوم المتبادل عبر أجيال متواترة من الأطباء الشرعيين ورجال القضاء حتى أصبح واقعا لا مفر منه، ونشأت معادلة صعبة بين رجل القضاء من جهة والطبيب الشرعي من جهة أخرى، الأول يتوقع من الثاني ما ليس عنده والثاني يخشى أن يعترف بما ليس عنده، وحتى إذا شذ أحد طرفي المعادلة وأراد ان يغير هذا الواقع الخاطئ قاومه الآخر بشدة، فالأول لا يريد فقدان الحلول السهلة التي يوفرها له الطرف الثاني، بإجاباته الحاسمة، والثاني لا يريد ان يفقد القيمة المعنوية التي يوفرها له الطرف الأول بثقته العمياء، وأصبحت الجهات القضائية لا ترضى عندما يعترف الطبيب الشرعي بالحقيقة ويتجنب الخوض فيما لا يعلم، فإذا لم يكتب عبارة (عاهة مستديمة) وإكتفى بذكر النقص الوظيفي المستديم او التشويه المستديم الناجم عن الإصابة يسأل مرارا حتى يضطر في النهاية إلى كتابة تلك الكلمة تجنبا للاستمرار في جدال لا طائل من ورائه، وإذا لم يحدد مقدار العجز على هيئة نسبة مئوية وإكتفى بوصف العجز الوظيفي في الحاسة أو في العضو فإنه سيطلب منه مرارا تحديد النسبة حتى يضطر في النهاية إلى إستفتاء جداول يتوارها الاطباء الشرعيون في الوطن العربي جيلا بعد جيل بدون معرفة أصل مصدرها أو على أية قاعدة علمية أستندت.

وينبغي على الجهات القضائية إدراك ان الطبيب الشرعي – كغيره من الخبراء – لا يملك الإجابة عن كل الاسئلة، وأن التسليم بتعذر الإجابة هو في الواقع إجابة قيمة تستحق الإحترام، كما ينبغي على الأطباء الشرعيين المعاصرين بذل ما في وسعهم لتصحيح المفاهيم الخاطئة التي ساهم في ترسيخها بعض قدمائهم سهوا أو قصدا حتى سادت لدى الجهات القضائية في العالم العربي بأسره، وأصبح من العسير تداركها أو تصحيحها، وأصبح الإعتراف بتعذر الإجابة أو قول “لا أعلم – ” بما يتطلبه من شجاعة – مدعاة للتشكيك في كفاءة ومهارة القلة من الأطباء الشرعيين الذين يدفعهم وازع الأمانة العلمية والصدق إلى ذلك الموقف.

تعريف الجروح:

الجرح أو الأذى هو التلف الذي يصيب أي جزء من الجسم بسبب استعمال العنف، ولا يشترط حسب هذا التعريف أن يحدث خرق لسطح الجسم، كما لم ينص أي من القوانين التي تعرضنا إليها أعلاه إلى ضرورة ذلك، حيث أن الكدمات – وهي نوع من الجروح – تحدث بدون خرق للجلد كما قد ينتج عن الإصابة تلف شديد بالأعضاء الحيوية الداخلية – الدماغ او الكبد او الطحال – بدون أثر يذكر على سطح الجسم.

ولا يحدث الجرح أو التلف إلا إذا أفاق مقدار القوة الواقعة على الجسم قدرة ذلك الجسم على مقاومتها وصدها بالصلابة (العظام) أو التكيف معها بالمرونة او الإزاحة (الجلد والأنسجة اللينة)، وغالبا ما تقع القوة على الجسم بواسطة أداة أجنبية عنه ولكنها قد تتمثل في الجسم نفسه أو أحد أجزائه عند تسارع وتباطؤ الجسم كما يحدث في حالات السقوط من إرتفاع، وتتناسب قوة الإصابة طرديأ مع كتلة الأداة المستخدمة، وكذلك مع مربع سرعتها، كما تعتمد شدة الإصابة على مساحة المنطقة التي تقع عليها قوة معينة فكلما أتسعت المساحة توزعت القوة وضعف أثرها، وكلما صغرت المساحة تركزت القوة وعظم أثرها، ويتمثل أثر هذه القاعدة في الفرق بين الإصابة الناشئة عن إرتطام سطح مضرب تنس الطاولة بالصدر بقوة معينة والإصابة الناشئة عن إرتطام الرأس المدبب لسكين بتلك المنطقة بنفس القوة، ففي الوقت الذي لا يكاد يتخلف عن الأولى سوى كدم خفيف تؤدي الثانية إلى إختراق جدار الصدر وإتلاف ما بداخلة.

ويمكن أن تؤثر القوى الخارجية بالضغط والجذب واللي (الإلتواء)، ولا يعتمد التلف الناجم عن الإصابة على نوع القوة فقط بل أيضا على نوع النسيج الحيوي المستهدف، فبينما لا تحدث قوة الضغط على النسج العضلي إلا أثر قليلا نراها تسبب تلفا دائما بالدماغ أو تمزقا بالأمعاء، وبينما لا يتأثر النسيج الشحمي بقوة الإلتواء تصاب العظام بكسور حلزونية إذا تعرضت لنفس القوة.

وكما يعتمد مقدار ونوع التلف الناجم على عوامل أخرى منها إبطاء انتقال القوة عن طريق حركة الجسم في نفس الإتجاه مما يقلل من أثر الإصابة، أو التقاء القوة بالجسم بشكل مائل مما يعمل على ضياع جزء كبير منها وبالتالي يقل التلف الناجم عن الإصابة.

أنواع الجروح:

كتير ما تسمى الجروح بمسميات خاطئة، فيوصف الجرح القطعي بأنه تهتكي وبالعكس، أو توصف السحجات بالتهتك وبالعكس، ويحدث ذلك خاصة مع الأطباء المعالجين نظرا لعدم خبرتهم في المسائل الطبية الشرعية (باسل بورديو – 2000م)، وبإستثناء إصابات الأسلحة النارية والحروق الحرارية والكهربائية والكيميائية ولسعات البرد يمكن تصنيف الجروح عموما إلى أربعة أنواع تبعا لشكل الجرح وطبيعة الأداة المستخدمة:

1. السحجات او الخدوش.
2. الكدمات أو الرضوض.
3. الجروح التهتكية.
4. الجروح القطعية.
ونظرا لأن الجلد هو أكثر أعضاء الجسم عرضة للإصابة بالجروح رأينا ضرورة التحدث بإيجاز عن تركيبه التشريحي، ويتكون الجلد من طبقات متراصة تشكل (البشرة) الطبعة العليا منها، وتتكون الطبقة السطحية من البشرة من خلايا قرنية غير حية تتفاوت في السمك من موضع إلى آخر في الجسم، فهي أغلظ ما تكون على راحة الكفين وبطن القدمين، وأرق ما تكون على الجفنين والصفن، وتعمل هذه الطبقة عمل الدرع الواقي لما تحتها زاد غلظها كلما تطلب إختراقها قوة أشد، وتتكون الطبقة العميقة من البشرة من خلايا حية ولكنها لا تحتوي على أوعية دموية، وهذه الطبقة مرتبة على هيئة تعرجات تتداخل مع الطبقة المبطنة لها والتي تدعى (الأدمة) عند التقائهما، وتتفاوت كمية التعرجات حسب رقة أو غلظ الجلد حيث تكون مناطق الإتصال بين (البشرة) و (الأدمة) أكثر إنبساطا في الجلد الرقيق وأكثر تعرجا في الجلد الغليظ، وتتكون طبقة (الأدمة) من نسيج دعامي يحتوي على بصيلات الشعر وغدد العرق والغدد الدهنية، كما تحتوي على أوعية دموية وليمفاوية وخيوط عصبية والنهايات العصبية التي تحمل مجسات الإحساس المختلفة، وتبطن الأدمة طبقة من النسيج الدهني، ثم تقع أسفل ذلك العضلات وما إليها.

السحجات:

السحجات هي الخدوش السطحية التي تصيب الجلد، ويذهب البعض إلى أنها كي تدعى كذلك يجب الا تخترق طبقة البشرة بالكامل، وتبعا لذلك لا تؤدي إلى نزيف دموي إذ أنها لا تصل إلى الأوعية الدموية الموجودة ضمن طبقة الأدمة، غير انهم لا يستبعدون حدوث نزيف محدود بسبب بعض السحجات نتيجة للتعرجات عند الحد الفاصل بين الطبقتين مما يجعل الأذى يتعدى البشرة إلى مواضع من طبقة الأدمة أسفلها، ويذهب آخرون إلى أن السحجات أو الخدوش تشمل كل الإصابات السطحية بما فيها ما يصل إلى طبقة الأدمة وعندها يكون حدوث شيء من النزيف أمرا حتميا، وسواء أخذنا بالتعريف الأول او الثاني فإن حدوث النزيف مرهون بمدى عمق الخدوش او السحج.

والفرق بين الخدش والسحج أن الأول عبارة عن تقشر في سطح الجلد على هيئة خط منفرد، أما الثاني فهو مجموعة من الخدوش المتقاربة التي تنشأ عن الإحتكاك بجسم صلب خشن ، وحتى إذا لم ينزف شيء من الدم في مثل هذه الإصابات سرعان ما يتغير لون الموضع المصاب ويتبلل بالسائل الذي ينز أو ينضح من الأنسجة الرطبة، وإذا حدثت الوفاة عقب ذلك تتصلب مواضع السحجات نتيجة الجفاف ويتغير لونها إلى البني والفاتح المشابه لجلد الرق، ويشاهد ذلك بوضوح عند موضع الحبل على عنق المتوفين بسبب الخنق او الشنق،

ويلاحظ عند فحص الموتى أنه لا يمكن التأكد من ان سحجا او أكثر قد حدث قبل الوفاة إلا إذا كان المصاب قد بقي على قيد الحياة لفترة زمنية كافية لحدوث تفاعلات حيوية على حواف مواضع الإصابة، ولذلك تتشابه السحجات التي تحدث قبل الوفاة مباشرة مع تلك التي تحدث بعدها، ويمكن ان تحدث إصابات على الجسد بعد الوفاة كما يحدث في حالات الغرق عندما يحتك الجسد بالصخور بفعل الأمواج، أو إذا تعرض الجسد الى هجوم النمل الذي قد يتواجد حوله، أو ببساطة أكثر عند إدخال أو إخراج الأجساد في التوابيت او الثلاجات، وتتميز السحجات التي تلحق بالجسد بعد الوفاة بإصفرار اللون والشفافية وخلوها من التفاعلات الحيوية عند الأطراف.

وتنشأ معظم السحجات عن الإحتكاك المصاحب لحركة الأداة المستخدمة بشكل مائل على سطح الجلد او مواز له بما يشبه حركة الفرشاة، وغالبا ما يتمكن الطبيب الفاحص من تحديد اتجاه حركة الأداة على سطح الجسم عن طريق ملاحظة أي من طرفي السحج تتجمع عنده مزق الجلد المقشور فيكون ذلك هو اتجاه الحركة، ويمكن الإستعانة بعدسة مكبرة للتحقق من ذلك.

أما إذا إرتطمت الأداة المسببة بإتجاه عمودي على سطح الجلد فلا ينشأ تقشر او خدوش كما يحدث في السحجات الإحتكاكية بل يتخلف عنها إصابة هرسية تظهر كالإنطباع المماثل لسطح الأداة المستخدمة، وقد يحدث كدم أسفل السحج المهروس يتناسب في الشدة مع قوة الإصابة كالتسحج الحلقي المحيط بفتحة دخول العيار الناري عند تلامس فوهة البندقية مع الجلد.

الكدمات:

تنشأ الكدمات بسبب الإصابة بأدوات رضية، أي ثقيلة نوعا ولها سطح عريض، وعلى الرغم من أنها كثيرا ما تكون مصحوبة بتسحج أو تهتك إلا أنها في شكلها الصرف تحدث بسبب تمزق الشعيرات الدموية بطبقة الأدمة او ما تحتها وتكون تجمعا دمويا تحت الجلد السليم بدون إحداث تمزق بالطبقة السطحية أو البشرة، ولكي يدعى الكدم كذلك يجب ان يفوق قطر مساحة التجمع الدموي بضع ميليمترات، فإن قل عن ذلك فيمكن ألا يكون نتيجة لإصابة مباشرة وينجدرج تحت تسمية أخرى، فيدعى (بثرة دموية) إن كان صغيرا جدا أو (قرت دموي) إن كان أكبر من ذلك (برنارد نايت – 1991م) وهذا تشاهد على الإغشية المصلية وغشاء الملتحمة بالإضافة الى الجلد.

فإذا كان لسطح الأداة المحدثة أو السطح الذي إرتطم به المصاب نمطا خاصا يتميز ببروزات تفصل بينها فراغات فإن المواضع البارزة ستنطبع على سطح الجلد بصورة تدل عليها، فإذا كانت تلك الفراغات على هيئة تجاويف عميقة وضيقة كتلك الموجودة على سطح أطر عجلات السيارات فإن ثنايا الجلد تنحشر داخلها مما يؤدي الى تكدم بطبقة الأدمة نتيجة تمزق الشعيرات الدموية بداخلها، وتتخذ الكدمات على جلد المصاب في حادث الدهس تحت عجلات السيارات نفس نمط الفراغات المتعرجة بحيث يمكن ان تدل عليها.

ومن الكدمات ذات النمط المميز تلك التي تتخلف عن إحكام قبضة اليد بشدة على ذراع المجني عليه او عنقه بحيث تترك أطراف الأصابع كدمات شبه مستديرة متعددة قطر كل منها في حدود سنتيمتر واحد، كما يتخلف عن الضرب بعصا كدم مزدوج على هيئة خطين متوازيين تفصل بينهما مسافة من الجلد الطبيعي تماثل سمك العصا المستخدمة ويطلق عليها مجازا (كدمات سكة القطار)!.

العوامل المؤثرة في درجة وضوح الكدمات:

1. تتكون الكدمات بسهولة أكثر بالأنسجة الرخوة كتلك المحيطة بمحجر العين أو المحيطة بالخصيتين (كيس الصفن) حيث يتوقف حجم الكدم على كمية الدم المتسرب من الوعاء الدموي الممزق إلى الأنسجة المحيطة، وبالتالي على الفراغ المتاح خلال الأنسجة المجاورة للوعاء الدموي، بينما يندر حدوث الكدمات ببطن القدم أو بطن الكف حيث تتكون من أنسجة ليفية ملتزة أو مزدحمة التكدس فلا تترك فسحة للتجمع الدموي خلالها.

2. الأشخاص السمان تتكون لديهم الكدمات بسهولة أكثر من النحاف وذلك بسبب الحجم الكبير للانسجة الرخوة تحت طبقة الجلد عن السمان، هذا على افتراض تساوي بقية العوامل المؤثرة في درجة تحمل جدران الأوعية الدموية.

3. تؤثر قوة الإصابة طردا على درجة التلف بالأوعية الدموية أسفل الجلد وبالتالي على مقدار الدم النازف الذي يتجمع ويشاهد من خلال الجلد، إلا أن هذه العلاقة محدودة نوعا، نظرا لتفاوت كثافة الشبكة الوعائية الدموية من موضع إلى أخر في جسم الإنسان.

4. تحدث الكدمات بدرجة أقل في المناطق اللينة التي تتكيف مع قوة الإصابة (مثل جدار البطن أو الأرداف) عنها في المواضع التي تحتوي عظاما تعمل عمل (السندان) للمطرقة، فيقع الجلد والأنسجة الرخوة بين العظم أسفلها والقوة المحدثة أعلاها (مثل الرأس والصدر ومقدم الساق).

5. إذا تساوت كمية التجمع الدموي فإن عمق موضع التجمع تحت الجلد هو الذي يحدد درجة وضوح الكدم، فإذا وقع في طبقة الأدمة كان أشد وضوحا، يليه في الوضوح ما يقع خلال النسيج الدهني بين طبقتي الأدمة وغشاء الصفاق، أما الكدمات الواقعة أسفل غشاء الصفاق العميق فيقل وضوحها بسبب طبقات النسيج الدهني والجلد التي تعلوها.

6. تزيد قابلية جلد كبارة السن للتكدم بسبب نقص مقاومة جدران أوعيتهم الدموية للتكسر والتلف، ولذلك يلاحظ أن الإصابات البسيطة التي لا تكاد تترك أثرا عند الشباب تسبب عند كبار السن كدمات واضحة نتيجة لحجم الدم النازف.

7. سهولة ظهور الكدمات بشكل ملحوظ لدى الأطفال يعود إلى طراوة جلودهم ورقة انسجتهم اللينة التي لا توفر حماية كافية للاوعية الدموية، على نقيض فئات معينة من الناس تغلظت جلودهم بسبب التعرض المستمر للإصابة كالملاكمين مثلا فلا تعود تتكدم رغم تلقي لكمات قد تسبب إيذاء شديد لغيرهم.

8. فرط سيولة الدم وقابلية جدر الأوعية الدموية للتكسر بسبب بعض الأمراض أو السموم أو الأدوية يزيد قابلية المريض للتكدم، ومثال على ذلك ما يلاحظ لدى مرضى الإسقربوط (نقص فيتامين ج) والمدمنين على الكحول.

9. يزيد أحيانا وضوح الكدمات مع مرور الساعات أو الأيام، وقد يكون السبب معاودة النزيف من نفس الوعاء الدموي المصاب، ولكن السبب الرئيسي هو تخلل أو إرتشاح الدم من المناطق العميقة إلى مواضع سطحية اقرب إلى طبقة البشرة، وهناك عامل آخر هو تكسر كريات الدم الحمراء وتحرر الهيموجلوبين الذي يتسرب خلال الأنسجة ويلونها بالأحمر، وهذه الظاهرة تفسر وضوح الكدمات الباهتة عقب حفظ الأجساد في الثلاجة لعدة أيام أو حتى ظهور كدمات أثناء فحص لاحق لم يلاحظ وجودها خلال الفحص السابق.

10. تقل درجة وضوح الكدمات كلما كان لون البشرة داكنا، والعكس بالعكس، وقد يتعذر مشاهدة الكدمات لدى أصحاب البشرة السوداء.

مراحل اندمال الكدمات:

يتفاوت لون الكدمات حسب مراحل إندمالها، وينبئ التغير في اللون على الزمن الذي انقضى على الإصابة، ونظرا لأن التجمع الدموي (ذو اللون الأحمر الداكن أصلا) يراه الناظر إليه من خلال البشرة والجلد فإن اللون المشاهد يتأثر بلوك البشرة التي قد تختلف من شخص إلى آخر، وكلما زاد لون البشرة قتامة قلت درجة وضوح الكدم، أما عند ذوي البشرة السوداء فيطغى اللون الداكن للبشرة على لون الكدم بحيث يحجبه تماما فلا يمكن رؤيته، وقد يستدل عليه بالتورم الذي يظهر على سطح الجلد إن كان التجمع الدموي كبيرا، بينما يتجلى اللون على طبيعته عند أصحاب البشرة البيضاء مهما كان التجمع الدموي صغيرا، ومع مرور الوقت يتحلل التجمع الدموي بفعل الإنزيمات وكرات الدم البيضاء ويمتصه الجسم، وتتكسر كرات الدام الحمراء ويتسرب منها (الهيموجلوبين) الذي ينحل كيميائيا بشكل تدريجي مما يؤدي إلى تفاوت اللون من الأحمر إلى الأرجواني إلى البني الضارب للزرقة فالبني الضارب إلى الخضرة إلى الأخضر فالأصفر إلى أن يزول اللون تماما (دي مايو ودي مايو 1993)، وفي الإنسان البالغ الصحيح يمر الكدم خلال تلك الأطوار إلى أن يختفي تماما في غضون أسبوع، وقد لوحظ إختفاء بعض الكدمات الصغيرة بعد إنقضاء يومين أو ثلاثة أيام على حدوثها، وليس من الصواب الإعتداد بجدول زمني دقيق ومحدد يعتمد على التفاوت في لون الكدمات نظرا للعوامل المتغيرة التي تتحكم في تأخير او تعجيل انحلال التجمع الدموي كيميائيا، فمن العوامل التي تبطئ زوال الكدمات: كبر حجمها، وكبر سن المصاب، وضعف صحة المصاب، بالإضافة إلى الإختلافات الشخصية في العوامل الفسيولوجية المساعدة على انحلال وامتصاص التجمع الدموي بين إنسان وآخر، وعلى أي حال يمكن الأسترشاد بهذه القاعدة التقريبية عند تقدير عمر الكدمات:

1. إذا لم تظهر أية تغيرات في اللون الأصلي للكدم فمن المستبعد أن يكون عمره اكثر من يومين.
2. إذا ظهرت تغيرات في اللون الأصلي للكدم فلا يمكن أن يكون عمره أقل من يومين إلا إذا كان صغيرا جدا.
3. إذا وجدت كدمات متعددة وكانت ألوانها مختلفة على الرغم من التقارب في أحجامها فيدل ذلك على التفاوت الزمني في أوقات حدوثها.

الجروح التهتكية:

رغم التباين الشكلي الواضح بين كل من الجروح التهتكية والسحجات والكدمات إلا انها تشترك جميعا في إمكانية حدوثها بسبب الإصابة بأدوات صلبة راضية، غير أن الجروح التهتكية تخترق كل طبقات الجلد بل يمكن أن تصل إلى ما تحته من أنسجة رخوة وعضلات، وتسبب انفصال الجلد والأنسجة عن طريق تمزيقها بقوة الشد عوضا عن شقها بالحد القاطع كما هو الحال في الجروح القطعية التي تنجم عن الأدوات الحادة، أما الأدوات شبة الحادة (الساطور أو الفأس) والمسننة (المنشار) فتؤدي إلى جروح تهتكية ضبابية المعالم يختلط فيها التمزق عن طريق الشد مع الشق عن طريق القطع.

وغالبا ما يتوقف نشوء الجروح التهتكية على وقوع الإصابة بالأداة الصلبة غير الحادة قبالة قاعدة عظيمة صلبة بحيث يمكن لقوة الإصابة أن ترض أو تسحق عليها الجلد والأنسجة الرخوة فيحدث التمزق والإنفصال، ويتوفر هذا الشرط بمنطقة الرأس والوجه والصدر والكتفين والمرفقين والركبتين ومقدم الساقين وبعض النتوءات العظيمة الأخرى المغطاة بالجلد، أما المناطق الرخوة مثل البطن والردفين فيتطلب نشوء الجروح التهتكية بها أن تكون الأداة المستخدمة إما شبه حادة (كما تقدم) أو أن يكون لها نتوء أو حرف بارز، وإلا فيشترط أن تقع قوة الأداة غير الحادة على الجلد بشكل مائل وبقوة شديدة، وغالبا ما تصاحب الجروح التهتكية سحجات وكدمات بالجلد حول موضع الإصابة.

وقد تبدو الجروح التهتكية على جلد الرأس وكأنها جروح قطعية ناشئة عن ساطور أو سكين كبيرة خاصة إذا كان الفاحص قليل الخبرة، ويعزي الشكل المستقيم للجروح في هذه الحالة الى وجود عظم الجمجمة أسفل جلد الرأس الذي يجعل الأخير مشدودا بتوتر فائق القوة بحيث ينفصل الجلد على هيئة شق مستقيم حتى إن كانت الأداة المستخدمة مسطحة وفي هذه الحالة يتميز الجرح التهتكي عن الجرح القطعي بالخصائص الآتية:

1. وجود كدم أو رض على حواف الجرح التهتكي على خلاف الجرح القطعي.

2. نظرا لأن الأداة المسببة غير حادة يكون الإنفصال غير تام ويلاحظ وجود جسور من الأنسجة أو الأوعية الدموية في عمق الجرح التهتكي توصل بين ضفتيه ولا تلاحظ هذه الظاهرة في الجروح القطعية.

3. العظم الواقع في جوف الجرح التهتكي إن كان سليما فلن يلاحظ به كسر حزي أو شقي على غرار ما يتوقع ويشاهد إذا كان الجرح ناجما عن أداة حادة.

4. يلاحظ في المناطق المشعرة سلامة الشعر المتعامد مع الجرح التهتكي أو سحقه في أسوأ الظروف، على نقيض الجروح القطعية حيث لا تصل الأداة المستخدمة إلى الجلد إلا بعد ان تقطع خصلات الشعر فوقه.

ويمكن أن ينشأ جرح تهتكي متشعب على جلد الرأس بسبب إصابة بأداة صلبة غير حادة ذات سطح صغير مثل (القادوم)، وبالإضافة إلى السحجات والكدمات المحيطة يمكن لتلك الإصابة إن كانت شديدة القوة أن تؤدي إلى إنخساف عظم الجمجمة أسفل الجرح، وإذا كان محور القوة مائلا على سطح الجسم تؤدي الإصابة بالأدوات الصلبة الثقيلة إلى نزع قطعة من الجلد أو الأنسجة الرخوة كليا أو جزئيا عن بقية الأنسجة أو عن العظم في إصابات الرأس.

وتسبب الأدوات الصلبة شبه المدببة أنواعا خاصة من الجروح التهتكية، كما يمكن لأداة ذات طرف غير حاد ولا مدبب أن تنغمس أو تغرس في الجسم إذا اندفعت بقوة شديدة وتؤدي إلى جروح تهتكية كبيرة قد يصاحبها كسور في العظام التي تقع في مسارها، أما الجروح التهتكية الناشئة عن إصابات الأعيرة النارية وشظايا المتفجرات فلها خصائص فريدة لا يتسع المجال إلا لذكر إحداها فقط وهي ان فتحة دخول العيار الناري تبدو على هيئة ثقب أو حفرة لأن المقذوف الناري لا يخترق الجلد او الأنسجة بالقطع أو الإزاحة بل بالإزالة الكاملة للانسجة بحيث يتخلف عن مساره ما يشبه النفق المحفور في الصخر! إلا أنه في الأنسجة الرخوة سرعان ما تسده ترسبات الدم والأنسجة التالفة حواليه.

الجروح القطعية:

يقصد بالجروح القطعية تلك التي تنشأ بسبب الأدوات الحادة مثل السكين او شفرة الحلاقة أو الزجاج المكسور أو الساطور ذي الحافة الحادة او ما شابهها، وتميز الجروح القطعية بانفصال الجلد وما تحته بشكل مستقيم ومنتظم وبدون حدوث تكدم ملحوظ على حافتي الجرح على عكس الجروح التهتكية، ونظرا لذلك تلتئم الجروح القطعية بشكل أسرع من الجروح التهتكية كما يتخلف عنها ندبة أقل وضوحا خاصة إذا تم تقريب حافتي الجرح بواسطة إحدى الوسائل العلاجية.

وتبعا لنوع الأداة المستخدمة وإتجاه محور القوة يمكن للجرح القطعي الناشئ عن أداة حادة أن يكون سطحيا أو غائرا او طعنيا، وقد يكون الجرح الطعني عميقا أو غير عميق، فإن كان عميقا فيمكن أن يكون نافذا إلى أحد تجاويف الجسم أو غير نافذ، وكل هذه الإختلافات تحدث تبعا لمتغيرات عدة منها طبيعة الأداة الحادة المستخدمة، واتجاه محور القوة بالنسبة لسطح الجسم، ومقدار قوة الإصابة وموضع الإصابة.

الجروح القطعية السطحية:

وتتميز كل من الجروح القطعية السطحية والقطعية الغائرة بأن طولها يفوق عمقها، فإذا تجاوز عمق الجرح طوله تنتفي عنه صفة السطحية ويصير طعنيا، وقد يكون الجرج السطحي أعمق عند بدايته أو عند نهايته ولكن الأكثر شيوعا أن يبدأ عميقا نسبيا ثم يقل عمقه تدريجيا في إتجاه نهايته لينتهي نحيلا وضئيلا عند طرفه ليشابه في ذلك شكل (ذيل الفأر) وهذه الجروح غير خطيرة في أغلب الأحيان، وهي أقل خطرا من الجروح القطعية الغائرة او الجروح الطعنية، أما إذا أصابت منطقة العنق فقد تكون قاتلة نظرا لوجود أعضاء حيوية أسفل الجلد مباشرة كالقصبة الهوائية والأوردة.

الجروح القطعية الغائرة:

ويشابه هذا النوع من الجروح الذي سبقه من حيث طبيعة الأداة المستخدمة وأيضا أتجاه محور القوة، ويختلف عنه في مقدار القوة الواقعة وفي موضع الإصابة الذي يشترط أن لا يكون إحدى المناطق التي يوجد سطح عظمي أسفلها لا يسمح للنصل الحاد أن ينغمس الى مدى عميق اثناء مساره باتجاه طولي – الجمجمة او القفص الصدري مثلا – بل يجب أن يكون على منطقة مكتنزة باللحم والأنسجة الرخوة كي تتيح شيئا من العمق للجرح، وتتمثل خطورة هذا النوع من الجروح في احتمال إتلاف اوتار العضلات أو قطع الأعصاب أو الأوعية الدموية الرئيسية، أما إذا لحقت الإصابة بالعنق فقد تؤدي الى الوفاة، وعلى منطقة البطن يمكن أن يخترق هذا النوع من الجروح جميع طبقات الجدار الأمامي وينفذ إلى تجويف البطن فيصيب بعض الأمعاء.

الجروح القطعية الطعنية:

الجروح القطعية الطعنية هي جروح قطعية يفوق عمقها طولها الظاهري عند فتحة الدخول تنشأ غالبا عن الإصابة بالسكاكين أو ما هو في حكمها، وتعتبر الجروح الطعنية النافذة من أهم اسباب وفيات القتل في معظم أنحاء العالم (برنارد نايت 1991 – باسل بورديو 2000م)، ولا يدل حجم الجرح – الظاهر للعيان فوق سطح الجلد – على مدى عمقه غير المنظور ظاهريا والذي غالبا ما يكون عدة أضعاف ذلك الحجم أو الطول، فمهما صغرت أو كبرت المسافة بين طرفي الفتحة السطحية للجرح (الطعني) فإنه يشترط أن يتعدى عمقه تلك المسافة وإلا فلن تنطبق عليه صفة كونه طعنيا.

وقد لا يخترق الجرح الطعني أكثر من الجلد و الطبقة التحتية وفي هذه الحالة يوصف بأنه (غير عميق) أما إذا أخترق الطبقة العضلية ولكن بدون أن ينفذ إلى أحدى التجاويف الطبيعية بالجسم فيوصف بأنه (جرح طعني عميق) وتكمن خطورة هذا النوع من الجروح الطعنية في إمكانية إتلاف أعضاء حيوية عميقة مثل الأوعية الدموية الكبرى أو الحبال العصبية الرئيسية (في منطقة الفخذ مثلا)، أما أشد أنواع الجروح الطعنية خطرا فهو (النافذ) منها، وتدعى كذلك حالة كونها تنفذ إلى داخل تجاويف الجسم وتصيب الأعضاء الحيوية بها، فقد تنفذ الأداة المستخدمة (والتي هي في الغالب سكينا) إلى الدماغ بعد أن تخترق الجمجمة، أو تنفذ إلى القلب او الرئتين بعد أن تخترق القفص الصدري أو تنفذ الى الكبد او الأمعاء أو الأوعية الدموية الرئيسية بعد أن تخترق جدار البطن الأمامي، وغالبا ما تؤدي مثل تلك الإصابات الى الوفاة نظرا لخطورة التلف الناجم من جهة، وتعذر إسعاف المصاب في الوقت المناسب من جهة أخرى حيث يتوقف إنقاذ حياة المصاب على سرعة التدخل الجراحي المتخصص الذي غالبا ما يصطدم مع عقبات فنية وجغرافية.

ومن خلال فحص كل من المظهر السطحي والشكل الداخلي للجرح الطعني يمكن للطبيب الفاحص أن يكون فكرة معقولة عن نوع الأداة المستخدمة ومقاييسها المحتملة ودرجة استدقاق نصلها، وهل جرى تحريكها داخل الجرح، والعمق الذي وصل إليه طرفها، واتجاه الإصابة ومقدار القوة المستخدمة، غير ان التنبؤ بمعلومات حول الجاني والأداة المستخدمة من خلال فحص القتيل أمر تكتنفه الصعوبة ويجب على الطبيب الفاحص ألا يتمادى في ذلك السياق، فيلاحظ على سبيل المثال أن المسافة بين طرفي الجرح قد لا تعبر بدقة عن عرض نصل السكين حيث ينكمش الجلد نتيجة خاصية المرونة عقب استلال السكين من قبل الجاني، كما يلاحظ أيضا أن موضع الجرح واتجاهه قد لا يدلان على موضع الجاني بالنسبة للمجني عليه لأن عملية الصراع والمقاومة أثناء تلقي الطعنات تجعل كلا منهما في حركة مستمرة مما يجعل من المتغذر معرفة الوضع الأصلي لأي منهما سواء من كان يكيل الطعنات او من كان يتلقاها.

المراجــع

1. فيرنون بلوخان وستيفنس كوردنر – إيثكس، ليجال ميديسين آند فورينسيك باثولوجي (1991) – الطبعة الثانية – ميلبورن يونيفرستي بريس – ص 214.
2. فوزي بن عمران – آن أوبجيكتيف ستادي أوف تو ميديكو ليجال سيستيمز ميديسين، سينس أند ذالوو- 1993م- الجزء 33 – رقم 4- ص 315 – 324.
3. عبد القادر الخياط – التقرير السنوي 2000- الإدارة العامة للادلة الجنائية- ص 21، 22.
4. قانون العقوبات الإتحادي – الجريدة الرسمية – العدد 182 الصادر في 20/12/1987م، ص 97-98.
5. قانون العقوبات لسنة 1970 – الجريدة الرسمية (ملحق) العدد 77 الصادر في أكتوبر 1970 م ص 84-85.
6. قانون العقوبات الليبي – مجموعة التشريعات الجنائية – الإدارة العامة للقانون – الجزء الأول ص 107 – 108.
7. المعجم الوسيط – دار عمران – الطبعة الثالثة – الجزء الثاني ص 662، 665.
8. باسل بورديو – في : ماسون وبورديو – ذا باثولوجي أوف تروما- 2000م – الطبعة الثالثة – أرنولد – ص 123.
9. دومنيك دي مايو وفينسيت دي مايو – فورينسيك باثولوجي – 1993م – الطبعة الثانية – سي آر سي بريس – ص 93.
10. برنارد نايت – فورينسيك باثولوجي – 1991م – إدوارد أرنولد ص 131.
11. نفس المرجع السابق – ص 140.

Wounds from a Medico – Legal Perspective

Unfortunately, jargons used by medical professionals have al-ways been a cause of confusion to members of law enforcement establishments. Likewise, very few medical practitioners under stand the legal implications of their medical reports concerning accidental and non-accidental injuries. This paper is an attempt to familiarize either side with concepts pertinent to the other in connection to criminal and civil actions concerning injuries.

In the United Arab Emirates, the law classified injuries according to their severity; it was measured in terms of causative agent, duration of treatment, disabilities incurred and other consequences of trauma like abortion. Quotations from local statutes in that regard has been presented, and discussed in comparison to a foreign example.

Morphologically, wounds are classified into bruises, abrasions incisions and lacerations. The definition of each has been stated with an account of its medico – legal importance.

As with anything else, there are limitations to the expert opinion based on the morphology of wounds. These have been discussed in relation to possible errors of judgment if the forensic-medical examiner over-interprets physical signs.