متطلبات بناء أسس الشرعية الديمقراطية في الأنظمة السياسية المغاربية

د. بن عمراوي عبد الدين أستاذ محاضر بقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية.

كلية الحقوق بـ بودواو. جامعة امحمد بوقرة بومرداس (الجزائر).
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

ملخص عام:
إن عملية بناء أسس الشرعية الديمقراطية عملية تطورية تاريخية حضارية مؤسساتية، تقتضي في حال الدول المغاربية لاسيما الأقطار الثلاثة (تونس، الجزائر والمغرب) ما قد تقتضيه العملية البنائية من شروط ومستلزمات، وأول هذه الشروط هو مكافحة جل العوائق التي تحول دون استنبات وولادة تلك الأسس الحديثة، ولن يتأتى ويتحقق ذلك إلاّ من خلال وضع قطيعة مع كل ما يتنافى مع المصادر التقليدية للشرعية، أي إعادة صوغ مصادر الشرعية على النحو المتعارف عليه عالميا، وتحكيم العقل في تدبير الشأن السياسي والأخذ بمبادئ الديمقراطية التي هي الوجه السياسي للحداثة في الوقت الراهن على المستوى العالمي، ولبلوغ ذلك على أنظمة دول المغرب العربي إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس ديمقراطي، وإنجاز تحولا ديمقراطيا حقيقيا، أي الانتقال من أنظمة باتريمونيالية قائمة على المصادر التقليدية/ الرعوية إلى أنظمة ديمقراطية قائمة على مصادر حديثة مجتمعية.

Abstract

The process of building a Democratic legitimacy is an evolutionary, historical, civilizational and institutional operation that involves-in the case of the Maghreb, notably the three poles (Algeria, Tunisia and Morocco)-what a construction (building) operation needs as conditions & requirements; The first is to avoid the difficulties facing the emerging modern patterns. Hence, it can be achieved only through a rupture with all what differs with the traditional sources of legality, it means remodeling the sources of legality as it’s known internationally; preponderating mind in ruling the political affairs and taking in consideration the principles of democracy which is the political features of modernity at the present time in the world. Hence to attain that goal the Maghreb Arab countries has to alter the relation between the state and the society on democratic bases. Finally, it has to carry out a real democratic transition; E.I to change from patrimonial systems based on traditional fundamentals/ rental, to democratic systems standing on societal modern sources.

مقدمة:

لقد شهدت الدولة الجزائرية – على غرار معظم دول العالم الثالث- مع نهاية الثمانينات وبداية التسعينات انتشارا للمد الديمقراطي في إطار الموجة الثالثة من التحول الديمقراطي، تلقت فيه قدرا من قوة الدفع باتجاه الديمقراطية، انعكس هذا التحول في محاولة النظام السياسي الجزائري تجديد شرعيته والاستجابة لمتطلبات الواقع السياسي والاقتصادي المحلي والدولي، عن طريق إتاحة المزيد من الحرية السياسية لقوى المعارضة، والتنصيص على مجموعة من المبادئ الديمقراطية كمصادر حديثة للشرعية.

وبعد فترة غير بعيدة؛ انكشف أن تلك التطورات لم تغير كثيرا من جوهر الوضعية السابقة، فتلك التحولات ما هي إلاّ محاولة استغلتها النخبة الحاكمة لتجديد نفسها وضمان استمراريتها، وما الإصلاحات التي أقدمت عليها منذ تلك الفترة إلى اليوم، وأقرت بموجبها بعض الآليات الحديثة للديمقراطية كالتعددية والانتخابات…، إلاّ ترتيب لإضفاء الشرعية على نفسها، وهو الأمر الذي يؤكد استمرارية نظام الحكم – الفاشل في تحقيق مطامح الشعوب- في إفتقاره لأسس ومقومات الشرعية الديمقراطية، وعلى ذلك تكرس يقين، وهو أنه لا مجال لإنجاز تحولا ديمقراطيا دون أن يتمتع النظام بالشرعية الكافية التي تكون محط توافق شعبي اجتماعي كبير، ولن يتحصل على هذا التوافق دون استحضار البيئة الموائمة والمستلزمات الضرورية لبناء أسس الدولة الحديثة/الديمقراطية.

على هذا الأساس جاء هذا البحث للإجابة على هذه الإشكالية: فيما تتمثل شروط ومستلزمات بناء أسس الشرعية الديمقراطية في الأنظمة السياسية المغاربية؟

أولا: إصلاح الدولة: في الإصلاح السياسي/الديمقراطي.

إن قضية الإصلاح السياسي في دول المغرب العربي هي ببساطة قضية إصلاح الدولة ككل، إذ مطلب الإصلاح السياسي يلخص– اليوم- سائر مطالب الإصلاح (على تعددها وتنوع مجلاتها) ويمثل الأسَّ منها جميعا، أو المدخل الرئيس إلى طرق عناوينها الأخرى، كما يرتبط مطلب الإصلاح السياسي أيضا بمطلب الديمقراطية، إذ يستحيل الفصل بينهما[1]، ومهما تعددت أراء الباحثين حول مفهوم الإصلاح السياسي إلاّ أنهم يكاد يتفقون جميعا على أنه يعني مرور النظام السياسي بعمليات تغيير واسعة النطاق تتناول بنية النظام، بحيث يبدو التحول الديمقراطي أحد أوجه الإصلاح الشامل[2].

نظرا لما يحمله الإصلاح السياسي الديمقراطي من أهمية، فهو يعتبر أحد المداخل الرئيسية لبناء الشرعية الديمقراطية في حال النظم السياسية لدول محل الدراسة المفتقرة لذلك البناء، وفي ظل ذلك الفقر المدقع لأسس الشرعية الديمقراطية، وظروف أخرى لا تختلف عن ظروف البلاد العربية عموما، يعني الإصلاح السياسي* – حسب عبد الإله بالقزيز- أمورا ثلاثة:[3] الانتقال من نظام سياسي مغلق إلى نظام سياسي مفتوح، والانتقال من الشرعية التقليدية إلى الشرعية السياسية الحديثة، ثم الانتقال من حياة سياسية قائمة على العنف إلى أخرى قائمة على المنافسة السياسية السلمية والديمقراطية، وهي أهداف مترابطة لا تقبل الفصل.

هذه الأمور الثلاثة التي تعتبر بمثابة المتطلبات التي على أنظمة الدول المغاربية أخذها بعين الاعتبار من أجل إصلاح سياسي ديمقراطي حقيقي، هي في المجموع مستلزم من مستلزمات بناء الشرعية الديمقراطية، إذ من خلالها تنشر ثقافة سياسية ديمقراطية تحقق المعادلة المتمثلة في دعم الثقة السياسية بين المواطن والنظام السياسي من ناحية، وحق المواطن في نقد السلطة والمشاركة في تصحيح توجهاتها من ناحية أخرى[4].

أ/ فتح المجال السياسي المغلق.

وضحنا آنفا كيف يتفق العديد من الباحثين السياسيين المهتمين بالشأن المغاربي، والعربي عموما، على أن التكوين الاجتماعي والسياسي للدولة كان عصبويا في الأساس، كما واصلت ممارسة السلطة في سياق التوازنات العصبوية وليس كممثلة لعموم المجتمع، ولا شك أن عجز دول المغرب العربي عن تجاوز الجذور التاريخية العصبوية لنشأتها الخاصة، قد أعاق أي مشروع لبناء إجماع وطني بين الجماعات التي يضمها الإقليم الجغرافي لكل دولة من جهة، أو بينها وبين مؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى[5]، وهذا ما يؤكده الأستاذ عبد النور بن عنتر في حال الدولة العربية عموما بقوله: ” لم يسبق وأن وجدت مشاريع سياسية عربية أديرت وفقا للقاسم المشترك وخدمة الصالح العام ومراعاة اهتمامات كل الأطراف من خلال الحوار للتواصل إلى تسوية تراعي مصالح الجميع، وتحظى بالإجماع اللازم، بل إن في الإدراك السياسي العربي، مفردة تسوية اختزلت في معنى التنازل، بينما عي تعني الحل الوسط الذي يراعي مصالح الجميع ويشكل إجماعا وطنيا صلبا”[6].

وبقدر ما تشير ظاهرة العصبوية إلى فقدان دول محل الدراسة لطابعها كممثل حقيقي للقوى الاجتماعية المتجددة، بقدر ما تشير إلى غياب المجال السياسي المفتوح الذي يعد بمثابة التربة الخصبة التي تنمو فيه –وفقط- نبتة الشرعية الديمقراطية، شرعية نظام الحكم المفتوح، القائمة على أساس عقلاني ديمقراطي، لا على أساس استعمال العنف والإرهاب مثلما هي عليه الدولة التسلطية ذات نظام حكم مغلق، التي تسعى إلى تحقيق الاحتكار الفعال لمصادر القوة والسلطة في المجتمع لمصلحة النخبة الحاكمة، برأي خلدون حسن النقيب[7].

نظرًا لاعتبارات النشأة الخاصة، ومعطيات الطبيعة العصبوية للدولة العربية، والمغاربية منها، وانعكاساتها الواضحة على علاقاتها بمحيطها الاجتماعي، وتبنيها لنظام سياسي مغلق بأكثر من معنى[8]، فإنها اليوم أي الدولة العربية مطالبة بأن تدرك الحاجة إلى فتح ذلك النظام السياسي المغلق، وعلى ذلك بناء اجتماع سياسي جديد، أو ما يطلق عليه عبد الإله بالقزيز بالهدنة السياسية المستديمة، والحاجة إلى كل هذا يمثل شرطا من شروط الانتقال الديمقراطي الذي لا يكتمل بدون إستيلاد صفقة سياسية تاريخية بين السلطة والمعارضة، كما لا معنى لهذه الصفقة بدون إرساء البنى الإرتكازية (التحتية) لإنجاب النظام الديمقراطي، أي قيام تعاقد سياسي بين السلطة والمعارضة على إنجاز انتقال سياسي سلمي نحو النظام الديمقراطي، والاتفاق على مختلف حلقاته المرحلية بكل شفافية[9].

من أجل فتح الأنظمة السياسية – لدول محل الدراسة- المغلقة، وعلى ذلك ولادة مجال سياسي حديث ومنفتح، أي أنظمة ذات شرعية ديمقراطية حديثة، يتطلب استنبات مقومات النظام الديمقراطي وأسس الدولة الحديثة، والتي على رأسها وأكثر أولوية في هذا المجال: إقرار كل من النظامين الدستوري الديمقراطي والتمثيلي النيابي، وكذا فتح السلطة أمام التداول السياسي السلمي[10].

01/ إقرار الدستور الديمقراطي: لبناء دستور ديمقراطي يجب مراعاة ثلاثة أمور وهي:

أ/ أن يكون عقدا سياسيا واجتماعيا يراعي الواقع ويأخذ في الاعتبار ضرورات التوافق السياسي، حيث يجب أن يكون محصلة توافق على قواسم مشتركة من خلال عملية التفاوض السياسي بين القوى المقتنعة بضرورة السيطرة على مصادر العنف والساعية إلى إدارة أوجه الاختلاف سلميا وفق شرعية دستورية تحكم جميع الأطراف لها[11]، فدول المغرب العربي في حاجة إلى مثل هذا العقد من أجل الانتقال من مرحلة الدساتير غير التوافقية إلى دساتير تعاقدية بمضامين ديمقراطية، وهو الأمر الذي يسهل عملية بناء مجتمع المواطنة[12].

ب/ تنظيم سلطات الدولة وتحديد اختصاصات كل منها وتعزز على نحو متوازن، وبما يقدم الضمانات الكفيلة لتقييد السلطة وإخضاعها للرقابة الشعبية، أي الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات، ويجب أن يكون الفصل بشكل واضح لكي تبقى الحكومة المركزية ديمقراطية، ويجب تقييد أعمال الشرطة والمخابرات والجيش بشكل قوي يمنع أي تدخل قانوني سياسي[13].

ج/ كفالة الحقوق والحريات العامة للأفراد وإعلاء من شأن سلطة القانون فوق الجميع، وتنمية وعي الأفراد بذلك، وتمتعهم بـالمساواة في مواجهة القانون[14]، أي الأخذ بمبدأ المواطنة كعملية توافقية بشأن المضمون والضمانات والوسائل، وهذا ما لم تنطوي عليه الدساتير المغاربية، إذ لم تصدر في عمومها عبر حوار وتوافق وطنيين[15]، فمن الضروري إذا التأكيد على الحريات خاصة الحرية السياسية لأنها المخرج من المأزق البنيوي الذي تعانيه الدولة المغاربية، فلا مواطنة دون حرية سياسية.

02/ إقرار النظام التمثيلي: يجري إقراره بقوانين خاصة تُفصِّل ما جرى النص عليه مجملا في الدستور، وتكون تلك القوانين محل توافق سياسي بين الجميع، وفي امتداده يجري إقرار نظام الإقتراع الديمقراطي الحر لإفراغ مؤسسات تمثيلية محلية ووطنية على قاعدة احترام صوت الناخب وإرادته، دون تزوير، وبما يجعل تلك المؤسسات منبثقة بشكل نزيه وشفاف عن إرادة المواطنين، وذات مصداقية من وجهة نظر الشرعية الدستورية والشرعية الشعبية[16].

03/ إقرار نظام التداول السلمي على السلطة: يتمثل هذا الإقرار في فتح مجالات المشاركة السياسية لجميع القوى السياسية، مع إقرار إمكانية أي من هذه القوى الوصول إلى مواقع السلطة والحكم، بالاستناد إلى قاعدة الانتخاب والاحتكام إلى أصوات الناخبين من خلال صناديق الاقتراع[17]، وقاعدة الانتخاب يجب أن تربط تولي السلطة وممارسة الحكم بمبدأ حكم الأغلبية، تحقيقا للشرعية القائمة على رضا الشعب وقناعته وقبوله للسلطة، فالحاكم الذي ينبثق عن الأغلبية ويحوز على رضائها وفقا للدستور، ويمارس السلطة لمدة محددة ترتضيها الأغلبية، يعطي نموذجا صادقا للنظام الديمقراطي.

على أساس ما سبق فإن كل من الإقرارات الثلاث (الدستور الديمقراطي، التمثيل النيابي، التداول السلمي على السلطة)، وما تشترطه من مبادئ ( التوافق السياسي، الفصل بين السلطات، الحرية والمساواة، المواطنة، المشاركة السياسية، التعددية السياسية، حكم الأغلبية…)، لابد أن تزود بها مجتمعات دول المغرب العربي وأن تتكأ عليها أنظمتها السياسية، والاستناد إليها من أجل إرساء الشرعية الديمقراطية، وحسب عبد الإله بالقزيز فإن الصفقة السياسية التي تستند إلى هذه المرتكزات الثلاث تمثل حاجة تاريخية للدولة العربية عزيزة ونفيسة، لأنها بمثابة الوسيلة الوحيدة التي عن طريقها يتم فتح شرايين المجال السياسي المختنقة[18].

ب/ بناء سلطة سياسية مدنية.

ما هو معلوم في منظور بناء الدولة الحديثة هو وجوب انتقال السلطة سلميا إلى نخب سياسية مدنية، ولكي تكون تلك النخب المدنية مستقلة وقوية عليها أن تستند إلى شرعية دستورية ديمقراطية[19]، وهذا ما تفتقر إليه دول محل الدراسة، إذ لتزال في هذا المجال تعيش تحت وطأة الماضي السياسي ومخلفاته الراهنة، والمتميز بانعدام سلطة سياسية مدنية، فمغرب الاستقلال دولة مخزنية متأثرة بالفكر السلفي، واضعاً على ذلك الموروث الديني في جوهر شرعيته، أما دولة تونس ورثت الحركة الوطنية مؤسسات الدولة التقليدية، في حين الحركة الوطنية في الجزائر لم ترث هياكل الدولة التقليدية التي وقع تحطيمها من طرف الاستعمار، فجيش التحرير الوطني وبدرجة أقل حزب جبهة التحرير مثلاَّ المؤسستان اللتان انتظم حولها المجتمع، وجميع هذه النخب والمؤسسات الحاكمة في علاقتها مع المجتمع كانت نخبا مستبدة وطاغية[20].

وفي كل من الدول الثلاث أُستثمِر الخزان الرمزي والمادي لما سمّي الشرعية الوطنية لتقوية السلطة، وتوسيع دائرة نفوذها، وتشكيل زبائن وموالين داعمين لها، وفي الوقت نفسه استبعدت القوى المضادة بالترهيب والترغيب، ففي المغرب الأقصى ظلت التعددية الحزبية رقما بلا روح منذ إقصاء المعارضة الوطنية من السلطة في عام 1960 وحتى لحظة الانفتاح عليها في عام 1998، وفي طيلة هذه العقود الأربعة احتكرت الملكية المجال السياسي، متحصنة بنخبة حزبية وفية، واستمرت دون سواها من الأحزاب خارج دائرة التداول على السلطة الذي لم يكن واردا في الأصل، ووجهت الذهنية نفسها في تونس، حيث استبعد بالتدريج جميع أطياف المعارضة وتعابيرها السياسية والاجتماعية والثقافية، ليسود الحزب الدستوري، وتطول قبضته على السلطة، سواء في الحقبة البورقيبية( 1957-1987) حين هيمنت الشخصية الكاريزمية لبورقيبة، أو حقبة بن علي أين تم إشاعة ثقافة الاستقطاب المؤسَّس على الزبونية، وأما في الجزائر فلم تشذ عن هذا المنحى المميز لنظم بلاد المغرب الكبير، إذ ضل قلب النظام مشدودا إلى ثلاثية الجيش والحزب الواحد والجهاز الإداري (البيروقراطية)، وما زالت سجينة هذا الواقع المركب حتى اليوم.

استمرارية هذه النخب الحاكمة في ممارسة الحكم، إدعاءًا الأحقية في ذلك استنادا إلى المصادر التقليدية للشرعية (النضال و الدين) – التي وصلت عن طريقها إلى السلطة-، وتحولها بعد ذلك إلى أوليغارشيات معزولة ومنفصلة عن المجتمع، جعل من الحياة السياسية تنتهي إلى الانسداد، وهذا النمط من الانغلاق والانسداد في نظام الحكم سمة من سمات الدولة التسلطية، يُعبر عن حالة غير طبيعية في سيرة الدولة الحديثة[21]، كما يتناقض وحياة سياسية تعددية حرة، بما تفرزه من نخب سياسية غير مدنية[22]، ويوفر لها كل الاعتبارات والرموز ومهما كانت صفتها من أجل الاستمرارية.

وفقا لما سبق على دول المغرب العربي من أجل بناء أنظمة سياسية ديمقراطية تشتغل وتمارس الحكم فيها نخب سياسية مدنية باسم الشعب، كمصدر أساسي من مصادر الشرعية الديمقراطية، أن تصحح أوضاعها موفرة شروط الانفتاح الايجابي على منطق التطور الديمقراطي، والإستجابة لأحكامه وموجباته، ولعل عنوان هذا التصحيح هو إسباغ المعنى الجمهوري الديمقراطي (في الحالتين التونسية والجزائرية)أ أو الملكي الدستوري (المغرب) الفعلي لنظمها، بتحريرها من مضمونها الأتوقراطي ومنزعها الملكي المطلق، ونزعتها العسكرية الديكتاتورية، وذلك بإجراء حوار وطني سياسي صريح حول نوع النظام السياسي الذي تختاره وتريده الجماعة الوطنية التي تمنح الشرعية للنخب الحاكمة[23].

إذ من الصعب العسير الحديث عن سلطة سياسية مدنية فاعلة من دون أن تكون قد اكتسبت شرعية من مصادر تكوينها، وأن تثبت قدرة فائقة في التعاطي حيال حقائق العصر الجديدة وفق آليات التنمية والدمقرطة القادرة بدورها على إحداث تغيير وتحول حقيقي، والانتقال بالمجتمع إلى مرحلة أكثر تطورا وفق أسس علمية ممنهجة ومُمأسسة في المجالات المختلفة على المستوى الداخلي[24]، دون هذه الشروط لن تحظى أي سلطة عن الرضا والتأييد الشعبي على المستوى الداخلي للدولة أي تفتقد إلى مدنيتها، كما لا تستطيع التعامل مع الخارج وهو الأمر الذي يجعل السلطة في حالة أزمة، بمعنى أنه لم يعد أمام النظم السياسية لدول المغرب الكبير، أي إمكان موضوعي للتكيف مع الأزمات، وإعادة إنتاج الشرعية بالقوة، فدمقرطة السلطة أولوية وضرورة ومطلب يحظى بما يشبه إجماع المجتمعات.

ليس غرض الدمقرطة المطلوبة تغيير بنية السلطة ومفاصلها فحسب، بل غرضها أيضا، وبدرجة مركزية، تيسير مشاركة المواطنين وانخراطهم في سيرورة بناء نظام الشرعية الديمقراطية، فالديمقراطية تتحقق لوجود مواطنين ديمقراطيين، وتُوطَّد بحرصهم، ورعايتهم لها، كما أن الدمقرطة تزرع روح الثقة في نفوس المحكومين، وتحفزهم على التجاوب ايجابيا مع نظمهم، وتقوي بالنتيجة ولائهم للدولة، وتعزز احترامهم لحكم القانون والمؤسسات[25].

ج/ إعادة صوغ مصادر شرعية السلطة.

حتى اليوم، ما زالت مصادر الشرعية للسطة في دول المغرب العربي مصادر تقليدية تستند إلى العصبية والتاريخ والدين، إلى غير ذلك من الأنماط والرموز السالفة الذكر، وهو الأمر الذي يجعل من إعادة بناء شرعية نظم الحكم القائمة في هذه الدول مطلب ضروري وحاجة ماسة، وذلك بالانتقال في العموم من الشرعية التقليدية إلى الشرعية الحديثة: الشرعية الدستورية الديمقراطية القائمة على التعاقد، والاختيار الحر النزيه[26].

وليس في هذا الشأن ما يدعو إلى زوال أنظمة الحكم القائمة (لأن سلطاتها غير قائمة على الشرعية الحديثة هذه)، وإنما هي دعوة إلى تطوير مصادر الشرعية فيها على النحو الذي يضمن لتلك النظم قبولا ورضا شعبي بها، للتكيف مع طبيعة التحولات وأفكار العصر ومطالبه.

يرى الأستاذ عبد الإله بالقزيز أن إعادة صوغ مصادر شرعية السلطة على النحو الذي تلغى فيه المصادر العصبوية والتوتاليتارية والثيوقراطية لتحل محلها الشرعية الديمقراطية الدستورية المستمدة من إرادة الشعب ومن التوافق الوطني العام، هو التتويج الفعلي لمسلسل بناء الصفقة السياسية بين السلطة والمعارضة التاريخية المطلوبة اليوم في حال الوطن العربي، والمغاربي منه، وذلك من أجل بناء عملية الانتقال الديمقراطي، إذ بدونها لن تكون الإجراءات الديمقراطية الأخرى (كوجود دستور، الإنتخابات، التعددية السياسية…إلى غير ذلك من المبادئ السالفة الذكر)، أكثر من مخادعة تكتيكية لتكميم الأفواه والتحايل على التغيير الديمقراطي[27].

الحاجة إلى تجديد الشرعية على النحو الديمقراطي، تقتضي المصلحة تقوية النظام بشرعيات مختلفة تمثل في المجموع الشرعية الديمقراطية، وأهم هذه الشرعيات التي على أنظمة دول المغرب العربي الاستناد إليها والالتزام بها لإرساء معالم دولة الشرعية الديمقراطية ما يلي:[28]

أ/ شرعية الالتزام بالمرجعية: أي ضرورة التزام الدولة بالمرجعية العليا للمجتمع التي تعود إلى قواعد النظام العام، فليس من حق النظام السياسي فرض عقيدة دينية أو اختيار مذهبي على المجتمع الذي منحه الشرعية، بل من واجبه حماية اختيارات الأمة ومرجعيتها بكل تعدديتها وتنوعها وتحقيق أفضل السبل لحماية الحريات الدينية والمدنية بها، دون أن يؤثر ذلك على الهوية الدينية للأمة التي فوضته لحكمها وارتضته لقيادتها السياسية.

ب/ شرعية العدالة: أي لا بد لقيم العدالة والحرية أن تخترق كل مجالات الشرعية وأبعادها، فهي ليست شرعية مستقلة بقدر ما هي ممارسات وسياسات نافذة في كل المنظومة السياسية، ترتبط بالمحافظة على الحقوق الإنسانية الأساسية، وتقوم أيضا على قاعدة من سد الحاجات المختلفة، بما تعني من فعالية للدولة في إقامة العدل والمؤسسات الشرعية القادرة على أن تحدث حركة في المجتمع وتؤدي إلى فاعليته.

ج/ شرعية التعاقد الحر: أي أنه على جوهر النموذج السياسي للحكم أن يتأسس على دولة تعاقدية، تنبثق فيها الإرادة التعاقدية من خلال اختيار حر وواع بين الحاكم والمحكوم، فالدولة ليست دولة غلبة وإكراه وانقلاب عسكري أو إلغاء لموقع الناس ورضاهم من إدارة شؤون الدولة، بحيث ينوب أهل الدولة وفق انتخاب حر واختيار حر، عن المجتمع في إدارة شؤونه المختلفة.

د/ شرعية المصالح والانجازات: أي على الدولة إشراك مؤسسات المجتمع في جميع القضايا المعبرة عن الصالح العام (شرعة المصالح)، كما عليها تحقيق انجازات تنموية، وسد حاجيات الناس وضروراتهم الأساسية وحل مشاكلهم الحقيقية (شرعية الانجاز)، وهو الأمر الذي يزيد من درجة شرعية النظام السياسي.

ه/ شرعية السياسات والممارسات: أي على النظام صنع السياسات وبناء الآليات وتفعيل الممارسات وتكوين المؤسسات الحاضنة لمشروع التنمية القائمة على تلبية مطالب الناس وتحقيق ذلك بالعدل.

و/ شرعية المشاركة والتوزيع: أي أن تتكامل شرعية المشاركة (إشراك المجتمع في صنع السياسات) مع بناء شرعية تتعلق متعلقة بتجاوز أزمة توزيع الخيرات والعدالة في توزيع الثروات وتكافئ الفرص في الاستفادة منها وفق معايير عادلة، مما يجعل التنمية شاملة حيث لا يتم تهميش طرف لصالح استفادة فئة من ثروات الوطن على حساب باقي طبقات المجتمع ومجالات الوطن، وهذا يقتضي محاربة اقتصاد الريع.

ز/ شرعية المراقبة والمحاسبة: أي يستلزم لبناء وتحصين شرعية الرقابة والمسائلة للحاكم وربط المسؤولية بالمحاسبة، فكلما زادت سلطته زادت مسؤوليته، وبالتالي زادت محاسبته ومساءلته، مما يبرز الحاجة إلى مراقبة مؤسسية وشعبية لأداء السلطة وتقويم سياساتها، فالحاكم البعيد عن المراقبة بعيد عن الشرعية.

على أساس ما سبق على الدول الثلاث (تونس، الجزائر، المغرب) أن تعمل على تعرية نظمها السياسية من كل الشرعيات التقليدية المتعددة المتمركزة حول دولها المتسلطة (شرعيات تاريخية أو دينية أو ثورية أو تحريرية…)، واستبدالها بشرعيات مجتمعية حديثة الذاكرة أنفا.

في الأخير يجب الإشارة إلى أن عملية الإصلاح السياسي لا تكتمل بدون إصلاح مجالات أخرى كالمجال الثقافي الاجتماعي والمجال الاقتصادي بالخصوص، حيث يرتبط تدعيم المسار الديمقراطي وفاعلية عناصره بالتنمية الاقتصادية[29]، لأن العلاقة بين النمو السياسي والنمو الاقتصادي علاقة تبادلية متكاملة، فمثلا حتى يكون للمجتمع المدني حضور فعال لابد من وجود حركة اقتصادية، إذ لا معنى لمجتمع مدني حديث كمقوم من مقومات نظام الشرعية الديمقراطية في ظل الإقتصاد الريعي، ومهما بلغ حجم هذا الريع[30].

كما أن تحسين الظروف الإجتماعية للفرد المغاربي بما يسمح له بالمشاركة في المجهود الحكومي لإعادة بناء الدولة والاقتصاد، جانب مهم في قضية الإصلاح الديمقراطي وبناء الشرعية بأسس حديثة وذلك عن طريق مكافحة الفساد[31]، وتحقيق قدر من التنمية الاقتصادية والرخاء الاجتماعي، إذ يقول في هذا الشأن سيمور ليبست ” كلما كانت الأمة في رخاء وسعة عيش عظمت فرصها في الحفاظ على الديمقراطية”[32]، فالتحديث والثروة والعدالة الاجتماعية عوامل مواتية لتحقيق الشرعية الديمقراطية.

وتحقيق التنمية والثروة هنا يبقى يعاني نوع من الخلل وغير كافي لبناء الشرعية الديمقراطية بدون تحقيق العدالة الاجتماعية والمساوة، فــ “الحكومة التي تعجز عن توفير العيش الكريم لمواطنيها وفق مبدأ العدالة الاجتماعية ستضل حكومة فاقدة للشرعية مهما كانت الأسس التي تستند إليها هذه الشرعية، بل هناك من يذهب إلى القول بأن افتقار النظام السياسي في الدولة إلى الديمقراطية التي تستهدف تحقيق مطالب الشعب قد يعود أصلا إلى عدم تحقق درجة معقولة من العدالة الاجتماعية(…) والمساواة”[33]، لتحقيق مطلب العدالة الاجتماعية يقتضي في حالة دول المغرب العربي وجود إرادة سياسية مستقلة، وتغيير المقاربة الاقتصادية على نحو ما يخدم مصالح المواطنين عامة.

ثانيا: إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس ديمقراطي.

في ظل مجموعة من التغيرات الداخلية والعالمية المتعلقة بتغيير أدوار الدولة وبروز مؤسسات المجتمع المدني، أصبحت أنظمة دول المغرب العربي بحاجة ماسة إلى إعادة صياغة العلاقة بين الدولة ومواطنيها، الصياغة التي من شأنها أن تغير من طبيعة ودور الدولة في ضوء انسحابها من التزامات الدولة الراعية، إلى الدولة الشريكة في عملية التنمية مع مختلف الأطراف التي يحتضنها المجتمع[34]، أي الحاجة إلى إعادة توزيع الأدوار بين المجتمع والدولة ككل، وإعادة تأسيس النظام العام، و ترتيب معادلة جديدة في علاقة الدولة بالمجتمع، تفضي إلى تصحيح معادلة الشرعية السياسية، يكون أساسها حاكمية الشعب على نفسه، بدل التضخم المفرط للدولة والسلطة، والتحكم في كل مساحات المجتمع لإضعافها.

إن أحد المشاكل الرئيسية في تكوين دول محل الدراسة هو أنها لم تنشأ في حضن المجتمع وتعبيرا عنه، بل نشأت من أنقاضه وفي مواجهته[35]، بعد الاستقلال كانت الإيديولوجية والممارسات الشعبوية تنظر إلى الشعب وكأنه إبن قاصر أبوه الدولة (دولنة المجتمع)، وعلى ذلك قيدت المبادرة الخاصة فلا وجود سياسي للمجتمع، إذ منع من إنشاء أطر مستقلة عن السلطة للتعبير عن نفسه، طبيعة علاقة الدولة بالمجتمع التي تميزت بها المراحل الأولى من الاستقلال المتأزمة لم تتغير إلى اليوم، حيث الإصلاحات التي عرفتها الدول المغاربية في منتصف الثمانينات وأواخرها لم يكن القصد منها بناء الديمقراطية وإنما معالجة الوضع الجديد المتأزم اقتصاديا وسياسيا، لأن تلك الإجراءات المؤسساتية الجديدة لم ترفقها نظرة جديدة للعلاقة بين الدولة والمجتمع في إطار تصور جديد للحريات، يقيد سلطة الدولة وينظم مشاركة المجتمع في الحياة السياسية وفي ممارسة السلطة، من خلال الأطر التنظيمية المستقلة، واختيار ممثليه في مؤسسات الدولة[36].

تجاوز هذه الأزمة المتمثلة في الإنفصام والإنفصال بين الدولة والمجتمع، يحتاج إلى تركيب جديد يسعى إلى إعادة النظر في هوية الدولة ودورها وموقعها من النسق السياسي والاجتماعي العام، وهذا التركيب الجديد الهادف إلى إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس ديمقراطي، وعلى ذلك بناء الشرعية الديمقراطية، يتطلب مجموعة من الشروط أهمها:

أ/ عقد اجتماعي سياسي جديد وثقافة سياسية ديمقراطية.

من أجل بناء دولا ذات نظم الشرعية الديمقراطية، علاقتها بالمجتمع علاقة متوازنة ومتكاملة في حال دولة المغرب العربي، الحاجة ملحة إلى وضع عقد اجتماعي وسياسي جديد ينزع روح التسلط ويؤهلها لأن تصبح إطارا مقبولا وشرعيا للعيش المشترك[37]، فالدولة الحديثة تستمد قوتها من قوة المجتمع وفاعليته وحيويته ومن انخراطه في الحياة العامة في سياق تكاملي بين الدولة والمجتمع، إذ لا يعني تقوية المجتمع ومؤسساته الاستغناء عن الدولة وانكفاءها، بل الحاجة ملحة باستمرار إلى إبداع تركيب خلاق بين النموذجين معا، لا يستغني أحدٌ فيها عن الأخر، ويتطور في الممارسة والتدافع المجتمعي[38].

يتطلب على هذا العقد الاجتماعي السياسي الجديد بين نموذج الدولة ونموذج المجتمع أن يتأسس على الخيار الديمقراطي، بوصفه تنافسا سلميا، وعلى تدبير للاختلاف والتعددية والتنافسية السياسية بين تطورات وأراء وبرامج وسياسات لمصلحة المجتمع ككل، مؤسس على المواطنة، ولتحقيق هذا يجب أن تكون الدولة حديثة ذات نظام ديمقراطي من جهة[39]، ومجتمعا متقدما على صعيد ثقافته السياسية ومدركاته لما له وما عليه من جهة أخرى، وهذا ما تفتقر إليه المجتمعات المغاربية، وما زاد من ذلك الفقر واتساع الفجوة بين المجتمع والدولة هو أن هذه الأخيرة لم تتأسس شرعيتها على عنصر الرضا والقبول الطوعي لها، والاستعداد الواعي للمساهمة والمشاركة في مؤسساتها، والحال أن لفرط افتقاد الدولة المغاربية، والعربية في العموم، لهذين المقومين استمرت في المخيال الجماعي كيانا قهريا ليس إلاَّ، لتتعمق في الأخير أزمة الثقة بين الطرفين[40].

لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، كشرط أساس لقيام العقد الاجتماعي والسياسي الجديد في حال دول محل الدراسة يتطلب ذلك ما يلي:

01/ مصالحة وطنية: التأييد حول فكرة المصالحة الوطنية القادرة على إطلاق دينامية التغيير الديمقراطي السلمي، بما يعمل على إمكانات إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، تلك المصالحة المؤسسة على العدالة والنزاهة، خاصة بين المعارضة المتمثلة في الأحزاب الإسلامية (حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية، وحزب النهضة التونسي، حركة العدل والإحسان المغربية) والدولة.

ولبناء الثقة بين الدولة والمجتمع وما يجعل الطرفين في طريق المصالحة السليمة والمسؤولية، يشترط على دول المغرب العربي إنجاز المعالم الكبرى لعملية الإصلاح (من إطلاق الحريات العامة، وتنقية مفاصل الدولة من الفساد…الخ)، فمنطق الإصلاح والتغيير الديمقراطي يقطع مع تسلط الدولة ويجعل المجتمع طرفا مستقلا وفاعلا في الشأن المدني والمشاركة السياسية[41].

02/ ثقافة سياسية جديدة: إن للثقافة السياسية تأثير كبيرا على النظام السياسي بوجه خاص، والحياة السياسية بوجه عام، إذ تدفع الأفراد والجماعات إما باتجاه الإنخراط في النظام السياسي وتأييد مخرجاته، أو تدفعهم باتجاه اللامبالاة والسلبية السياسية، وحسب تقدير غابريال ألموند فإن التوافق بين الثقافة السياسية والبنية السياسية ضروري لتحقيق الشرعية، واستمرار النظام السياسي، وإذا حصل التفاوت بينهما، يتعرض النظام للزوال.

وعلى هذا الأساس دول المغرب العربي في حاجة ماسة إلى إحداث قطيعة مع الثقافة السياسية السلطوية الموروثة عن الأنظمة البائدة، بمعنى أن تأسس ثقافة سياسية جديدة تؤطر العلاقة بين المواطن والسلطة السياسية، وذلك من خلال الاستثمار في بعض المنطلقات المحورية لتثبيت أساسيات تجديد الثقافة السياسية، وهي استنهاض الوعي السياسي وغرس قيم الديمقراطية من خلال قنوات التنشئة السياسية وتعزيز المشاركة السياسية للمواطنين، وتكريس دولة الحق والقانون، ومأسسة السلطة، وغرس قيم الثقافة الديمقراطية على مستوى الجميع[42]، على مستوى الدولة حيث تحررها من الطابع التسلطي لتجعلها إطارا للعيش المشترك، وعلى مستوى المجتمع حيث تقوي فيه روح الانتماء الجماعي، وتنمي شعوره بالمسؤولية والولاء للدولة – الأمة[43].

من نافل القول لا سبيل إلى بناء أنظمة الشرعية الديمقراطية من دون ثقافة ديمقراطية مجتمعية، كما لا سبيل إلى تأسيس العلاقة الجديدة بدون استكمال عملية بناء الدولة الحديثة، واستحضار ما يكفي من مقومات الثقافة السياسية الديمقراطية في المجتمع، الجديرة بتحويله طرفا وندا في دينامية صياغة العقد الاجتماعي الجديد، عقد يحفظ للدولة وجودها واستمرارها، ويضمن للمجتمع استقلاله بذاته.

ب/ الحداثة السياسية: دولة حديثة ومجتمع مدني حديث.

تتطلب العلاقة الجديدة بين الدولة والمجتمع للتجارب المغاربية الثلاث، الحداثة السياسية: دولة حديثة، قادرة وعادلة، ومجتمع مدني حديث، مستقل وقوي، إذ مهما كانت قوة الدولة إن لم يتزامن معها، مجتمع مدني حديث، وتوافق على أساليب وآليات التداول السلمي على السلطة، ستظل العلاقة بين الدولة والمجتمع علاقة صراعية، وسوف تسود حالة من عدم الاستقرار، وأزمة الشرعية الديمقراطية[44].

إن الشرعية الديمقراطية هي بمثابة النبتة التي لا تُنبت إلاّ في التربة الخصبة المتمثلة في الدولة الحديثة، وكما لا تنموا النبتة بدون ماء، لا يمكن بناء ونمو الشرعية الديمقراطية بدون مجتمع مدني حديث، فالدولة الحديثة والمجتمع المدني الحديث شرطين أساسيين من شروط استنبات الشرعية الديمقراطية ونموها في أنظمة دول محل الدراسة وغيرها من أنظمة دول العالم الثالث، كما يمثلان مطلب من مطالب إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس ديمقراطي.

على أساس ديمقراطي أي أن تزول فكرة الأبوة و الوراثة، هذا الزوال هو أساس ولادة الدولة الحديثة[45]، إذ الخطوة الأولى لبناء هذه الأخيرة هي الفصل بين السلطة السياسية والسلطة الاجتماعية، أو ما يسميه ماكس فيبر بالبقرطة، حيث السلطة السياسية هي سلطة بيروقراطية بعامة، وليست شأنا خاصا يخضع لعلاقات المجال الخاص، وهو ما يؤكده عالم الاجتماع الفرنسي جورج بوردو الذي يرى أن بناء الدولة يتم من خلال مأسسة السلطة السياسية، أي فصل السلطة عن الأشخاص الذين يمارسونها[46]، كما يقتضي الأمر هنا أن يكون مصدر تلك السلطة وشرعيتها هو الشعب المتجسد في هيئة الناخبين[47].

وفي هذه الحالة على دول المغرب العربي إعادة النظر في معادلة الدولة والمجتمع أُحادية الطرف، حيث مجتمعاتها تابعة للدولة، ودولها تابعة لذوي النفوذ، والمؤسسة المسيطرة على الحكم: المؤسسة العسكرية (الحالتين الجزائرية والتونسية)، أو المؤسسة الملكية (حالة المملكة المغربية)، لهذا ينبغي أن تعوض هذه المعادلة بأخرى تتضمن طرفين: مجتمعا مستقلا نسبيا ودولة منبثقة من مجتمع[48].

كما على دول المغرب العربي أن لا تكتفي بعملية بناء أسس الدولة الحديثة بل عليها أن تسعى أيضا إلى بناء أمة ومجتمع مدني حديث، فالاكتفاء ببناء الدولة يؤدي إلى دولة تسلطية تجرد المجتمع من قوته وتحوله إلى مجتمع حشود، وهذه الدولة على الرغم من امتلاكها قوة الغول هي دولة هشة، تحمل في أحشائها عوامل انهيارها، فهي تملك السيادة وتفتقر إلى الشرعية اللازمة لاستمرارها، وبالتالي بناء الدولة القابلة للاستمرار يتطلب بناء مجتمع مدني حديث يعمل على بناء الأمة وتحقيق الدمج الاجتماعي، أي تنفيذ عمليتين متوازيتين ومتزامنتين، بناء السيادة وبناء الشرعية[49]، بمعنى أن هذه الأخيرة لا يمكن لأي دولة بناءها على أساس ديمقراطي بدون وجود مجتمع مدني مستقل، يضم مواطنين تربطهم علاقات المواطنة وعلاقات قانونية تتضمن حقوقا وواجبات نحو الدولة وضمانات ضد تعسفها، وحق المشاركة المنظمة في الحياة السياسية بواسطة اختيار ممثليهم في مؤسسات الدولة[50].

كما لا يمكن بناء شرعية سياسية حسب العديد من الباحثين السياسيين إلاّ من خلال ترسيخ الثقة، فهذه الأخيرة هي البعد الأساسي لعملية انتشار الدعم السياسي، كما أن مفهوم الثقة يرتبط بالاستقرار السياسي، حيث ينتشر الاستقرار مع رضى المواطن عن النظام السياسي في الدولة، أي أن ترسيخ الثقة السياسية وانعدامها متغير مستقل، وبناء الشرعية أوتناقضها متغيرا وسيطا، وزيادة الاستقرار السياسي أو انخفاضه متغيرا تابعا، بمعنى أنه عملية بناء الدولة الحديثة تتطلب قدرا من الشرعية المجتمعية، كما تتطلب هذه الأخيرة درجة من الثقة والاستقرار السياسي.

على أساس ما سبق يمكن القول أنه لا يمكن فصل الدولة الحديثة عن المجتمع المدني الحديث، حيث قدرة هذا الأخير مرتبطة بقدرة الدولة، بمعنى أن الدولة القوية سياسيا تتفاعل مع مجتمع مدني قوي، ولكلاهما مسؤولية مشتركة في تشكيل المجال العام، وتحقيق المكتسبات وتطبيق العدالة، ورسم المخططات والتوجهات العلائقية، والمعاهدات والالتزامات، هذا هو الاستثمار السياسي الحقيقي الذي يضمن للدولة الشرعية الديمقراطية الحقيقية والاستمرار على أساس الثقة، كما يضمن للمجتمع الاستقرار على أساس العدالة الواقعية[51]، مثلما يوضحه الشكل الآتي:

دولة سياسية    حديثة ديمقراطية
مجتمع مدني فعال

مراقبة، تقييم، توجيه

الشراكة المجتمعية

قوة الدولة                                                تدعيم

استمرارية الدولة                       تحصين

مسؤولية سياسية

استثمار رأس المال السياسي

المصدر: محمد عبد الكريم الحوراني، المجتمع المدني مقاربة البنى المعيارية للمجتمع المرن(عمان: دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، ط1، 2013)، ص50.

استنادا إلى الشكل أعلاه نسجل ملاحظة أساسية جديرة بالذكر وهي أن في الدولة الديمقراطية الشرعية كعملية تبادلية تنكمش وتتضخم وفق عدالة الدولة في العملية التبادلية، خلافا للدولة التسلطية التي تتخذ فيها الشرعية نسقا ثابتا، ينهار مرة واحدة (وهي من بين النتائج المتوصل إليها في الفصل الأول)، الأمر الذي يجعل من دول المغرب العربي في حاجة ماسة إلى: أولا: بناء دولا حديثة وعادلة[52]، وثانيا: بناء مجتمع مدني عقلاني ومنظم، حيث يُعتبر بمثابة الماء الذي يجعل من نبتة الشرعية الديمقراطية تنمو وتزداد درجتها، كما يعمل على عقلنتها وديمقراطيتها.

وبمقتضى ذلك يكون المحتوى التفاعلي بين الدولة والمجتمع مكشوفا ويخضع للتقييم والمراجعة المستمرة في إطار المسؤولية الجمعية، الأمر الذي يحول دون تطور البُنى التقليدية وبنى الفساد السياسي والاجتماعي، وفي هذا السياق تبرز الصلة الوثيقة بين المجتمع المدني وما يطلق عليه هابرماس “الديمقراطية الرسمية” التي تؤكد حاجة الدولة المتزايدة للشرعية في سياق تفاعلها مع البنى المدنية[53].

وفي الأخير لا بد من التأكيد أن التحول الديمقراطي لا يتحقق في غياب مجتمع مدني حديث، وهذه مهمة لا تتحقق بدورها في ظل غياب دولة حديثة، بيد أن بناء الدولة الحديثة يحتاج بدوره إلى نخبة عصرية متشبعة بأفكار الحداثة في جوانبها وأبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

خاتمة:

عملية بناء أسس الشرعية الديمقراطية عملية تطورية تاريخية حضارية مؤسساتية، تقتضي في حال الدول المغاربية لاسيما الأقطار الثلاثة (تونس، الجزائر والمغرب) ما قد تقتضيه العملية البنائية من شروط ومستلزمات، وأول هذه الشروط هو وضع قطيعة مع كل ما يتنافى مع المصادر التقليدية للشرعية، أي إعادة صوغ مصادر الشرعية على النحو المتعارف عليه عالميا، وتحكيم العقل في تدبير الشأن السياسي والأخذ بمبادئ الديمقراطية التي هي الوجه السياسي للحداثة في الوقت الراهن على المستوى العالمي، ولبلوغ ذلك على أنظمة المغرب العربي إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس ديمقراطي، وإنجاز تحولا ديمقراطيا حقيقيا، أي الانتقال من أنظمة باتريمونيالية قائمة على المصادر التقليدية/ الرعوية إلى أنظمة ديمقراطية قائمة على مصادر حديثة مجتمعية.

فبناء أنظمة الشرعية الديمقراطية في المستقبل المنظور مرهون بإنجاز تحولا ديمقراطيا حقيقيا، ولتحقيق هذا الأخير على الأنظمة السياسية القائمة ومختلف القوى السلطوية والمجتمعية أن تَتقبل وتتخذ مبادئ النظام الديمقراطي كآليات وكمصادر عن طريقها تُستمد الشرعية والأحقية في الحكم، إذ لا يمكن الحديث عن ديمقراطية نِظام دون أن يتمتع بدرجة ما من الشرعية والمقبولية، فلكي تتوطد دولة ذات نظام شرعي ديمقراطي يجب أن يقبلها مواطنو البلد والمنطقة والعالم.

قائمة المراجع:

الكتب:

أحمد شكر الصبيحي، مستقبل المجتمع المدني في الوطن العربي(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربي، 2000).
أحمد زايد، علم الاجتماع النظريات الكلاسيكية والنقدية(القاهرة: مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 2005).
ابتسام الكتبي(وآخرون)، الديمقراطية والتمية الديمقراطية في الوطن العربي( بيروت: مركز راسات الوحدة العربية، ط1، 2004).
برهان غليون، المحنة العربية الدولة ضد الأمة(بيروت: المركز العربي للأبحاث والدراسات، ط4، 2015).
بالقزيز عبد الإله، في الديمقراطية والمجتمع المدني مراثي الواقع مدائح الأسطورة( المغرب: إفريقيا الشرق، ط1، 2001).
ـــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ، في الإصلاح السياسي والديمقراطية(سورية: دار الحوار للنشر والتوزيع، ط1، 2007).
بلعبكي أحمد (وآخرون)، جدليات الإندماج الإجتماعي وبناء الدولة والأمة في الوطن العربي(بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، 2014).
بالحاج الصالح، أبحاث وآراء في مسألة التحول الديمقراطي بالجزائر( الجزائر: مؤسسة الطباعة الشعبية للجيش – EPA-، ط1، 2012).
حسين علوان، إشكالية بناء الثقافة المشاركة في الوطن العربي(بيروت: مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، 2009).
حافظ عبد الرحيم (وآخرون)، السيادة والسلطة: الأفاق الوطنية والحدود العالمية(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2006).
حسنين توفيق إبراهيم، النظم السياسية العربية والاتجاهات الحديثة في دراستها(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2005).
خلدون حسن النقيب، الدولة التسلطية في المشرق العربي(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1991).
جين شارب، ترجمة: خالد دار عمر، من الدكتاتورية إلى الديمقراطية إطار تصوري للتحرر(بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، ط1، 2009).
سمير أمين(وآخرون)، المجتمع والدولة في الوطن العربي في ظل السياسيات الرأسمالية الجديدة – المغرب العربي- (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1998).
سلمان أبو ننعمان، أسئلة دولة الربيع العربي نحو نموذج لاستعادة نهضة الأمة(بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، ط1، 2013).
سعيد بن سعيد العلوي والسيد ولد أباه، عوائق التحول الديمقراطي في الوطن العربي (دمشق: دار الفكر، ط1، 2006).
محمد حليم لمام، ظاهرة الفساد السياسي في الجزائر الأسباب والأثار والإصلاح( بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2011).
محمد عبد الكريم الحوراني، المجتمع المدني مقاربة البنى المعيارية للمجتمع المرن(عمان: دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، ط1، 2013).
غيورغ سورنسن، ترجمة: عفاف البطانية، الديمقراطية والتحول الديمقراطي السيرورة والمأمول في عالم متغير(بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، 2015).
صدفة محمد محمود، العلاقة بين الدولة والمجتمع في إطار الحكم الرشيد والمواطنة والثقة المتبادلة(القاهرة: مركز العقد الاجتماعي، ع3، جانفي 2009).
عادل مجاهد الشرجبي (وآخرون) : أزمة الدولة في الوطن العربي(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2011).
22- Rachid Bendib, L’etat rentier en crise elements pour une économie politique de la transition en Algérie) Alger : office des publications universitaires, place centrale de Ben-Aknoun,2006(.

المجلات ومراكز بحث:

23- ثناء فؤاد عبد الله، “الإصلاح السياسي: خبرات عربية مصر دراسة حالة”، المجلة العربية للعلوم السياسية، ع12(خريف2006).

24- هاشم نعمة، “نظرة في مستلزمات بناء الدولة الوطنية الديمقراطية”، طريق الشعب، ع79(2008).

25- ديدي ولد السالك، “الممارسة الديمقراطية مدخل إلى تنمية عربية مستدامة”، المستقبل العربي، ع356(اكتوبر 2008).

26- مصباح الشيباني، “الثورة التونسية والعدالة الاجتماعية”، العميد، ع01(مارس 2014).

27- محمد مالكي، “العلاقة بين الدولة والمجتمع في البلاد العربية المجال العام والمواطنة”، المجلة العربية للعلوم السياسية، ع13(شتاء 2007).

28- عثمان الزياني، “تجديد الثقافة السياسية كمدخل للبناء الديمقراطي في دول الربيع العربي”، مركز الجزيرة للدراسات(الدوحة، 2015).

29- وجيه كوثراني، “أزمة الدولة في الوطن العربي”، المستقبل العربي، ع 390(اغسطس 2011).

المواقع الإلكترونية:

30- مناصر ماركسي، “حول الإصلاح الدستوري والسياسي في دول المغرب الكبير، قراءة في تجربة مجهضة”. http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=46106.

[1] – مناصر ماركسي، حول الإصلاح الدستوري والسياسي في دول المغرب الكبير، قرائة في تجربة مجهضة، كنعان، ع703، في الموقع: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=46106.

[2] – ثناء فؤاد عبد الله، “الإصلاح السياسي: خبرات عربية مصر دراسة حالة”، المجلة العربية للعلوم السياسية، ع12(خريف2006)، ص9.

*- الإصلاح السياسي أو إصلاح الدولة مفهوم واسع يختلف بحسب أوضاع الدولة المطلوب إصلاحها وبنقائصها واختلالاتها، وبالتالي هذا المفهوم مختلفا في معناه وفي نطاقه من بلد إلى آخر، وقد أخذناه هنا بنفس المعنى لدول محل الدراسة والدول العربية عموما كما يرى ذلك عبد الإله بالقزيز، نظرا للتشابه في الظروف والنقائص.

[3] – عبد الإله بالقزيز، في الإصلاح السياسي والديمقراطية(سورية: دار الحوار للنشر والتوزيع، ط1، 2007)، ص101.

[4] – ثناء فؤاد عبد الله، الإصلاح السياسي خبرات عربية، مرجع سابق، ص17.

[5] – حسين علوان، إشكالية بناء الثقافة المشاركة في الوطن العربي(بيروت: مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، 2009)، ص31-33.

[6] – عبد النور بن عنتر، إشكالية الاستعصاء الديمقراطي في الوطن العربي، في: ابتسام الكتبي(وآخرون)، الديمقراطية والتمية الديمقراطية في الوطن العربي( بيروت: مركز راسات الوحدة العربية، ط1، 2004)، ص64.

[7] – خلدون حسن النقيب، الدولة التسلطية في المشرق العربي(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1991)، ص177.

[8] – نظام الحكم في الدولة العربية نظم مغلق بأكثر من معنى، حسب عبد الإله بالقزيز أي أنه قائم على فئة سياسية ضيقة تتداوله من دون سائر الفئات والقوى الاجتماعية الأخرى، وبمعنى أنه مغلق على خارج اجتماعي يبدو منفصلا عنه ومنعزلا بسبب أزمة التمثيل الاجتماعي السياسي التي يعاني منها، ثم بمعنى أنه مغلق على مفهوم للسياسة تقليدي لم يحِد عنه، ومقتضاه أنها شأن خاص بالنخبة الحاكمة.، لمزيد من التفصيل انظر: عبد الإله بالقزيز، في الاصلاح السياسي والديمقراطية، مرجع ساق، ص101-102.

[9] – عبد الإله بالقزيز، في الديمقراطية والمجتمع المدني مراثي الواقع مدائح الأسطورة( المغرب: إفريقيا الشرق، ط1، 2001)، ص138-143.

[10] – المرجع نفسه، ص143.

[11] – هاشم نعمة، “نظرة في مستلزمات بناء الدولة الوطنية الديمقراطية”، طريق الشعب، ع79(2008)، ص6.

[12] – امحمد ماكي، الاندماج الإجتماعي وبناء مجتمع المواطنة في المغرب الكبير، في: بلعبكي أحمد (وآخرون)، جدليات الإندماج الإجتماعي وبناء الدولة والأمة في الوطن العربي(بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، 2014)، ص706.

[13] – جين شارب، ترجمة: خالد دار عمر، من الدكتاتورية إلى الديمقراطية إطار تصوري للتحرر(بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، ط1، 2009)، ص102.

[14] – لمزبد من التفصيل في ما يخص مرتكزات دولة القانون والمؤسسات، أنظر: – ديدي ولد السالك، “الممارسة الديمقراطية مدخل إلى تنمية عربية مستدامة”، المستقبل العربي، ع356(اكتوبر 2008)، ص31.

[15] – امحمد مالكي، مرجع سابق، ص 706-707.

[16] – عبد الإله بالقزيز، في الديمقراطية والمجتمع المدني مراثي الواقع، مدائح الأسطورة، مرجع سابق، ص143.

[17] – صالح بالحاج، أبحاث وآراء في مسألة التحول الديمقراطي بالجزائر( الجزائر: مؤسسة الطباعة الشعبية للجيش – EPA-، ط1، 2012)، ص31.

[18] – عبد الإله بالقزيز، في الديمقراطية والمجتمع المدني، مرجع سابق، ص143-144.

[19] – صالح بالحاج، مرجع سابق، ص29.

[20] – حكيم بن حمودة، الجزائر بين تسلط الدولة والعنف الأسمى للحركات الدينية، في: سمير أمين(وآخرون)، المجتمع والدولة في الوطن العربي في ظل السياسيات الرأسمالية الجديدة – المغرب العربي- (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1998)، ص79-80.

[21] – عبد الإله بالقزيز، في الإصلاح السياسي والديمقراطية، مرجع سابق، ص102.

[22] – صالح بالحاج، مرجع سابق، ص29.

[23] – عبد الإله بالقزيز، في الديمقراطية والمجتمع المدني، مرجع سابق، ص144-145.

[24] – فتحي العفيفي، فراغ السلطة في الوطن العربي، في: حافظ عبد الرحيم (وآخرون)، السيادة والسلطة: الأفاق الوطنية والحدود العالمية(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2006)، ص39.

[25] – امحمد مالكي، مرجع سابق، ص714.

[26] – عبد الاله بالقزيز، في الاصلاح السياسي والديمقراطية، مرجع سابق، ص109.

[27] – عبد الإله بالقزيز، في الديمقراطية والمجتمع المدني، مرجع سابق، ص146.

[28] – سلمان أبو ننعمان، أسئلة دولة الربيع العربي نحو نموذج لاستعادة نهضة الأمة(بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، ط1، 2013)، 229-236.

[29] – حسب الباحث الاقتصادي رشيد بالنذيب فإن المقصود بالتنمية الاقتصادية اللازمة لإحداث تحول ديمقراطي هي التنمية الرأسمالية بمعنى سيادة مبدأ التوسع الرأسمالي والسوق الحر على حساب الاقتصاديات الوطنية. لمزيد من التفصيل أنظر:

-Rachid Bendib, L’etat rentier en crise elements pour une économie politique de la transition en Algérie) Alger : office des publications universitaires, place centrale de Ben-Aknoun,2006(, P.59.

[30] – أحمد شكر الصبيحي، مستقبل المجتمع المدني في الوطن العربي(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربي، 2000)، ص218.

[31] – محمد حليم لمام، ظاهرة الفساد السياسي في الجزائر الأسباب والأثار والإصلاح( بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2011)، ص275.

[32] – نقلا عن: غيورغ سورنسن، ترجمة: عفاف البطانية، الديمقراطية والتحول الديمقراطي السيرورة والمأمول في عالم متغير(بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، 2015)، ص52.

– من بين أهم الاقتصاديين الذين ارتبطت أعمالهم بين التحديث والتنمية الاقتصادية، وينظرون إلى التنمية على أنها عامل يساعد على قيام الديمقراطية، اختبارًا لفرضية وجود علاقة بين الإصلاح الهيكلي والتحول الديمقراطي، كل من روستو و كيزنيتس و ليبست. لمزيد من التفصيل أنظر: أحمد زايد، علم الاجتماع النظريات الكلاسيكية والنقدية(القاهرة: مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 2005)، ص130-131.

[33] – مصباح الشيباني، “الثورة التونسية والعدالة الاجتماعية”، العميد، ع01(مارس 2014)، ص224-225.

[34] – صدفة محمد محمود، العلاقة بين الدولة والمجتمع في إطار الحكم الرشيد والمواطنة والثقة المتبادلة(القاهرة: مركز العقد الاجتماعي، ع3، جانفي 2009)، ص3.

[35] – يتفق أغلب الباحثين العرب على أن الدولة المغاربية، والعربية عموما، لم تنشأ في حضن الأمة، وتعاني من أزمة بنيوية مركبة، لمزبد من التفصيل، يمكن الرجوع إلى: – برهان غليون، المحنة العربية الدولة ضد الأمة(بيروت: المركز العربي للأبحاث والدراسات، ط4، 2015)، ص100-101.

– في بعد غلبة الطابع المتأزم في علاقة الدولة بالمجتمع كلعد من أبعاد الأزمة البنيوية المركبة للدولة العربية، أنظر: حسنين توفيق إبراهيم، النظم السياسية العربية والاتجاهات الحديثة في دراستها(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2005)، ص 58-70.

– يمكن الرجوع أيضا لبحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع مركز كارينغي للشرق الأوسط والجمعية العربية للعلوم السياسية، عادل مجاهد الشرجبي (وآخرون) : أزمة الدولة في الوطن العربي(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2011).

[36] – صالح بلحاج، مرجع سابق، ص34-35.

[37] – محمد مالكي، “العلاقة بين الدولة والمجتمع في البلاد العربية المجال العام والمواطنة”، المجلة العربية للعلوم السياسية، ع13(شتاء 2007)، ص154.

[38] – سلمان بونعمان، مرجع سابق، ص177.

[39] – المرجع نفسه، ص178.

[40] – امحمد مالكي، العلاقة بين الدولة والمجتمع في البلاد العربية المجال العام والمواطنة، مرجع سابق، ص154.

[41] – المرجع نفسه، ص155-156.

[42] – عثمان الزياني، “تجديد الثقافة السياسية كمدخل للبناء الديمقراطي في دول الربيع العربي”، مركز الجزيرة للدراسات(الدوحة، 2015)، ص6-8.

[43] – المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

[44] – تعقيب عادل الشرجبي على مقال: عبد الإله بالقزيز، الدولة في الوطن العربي وأزمة الشرعية، في: عادل مجاهد الشرجبي(وآخرون)، أزمة الدولة في الوطن العربي، مرجع سابق، ص356.

[45] – ثمة اتجاه بارز في الدراسات الاجتماعية العربية برجع عوائق التحول الديمقراطي في البلدان العربية إلى طبيعة البنيات العصبية والقبلية التي تشكل في منظوراتها عقبات جوهرية دون تشكل وتجذر الدولة الحديثة وقيام المؤسسات المدنية، وأمثال هؤلاء المفكرين هشام شرابي )النقد الحضاري للمجتمع العربي)، ومحمد جابر الأنصاري (الجدلية المأساوية بين البداوة والحضارة)، ومحمد عاب الجابري (نقد العقل السياسي العربي)، وقبلهم بكثير ابن خلدون، إلى غير ذلك من المفكرين، لمزيد من التفصيل أنظر: – سعيد بن سعيد العلوي والسيد ولد أباه، عوائق التحول الديمقراطي في الوطن العربي (دمشق: دار الفكر، ط1، 2006)، ص106-108.

– لمزي من التفصيل في كيفية تأثير المواريث التاريخية التي يعاد انتاجها في الاجتماع السياسي للدولة العربية، والمغاربي منها، في أنماط العلاقة بين مكونات المجتمع الأهلي وأهل الدولة، وعلى ذلك عل شرعية الأنظمة، أنظر: وجيه كوثراني، “أزمة الدولة في الوطن العربي”، المستقبل العربي، ع 390(اغسطس 2011)، ص97-100.

[46] – عادل مجاهد الشرجبي، أزمة عجز الدولة وخطر إنهيارها حالة اليمن، في: عادل مجاهد الشرجبي(وآخرون)، أزمة الدولة في الوطن العربي، مرجع سابق، ص126-127.

[47] – صالح بالحاج، مرجع سابق، ص35.

[48] – عمرو حمزاوي، تشريح أزمات الدولة في الوطن العربي: ملاحظات أولية، في: عادل مجاهد الشرجبي (وآخرون)، مرجع سابق، ص99.

[49] – عادل مجاهد الشرجبي، أزمة عجز الدولة وخطر انهيارها حالة اليمن، مرجع سابق، ص128.

[50] – صالح بلحاج، مرجع سابق، ص35.

[51] – محمد عبد الكريم الحوراني، المجتمع المدني مقاربة البنى المعيارية للمجتمع المرن(عمان: دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، ط1، 2013)، ص44.

[52]- يقدم الأستاذ المغربي سلمان بونعمان نموذج بديل لنماذج دولة ما قبل الربيع العربي الفاشلة ( نموذج دولة ما بعد الاستعمار، نموذج الدولة المستورة التابعة، نموذج الدولة القطرية التحديثية)، وهو نموذج الدولة العادلة، والقادرة الفاعلة، نرى فيه الكثير من الموضوعية، حيث في ثنايا هذا النموذج الجديد يمكن لأنظمة المغرب العربي بناء الشرعية الديمقراطية وصياغة علاقة جديدة تربط بين الدولة والمجتمع على أساس ديمقراطي، لمزيد من التفصيل في ما يخص هذا النموذج الجديد أنظر: سلمان بونعمان، مرجع سابق، ص147-177.

[53]- حضور البنى الوهمية للشرعية وغياب المجتمع المدني، يعمق الفهم بأبعاد انحطاط العلاقة بين الدولة والمجتمع، لمزيد من التفصيل في مشروطية المجتمع المدني الحديث لإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني على أساس ديمقراطي أنظر: محمد عبد الكريم الحوراني، مرجع سابق، ص 60-66.