العلاقة التي تربط البطالة والسلوك الإجراميً

تعني البطالة Chômage توقف أو قعود الشخص عن العمل دون أن يكون له مورد رزق ثابت أو وسيلة مشروعة لإشباع احتياجاته الأساسية . وعادة ما ترجع البطالة إلى اختلال فى التوازن بين عرض اليد العاملة والطلب عليها ، أى حين يكون المعروض منها أكثر من المطلوب. ولعل أكثر ما ساعد على تضخيم حجم البطالة فى الوقت الحاضر هو التوسع التكنولوجى فى استخدام الآلة والأجهزة الحديثة التى توفر عددا ً كبيرا ً من اليد العاملة البشرية.

وقد تكون البطالة أو القعود عن العمل اختياريا ً ، متى كان ال شخص قادرا ً على العمل ووجدت فرصته متاحة أمامه ، ويطلق البعض على هذا الفرض مسمى “التبطل” ؛ وقد تكون جبرية وذلك إذا كان القعود راجعا ً إلى انعدام فرصة العمل أمام الشخص لأسباب لا دخل له فيها . هذا الفرض الأخير هو الذي يفرق البطالة عن حالة العجز الشخصي عن العمل ، التي ت تحصل فى عدم القدرة العمل لأسباب صحية أو عضوية. وهذا الفرض الأخير قلما يعنى الباحثون فى علم الإجرام نظرا لأنه قلما يترتب عليها عوامل إجرامية تدفع إلى التردي في سبيل ال جر ي م ة .

ولا شك أن هناك صلة تربط بين البطالة وبين السلوك الإجرامي تظهر في تأثر هذا الأخير كماً ونوعاً بالقعود عن العمل ؛ غير أن تلك الصلة قد تكون مباشرة أو غير مباشرة [4].

وتكون الصلة بينهما مباشرة إذا جرم المشرع – وهو مسلك المشرع المصرى في القانون رقم 98 سنة 1945 والقوانين المعدلة له – حالات ا لقعود الاختياري عن العمل (جرائم البطالة أو التبطل) ، الأمر الذي يسهم فى زيادة عدد الجرائم المرتكبة. و يفسر هذا التجريم ب رغبة المشرع فى الوقاية من جرائم مستقبلة ، ذلك أن القعود الاختياري عن العمل من جانب الشخص دون أن يكون له مورد للرزق يع ني أنه سوف يلجأ لطرق غير مشروعة ومن بينها الإجرام من أجل سد احتياجاته الضرورية .

والواقع أننا لا نرحب بهذا الشكل من أشكال التجريم في تشريعنا ، ذلك أن المشرع لا يجرم هنا فعلا ً أو امتناعا ً عن فعل ، وإنما ينصب التجريم على حالة عالقة با لشخص تتحصل فى القعود عن العمل رغم توافر فرصته والقدرة عليه وانعدام أ ى مورد آخر للرزق والعيش ، وهو ما يخالف القواعد العامة في التجريم.
غير أن تأثير البطالة في غير ذلك من حالات يبدو تأثيراً غير مباشر على السلوك الإجرامي ، إذ يقتصر دورها على تحريك عوامل إجرامية أخرى تدفع بمن يقعد عن العمل إلى السلوك الإجرامي (إجرام البطالة) .

ولعل الفقر أهم العوامل الإجرامية التي تتحرك بفعل البطالة ، فيعمل الفقر أثره سالف البيان في الدفع نحو السلوك الإجرامي. وربما هذا ما يفسر ميل الإجرام الناشئ عن البطالة نحو جرائم الاعتداء على المال ، أو جرائم العرض التي تدر عائداً مالياً ك الدعارة أو القوادة أو التحريض على الفسق. وقد دلت دراسة إحصائية في الولايات المتحدة عام 1976 شملت الفترة من 1940 إلى 1973 لبيان أثر البطالة ، تبين أن ارتفاع معدل البطالة بنسبة 1% يقترن به عادة ارتفاع معدل الانتحار بنسبة 4.1% ، وزيادة معدل الإصابة بالأمراض العقلية بنسبة 3.4% ، وارتفاع معدل المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية بنسبة 4% ، وازدياد معدل جرائم القتل بنسبة 5.7%.

ويجب التنويه بأن للبطالة أثر إجرامي غير شخصي ، يظهر حينما لا يقف أثر ها على من تصيبه بل يمتد أثرها إلى غيره حتى ممن يعملون . فبطالة البعض تؤدي إلى زيادة عرض اليد العاملة مما يدفع أرباب العمل إلى خفض أ جور من يعملون ، مما يثقل أعبا ء البعض من هؤلاء فينزلقون نحو الإجرام من أجل زيادة مواردهم.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت