الوقف الخيري الصادر من غير مسلم في القانون المصري – تطبيقات قضائية

الطعن 13 لسنة 40 ق جلسة 4 / 2 / 1976 مكتب فني 27 ج 1 ق 82 ص 386 جلسة 4 من فبراير سنة 1976
برئاسة السيد المستشار: محمد أسعد محمود وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد المهدي، ومحمد الباجوري، وسعد الشاذلي، والدكتور عبد الرحمن عياد.
———–
(82)
الطعن رقم 13 لسنة 40 ق “أحوال شخصية”

(1)اختصاص “اختصاص ولائي”. وقف.
هيئة أوقاف الأقباط الأرثوذكس. اختصاصها بتعيين وعزل القائمين على إدارة الأوقاف. مناطه. القرار الجمهوري 1433 لسنة 1960.
(2) أحوال شخصية “القانون الواجب التطبيق”. وقف.
تطبيق فقه الحنفية على مسائل الوقف م 280 لائحة. شرطه. سكوت التشريعات الخاصة عن مواجهة حالة معينة.
(3 و4 و5 و6) وقف. قانون “إلغاء التشريع”.
(3)الحق في النظارة على الوقف الخيري. نشوؤه من تاريخ صدور قرار المحكمة بالتعيين لا من تاريخ وفاة من شرط له الواقف النظر. تقديم طلب إقامة الناظر بعد صدور القانون 347 لسنة 1953 بشأن النظر على الأوقاف الخيرية وتعديل مصارفها على جهات البر. أثره. وجوب تطبيق أحكام هذا القانون دون حكم المادة 47 من قانون الوقف الملغاة.
(4)النظر على الوقف الخيري. لوزارة الأوقاف ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه. الاستثناء. وقف غير المسلم المرصود لغير جهة إسلامية. النظر يكون لمن تعينه المحكمة أن لم يشترط الواقف النظر لنفسه أو لوزارة الأوقاف. جواز تعيين وزارة الأوقاف ناظره على وقف غير المسلم.
(5)حظر تولية الأجنبي عن الوقف ناظراً عليه. م 49 من قانون الوقف. لا يشمل الوقف الخيري على كنيسة ولو وجد من يصلح من أهل بيت الواقف. علة ذلك.
(6)الوقف الخيري الصادر من غير مسلم. اشتماله على حصة مرصودة على الكنيسة وأخرى على جهة برعامة. تعيين وزارة الأوقاف ناظرة على الحصة المخصصة واعتبارها ناظرة بحكم القانون على الحصة الأخرى. لا يؤدي إلى تعدد النظارة المنهي عنه.

—————–
1 – لئن كان القرار الجمهوري رقم 1433 لسنة 1960 في شأن إدارة أوقاف الأقباط الأرثوذكس قد صدر نفاذاً للقانون رقم 264 لسنة 1960 في شأن استبدال الأراضي الزراعية الموقوفة على جهات البر للأقباط الأرثوذكس الذي قضت المادة الثانية منه بإنشاء “هيئة أوقاف الأقباط الأرثوذكس” لتتولى اختيار القدر المحدد واستلام قيمة الأراضي المستبدلة بما يفيد أن المشرع ناط بتلك الهيئة أساساً أداء هذه المهمة، إلا أنه لما كانت المادة سالفة الذكر قد تركت للقرار الجمهوري تحديد اختصاصات تلك الهيئة، وكانت الفقرة هـ من المادة الثانية منه قد خولتها سلطة تعيين وعزل القائمين على إدارة الأوقاف فإن ما عنته تلك الفقرة إنما ينصرف إلى الأوقاف الصادرة من غير مسلم ويكون مصرفها متمحضاً لجهة من جهات البر القبطية الأرثوذكسية بالذات لا تشاركها فيه جهة برعامة غير طائفية، وبحيث لا يثور نزاع حول الأحقية في النظارة عليها تبعاً للجدل حول صفتها الطائفة وخلوص مصرفها لها، وإذ كان الثابت من كتاب الوقف أن الواقف – قبطي أرثوذكسي – قد شرط صرف ربع الشق الخيري منه المشتمل على دار الضيافة والكنيسة على مرتادي الدار من المسلمين والأقباط على سواء وعلى من سمي لهم مخصصات من العاملين في الكنيسة وكانت وزارة الأوقاف – المطعون عليها الأولى – قد ادعت أحقيتها في النظر على الجزء الخيري من الوقف بشقيه، وكان أحد المستحقين – المطعون عليه الثاني – طلب رفض إقامة الطاعنين ناظرين، فإن الاختصاص بالنزاع لا ينعقد لهيئة أوقاف الأقباط الأرثوذكس، وإنما يكون منوطاً بالمحاكم ذات الولاية العامة.
2 – ما توجبه المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من صدور الأحكام طبقاً للمدون فيها ولأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة، لا يصار إليه في الأحوال التي ينص فيها قانون وضعي على قواعد خاصة، وإذ صدرت تشريعات متعاقبة خاصة بالوقف، فإنها تكون واجبة التطبيق ولا يلجأ إلى فقه الحنفية إلا عند سكوت هذه التشريعات عن مواجهة حالة معينة.
3 – لئن كان مؤدى نص المادة 47 من قانون أحكام الوقف رقم 48 لسنة 1946 الواردة تحت عنوان النظر على الأوقاف الخيرية أن التولية في الوقف الخيري تكون لمن شرط له الواقف النظر، فإن لم يوجد فلمن يصلح من ذرية الواقف وأقاربه، فإن لم تتوافر الصلاحية فعلى المحكمة أن تولي وزارة الأوقاف.
ويستثنى من هذا الأصل وقف غير المسلم على جهات البر الخاصة بدينه، فإنه إذا لم يستحق النظر من شرط له الواقف أو من يصلح له من ذريته وأقاربه فلا تولي المحكمة وزارة الأوقاف وإنما تولي عليه من تختاره، إلا أن هذه المادة قد ألغيت بصريح نص المادة السادسة من القانون رقم 247 لسنة 1953 بشأن النظر على الأوقاف الخيرية وتعديل مصارفها على جهات البر، وإذ كان حق الطاعنين الأولين في النظر طبقاً لشرط الواقف إنما ينشأ بموجب قرار التعيين بعد اللجوء إلى المحكمة القضائية برفع دعوى استحقاق النظر ومن تاريخ صدوره – لا من تاريخ وفاة من شرط لهما الواقف النظر – اعتباراً بأن الحق في النظارة لا يستمد من شرط الواقف بل من قرار المحكمة بالتعيين، وهو قرار إقامة في النظر وليس تمكيناً منه، وكان الثابت أن الطاعنين الأولين لم يتقدما بطلب تعيينهما ناظرين إلا في تاريخ لاحق لنفاذ القانون رقم 247 لسنة 1953 الذي ألغى المادة 47 من قانون أحكام الوقف وأتي بأحكام جديدة، فإن هذه القواعد الأخيرة هي التي تسري في حقهما.
4 – مؤدى نص المادتين 2/ 1 و3 من القانون 247 لسنة 1953 المعدل بالقانونين رقمي 547 و296 لسنة 1954 اللتين حلتا محل المادة 47 من قانون أحكام الوقف، والمادتين 1 و17 من القانون رقم 272 لسنة 1959 – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] أن المشرع أقام وزارة الأوقاف في النظر على الوقف الخيري ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه وجعلها أحق بالنظر ممن شرط له الواقف ولو كان من ذريته أو أقاربه باعتبارها صاحبة الولاية العامة وأولى من غيرها برعاية جهات الخير وحمايتها وتوجيه الربع إلى المصارف ذات النفع العام وتحقيق غرض الواقف من التقرب إلى الله بالصدقة الجارية، فأعطاها الحق في النظر بحكم القانون في الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 247 لسنة 1953، وأورد بالمادة الثالثة منه استثناء على هذا الحق خاصاً بوقف غير المسلم على مصرف لغير جهة إسلامية، ليقيم القاضي ناظره إن لم يشترط الواقف النظر لنفسه أو لوزارة الأوقاف، مما مفاده أن المشرع أصبح لا يقيد سلطة القاضي في تعيين من يراه صالحاً للنظارة على الأوقاف الخيرية الطائفية، ولم يمنعه من أن يعين وزارة الأوقاف ناظراً على وقف غير المسلم ولو كان مصرفه لجهة غير إسلامية متى رأى في ذلك صالحاً، وهو ما يفيد انتفاء الأساس الذي كان يبنى عليه حظر إقامة وزارة الأوقاف ناظرة على وقف غير المسلم المرصود لجهة طائفية.
5 – إذ كان النص في المادة 49 من قانون أحكام الوقف على أنه “لا يولى أجنبي على الوقف إذا كان بين المستحقين من يصلح للنظر عليه، فإذا اتفق من لهم أكثر الاستحقاق على اختيار ناظر معين أقامه القاضي إلا إذا رأى المصلحة في غير ذلك….” يتناول الوقف الخيري بالقدر الذي لا يتعارض مع أحكامه، وكان الوقف على جهة غير آدمية لا يكون أهلاً للنظر ولا يعد ممثلها مستحقاً ولم يعتبره القانون في هذه الحالة كالمستحق، وكان الشق الخيري الموقوف على الكنيسة موضوع الدعوى من هذا القبيل، فإنه لا مجال للقول بوجود المستحق الذي يحظر معه تعيين الأجنبي عن الوقف بالتطبيق لتلك المادة حتى لو وجد من يصلح من أهل بيت الواقف.
6 – متى كان الثابت من كتاب الوقف أنه اشتمل على حصة أخرى خيرية ليس مصرفها جهة طائفية، بالإضافة إلى الشق الخيري الخاص بالكنيسة موضوع الدعوى، وكانت الولاية لوزارة الأوقاف بقوة القانون على الحصة الموقوفة على جهة برعامة بالتطبيق للمادة الثانية من القانون رقم 247 لسنة 1953 المعدلة بالقانون رقم 547 لسنة 1953، وكان القانون لا يحظر تولية وزارة الأوقاف على حصة الوقف الخيري من غير مسلم على جهة غير إسلامية، فإن ما قرره الحكم من تولية الوزارة على الجزء من الوقف الخيري المرصود على الكنيسة لا يؤدي إلى التعدد المنهي عنه بالمادة 48 من قانون أحكام الوقف ولا مساغ للتذرع بأن الطاعنين الأولين هما الحارسان على الجزء الأهلي الذي زالت عنه صفة الوقف بمقتضى المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 لأن فيما يذهبان إليه تحقيق لهذا التعدد بين شقي الوقف الخيري وليس درءاً له، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى إلى رفض طلب الطاعنين الأولين إقامتهما ناظرين على الجزء من الوقف المخصص للكنيسة، فإن النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون يكون على غير أساس. [(2)]

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع – حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل في أن الطاعنين الأولين تقدما بطلب إلى رئيس هيئة التصرفات بمحكمة القاهرة الابتدائية قيد برقم 1 سنة 1967 تصرفات قالا فيه أنه بإشهاد شرعي مؤرخ 9/ 4/ 1913 وقف جدهما المرحوم…. القبطي الأرثوذكس أطياناً زراعية مساحتها 203 فدان و21 قيراط وعقارات أخرى، وشرط في وقفه شروطاً منها أن يصرف من ريع هذا الوقف بعد وفاته عدة مرتبات منها 125 قرشاً لقسيس كنيسة طنان، 40 قرشاً شهرياً للعريف القائم بتعليم الأطفال بها ومثلها لخادمها، وجعل النظر لنفسه مدة حياته ثم من بعده لولدي ابنه…. وهما… و… مناصفة بينهما – ثم من بعدهما للأرشد فالأرشد من أولادهما الذكور دون الإناث، ويكون للأصلح فالأصلح منهم ثم نسلهم وعقبهم إلى حين انقراضهم، وإذ توفى من شرط لهم النظر، وكان مقدماً الطلب هما أرشد أولادهما وأصلح من يتولى النضارة على الجزء الموقوف على الكنيسة وأجمع المستحقون على ترشيحهما، فقد طالبا إقامتهما ناظرين على هذا الجزء من الوقف. أعلن المستحقون الطاعنون من الثالثة إلى السابع والمطعون عليهم من الثالثة حتى الأخيرة كما أعلنت وزارة الأوقاف المطعون عليها الأولى وتدخل المطعون عليه الثاني طالباً رفض الدعوى، وبتاريخ 23/ 2/ 1969 حكمت المحكمة برفض الطلب. استأنف الطاعنون والمطعون عليهم من الثالثة حتى الأخيرة هذا الحكم بالاستئناف رقم 4 لسنة 86 ق القاهرة، وبتاريخ 17/ 1/ 1970 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وبعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة رأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ستة أسباب، ينعى الطاعنون بالسبب السادس منها على الحكم المطعون فيه البطلان، وفي بيان ذلك يقولون إن محكمة الاستئناف قبلت في فترة حجز الدعوى مذكرة من وزارة الأوقاف لم يطلع عليها الطاعن الأخير رغم أنه من مستحقي الوقف وممن انحصر فيهم شرط النظر ورشحوا الطاعنين الأولين خلافاً لنص المادة 168 من قانون المرافعات وقام الحكم المطعون فيه على ما تضمنته هذه المذكرة من دفاع.
وحيث إنه لما كان الطاعنون لم يقدموا المستندات المؤيدة لما يدعونه في هذا الصدد، فإن النعي يكون عارياً عن الدليل وبالتالي غير مقبول.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثالث مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون، وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إن اختصاص المجالس المحلية بالنظر في جميع ما يتعلق بالأوقاف الخيرية التابعة للأقباط من حيث الإدارة وتنصيب المديرين وفحص حساباتهم والتصديق عليها ظل ثابتاً لها إلى ما بعد صدور قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 حتى ألغيت جهات قضاء الأحوال الشخصية بالقانون رقم 462 لسنة 1955، وهو ما يكشف عن حرص الشارع على ألا يقحم على شئون الأوقاف الخيرية الطائفية عنصر من غير ملة واقفيها، وإذ كانت صفة الطائفية للشطر من الوقف الخيري موضوع الدعوى تنأى به عن تنظر وزارة الأوقاف بصدور القانون رقم 264 لسنة 1960 بإنشاء هيئة أوقاف الأقباط الأرثوذكس والتي خولتها الفقرة هـ من المادة الثانية من القرار الجمهوري رقم 1433 لسنة 1960 الاختصاص بالإشراف على تلك الأوقاف وتعيين وعزل القائمين على إدارتها، وهو اختصاص يتعلق بالولاية ونوع القضية ويجوز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى لتعلقه بالنظام العام، ولما كان الحكم قد تصدى للفصل في حق التولية على الوقف موضوع الدعوى ولا اختصاص له فيه فإنه يكون قد خالف القانون.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن القرار الجمهوري رقم 1433 لسنة 1960 في شأن إدارة أوقاف الأقباط الأرثوذكس وإن كان قد صدر نفاذاً للقانون رقم 264 لسنة 1960 في شأن استبدال الأراضي الزراعية الموقوفة على جهات البر للأقباط الأرثوذكس الذي قضت المادة الثانية منه بإنشاء هيئة أوقاف الأقباط الأرثوذكس لتتولى اختيار القدر المحدد واستلام قيمة الأراضي المستبدلة بما يفيد أن المشرع ناط بتلك الهيئة أساساً أداء هذه المهمة، إلا أنه لما كانت المادة سالفة الذكر قد تركت للقرار الجمهوري تحديد اختصاصات تلك الهيئة، وكانت الفقرة هـ من المادة الثانية منه قد خولتها سلطة تعيين وعزل القائمين على إدارة الأوقاف، فإن ما عنته تلك الفقرة إنما ينصرف إلى الأوقاف الصادرة من غير مسلم ويكون مصرفها متمحضاً لجهة من جهات البر القبطية الأرثوذكسية بالذات لا تشاركها فيه جهة برعامة غير طائفة، وبحيث لا يثور نزاع حول الأحقية في النظارة عليها تبعاً للجدل حول طبيعة صفتها الطائفية وخلوص مصرفها لها، لما كان ذلك وكان الثابت من كتاب الوقف إن الواقف شرط صرف ريع الشق الخيري منه المشتمل على دار الضيافة وكنيسة طنان على مرتادي الدار من المسلمين والأقباط على السواء وعلى من سمي لهم مخصصات من العاملين في الكنيسة، وكانت وزارة الأوقاف المطعون عليها الأولى قد ادعت أحقيتها في النظر على الجزء الخيري من الوقف بشقيه، وكان أحد المستحقين – المطعون عليه الثاني – طلب رفض إقامة الطاعنين ناظرين، فإن الاختصاص بالنزاع لا ينعقد لهيئة أوقاف الأقباط الأرثوذكس، وإنما يكون منوطاً بالمحاكم ذات الولاية العامة، ويكون النعي لا سند له.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالأسباب الأول والثاني والرابع والخامس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقولون إن الحكم انتهى إلى رفض إقامة الطاعنين الأولين ناظرين على الجزء المخصص للكنيسة، على سند من القول بأن المادة 47 من قانون الوقف التي استثنت الوقف الخيري الصادر من غير المسلم من حكم إقامة وزارة الأوقاف ناظراً عليه متى كان مصرفه جهة غير إسلامية قد ألغيت بموجب المادة الثالثة من القانون رقم 247 لسنة 1953 معدلة بالقانون رقم 547 لسنة 1953 التي جعلت الأمر عند وفاء الواقف وعدم اشتراطه لنفسه لمن تعينه المحكمة ودون أن تحظر إقامة وزارة الأوقاف ناظراً على وقف غير المسلم وأنه ليس ثمة ما يمنع عندما تكون جهات البر بعضها إسلامي وبعضها طائفي من توحيد النظارة في وزارة الأوقاف أخذاً بالمادة 48 من قانون الوقف، في حين أن مرد تجنيب وزارة الأوقاف عن النظر هو دفع الحرج عن الطوائف غير الإسلامية بتدخلها في الولاية على أوقافهم التي خصصت لمصارف طائفية، وإذ صدر الوقف موضوع الدعوى من غير مسلم، وكان مصرف الجزء الخيري الموقوف على الكنيسة جهة غير إسلامية وكان الواقف شرط النظارة لحفيديه ومن بعدهما للأرشد فالأرشد من ذريتهما، وهو الوصف الذي تحقق في الطاعنين الأولين عند وفاة من شرط لهما الواقف النظر في 25 يونيو 1952 فإن حقهما في النظارة على هذا الجزء من الوقف ينشأ من هذا التاريخ، ولا تنطبق في شأنه أحكام القانون رقم 547 لسنة 1953 المعمول به في تاريخ لاحق لعدم رجعية أثره على الحقوق التي تولدت قبل العمل بأحكامه هذا إلى أن أحقية الطاعنين الأوليين في المطالبة بولاية شرطها لها جدهما غير المسلم على ما رصده للكنيسة لا يتأثر بقيام المادة 47 من القانون رقم 48 لسنة 1946 أو إلغائها لأن النزاع في استحقاق النظر يدور حول مسألة موضوعية متعلقة بأصل الحق ويصدر الحكم فيها طبقاً لأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة عملاً بالمادة 280 من لائحة المحاكم الشرعية التي نظمت حق التولية على الوقف فجعلته للواقف ثم لوصيه ثم للقاضي وقيدت سلطة ذلك الأخير بألا يقيم أجنبياً عن الوقف ناظراً مع وجود المشروط له من أهل بين الواقف، وهو ما نصت عليه المادة 49 من قانون أحكام الوقف التي لا يزال حكمها معمولاً به ولم تلغ وهي قاطعة في النهي بإطلاق عن تعيين وزارة الأوقاف الأجنبية عن الوقف دون تقيد بتعلة المصلحة، بالإضافة إلى أن تطبيق المادة 48 من قانون أحكام الوقف على وجهها الصحيح الذي تنسجم به النصوص، وبمراعاة ألا يتعطل شرط الواقف بشأن النظر على الشطر الخيري الضئيل المرصود على الكنيسة، يوجب الأخذ بتنصيب الطاعنين الأولين ناظرين تغليباً لمصلحة الحصة الخيرية، خاصة وأنهما يتوليان الحراسة على شطر الوقف الأهلي مما يستوجب توحيد الإدارة فيها لا رفض طلبهما، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن ما توجبه المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من صدور الأحكام طبقاً للمدون فيها ولأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة لا يصار إليه في الأحوال التي ينص فيها قانون وضعي على قواعد خاصة، وإذ صدرت تشريعات متعاقبة خاصة بالوقف فإنها تكون واجبة التطبيق ولا يلجأ إلى فقه الحنفية إلا عند سكوت هذه التشريعات عن مواجهة حالة معينة، ولما كان النص في المادة 47 من قانون أحكام الوقف رقم 48 لسنة 1946 الواردة تحت عنوان النظر على الأوقاف الخيرية على أنه “إذا كان الوقف على جهة بركان النظر عليه لمن شرط له، ثم لمن يصلح له من ذرية الواقف وأقاربه، ثم لوزارة الأوقاف، هذا ما لم يكن الواقف غير مسلم وكان مصرف الوقف جهة غير إسلامية فإن النظر عليه يكون لمن تعينه المحكمة، مع ملاحظة أن هذا الترتيب ترتيب في الصلاحية” وإن كان يدل على أن التولية في الوقف الخيري تكون لمن شرط له الواقف، فإن لم يوجد فلمن يصلح له من ذرية الواقف وأقاربه، فإن لم تتوافر الصلاحية فعلى المحكمة أن تولي وزارة الأوقاف، ويستثنى من هذا الأصل وقف غير المسلم على جهات البر الخاصة بدينه، فإنه إذا لم يستحق النظر من شرط له الواقف أو من يصلح له من ذريته وأقاربه فلا تولي المحكمة وزارة الأوقاف وإنما تولي عليه من تختاره، إلا أنه لما كانت هذه المادة قد ألغيت بصريح نص المادة السادسة من القانون رقم 247 لسنة 1953 بشأن النظر على الأوقاف الخيرية وتعديل مصارفها على جهات البر، وكان حق الطاعنين الأولين في النظر طبقاً لشرط الواقف إنما ينشأ بموجب قرار التعيين بعد اللجوء إلى المحكمة القضائية برفع دعوى استحقاق النظر ومن تاريخ صدوره – لا من تاريخ وفاة من شرط لهما الواقف النظر – اعتباراً بأن الحق في النظارة لا يستمد من شرط الواقف بل من قرار المحكمة بالتعيين، وهو قرار إقامة في النظر وليس تمكيناً منه، وكان الثابت أن الطاعنين الأولين لم يتقدما بطلب تعيينهما ناظرين إلا في تاريخ لاحق لنفاذ القانون رقم 247 لسنة 1953 الذي ألغى المادة 47 من قانون أحكام الوقف وأتى بأحكام جديدة، فإن هذه القواعد الأخيرة هي التي تسري في حقهما، ولما كان ذلك، وكان مؤدى نص المادتين 2/ 1 و3 من القانون 247 لسنة 1953 و296 لسنة 1954 اللتين حلتا محل المادة 47 آنفة الإشارة، والمادتين 1 و17 من القانون رقم 272 لسنة 1959 – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن المشرع أقام وزارة الأوقاف في النظر على الوقف الخيري ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه، وجعلها أحق بالنظر ممن شرط له الواقف ولو كان من ذريته أو أقاربه باعتبارها صاحبة الولاية العامة وأولى من غيرها برعاية جهات الخير وحمايتها وتوجيه الريع إلى المصارف ذات النفع العام وتحقيق غرض الواقف من التقرب إلى الله بالصدقة الجارية، فأعطاها الحق في النظر بحكم القانون في الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 247 لسنة 1953، وأورد بالمادة الثالثة منه استثناء على هذا الحق خاصاً بوقف غير المسلم على مصرف لغير جهة إسلامية ليقيم القاضي ناظره إن لم يشترط الواقف النظر لنفسه أو لوزارة الأوقاف، مما مفاده أن المشرع أصبح لا يقيد سلطة القاضي في تعيين من يراه صالحاً للنظارة على الأوقاف الخيرية الطائفية، ولم يمنعه من أن يعين وزارة الأوقاف ناظراً على وقف غير المسلم ولو كان مصرفه لجهة غير إسلامية متى رأى في ذلك صالحاً، وهو ما يفيد انتفاء الأساس الذي كان يبنى عليه حظر إقامة وزارة الأوقاف ناظرة على وقف غير المسلم المرصود لجهة طائفية، لما كان ما تقدم وكان النص في المادة 49 من قانون أحكام الوقف على أنه لا يولى أجنبي على الوقف إذا كان بين المستحقين من يصلح للنظر عليه، فإذا اتفق من لهم أكثر الاستحقاق على اختيار ناظر معين أقامه القاضي إلا إذا رأى المصلحة في غير ذلك… ويتناول الوقف الخيري بالقدر الذي لا يتعارض مع أحكامه، وكان الوقف على جهة ليست آدمية لا يعتبر معه ممثلها مستحقاً ولم يعتبره القانون في هذه الحالة كالمستحق، وكان الشق الخيري الموقوف على كنيسة طنان موضوع الدعوى من هذا القبيل، فإنه لا مجال للقول بوجود المستحق الذي يحظر معه تعيين الأجنبي عن الوقف بالتطبيق لتلك المادة حتى لو وجد من يصلح من أهل بيت الواقف. لما كان ما سلف وكان الحكم المطعون فيه قد أورد “…. ولئن كان من الجائز أن يكون الناظر على وقف غير المسلم من أهل طائفته إذا كان الوقف كله على جهة بر طائفية، وإنه ليس ثمة ما يمنع عندما تكون جهات البر متعددة بعضها إسلامي وبعضها الآخر طائفي أن تكون النظارة على الجهتين معاً لوزارة الأوقاف، لا سيما إذا كانت أعيان الوقف على المشاع ولا سبيل إلى إقامة ناظر طائفي على القدر من البر المخصص لجهة الطائفة إذ يستلزم ذلك توزيعاً وتقسيماً لما يتم بعد خصوصاً وأن المادة 48 من القانون رقم 48 لسنة 1946 وهي الباقية على حالها تقضي في حالة شيوع الوقف بقصر النظارة على واحد إلا إذا وجدت مصلحة في التعدد، ولا مصلحة في التعدد في حالتنا هذه، كما أن دعوى القسمة لا زالت معروضة على لجان القسمة ولما يفصل فيها بعد…”، وكان هذا الذي قرره الحكم لا مخالفة فيه لنص المادة 48 من قانون أحكام الوقف ولا ينطوي بذاته على تعدد في النظر، ذلك أنه لما كان الثابت من كتاب الوقف وعلى ما جاء بالرد على السبب الثالث أنه اشتمل على حصة أخرى خيرية ليس مصرفها جهة طائفية، بالإضافة إلى الشق الخيري الخاص بالكنيسة موضوع الدعوى، وكانت الولاية لوزارة الأوقاف بقوة القانون على الحصة الموقوفة على جهة برعامة بالتطبيق للمادة الثانية من القانون رقم 247 لسنة 1953 المعدل بالقانون رقم 547 لسنة 1953، وكان القانون لا يحظر توليه وزارة الأوقاف على حصة الوقف الخيري من غير مسلم على جهة غير إسلامية على ما سلف تفصيله فإن ما قرره الحكم من تولية الوزارة على الجزء من الوقف الخيري المرصود على الكنيسة لا يؤدي إلى التعدد المنهي عنه بالمادة 48 من قانون أحكام الوقف؛ ولا مساغ للتذرع بأن الطاعنين الأولين هما الحارسان على الجزء الأهلي الذي زالت عنه صفة الوقف بمقتضى المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 لأن فيما يذهبان إليه تحقيق لهذا التعدد بين شقي الوقف الخيري وليس درءاً له، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى إلى رفض طلب الطاعنين الأولين إقامتهما ناظرين على الجزء من الوقف المخصص للكنيسة، فإن النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون بكافة وجوهه يكون على غير أساس.
ولما تقدم جميعه يتعين رفض الطعن برمته.

[(1)] نقض 5/ 1/ 1975 مجموعة المكتب الفني السنة 26 ص.
[(2)] نقض 29/ 3/ 1972 مجموعة المكتب الفني السنة 23 ص 564.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .