أحرزَ الاتجاه القانوني القائل : بان طبيعة المسؤولية المدنية في المرحلة السابقة على التعاقد تكون مسؤولية تقصيرية الثقل الأكبر في مختلف الانظمة القانونية. وان كان السبب الحقيقي الذي يكمن من وراء تبني هذه الطبيعة القانونية لا يرجع الى التأصيل الدقيق لهذه المسؤولية بقدر ما يكون الهدف اوالغرض منه هو تفادي التعرض بالمساس لمبدأ الحرية التعاقدية وسلطان الارادة في تلك الحقبة التعاقدية غير المستقرة(1). اذ فقد تشيّع الرأي الغالب في الفقه القانوني الى القول: بان المسؤولية المدنية الناشئة عن الاخلال بالالتزام الثابت في المستندات والوثائق ماقبل التعاقدية، هي مسؤولية تقصيرية تقوم بحكم القانون الذي يجعل المسؤولية عن الخطأ في مرحلة التفاوض تقوم على اساس الضمان وتحمل التبعة او بصفة عامة عن التقصير في تنفيذ الالتزام ماقبل التعاقدي الثابت من خلال صياغاتها القانونية في المستند التفاوضي، فهذه المسؤولية تستوجب التعويض كاثر ناتج عن مخالفة ماهو ثابت من التزامات إتفاقية قانونية تجسدها الصياغة القانونية في المستندات قبل التعاقدية من الوقائع المادية والتصرفات القانونية التي تنشأ عنها تلك الالتزامات دون العقد(2). وينطلق انصار هذا الاتجاه(3) من حقيقة قانونية راسخة وهي عدم وجود عقد اثناء مرحلة ماقبل التعاقد عموماً وفي مرحلة المفاوضات على وجه الخصوص، وان تجسد التصرف القانوني من خلال صياغته القانونية في مستند موقع او وثيقة صادرة من احد الاطراف المتفاوضة اوكلاهما. كذلك يتمسك بعض انصار هذا الاتجاه العام(4) بقاعدة: (ان مايسبق العقد يخرج من نطاقه) ولا تطبق احكام المسؤولية العقدية إلا إذا كانا بصدد اخلال بالتزام ثابت في مستند ذي اطار تعاقدي اواتفاقي ملزم، ومن ثم لا يبقى امام مؤيدي هذا الاتجاه إلا القول بالمسؤولية التقصيرية لجبر الاضرار التي تلحق المتفاوض من جراء الاخلال بمضمون التزام المستند ماقبل التعاقدي.

غير ان انصار هذا الاتجاه وان اتفقوا عند نقطة الشروع هذه إلا انهم لم يخلوا من اختلاف في بيان الاساس القانوني السليم حول هذه النظرية ويمكن استعراض ثلاثة اراء في الفقه القانوني بهذا الخصوص،

اذ يذهب الرأي الاول منه(5): الى ان اساس المسؤولية التقصيرية في هذه الحالة هو نظرية التعسف باستعمال الحق، ومردُ ذلك ان الرضا بالتفاوض وتجسيدهُ من خلال الصياغة القانونية الواضحة في المستند التفاوضي يفترض استمرار المتفاوض عليه الى ان يبلغ الهدف منه وهو ابرام العقد النهائي المنشود مالم يظهر خلاف ذلك في المصالح الاقتصادية وفق العروض التعاقدية المتقابلة وذلك استناداً الى مبدأ حسن النية قبل التعاقدي الذي يفترض ان يتصرف كل متفاوض بما ينسجم ومقتضياته فاذا انسحب احد المتفاوضين عن المفاوضة او اخل بمضمون الالتزام الثابت في مستنداتها دون ان يكون الدافع الى هذا الأنسحاب مصلحة مشروعة، فانه يكون قد تعسف في استعمال حقه واستوجب عليه التعويض(6)

اما الرأي الثاني المتفرع عن الاتجاه العام فقد ذهب : الى ان اساس المسؤولية التقصيرية الناشئة عن الاخلال بالالتزامات الثابتة في المستندات التفاوضية هو نظرية الفضالة، على اعتبار ان من يوقع على مستند تفاوضي او يصدر وثيقة الى الاخر لاستقطابه نحو التعاقد مثل : مستندات الدعوة الى التفاوض، هو فضولي يدير شأنهاً لرب العمل الذي اصدر اليه ذلك الخطاب او التعهد، فاذا مافشلت المفاوضات فانه يستطيع الرجوع على الاخير بدعوى الفضالة لتعويض ما انفقه من مصروفات وتكاليف سواء انفقت هذه المصروفات في اصدار ذلك الخطاب او في ايصاله(7).

فيما ذهب الرأي الثالث من الاتجاه السالف الذكر: الى القول بان اساس هذه المسؤولية، هو نظرية تحمل التبعة في السعي الى التعاقد(8). إذ ان كل طرف يسعى الى التعاقد فانه يتحمل تبعة الاضرار التي تنتج اياً كان مسببها سواء اكان الغير ام الطرف الاخر واياً كانت الاسباب ايضاً التي حالت دون ابرام العقد النهائي المنشود حتى ولو ظلت هذه الاسباب مجهولة او غير معروفة. ذلك اذ ان النشاط التعاقدي يتضمن للقائمين به أخطاراً عديدة ويكفي حدوث بعضها ليكون البادئ به مسؤولاً عنه إلا إذا كان الضرر ناشئاً عن خطأ المضرور ذاته كمن يقدم على التعاقد مع علمهِ باستحالة موضوعه، اذ ليس على المضرور وفق هذا الرأي إلا اثبات الضرر الذي اصابه وان هذا الضرر هو نتيجة توقيعهُ على مستندات ووثائق تفاوضية التزم بها ومن خلال صياغتها القانونية ومع ذلك فانها لم توصله الى ابرام العقد النهائي المنشود حتى يحصل على التعويض لما اصابه من اضرار. بغض النظر، عما إذا كان نظيرهُ الموقع على ذات المستندات والوثائق التفاوضية قد ارتكب خطأ من عدمهِ(9).

ومع خلو النصوص القانونية من ادنى اشارة على تقرير المسؤولية التقصيرية عند الاخلال بالمستندات والوثائق الصادرة في المرحلة ماقبل التعاقدية إذا لم تكن هذه المستندات مستجمعة لاركان الاتفاق التفاوضي او لم تكن تجسيداً للمفاوضات القائمة في اطار تعاقدي، يذهب البعض من الفقه القانوني المدني(10)، الى القول: بوجود صدى لهذه المسؤولية في نصوص القوانين المقارنة ومنها نصوص مواد القانون المدني العراقي تأسيساً على القواعد العامة وضماناً لحرية الارادة التعاقدية وسلطانها قبل الارتباط التعاقدي الملزم إذ يدخل ـ وفقاً لهذا الرأي ـ الاخلال بالالتزامات ماقبل التعاقدية التي تجسدها الصياغات القانونية للمستندات الثابتة فيها وتلحق ضرراً باحد الاطراف الساعية الى التعاقد، في بوتقة الاحكام المشتركة للافعال غير المشروعة، وهو عين مانصت عليه المادة (204) من قانوننا المدني العراقي التي نصها : ((كل تعدٍ يصيب الغير باي ضرر اخر، غير ما ذكر في المواد السابقة يستوجب التعويض)) (11).

ومن الجدير بالاشارة – إننا نؤيد – صحة هذا الرأي الفقهي، ونراه الاقرب الى صحيح القانون على سند من القول ان احكام هذه المسؤولية هي وحدها التي تطبق عند عدم وجود مركز قانوني ذات طبيعة تعاقدية نهائية. وبصدد موقف القضاء من تقرير المسؤولية التقصيرية الناشئة في مرحلة ماقبل التعاقد، عموماً والناجمة عن الاخلال بالمستندات والوثائق التفاوضية الصادرة فيها على وجه الخصوص، فقد كان للقضاء الفرنسي(12) معيناً وفيراً من القرارات القضائية التي اتخذت هذا المنحى. ومن القضاء الفرنسي الى القضاء المصري، حيث قضت محكمة النقض المصري في قرارها الصادر في عام 1968م بمناسبة المكاتبات الاولية التفاوضية التي حررها الطرفان حول زمان ومكان المفاوضات المزمع قيامها بينهما والذي قضى بتحميل الطرف الذي خالف هذه الالتزامات دون مبرر مشروع او معقول بعد ما الحق بالطرف الاخر اضراراً مادية ومعنوية اصابتهُ من جراء اخلال الطرف المتفاوض الاول ـ المسؤولية التقصيرية ـ (الجزاء المدني العام) لفعله غير المشروع الذي تسبب في الحاق تلك الاضرار(13). وفي قرارٍ اخر لمحكمة الاستئناف الكويتية صدر حول الشان ذاته قضت فيه، بان : ((لابد لتمام العقد من صدور إيجاب من أي من المتعاقدين يعقبه قبول مطابق له من المتعاقد الاخر ومن يصدر منه الايجاب لايستقر به الرأي في العادة على ان يصدر ايجاباً باتاً، إلا بعد مفاوضات والقانون لا يرتب في الاصل على هذه المفاوضات اثراً قانونياً ملزماً فكل متفاوض حر في قطع المفاوضة في الوقت الذي يريد ولا مسؤولية على من عدل بل هو لا يكلف بأثبات انه عدل لسبب جدي وليست المفاوضات إلا عملاً مادياً لا يلزم أحداً على ان العدول عن المفاوضات قد يرتب مسؤولية على من قطعها إذا اقترن العدول بخطأ منه ولكن المسؤولية ليست تعاقدية مبنية على العدول، بل هي مسؤولية تقصيرية مبنية على الخطأ والمكلف بأثبات الخطأ هو الطرف الاخر الذي اصابه ضرر من العدول. لذلك فان الوثائق المتبادلة وان اشارت من خلال صيغتها الى اسعار بعض المواد، إلا انها لم تتضمن باقي الشروط الجوهرية التي تكون محلاً للدراسة بين الطرفيين قبل ابرام العقد النهائي مثل مدة التنفيذ وضمانات كل من الطرفيين وموافقة صاحب العمل على تنفيذ المستئنافة من الأعمال، الأمر الذي يتأكد به ان مادار بين الطرفيين لم يخرج عن حيز المفاوضات وبالتالي فالجزاء الذي سوف يكون مفروض هو الجزاء المدني التقصيري ))(14).

____________________

1- انظر: الاستاذ. فايز الحاج شاهين، المسؤولية الناشئة عن قطع المحادثات في المرحلة السابقة على التعاقد، مجلة العدل، قسم الدراسات القانونية، جامعة بيروت – كلية الحقوق، العدد (11)، السنة العاشرة، 1979، ص12ـ 13، د. محمد حسام محمود لطفي، المسؤولية المدنية في مرحلة التفاوض: دراسة في القانون المصري والفرنسي، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة – مصر، 1995 ، ص58، د. محمد عبد الظاهر حسين، الجوانب القانونية للمرحلة السابقة للتعاقد، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة – مصر، 2001 – 2002، ص92، د. نزيه محمد الصادق المهدي، الالتزام قبل التعاقد بالإدلاء بالبيانات المتعلقة بالعقد وتطبيقاته على بعض أنواع العقود،((دراسة فقهية قضائية مقارنة)) ط1، دار النهضة العربية، القاهرة – مصر، 1982، ص.311 ومن الفقه الغربي القانوني المقارن، انظر: سالي، المسؤولية قبل التعاقدية، المجلة الفصلية للقانون المدني، 1970 ،ص697.

2- انظر: د. جميل الشرقاوي، مصادر الالتزام، ص477، ومابعدها، د. عبد الودود يحيى، الموجز في النظرية العامة للالتزام، القسم الأول مصادر الالتزام، ط2، دار النهضة العربية، القاهرة – مصر، 1987، ص232، د. عبد الفتاح عبد الباقي، مصادر الالتزام في القانون المدني الكويتي، (1) العقد والإرادة المنفردة، دون ذكر ناشر، 1983، ص288، د. محمد إبراهيم دسوقي، الجوانب القانونية في إدارة المفاوضات وإبرام العقود، ط1، معهد الإدارة العامة، الرياض ـ السعودية، ص16، د. هاني صلاح سري الدين، المفاوضات في العقود التجارية الدولية، ط3، دار النهضة العربية، القاهرة – مصر، 1998 ، ص98، ومن الفقه الغربي المقارن، انظر:

ـ VINEY. Traite … op. cit no 197; le Toarneau la responsabilite civile; op. cit no .184; p.70.

وفي ادخال المسؤولية (شبه التقصيرية) في مرحلة التفاوض ضمن دائرة المسؤولية التقصيرية، انظر: حكم محكمة باريس في (14) ديسمبر، 1961، الموسوعة الفقهية الدورية، 1962 – 2 – رقم 12547. تعليق سافتيه، نقلاً عن: د. نزيه محمد الصادق المهدي، الالتزام قبل التعاقدي بالادلاء ، المصدر السابق ، ص309.

3- انظر: د. محمد عبد الظاهر حسين، الجوانب القانونية للمرحلة السابقة للتعاقد، المصدر السابق ، ص767، د. . غني حسون طه، الوجيز في النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام، مطبعة المعارف، بغداد، 1971، ص419.

4- انظر: د. حسن الخطيب، نطاق المسؤولية المدنية التقصيرية والمسؤولية التعاقدية، ط2، مطبعة حداد، البصرة، 1986، ص339، د. صبري حمد خاطر، قطع المفاوضات العقدية، مجلة جامعة النهرين، كلية الحقوق، مج (1)، العدد (3)، السنة، كانون الأول، 1997، ص130 – 131.

5- انظر: د. حسين عامر، المسؤولية المدنية، ط(1)، مطبعة مصر، القاهرة – مصر، (1956) م، ص50، د. صلاح الدين زكي، تكوين الروابط العقدية فيما بين الغائبين، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة – مصر، 1963،، ف54، ص81، هذا وقد شبه الاستاذ الدكتور حسام الدين الأهواني هذا السلوك بالخطيب، الذي يتغيب فجاءة بدون عذر مبرر من حضور حفل قرانه، بعد اتمام كافة الترتيبات اللازمة، للتفاصيل، انظر: د. حسام الدين الأهواني، المفاوضات في الفترة قبل التعاقدية ومراحل إعداد العقد الدولي – تقرير مُقدمْ إلى ندوة الأنظمة التعاقدية للقانون المدني ومقتضيات التجارة الدولية، معهد قانون الأعمالْ الدولي – كلية الحقوق – جامعة القاهرة – مصر، (2 – 3 يناير 1993)، هامش (20) ،ص29، ومن الفقه الغربي المقارن، انظر:

ـ Ghestin: formaition of the contract op; cit. P. 176.

وفي عرض بعض اراء الفقه القانوني المقارن الاخرى، انظر: د. محمد حسام محمود لطفي، المسؤولية المدنية في مرحلة التفاوض، المصدر السابق ، ص59.

6- انظر: في هذا الرأي :

ـ STARCK ROLAND et BoyER. Obligaton; op. cit. No 1774. p.746.

كما لم يتردد الفقه القانوني البلجيكي في تأييد هذا الاتجاه، فأكدت الأستاذة:

ـ VANWIJCK – ALEXANDRE.

على ان الخطأ التقصيري، يتمثل اما في الاخلال بالثقة في الطرف الاخر.ـ من جانب، اوفي القطع الفجائي استناداً الى حجج واهية (vains pretexts)، او لمجرد نزوة (purecaprice) ،او بغرض انتقام، (venagance) او مضايقة المتفاوض الاخر، (Embarasser son partenaore) ،الى غير ذلك من صور التعسف في استعمال الحق.ـ من جانب اخر، نقلاً عن: د. محمد حسام محمود لطفي، المسؤولية المدنية في مرحلة التفاوض، المصدر السابق ، ص61 – 62.

7- وهو رأي الفقيه :

ـ Thon: Droit civil: les oblig ations Dalloz 5e .Tes. 1993. p. 102.

نقلاً عن: د. محمود جمال الدين زكي، مشكلات المسؤولية المدنية، ج1، مطبعة جامعة القاهرة، القاهرة – مصر، 1978، هامش رقم (60)، ص132، كذلك انظر: د. صبري حمد خاطر، قطع المفاوضات العقدية، المصدر السابق ، ص131.

8- انظر: في هذا الرأي الفقهاء:

ـ Saleilles; Dela Responsabilite; op. cit. P. 226 ets.

نقلاً عن: د. محمود جمال الدين زكي، مشكلات المسؤولية المدنية، المصدر السابق ، ص132، سليمان براك، المفاوضات العقدية، المصدر السابق ، ص83. كذلك انظر في الشأن ذاته :

ـ (WINDSHEID) well and willenserklarung Arvhiv fur die zivilischen praxis T. 63. N. FXIII. 1880; p. 72. ets.

نقلاً عن: د. محمد حسام محمود لطفي، المسؤولية المدنية في مرحلة التفاوض، المصدر السابق ،، هـ(124)، ص44.

9- إذ يكون ذلك وفقاً لمبدأ (culpa in contrahendo) الذي يقضي، بان أي طرف من اطراف التفاوض على العقد، يكون مسؤولاً عن الضرر فقط، للتفاصيل. انظر:

ـ COHERIER Des obligations naissant des pourparlers … op. cit N. 32. p. 67.

نقلاً عن: د. محمد حسام محمود لطفي، المسؤولية المدنية في مرحلة التفاوض، المصدر السابق ، ص45،

ـ Wolfgang Hahnkamper; op. cit. P.45

نقلاً عن: د. صالح بن عبد الله بن عطاف العوفي، المبادئ القانونية في صياغة عقود التجارة الدولية، ط1، معهد الإدارة العامة للبحوث، الرياض – المملكة العربية السعودية، 1998 ، ص85، د. احمد عبد الكريم سلامة، قانون العقد الدولي، ـ مفاوضات العقود الدولية ـ القانون الواجب التطبيق وأزمته، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة – مصر، 2005، ص55، د. محمود جمال الدين زكي، مشكلات المسؤولية المدنية، رقم 29، هامش رقم (60) ،ص132.

10- انظر: د. عدنان إبراهيم السرحان و د. نوري حمد خاطر، مصادر الحقوق الشخصية، ط1، دار الثقافة للطباعة والنشر، عمان – الأردن، 2000، ص91 – 92، د. سعد حسين عبد ملحم الحلبوسي، التفاوض في العقود عبر شبكة الإنترنيت بين القواعد العامة في نظرية الالتزام والضرورات العملية، ط1، بغداد، كلية الحقوق – جامعة النهرين، 2004، ص52.

11- ويقابل النص في التقنينات المدنية العربية الاخرى، المادة (163) مدني مصري، والمادة (164) مدني سوري، والمادة (166) مدني ليبي، والمادة (156) موجبات وعقود لبناني، والمادة (227) مدني كويتي، ولما كان الغالب هكذا، هو مبدأ حرية المفاوضات وعدم ترتيب مسؤولية على قطعها، إلا في حالة سوء النية، والتعسف، وتقوم المسؤوية على اساس الخطأ التقصيري، فمن الطبيعي ان تتجه مبادئ المعهد الدولي الخاص، الموضوعة عام (1994) بخصوص عقود التجارة الدولية، الى الاخذ بهذا الاتجاه الغالب، فقد نصت الفقرة الثانية من البند (15) من المادة الثانية، على انه : ((ومع ذلك فان الطرف الذي يتصرف بسوء نية، في مسلكه او قطع المفاوضات، يكون مسؤولاً عن الضرر الذي يسببهُ للطرف الاخر)). وقد ضربت الفقرة (3) من البند (15) من ذات المادة، مثلاً لسوء النية في قطع المفاوضات بقولها: ((ويعتبر سيء النية خصوصاً الطرف الذي يفتتح او يتابع السير في المفاوضات، وهو يعلم، ان ليس لديه النية للوصول الى اتفاق)). للتفاصيل. انظر: د. احمد عبد الكريم سلامة، قانون العقد الدولي، المصدر السابق ، ص95.

12- انظر: من هذه الاحكام القضائية مثلاًً.

ـ Civ. 3 octibre; 1972/ B. civ/ N 491.

ـ Com. 11. Janvire; 1984/J.C.P. 1984/IV/86.

ـ Com. 20 mai; 1980/ B.C: V; IV/N212.

ـ Com. 29 Norembre: 1960/ J.C.P/ 1961/I/152.=

كذلك انظر، حول هذا الشأن: قرار محكمة استئناف (Nimes) نيم، في 13 مايو، 1932، دالوز الاسبوعي، 1932، ص404، اُشير اليه من قبل: د. محمود جمال الدين زكي، مشكلات المسؤولية المدنية، المصدر السابق ، ص138، وفي استعراض بعض الاحكام القضائية المقارنة، انظر: د. محمد حسام محمود لطفي، المسؤولية المدنية في مرحلة التفاوض، المصدر السابق ، ص59، ولعل القضية المشهورة في هذا الشأن. هي ماقضت به محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 20 مارس 1973، في قضية تتلخص وقائعها، في قيام احد رجال الأعمال بالدخول في مفاوضات جادة مع موزع، لمعدات اميركية في فرنسا، بهدف شراء هذه المعدات، وقام رجل الاعمال بتلبية متطلبات الموزع، كما قام بزيارة على نفقته الخاصة للمصنع في الولايات المتحدة الأميركية، وبعد وصول المفاوضات الى مراحلها النهائية، قام الموزع فجأة، بانهاء المفاوضات، ودون مبرر اوعذر مقبول، وقد اكدت محكمة النقض على ان مثل هذا السلوك يخالف ما تقتضيه =متطلبات حسن النية كما ان هذا العدول غير مبرر، لا يعدو في حقيقة الامر، إلا ان يكون تعسفاً في استعمال الحق يستوجب مسؤولية صاحبهُ عن تعويض الطرف الاخر، كافة النفقات التي تكبدها، خلال مرحلة التفاوض، انظر:

ـ Cass. Civ. Com; 20 mars; 1973 Bull. Eiv. IV. No. 93.

مشار اليه في: د. هاني صلاح سري الدين، المفاوضات في العقود التجارية الدولية، المصدر السابق ، ص114. كذلك، انظر: قضية (بوليفال ساندوز).امام محكمة استئناف فرساي، في 21 ديسمبر، 1995.

ـ Cour dapple de Versailles (12 ech). 21 petembre; 1995: affaire dte civile poleval. G.Sarl labiratoires sandoz in R.J.D.A 1996. 2. No. 178.

نقلاً عن: د. احمد عبد الكريم سلامة، قانون العقد الدولي ..، المصدر السابق ، ص118.

13-انظر: طعن مدني مصري، رقم 5/ 1986، مدني جلسة 21/ 4/ 1986، مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة التمييز، القسم الثاني، المجلد الثاني، يونيه، 1986، ص253، ومن القرارات الأخرى الصادرة من قضاء النقض المدني المصري في ذات الشأن، انظر:

ـ نقض مدني مصري، في 26/ 3/ 1981، احكام النقض، رقم 698، لسنة 1982، ص436.

ـ نقض مدني مصري، في 9 من ديسمبر، سنة 1975، مجموعة المكتب الفني، س26، رقم 229، ص1593.

ـ نقض مدني مصري، في 28 من مارس، سنة 1968، مجموعة المكتب الفني، س19، رقم 95، ص642.

ـ نقض مدني مصري، في 9، من فبراير، سنة 1967، مجموعة المكتب الفني، س18، رقم 52، ص334. (قرار سابق الاشارة اليه).

ـ نقض مدني مصري، في 27 من يناير، سنة 1966، مجموعة المكتب الفني، س17، رقم 24، ص182.

14- انظر: قرار محكمة الاستئناف العليا الكويتية – الدائرة التجارية الاولى في 23 جمادى الآخرة 1409هـ. الموافق 30/1/1989م، (قرار منشور في مركز تصنيف الاحكام القضائية بكلية الحقوق – جامعة الكويت) ،تحت الرقم 1374؛ ص1112. وفي المعنى نفسه جاء حكم محكمة الاستئناف العليا –الدائرة التجارية الثانية في 17 جمادى الآخرة 1409، الموافق 24/1/1989، منشور في المركز ذاته، تحت الرقم52، ص1143.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .