حكم نقض جنائي (عفو من الرئيس)

جلسة 5 من أكتوبر سنة 1982
برئاسة السيد المستشار/ محمد عبد العزيز الجندي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد أحمد حمدي، أحمد محمود هيكل، ومحمد عبد المنعم البنا ومحمد الصوفي عبد الجواد.
(151)
الطعن رقم 4139 لسنة 52 القضائية
1 – عفو. عقوبة “العفو عن العقوبة”. دعوى جنائية. “نظرها والحكم فيها”. دعوى مدنية.
صدور قرار رئيس الجمهورية بالعفو عن العقوبة المحكوم بها. أثره؟

2 – محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. إثبات “شهود”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
وزن أقوال الشهود. موضوعي.

3 – إثبات “شهود”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
تناقض أقوال الشهود. لا يعيب الحكم. حد ذلك؟
4 – حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. دفوع “الدفع بتلفيق التهمة”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
الدفع بتلفيق التهمة. موضوعي.

5 – إثبات “اعتراف”. دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع تقديرها.

6 – محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. إثبات “خبرة”. ضرب “أحدث عاهة”.
لمحكمة الموضوع تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء والجزم بما لم يجزم به الخبير في تقديره.

7 – عقوبة “تقديرها”. ضرب “أحدث عاهة”. رابطة السببية”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.

تغليظ العقوبة على المتهم بسبب نتيجة فعلته. رهن بتوافر حسن النية لدى المجني عليه. أثر ذلك؟

1- حيث إن الثابت من أوراق الدعوى أن رئيس الجمهورية أصدر القرار رقم 487 لسنة 1981 بالعفو عن العقوبة المحكوم بها على الطاعنة، لما كان ذلك، وكان الالتجاء إلى رئيس الدولة للعفو عن العقوبة المحكوم بها هو الوسيلة الأخير للمحكوم عليها للتظلم من العقوبة الصادرة عليها والتماس إعفائها منها كلها أو بعضها أو إبدالها بعقوبة أخف منها فمحله إذن أن يكون الحكم القاضي بالعقوبة غير قابل للطعن بأية طريقة من طرقه العادية وغير العادية ولكن إذا كان التماس بالعفو قد حصل وصدر العفو فعلاً عن العقوبة المحكوم بها قبل أن يفصل في الطعن بطريق النقض في الحكم الصادر بالعقوبة فإن صدور هذا العفو يخرج الأمر من يد القضاء مما تكون معه محكمة النقض غير مستطيعة المضي في نظر الدعوى ويتعين عليها التقرير بعدم جواز نظر الطعن،

ولما كان من المقرر أيضاً أن العفو عن العقوبة لا يمكن أن يمس الفعل في ذاته ولا يمحو الصفة الجنائية التي تظل عالقة به ولا يرفع الحكم ولا يؤثر فيما نفذ من عقوبة بل يقف دون ذلك جميعاً. لما كان ما تقدم، وكان أثر العفو عن الطاعنة ينصرف إلى الدعوى الجنائية وحدها ويقف دون المساس بما قضي به في الدعوى المدنية التي تستند إلى الفعل في ذاته لا إلى العقوبة المقضى بها عنه وكانت الطاعنة قد طلبت في أسباب طعنها نقض الحكم في كل ما قضي به في سواء بالنسبة للدعوى الجنائية أو الدعوى المدنية ومن ثم يتعين القضاء بعدم جواز نظر الطعن المقدم منها بالنسبة للدعوى الجنائية وحدها مع نظره بالنسبة للدعوى المدنية.

2 – من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى المحكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب ومتى أخذت المحكمة بأقوال الشهود فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.

3 – لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته تناقض أقوال الشهود أو تضاربها – بفرض حصوله – ما دام الحكم قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.

4 – الدفع بتلفيق التهمة هو دفع موضوعي لا يستأهل في الأصل رداً صريحاً بل يكفي أن يكون الرد مستفاداً من الأدلة التي استند إليها الحكم في الإدانة.

5 – من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات وكان البين من عبارة الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تطمئن إلى اعتراف…. لما قدرته من أنه لا يطابق الحقيقة والواقع فأطرحته فإن ما تثيره الطاعنة بشأن تناقض أقوال الشهود ودلالته وإطراح اعتراف زوج المجني عليها ينحل إلى جدل موضوعي في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام هذه المحكمة.

6 – لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره ولها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة إليها كما أنها لا تلتزم بالرد على المطاعن المواجهة إلى تقرير الخبير ما دامت قد أخذت بما جاء فيه لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك المطاعن ما يستحق التفاتها إليه ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الصدد يكون على غير أساس.

7 – من المقرر أن أحكام القانون في تغليظ العقوبة على المتهم بسبب نتيجة فعلته إنما لوحظ فيها قيام حسن النية لدى المجني عليه ومراعاته في حق نفسه ما يجب على الشخص العادي مراعاته، فإذا كان المجني عليه قد تعمد تسوئ مركز المتهم فأهمل قاصداً أو كان قد وقع منه خطأ جسيم سوأ نتيجة تلك الفعلة فعندئذ لا تصح مساءلة المتهم عما وصلت إليه حال المجني عليه بسبب ذلك، وإذ كان المجني عليه في الضرب أو نحوه مطالباً يتحمل المداواة المعتادة المعروفة، فإنه إذا رفضها فلا يسأل المتهم عما يترتب على ذلك لأن رفضه لا يكون له ما يسوغه، لكنه لا يصح أن يلزم بتحمل عملية جراحية يكون من شأنها أن تعرض حياته للخطر أو أن تحدث له آلاما مبرحة وإذا رفض ذلك فإنه رفضه لا يكون ملحوظاً فيه عنده أمر المتهم وفي هذه الحالة يجب أن يتحمل المتهم النتيجة باعتبار أنه كان عليه وقت ارتكاب فعله أن يتوقعها بما يلامسها من ظروف، لما كان ذلك، وكان رفض المجني عليها لإجراء الجراحة إنما كان لما قدرته من خطر على حياتها الأمر الذي أكده مساعد كبير الأطباء الشرعيين بجلسة المحاكمة فإن منعى الطاعنة في هذا الخصوص يكون غير قويم.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنة بأنها بدائرة قسم النزهة محافظة القاهرة ضربت… بجسم صلب راض “طقطوقة كريستال” في وجهها فأحدثت بها الإصابة الموصوفة بالتقارير الطبية الشرعية التي نشأت من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي ضيق في المسالك الهوائية الأنفية مما يعرضها مستقبلاً للنزلات الصدرية تقدر بنحو 15%. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتها إلى محكمة الجنايات لمحاكمتها طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام، فقرر ذلك. وادعت المجني عليها قبل المتهمة مدنياً بمبلغ خمسين ألف جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات مع أعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهمة بالحبس مع الشغل لمدة ثلاثة أشهر وبإلزامها بأن يؤدي إلى المدعية بالحق المدني مبلغ 1000 جنيه – ألف جنيه على سبيل التعويض.
فطعنت المحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقض.. إلخ.

المحكمة
حيث إن الثابت من أوراق الدعوى أن رئيس الجمهورية أصدر القرار رقم 487 لسنة 1981 بالعفو عن العقوبة المحكوم بها على الطاعنة، لما كان ذلك، وكان الالتجاء إلى رئيس الدولة للعفو عن العقوبة المحكوم بها هو الوسيلة الأخيرة للمحكوم عليها للتظلم من العقوبة الصادرة عليها والتماس إعفائها منها كلها أو بعضها أو إبدالها بعقوبة أخف منها فمحله إذن أن يكون الحكم القاضي بالعقوبة غير قابل للطعن بأية طريقة من طرقه العادية وغير العادية ولكن إذا كان التماس بالعفو قد حصل وصدر العفو فعلاً عن العقوبة المحكوم بها قبل أن يفصل في الطعن بطريق النقض في الحكم الصادر بالعقوبة فإن صدور هذا العفو يخرج الأمر من يد القضاء مما تكون معه محكمة النقض غير مستطيعة المضي في نظر الدعوى ويتعين عليها التقرير بعدم جواز نظر الطعن، ولما كان من المقرر أيضاً أن العفو عن العقوبة لا يمكن أن يمس الفعل في ذاته ولا يمحو الصفة الجنائية التي تظل عالقة به ولا يرفع الحكم ولا يؤثر فيما نفذ من عقوبة بل يقف دون ذلك جميعاً.

لما كان ما تقدم، وكان أثر العفو عن الطاعنة ينصرف إلى الدعوى الجنائية وحدها ويقف دون المساس بما قضي به في الدعوى المدنية التي تستند إلى الفعل في ذاته لا إلى العقوبة المقضى بها عنه وكانت الطاعنة قد طلبت في أسباب طعنها نقض الحكم في كل ما قضي به في سواء بالنسبة للدعوى الجنائية أو الدعوى المدنية ومن ثم يتعين القضاء بعدم جواز نظر الطعن المقدم منها بالنسبة للدعوى الجنائية وحدها مع نظره بالنسبة للدعوى المدنية.
وحيث إن الطعن بالنسبة للدعوى المدنية قد استوفى الشكل المقرر في القانون.

وحيث إن مبنى الطعن هو الفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن الحكم عول في قضائه بالإدانة على أقوال شهود الإثبات رغم تناقضها بما يهدم الدليل المستمد منها ولم تفطن المحكمة إلى دلالة ذلك على أن التهمة ملفقة بسبب الخلافات السابقة بين الطاعنة والمجني عليها واطرح اعتراف….. بأنه هو محدث إصابة زوجته المجني عليها التي نشأن عنها العاهة كما عول الحكم على التقرير الطبي الشرعي الذي بني على الترجيح والافتراض دون التقرير الاستشاري رغم ما وجه إلى الأول من مطاعن، هذا إلى أن الثابت من الأوراق إمكان شفاء المجني عليها من تلك العاهة بجراحة رفضت إجراءها مما يقطع رابطة السببية بين الفعل المسند إلى الطاعنة والنتيجة التي ترتبت عليه، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

وحيث إن الحكم المطعون فيه واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقها أدلة مستمدة من أقوال المجني عليها….. و…… و……. والتقرير الطبي الشرعي المؤيد بأقوال الدكتور….. مساعد كبير الأطباء الشرعيين بجلسة المحاكمة، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى المحكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب ومتى أخذت المحكمة بأقوال الشهود فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، ولا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته تناقض أقوال الشهود أو تضاربها – بفرض حصوله – ما دام الحكم قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.

وإن الدفع بتلفيق التهمة هو دفع موضوعي لا يستأهل في الأصل رداً صريحاً بل يكفي أن يكون الرد مستفاداً من الأدلة التي استند إليها الحكم في الإدانة، لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أوردت في حكمها المطعون فيه الأسباب التي أقامت عليها قضاءها بما لا تناقض فيه واطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات واقتنعت بوقوع الحادث على الصورة التي شهدوا بها، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات وكان البين من عبارة الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تطمئن إلى اعتراف…..

لما قدرته من أنه لا يطابق الحقيقة والواقع فأطرحته فإن ما تثيره الطاعنة بشأن تناقض أقوال الشهود ودلالته وإطراح اعتراف زوج المجني عليها ينحل إلى جدل موضوعي في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام هذه المحكمة.

لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد من واقع التقرير الطبي الشرعي أن المجني عليها أصيبت بكسر بعظام الأنف يمكن حدوثه وفقاً لتصويرها وأنه تخلف عن إصابة الأنف وكسر عظامه ضيق بالمسالك الهوائية الأنفية مما يعرض المجني عليها إلى مستقبلاً للنزلات الصدرية ويعتبر عاهة مستديمة تقدر بنحو 15% في المائة، وكان لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره ولها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة إليها كما أنها لا تلتزم بالرد على المطاعن المواجهة إلى تقرير الخبير ما دامت قد أخذت بما جاء فيه لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك المطاعن ما يستحق التفاتها إليه ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الصدد يكون على غير أساس. لما كان ذلك،

وكان من المقرر أن أحكام القانون في تغليظ العقوبة على المتهم بسبب نتيجة فعلته إنما لوحظ فيها قيام حسن النية لدى المجني عليه ومراعاته في حق نفسه ما يجب على الشخص العادي مراعاته، فإذا كان المجني عليه قد تعمد تسوئ مركز المتهم فأهمل قاصداً أو كان قد وقع منه خطأ جسيم سوأ نتيجة تلك الفعلة فعندئذ لا تصح مساءلة المتهم عما وصلت إليه حال المجني عليه بسبب ذلك، وإذ كان المجني عليه في الضرب أو نحوه مطالباً يتحمل المداواة المعتادة المعروفة، فإنه إذا رفضها فلا يسأل المتهم عما يترتب على ذلك لأن رفضه لا يكون له ما يسوغه،

لكنه لا يصح أن يلزم بتحمل عملية جراحية يكون من شأنها أن تعرض حياته للخطر أو أن تحدث له آلاما مبرحة وإذا رفض ذلك فإنه رفضه لا يكون ملحوظاً فيه عنده أمر المتهم وفي هذه الحالة يجب أن يتحمل المتهم النتيجة باعتبار أنه كان عليه وقت ارتكاب فعله أن يتوقعها بما يلامسها من ظروف، لما كان ذلك، وكان رفض المجني عليها لإجراء الجراحة إنما كان لما قدرته من خطر على حياتها الأمر الذي أكده مساعد كبير الأطباء الشرعيين بجلسة المحاكمة فإن منعى الطاعنة في هذا الخصوص يكون غير قويم. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.