يعد الطعن بطريقة الاستئناف من المبادئ الأساسية في التنظيم القضائي في الدول التي أخذت تشريعاتها بهذا الطريق من طرق الطعن، وأساسه هو إعطاء المجال للخصم غير القانع بالحكم البدائي أن يراجع محكمة أعلى من المحكمة التي حكمت في دعواه ، للحصول على حكم يعتقد أنه أكثر عدالة، فضلاً عن ذلك فقد شرع الاستئناف لتتدارك محكمة الاستئناف بالتصحيح ما قد ذهلت عنه المرافعة البدائية سواء أكان في الإجراءات أم في الموضوع(1)، ومن هذا المبدأ حَرَيّ بنا استجلاء أهم الخصائص التي يتميز بها الطعن الاستئنافي .. وسنوضح هذا الأمر من خلال الفروع الثلاثة الآتية:

الفرع الأول : طريق من طرق الطعن العادية

يعد الاستئناف أحد الطرق العادية للطعن في الأحكام القضائية المدنية (2)، وبحسب التقسيم التقليدي لطرق الطعن (3)، وبذلك يتميز بأنه جائز لكل خصم يتضرر من حكم ما ، من غير ان يكون هناك قيد معين يجب توفره ويكفي لجوازه أن يكون لرافعه وجه شكوى من الحكم ومصلحة ما في تعديله أو إلغائه(4)، حيث أن المشرع لم يحصر أسبابه ولم يحدد حــالاته بل ترك للخصوم حرية ممارسة حقهم في الطعن بناءاً على ما يرونه مناسباً من الأسـباب (5)، إلى جـانب ما يترتب على الاستئناف من تجديد النزاع وإعادة الحكم في الدعوى من جميع الوجوه (6). فضلاً عن أنه يؤخر التنفيذ ما لم يكن الحكم مشمولاً بالنفاذ المعجل (7)، إذ يستمر التنفيذ على الرغم من وجود الطعن ما لم تقرر المحكمة إلغاء القرار الصادر بشموله بالنفاذ المعجل(8) .

الفرع الثاني : ينظر الطعن من قبل هيئة استئنافية

يقتضي هذا الطعن أن تكون محكمة الدرجة الثانية أكثر خبرة ودراية من المحكمة الأولى بمدى صحة الحكم (9)، وهذا الاقتضاء يكون بزيادة عدد القضاة الذين ينظرون في الدعوى وتفوقهم، لأن الاجتهاد لا ينقض بمثله إلا إذا كانت هناك أسباب للترجيح كالتقوية بالعدد والتفوق بالعلم (10)، فالحكم الذي يصدر عن محاكم البداءة لا يمكن فسخه في محكمة بداءة مثلها ولكن يسـوغ ذلك إذا كان الفسخ صادراً عن محكمة أعلى (11)، ومحكمة الاستئناف هي الهيئة القضائية العليا لمحاكمة محافظة واحدة أو أكثر، تتألف من رئيس وعدد كاف من نواب الرئيس والقضاة والذين يمارسون الاختصاصات المعينة لها بموجب القانون (12).. ويلاحظ أن قانون التنظيم القضائي العراقي لم يشترط في نصوصه القانونية أن يكون قضاة الاستئناف من الصنف الأول أو الثاني من صنوف القضاة، ولكن جرى العرف القضائي أن يكون قضاة تلك الصنوف المذكورة آنفاً هم الذين تتألف منهم محكمة الاستئناف التي تنظر الطعن الاستئنافي .. وهذه المحكمة لا تقع في الأخطاء التي وقعت فيها محاكم الدرجة الأولى التي تشكل من قاض واحد، فمحكمة الاستئناف أقدر على حل النزاع حلاً عادلاً وصحيحاً (13)، وبالتالي فإن نسبة الوقوع في الخطأ تكون أقل بغية الوصول إلى ذلك الحكم (14) .. ومما لا شك فيه أن الاستئناف يتيح للقضاء ذاته المتمثل في المحكمة الأعلى رقابة منه على المحكمة الأدنى، وهذه الرقابة تقوم بتصحيح مسار الأحكام الخاطئة نحو العدالة المنشودة ، وتعد حقاً للقضاء ، إذ المحكمة التي تصدر حكمها وهي تعلم أنه يمكن أن يعاد النظر فيه وأن تناقش حيثياته ومنطوقه، تكون أشد عناية بدراسة الموضوع وأكثر أناة في إصدار الحكم الفاصل فيه وأدق في تحرير أسبابه (15) .. وفي جميع الأحوال، تجتمع هيئة المحكمة للمذاكرة والمداولة في القضية وتدقيقها ويكون اجتماعها سرياً وعند تكوين الرأي تؤخذ الأصوات وتستمع المحكمة عادة إلى العضو الأقل درجة ثم الاعلى منه وهكذا حتى الرئيس، ويكون التصويت في حالة الاختلاف بالأكثرية المطلقة بالنسبة لعدد أعضاء الهيئة (16) . ولكن ما الحكم إذا ما توفر في أحد أعضاء الهيئة الاستئنافية المكونة من ثلاثة قضاة سبب من أسباب عدم صلاحية القضاة لنظر الطعن الاستئنافي (17)، كالتنحي الوجوبي أو الجوازي أو توفر حالة رد القاضي أو الشكوى منه قبل نظره في الدعوى .. فالسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هل يتم استبدال القاضي بقاض آخر أم لا ؟ أزاء هذا التساؤل ، عالج المشرع العراقي في قانونه هذه الحالة ، وذلك ضمن المادتين (91و92) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ ، حيث يمتنع القاضي عن نظر الدعوى اذا ما توفر احد تلك الحالات ويفسخ ذلك الحكم اذا ما نظر القاضي الدعوى في الأحوال المذكورة آنفاً (18) . ويضم القاضي عضو احتياط بدلاً من القاضي الذي تتوفر فيه سبب من أسباب عدم الصلاحية .. ولكن تبرز المشكلة وبشكلٍ واضح في حالة توفر سبب التنحي أو الرد أو الشكوى في اثنين من أعضاء الهيئة الاستئنافية ، والذي يزيد الأمر تعقيداً وجود عضوٍ واحدٍ احتياطي في كل هيئة استئنافية ، فهل يحجب حق الطعن في هذه الدعوى للأسباب المشار أليها أعلاه ؟ أم يتم نقل الطعن الاستئنافي إلى اقرب هيئة استئنافية أخرى ؟ وبمعنى أخر كيف يتم معالجة هذه الحالة ؟ يرى البعض من القضاة ان في هذه الحالة وعند عدم وجود نص بذلك فأن رئيس محكمة الاستئناف ، يقوم بتشكيل هيئة خاصة لنظر هذه الدعوى فقط وبشكل مؤقت ، على ان تنحل هذه الهيئة عند حسم الدعوى (19). ومع وجاهة هذا الرأي ، ألا انه يخلو من السند القانوني ، اذ لم نجد نصاً قانونياً يعطي لرئيس محكمة الاستئناف صلاحية تشكيل مثل هذه الهيئة .

عليه نقترح منح رئيس محكمة الاستئناف صلاحية تشكيل هيئة استئنافية لمعالجة تلك الحالة ، وذلك من خلال إضافة فقرة جديدة إلى نص المادة (20) من قانون التنظيم القضائي العراقي النافذ ، تعطي ذلك الحق لرئيس محكمة الاستئناف وذلك على النحو الاتي ..

المادة – 20 – اولاً : تكون صلاحيات رئيس محكمة الاستئناف كما يأتي : ( تشكيل هيئة استئنافية خاصة ومؤقتة ، لنظر الدعوى الاستئنافية في حالة توفر سبب من أسباب التنحي او الرد او الشكوى في اثنين او اكثر من قضاة الهيئة الاستئنافية الاصلية) .

وهكذا فإن الطعن الاستئنافي ينظر من قبل تلك الهيئة والتي يتميز قضاتها بالحياد فضلاً عن الخبرة العلمية التي يمتلكها القضاة في هذه المحكمة . الأمر الذي يؤدي إلى تحقيق العدالة عن طريق المداولة والمشاورة مما يجعل القاضي أكثر حرية في ابداء رأيه في النزاع إلى جانب كون نظر الطعن من قبل هكذا هيئة يحقق رقابة قضائية، تجعل كل قاضٍ رقيباً على الآخر(20) .

الفرع الثالث : يعد الدرجة الثانية من درجات التقاضي

إن الاستئناف بوصفه الدرجة الثانية من درجات التقاضي يعيد النظر في الوقائع ويراجع القانون والتصرفات الصادرة من قضاة محكمة الدرجة الأولى (21)، حيث يطرح النزاع إلى محكمة الاستئناف لتفصل فيه من جديد ولها كل ما لمحكمة الدرجة الأولى من سلطة في هذا الصدد، فهي تبحث وقائع الدعوى وتقوم باتخاذ ما تراه من إجراءات الإثبات وتعيد تقدير الوقائع من واقع ما قدم إليها من مستندات (22) .. ومن واقع دفوع الخصوم ثم هي أخيراً تطبق القواعد القانونية التي تراها صحيحة على وقائع الدعوى، وبهذا تختلف سلطة محكمة الدرجة الثانية عن سلطة محكمة التمييز، فالأخيرة كقاعدة عامة لا تملك إلا تأييد الحكم المطعون فيه أو نقضه إذا ارتأته مخالفاً للقوانين دون أن تفصل في موضوع الدعوى بل تعيدها إلى المحكمة المطعون في حكمها (23).. وبذلك فإن الطعن الاستئنافي حينما تنظره محكمة الاستئناف فهي تنظره بصفتها محكمة موضوع درجة ثانية، حيث تجلب الدعوى البدائية التي صدر الحكم المطعون به استئنافاً، فتسمع إلى طلبات الخصوم ودفوعهم وتجري التحقيق بما يقدم إليها من الطرفين وتتخذ الإجراءات التي تقتضيها طبيعة الدعوى وصولاً إلى الحكم العادل (24).. مع ملاحظة أن نقل الدعوى إلى محكمة الدرجة الثانية بصفتها محكمة موضوع عند الطعن بها استئنافاً لا يتم إلا تابعاً لرفع الاستئناف إلا إذا كان هذا الطعن يتناول نقاطاً عرضت على محكمة الدرجة الأولى ولم تفصل فيه هذه المحكمة ورُفِعَ الاستئناف عنه، فالطلبات التي عرضت أمام محكمة الدرجة الأولى ولم تفصل فيها ولم تستنفذ ولايتها لا تنتقل إلى محكمة الدرجة الثانية (25).

إن نظام الاستئناف يكفل وجود درجة ثانية للتقاضي لتصحيح عيوب الحكم من حيث الوقائع ، ومن حيث سلامة تطبيق القانون . ومما تقدم ، يتبين أن مبدأ تعدد درجات التقاضي، ليس من مسائل الإجراءات البحتة بل من المبادئ الأساسية لكل نظام قضائي محكم، ومن الضمانات التي لا يمكن الاستغناء عنها مهماً أعتني بانتقاء القضاة ومراقبتهم ومهما بذل هؤلاء القضاة من العناية في دراسة الخصومات وتدقيقها قبل الفصل فيها (26).

__________________

1- د. مفلح عواد القضاة، أصول المحاكمات المدنية والتنظيم القضائي، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 1998، ص 345.

2- M. Fontaine، R. Cavalerie، J. A. Hassen Forder: Dictionaire de Droit، Edition Foucher، Paris، 1996، p. p.: 30-31.

3- وهذا التقسيم اتفق فقه المرافعات المدنية على وضعه لما له من اهمية في بيان الفوارق بين الطعن العادي والطعن غير العادي .. للمزيد من التفصيل انظر: د. سعدون ناجي القشطيني ، شرح احكام المرافعات ، ج1 ، مطبعة المعارف ، بغداد ، 1976 ، ص 347 ؛ ود. مأمون الكزبري و د. أدريس العلوي العبدلاوي ، شرح المسطرة المدنية في ضوء القانون المغربي ، ج1 ، ط1 ، مطابع دار القلم ، بيروت ، بدون سنة طبع ، ص 277 .

4- محمد العشماوي ود. عبد الوهاب العشماوي، قواعد المرافعات في التشريع المصري والمقارن ، ج2 ، المطبعة النموذجية ، القاهرة ، 1957-1958، ص 840.

5- أستاذنا الدكتور عباس العبودي، شرح احكام قانون المرافعات المدنية ، دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل ، 2000، ص 40.

6- ضياء شيت خطاب، بحوث ودراسات في قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969، مطبعة الجيلاوي، بغداد 1970، ص285

7- المقصود بالنفاذ المعجل هو تنفيذ الحكم القضائي قبل أن يكتسب درجة البتات ، أي قوة الشيء المحكوم به، ولذلك أطلق عليه أنه معجل ومؤقت، لأن تنفيذه يتعلق بمصير الحكم فهو غير مستقر يبقى إذا اكتسب الحكم درجة البتات ويزول إذا نقض الحكم .. لمزيد من التفصيل أنظر، د. سعيد مبارك، أحكام قانون التنفيذ، ط1 ، مطابع التعليم العالي، الموصل، 1989 ، ص115 وما بعدها ؛ ومدحت المحمود، شرح قانون التنفيذ، مطبعة الأقلام، بغداد، 1992، ص 144.

8- المادة (194) من قانون المرافعات العراقي النافذ .. هذا وسنبحث ذلك ضمن الآثار المترتبة على إقامة الطعن الاستئنافي ..

9- د. عبد الرحمن عياد، اصول علم القضاء ، مطبعة الادارة العامة ، السعودية،1981 ، ص 196

10- فارس الخوري، أصول المحاكمات الحقوقية، ط2، الدار العربية، عمان، الأردن، 1987، ص 536.

11- داؤد سمرة، شرح أصول المحاكمات الحقوقية، ط2، مطبعة الأهالي، بغداد، 1940، ص 504.

12- المادة (16) من قانون التنظيم القضائي العراقي ذي الرقم (160) لسنة 1979 النافذ ..

13- أستاذنا الدكتور عباس العبودي، مصدر سابق، ص 411.

14- عبد الهادي مظهر أحمد صالح، الاستئناف طريق من طرق الطعن العادية، بحث مسحوب بالرونيو، مقدم إلى المعهد القضائي العراقي، بغداد، 1998، ص 1 ، غير منشور.

15- د. محمد محمود ابراهيم ، الوجيز في المرافعات ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1983، ص73.

16- د. سعدون ناجي القشطيني ، شرح احكام المرافعات ، ج1 ، مطبعة المعارف ، بغداد، 1976، ص 300.

17- نقصد بعدم الصلاحية تنحية القاضي ومنعه من نظر الدعوى إذا قام سبب من الأسباب التي تدعو إلى الشك في حكمه وإنحيازه لصالح أحد الخصوم.. لمزيد من التفصيل أنظر د. سعيد عبد الكريم مبارك ود. آدم النداوي، المرافعات المدنية، مطابع جامعة الموصل، بغداد ،1984، ص 28، ود. أمينة النمر، قوانين المرافعات، دار الثقافة الجامعية، بيروت، 1982، ص 132.

18- انظر المادتين (91و92) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ .

19- زيارة الباحث الميدانية الى الهيئة الاستئنافية في محكمة استئناف منطقة نينوى لمقابلة السيد (إسماعيل يوسف صادق) رئيس الهيئة الاستئنافية بتاريخ 10/3/2003 وقد دون الرأي المذكور اعلاه .

20- أستاذنا الدكتور عباس العبودي، مصدر سابق، ص 50.

21-Maurice Rosenberg: Appellate Review of Trial Court Discretion، Federal Judical Center، (F. C. J) ETC، 1977، P: 1

22- عز الدين الدناصوري وحامد عكاز، التعليق على قانون المرافعات، ط5، مطابع مؤسسة روز اليوسف، القاهرة، 1988، ص 704.

23- مع مراعاة الاستثناء الوارد في المادة (214) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ والذي أعطى لمحكمة التمييز سلطة الفصل في الحكم المميز لمخالفته للقانون أو الخطأ في تطبيقه يشرط كون الموضوع صالحاً للفصل فيه..

24- مدحت المحمود، شرح قانون المرافعات المدنية وتطبيقاته، ج2، مطبعة الخيرات، بغداد، 2000، ص 84.

25- وهذا هو الأثر الناقل أحد آثار الاستئناف إلى جانب الأثر الموقف، ومعناه أن الاستئناف ينقل إلى محكمة الدرجة الثانية النزاع بكل ما اشتمل عليه من مسائل واقعية، لمزيد من التفصيل أنظر د. نبيل إسماعيل عمر، نطاق الطعن بالاستئناف في قانون المرافعات المصري والفرنسي، ط1، دار الجامعة للنشر، الإسكندرية، 1999، ص 27 .. وسيتم بحث هذا الأثر ضمن الآثار المترتبة على تقديم الطعن الاستئنافي في الفصل الثالث من هذه الرسالة ..

26- محمد العشماوي، د. عبد الوهاب العشماوي، قواعد المرافعات، ج1، المطبعة النموذجية، القاهرة، 1957- 1958 ، ص 44.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .