المبحث الثاني: أساس المسؤولية المدنية عن الأضرار التي تلحق بالبيئة

 إن قيام المسؤولية المدنية للدول في المجال البيئي تستلزم توافر أركان لانعقادها و التي تجد مصدر في القانون الدولي،حيث يشترط صدور فعل غير مشروع من الدول الذي يشكل انتهاكا جسيما للقواعد الدولية التي تحمي البيئة، وإسناد هذا الفعل غير مشروع للدول باعتبارها أحد أشخاص القانون الدولي، أما الشرط الأخر فيتمثل في أن يتسبب هذا العمل غير مشروع بأضرار للبيئة بمختلف مجالاتها حتى تقوم مسؤولية الدولة في التعويض عن هذه الأضرار، إما الأسس التي يتم استناد عليها لقيام المسؤولية المدنية للدولة عن أضرار البيئية فتكون غما على أساس الخطأ أو العمل غير مشروع أو على أساس المخاطر بغض النظر عن وجود تقصير أو خطأ من قبل الدول،

وعليه نقسم هذا المبحث وفق الخطة التالية:
·         المطلب الأول: نظرية الخطأ كأساس للمسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية
·         المطلب الثاني: نظرية العمل غير المشروع كأساس لتعويض عن الأضرار البيئية
·         المطلب الثالث: نظرية المخاطر كأساس لقيام مسؤولية الدولة عن تلوث البيئة

المطلب الأول: نظرية الخطأ كأساس للمسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية:
يرجع أصل نظرية الخطأ إلى بداية العصور الوسطى حيث عرفت هذه الحقبة الزمنية ظهور الدولة بمفهومها الحديث، وقد كانت نظرية المسؤولية الجماعية هي سائدة وتقوم على أساس التضامن المطلق بين أفراد الجماعة أبرز ملامحه ظهور الشخص صاحب السيادة في الدولة وهو الأمير  حيث أصبحت الدولة تتجسد في إدارته مما ترتب عنه مسؤولية الدولة عن عن فعل خطأ يرتكبه الأمير إذا لم يتخد الإجراءات لمنع وقوع الخطأ أو لم يعاقب المرتكب.

أوضح جروسيوس نظرية الخطأ كأساس للمسؤولية في كتابه قانون الحرب والسلم حيث تبنى مسؤولية الدولة على أساس توافر الخطأ من جانب الأمير وحدد الحالات التي يمكن للخطأ أن يتحقق فيها وتتمثل في :

– عدم اتخاذ الأمير الإجراءات اللازمة لمنع وقوع هذه الأعمال و بذلك يصبح شريك فيها.
– عدم اتخاذ الأمير التدابير الكفيلة لمعاقبة من قاموا بالتصرف وبذلك يكون قد أجاز تصرفاتهم.

وفقا لنظرية الخطأ كأساس للمسؤولية الدولية لا يمكن أن تقوم مسؤولية الدولة ما لم يصدر منها فعل خطأ يضر بغيرها من الدول، وهذا الخطأ إما أن يكون متعمد أو يكون إهمالا غير متعمد، و الخطأ المقصود في هذه النظرية هو الخطأ المفترض من الأمير، ومن الفقهاء الذين تناولوا نظرية الخطأ كأساس للمسؤولية الدولية نجد الفقيه جورج سل الذي يرى أن مخالفة قاعدة من قواعد القانون الدولي يعتبر تجاوز في السلطة أو تعسف السلطة أو عدم القيام باختصاص معين بكل بساطة أو وجود خطأ لأحد الأعوان في أداء وظيفته.

ويضيف أنه لا يمكن أن نعرف المعنى القانوني لكلمة الخطأ إذا لم تكن تصرفا مخالف للقانون، أما الفقيه جولدي يرى بأن المسؤولية على أساس الخطأ تدل على ارتباطها بعامل تسبب الضرر عمدا أو بالإهمال و أن الإهمال يحصل عندما يتجاوز الفاعل الإلتزام الملقى على عاتقه و الذي يتطلب العناية.

كما أن الفقيه لويس لوفير قد يرى أن من تسبب في ضرر للغير يوجل صاحبه إصلاح الخطأ المرتكب شريطة وقوع ضرر يمس بحق دولة أخرى وكذا عمل غير مشروع منسوب للدولة التي يفترض وجود الخطأ في مواجهتها، ويشمل هذا الخطأ في تقصير الدولة في اختيار الموظف أو وجود سوء إشراف على الموظف انحرف عن استعمال السلطة الممنوحة له، إضافة إلى امتناع الدولة عن القيام بالتزام يفرضه عليها القانون الدولي.

إن تطبيق نظرية الخطأ كأساس للمسؤولية الدولية عن الأضرار التي تلحق بالبيئة نجده في عدد محدود من الاتفاقيات الدولية البيئية كاتفاقية الفضاء الخارجي لسنة 1967،كما أن المبدأ 22 من إعلان ستوكهولم لسنة 1972 أكد على تعاون الدول في زيادة تطوير القانون الدولي فيما يتعلق بالمسؤولية و بتعويض ضحايا التلوث و الأضرار البيئية الأخرى التي تتسبب فيها الأنشطة ويضطلع بها داخل حدود سلطة هذه الدول أو تحت رقابتها لمناطق واقعة خارج حدود سلطتها،وكذلك المبدأ 2 من إعلان ريو ديجانيروا لسنة 1992.

وجاء فيهما تأكد على مسؤولية الدولة عن الأضرار التي يمكن أن تلحقها بالبيئة لدول أخرى، وباستثناء هذه النظريات قليلا ما نجد نصا يقرر مسؤولية الدول على أساس الخطأ في مجال البيئة، وذلك لصعوبة إثبات الخطأ وقيامه على عناصر تقنية يصعب تحليلها، وكذلك في النزعات المسلحة إذا سلمنا بالخطأ كأساس للمسؤولية في مواجهة أحد أطراف النزاع المسلح عما قد يصيب البيئة من تلوث فإذا كان لابد من إثبات الضرر فإن ذلك لا يحقق أي نتيجة لأنه غالبا ما يحتج الطرف المتنازع بالضرورة العسكرية كمانع من موانع تحمل مسؤولية الضرر الذي ألحقه بالبيئة مما يطفي المشروعية على عمله،كما أنه يمكن أن يصدر من الدولة نشاط مشروع ولا يشكل خطأ في السلوك وأحدث أضرار في البيئة، وبالتالي إذا طبقت نظرية الخطأ كأساس للمسؤولية فإنه لا يترتب أي مسؤولية للدولة عن الأضرار التي ألحقتها.

سادت نظرية الخطأ كأساس للمسؤولية الدولية ردحا من الزمن إلا أنها تعرضت لانتقادات لاذعة من قبل العديد من فقهاء القانون الدولي على رأسهم ليون ديجي الذي يرى في مبدأ المساواة الذي ينظم العلاقات العامة بين المواطنين وكل مخالفة تحدث ضررا تلزم صاحبها بتعويض[19]، كما أن الفقيه بريتش يرفض أن يكون الخطأ كأساس للمسؤولية الدولية و يعتبر فقط مخالفة القواعد الدولية الأساس الوحيد للمسؤولية الدولية.
إن التقدم الحاصل في المجال علمي و التقدم الصناعي وتوسع شبكة التبادل التجاري أدى إلى عدم مسايرة نظرية الخطأ كأساس للمسؤولية الدولية لهذا التطور حيث أن هناك العديد من المشكلات التي لا تجد النظرية لها حلا مما زاد من تعقيد العلاقات الدولية و صعوبة إثبات الخطأ في مجال القانون الدولي البيئي.

المطلب الثاني: نظرية العمل غير المشروع كأساس لتعويض عن الأضرار البيئية:
ظهرت نظرية الفعل غير مشروع كأساس للمسؤولية الدولية على أنقاض الانتقادات الموجه إلى النظرية التقليدية المتمثلة في نظرية الخطأ حيث ترفض هذه النظرية الخطأ كأساس لمسؤولية الدولة لما يتضمنه من اعتبارات نفسية وشخصية يصعب تقديرها، وتقرر أن العبرة هي بالصفة غير المشروعة للتصرف المخالف للقانون الدولي، ويعتبر الفقيه أنزيلوتي أول من تبنى نظرية الفعل غير المشروع.

الذي يرى أنه من حق الدولة المضرورة المطالبة بإصلاح الضرر وتقديم ضمانات للمستقبل و أن العلاقة القانونية التي تنشأ بها الروابط بين الدولة نتيجة الإخلال بالحقوق نفس الملامح الرئيسية التي تتسم بها الروابط في قانون الإلتزمات وتظهر في أعقاب تصرف غير مشروع هو بصورة عامة انتهاك لالتزام دولي ينشأ علاقة قانونية جديدة بين الدولة صاحبة التصرف و الدولة التي وقع الإخلال في مواجهتها فتلتزم بالتعويض و يحق للثانية أن تقتضي هذا التعويض تلك هي النتيجة الوحيدة التي يمكن أن تلصقها القواعد الدولية المعبرة عن الالتزامات المتبادلة بين الدول بالعمل المخالف للقانون، كما نجد الفقيه بول روتر يعتبر أيضا العمل غير مشروع أساس للمسؤولية الدولية بل الشرط الأهم لقيامها.

إن نظرية الفعل غير المشروع أقرها معهد القانون الدولي في أحد قراراته المتخذة بمدينة لوزان السويسرية بشأن المسؤولية، و أكدت عليها اللجنة الثالثة المنبثقة عن مؤتمر تقنين قواعد القانون الدولي سنة 1930 حيث أكدت المادة الأولى منه على أن كل إخلال بالتزام دولي من قبل دولة ما يستوجب مسؤولية هذه الدولة سواء كان هذا الإخلال صادر من سلطتها التشريعية أو التنفيذية أو القضائية و ألحق ضررابأحد الأجانب في شخصه أو أمواله وكان متواجدا بأراضيها.

وعليه فإن الدولة التي تقوم بعمل غير مشروع يترتب عنه إلحاق أضرار ببيئة دول أخرى يترتب عليه مسؤولية التعويض عن هذه الأضرار التي لحقتها وقد اخذ بهذا المبدأ في اتفاقية حظر استخدام تقنيات تغيير البيئة لسنة 1976 حيث أكدت في المادة الأولى منها على أنه يكفي وجود معيار واحد حتى تقوم المسؤولية الدولية عن انتهاكات قواعد تلك الاتفاقية في حق الدول المتعاقدة، كما أن المادة 235 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982 أكدت على أن العمل غير المشروع يعتبر أساس لنشوء مسؤولية الدولية تلقى على عاتق الدول التزاما يقضي بإصلاح الأضرار الناجمة عنها.

كما أن القضاء الدولي أخذ بنظرية الفعل غير المشروع في قضية التي رفعتها استراليا و نيوزيلاندا ضد فرنسا أمام محكمة العدل الدولية بشأن التجارب الذرية في جنوب المحيط الهادي سنة 1933 حيث طالبت استراليا ونيوزيلاندا من محكمة العدل الدولية بعدم مشروعية استمرار هذه التجارب الفرنسية لمخالفتها لقواعد القانون الدولي المعمول به وطالبت باتخاذ الإجراءات التحفظية للكف عن إجراء التجارب حتى الفصل فيه من قبل محكمة العدل الدولية.

وكان الحكم الذي أصدرته المحكمة يقضي بوقف الحكومة الفرنسية التجارب الذرية التي تسببت في تساقط الغبار على إقليم الأسترالي و النيوزيلاندي مستندة إلى أن التجارب الذرية الفرنسية تسببت في إعاقة السفن و الطائرات في البحر العالي و المجال الجوي الذي يعلوه من تلويث بالغبار الذري المشع يعتبر عملا غير مشروع لأنه يشكل خرقا لقاعدة دولية تتمثل في حرية البحر العالي، وأن أي تسريب للمواد المشعة يشكل خطرا على إقليم و يصيبه بأضرار لا يمكن إصلاحها.

و في الرأي الاستشاري للمحكمة العدل الدولية لسنة 1996 حول مدى مشروعية التهديد باستعمال الأسلحة النووية أكدت على أنه يوجد التزام عام على الدول بأن تكفل احترام الأنشطة الواقعة تحت ولايتها و رقبتها لبيئة الدول الأخرى أو لمجالات خارجة عن الرقابة الوطنية هي الأن جزء من مجموعة القانون الدولي المتعلقة بالبيئة.

وعليه نجد أن المسؤولية الدولية عن العمل غير المشروع في مجال البيئة قد استقر في القانون الدولي العرفي و المعاهدات الدولية يقضي من الدول ببذل العناية اللازمة في تنفيذ التزاماتها الدولية فيما يخص ما يتعلق بالبيئة وذلك عند قيامها بنشاطاتها في حدود ولايتها شريطة عدم إلحاق الأضرار بالآخرين، وهو ما يجسد المبدأ لا ضرر ولا إضرار، وفي منظور القانون الدولي حتى نكون أمام عمل غير مشروع لابد من توافر عنصر شخصي يتمثل في وجود سلوك من دولة يتمثل في القيام أو الامتناع عن العمل، وكذا عنصر موضوعي المتمثل في إسناد ذلك العمل غير مشروع المخالف للالتزام الدولي للدولة.

وقد وجهت لنظرية العمل غير المشروع انتقادات على أساس أنها لم تتمكن من مسايرة التطورات العلمية و التقنية التي شهدها العالم في مجالات عدة منها استخدام الفضاء و الطاقة الذرية و أسلحة الدمار الشامل التي أدت إلى ظهور أخطار استثنائية تلحق أضرارا مدمرة بالدول الأخرى أثبتت عجزها في تحديد الأساس القانوني عن مثل هذه الأضرار التي تعد من وجهة نظر القانون الدولي أعمالا مشروعة، مما استلزم ضرورة البحث في اتجاهات فقهية حديثة على أساس أخر يكفل حماية حقيقية للبيئة.

المطلب الثالث: نظرية المخاطر كأساس لقيام مسؤولية الدولة عن تلوث البيئة
جاءت هذه النظرية الحديثة نتيجة الانتقادات التي وجهت لنظرية الخطأ ونظرية الفعل غير المشروع تقوم على أساس أن المسؤولية التي تترتب على عاتق الدولة بسبب أضرار الناشئة عن أنشطة مشروعة ولكنها تنطوي على مخاطر بغض النظر عن وجود تقصير أو إهمال أو خطأ من جانب الدولة أو مشغل الجهاز الخطر، ويؤكد أنصار هذه النظرية على أن المخاطر تقوم على فكرة تحمل نتائج التي تترتب عن النشاطات الخطرة وليس على أساس الخطأ.

و بالتالي يمكن مساءلة الشخص القانوني الدولي إذا مارس نشاطا في درجة من الخطورة بحيث ينتج عنه أضرارا للدولة المجاورة فالعبرة بحدوث الضرر لأنه وحده من يرتب المسؤولية الدولية في حق الدولة التي تباشر نشاطا دوليا مشروعا.

وفيما يخص تطبيق هذه النظرية في المجال البيئي فيمكن القول أن أغلب الأضرار النادمة عن التلوث البيئي هي أضرار ترتبت نتيجة أعمال غي مشروعة للدول المتسببة فيها أو عن أنشطة مشروعة وفقا لمعايير القانون الدولي، ورغم ذلك يتعذر إثبات عدم مشروعيتها أو يتعذر إثباتها بصفة عامة لذلك أقيمت المسؤولية على أساس توفر ركن الضرر و العلاقة السببية بين الضرر و بين النشاط الذي تقوم به الدولة.

ولكن لا يمكن الإستناد إلى هذه النظرية كأساس للمسؤولية الدولة عن الأضرار التي تلحق بالبيئة زمن النزعات المسلحة بحجة أن الحرب في حد ذاتها عمل غير مشروع دوليا ومحرم، وهذه النظرية لا تدخل في إثبات المسؤولية الدولية للدولة عن انتهاكات البيئة الطبيعية لأن مفهوم النظرية يقوم على شرط عدم وجود اللامشروعية، ولكن يمكن تطبيقها في زمن السلم خاصة في مجال المتعلق بالتلوث العابر للحدود الناشئ عن الأنشطة الخطرة الذي ير بالبيئة.

من أهم الاتفاقيات الدولية التي أخذت بنظرية المخاطر نجد الإتفاقيات الخاصة بالطاقة الذرية التي تلزم الدولة التي تقوم بأي نشاط ذري وقت السلم بتعويض الأضرار الناجمة عن هذه النشاط على أساس المسؤولية المطلقة المتجردة عن نسبة أي خطأ للدولة كإتفاقية باريس المتعلقة بالمسؤولية الدولية قبل الغير في ميدان الطاقة النووية لسنة 1960 التي وازنت بين المصالح بما يضمن تطوير الإستخدمات السلمية للطاقة النووية، و المسؤولية بموجب هذه الاتفاقية مطلقة تقع على عاتق المشغل القائم بإدارة المنشأة النووية فهو المسؤول عن أي خسارة أو ضرر للأشخاص أو الممتلكات، وعما يقع خارج المنشأة و لا تنتفي المسؤولية إلا في حالة وقوع حادث إبان النزعات المسلحة أو كارثة طبيعية أو غزو وإلا عليه أن يدفع تعويض اللازم.

كما اتفاقية بروكسل المتعلقة بمسؤولية مشغلي السفن النووية لسنة 1963 أكدت في مادة 02 على تحمل مشغل السفينة النووية المسؤولية المطلقة عن أي ضرر نووي رهنا بإثبات وقوع هذه الأضرار عن حادثة نووية، وتشمل الوقود النووي لهذه السفينة أو المنتوجات و الفضلات المشعة الناتجة عن هذه السفينة، أما اتفاقية المتعلقة عن الأضرار الناتجة عن إطلاق الأجسام الفضائية لسنة 1976 فقد أقرت في مادة 2 منها على تحمل الدولة باعتبارها شخص من أشخاص القانون الدولي مسؤولية المطلقة عن دفع التعويض الضرر الذي يحدثه جسمها الفضائي على سطح الأرض أو الطائرات أثناء تحليقه.

أما في المجال العمل الدولي نجد الإدعاء الكندي ضد الإتحاد السوفياتي فيما يخص القمر الصناعي المعروف باسم كوزموس الذي تم إطلاقه من قبل الإتحاد السوفياتي في 18 سبتمبر 1977، وحدث ان دخل هذا القمر  في المجال الجوي لكندا و أدى إلى تناثر أجزاء منه ونفايات على الإقليم الكندي خصوصا و أن هذا القمر يحمل مفاعلا ذريا، ولم يخطر الإتحاد السوفياتي كندا على احتمال دخول القمر في أجوائها، واعتبرت كندا أن هذا التصرف يشكل مساسا بسيادتها، ويعد خطرا على البيئة و الأموال و الأشخاص و طلبت من الإتحاد السوفياتي بتاريخ 23 جانفي 1979 تعويض استنادا إلى الاتفاقيات الدولية وعلى وجه الخصوص اتفاقية 1976 المتعلقة بالمسؤولية عن الأضرار التي تسببها الأجسام الفضائية، وقد أبدى الإتحاد السوفياتي استعداده لإرسال خبراء للمساعدة على التقليل الأضرار    الناجمة عن ذلك ولكن لم يقدم إجابات شافية بشأن طلبات كندا وتساؤلاتها.

وعليه نرى أن الدولة التي تتسبب بنشاطاتها المشروعة في إحداث الضرر عليها أن تتعهد أو تضمن عدم حصول ضرر في حالة الإستمرار بالنشاط بإتخاذ التدابير و الإجراءات الإحتياطية لمنع الضرر في حالة استمرار بالنشاط بإتخاذ تدابير استنادا إلى أحكام وقواعد القانون الدولي العام.

ونستشهد بهذا الصدد بقرار محكمة التحكيم الصادر بشأن قضية مصهر ترايل سنة 1941 بين الولايات المتحدة و كندا المتعلقة بمسألة تلويث الهواء بدخان ثاني أكسيد الكربون المنبعث من المصنع المنشأ في الأراضي الكندية على حدود سبعة أميال من الحدود الدولية مما تسبب في إحداث إضرار بالمحاصيل الزراعية بولاية واشنطن حيث وازنت محكمة التحكيم بين حق الدولة في استعمال إقليمها بما لها من سيادة عليه والتزاماتها بعدم الإضرار بالدول الأخرى مقررة أنه وفقا لقواعد القانون الدولي وقانون الولايات المتحدة الأمريكية لا يحق لأية دولة أن تستعمل إقليمها أو تسمح باستعماله بطريقة ضارة ينتج عنها وصول أبخرة إلى إقليم دولة أجنبية أو ممتلكات أشخاص في هذه الدول الأجنبية وذلك بشرط أن تكون المسألة على جانب من الجسامة بحيث يمكن إثبات الضرر بطريقة واضحة ومقنعة.

ما يمكن قوله أن نظرية المخاطر كأساس للمسؤولية الدولية لاقت تطبيقا سواء في المجال الدولي أو الداخلي ويرجع ذلك إلى الأساس الذي اعتمدت عليه هذه النظرية المتمثل في مبدأ العدالة التعويضية أو التبعية سواء كان مصدرها العدالة أو الغرم بالغنم أو الخطر المستحدث، لكنها لم تسلم من الانتقادات على أساس قيام مسؤولية الدولة على الأضرار التي تقوم بها نتيجة قيامها بعمل مشروع ولا يمكن الإعتماد عليها في حالة وجود عمل غير مشروع رغم إلحاقه أضرار بالدول الأخرى.