المبحث الثالث: الإلتزام بالتعويض عن الأضرار البيئة:
مما لاشك فيه أن قيام المسؤولية المدنية للدولة عن الأضرار التي تلحق بالبيئة نتيجة قيامها بأنشطتها يتوجب عليها منح المضرور تعويضا كاملا عما لحقه من أضرار و الذي يأخذ صورة تعويض العيني باعتباره وسيلة إصلاح الضرر و المحو الكلي و التام للضرر الذي وقع و إعادة الحال إلى ما كان عليه (المطلب الأول)،
وفي حالة استحالة التعويض العيني يقوم مقامه التعويض النقدي للأضرار البيئية ويتضمن في طيته كافة الأضرار الحاصلة في الموارد الطبيعية (المطلب الثاني) .

المطلب الأول: التعويض العيني للأضرار البيئية:
يعتبر الهدف الأساسي للتعويض العيني هو إصلاح الشيء المتضرر وليس المحو الكلي للضرر الواقع، وكذا محاولة إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر بالنسبة لبعض الأشياء، وقد أكدت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة في مشروع مسؤولية الدول هذا الالتزام و أن القانون الدولي العرفي ينص  كقاعدة عامة على إلزامية تقديم تعويض عيني في كل مرة يكون فيها ذلك ممكن من الناحية المادية.

وعليه فإن كل دولة تسبب أضرارا بالبيئة للدول أخرى يقع على عاتقها التزام تقديم للمتضرر تعويض عيني وفي هذا الصدد أكدت المادة 5 من اتفاقية ولنغتون لسنة 1988 المتعلقة بتنظيم النشاطات الخاصة بالمواد المعدنية  بالمواد المعدنية في القطب الجنوبي على أنه يكون القائم بالنشاط مسؤولا عن الأضرار التي تلحق بالبيئة أو بالأنظمة المشاعة المترتبة عن الأنشطة المتعلقة بالمواد المعدنية في القطب الجنوبي.

ويكون القائم بالنشاط مسؤولا عن التعويض عندما لا يرجع الوضع إلى ما كان عليه، و بالتالي فإن الاتفاقية توجب التعويض العيني بإعادة الحال إلى ما كان عليه في المقام الأول قبل اللجوء إلى التعويض النقدي.

و التعويض العيني يكون إما في صورة وقف العمل غير مشروع وهو  وسيلة وقائية بالنسبة للمستقبل بشأن المصالح المتضررة وليس محوا للضرر للحادث الذي وقع نتيجة هذا النشاط، وفي هذه الحالة ينبغي على الدولة التي قامت بنشاطات معينة و ألحقت أضرارا بالبيئة أن تبادر على وجه السرعة إلى إلى وقف هذا النشاط  إما بصفة نهائية و اتخاذ كافة التدابير الكفيلة لمنع تسرب المواد الخطيرة التي من شأنها إحداث أضرارا بالبيئة.

ولكن  يمكن يكون وقف ممارسة لنشاط الذي تسبب بإلحاق أضرار بالبيئة مؤقتا إلى حين اتخاذ الإحتياطات الضرورية التي تتطلبها ممارسة بعض النشاطات كالإصلاحات التي تتطلبها بعض المنشآت المصنفة حتى يتم تفادي وقوع أضرار بيئية مستقبلية أو تفادي كارثة بيئية وشيك الوقوع لو استمرت هذه الأنشطة الملوثة في عملها.

تماشيا مع ذلك نجد أن اتفاقية لوجانو 1993 المتعلقة بالمسؤولية المدنية عن الأضرار الناتجة عن ممارسة الأنشطة الخطرة بالنسبة للبيئة أقرت بحق التجمعات المختصة في المجال البيئي بمطالبة القضائية سواء بمنع ممارسة النشاط غير المشروع و الذي يشكل تهديد فعلي للبيئة أو أن تطلب من القاضي أن يأمر مستغل المنشأة بإتخاذ كافة الوسائل و الإحتياطات اللازمة لمنع تكرار أي عمل قد يرتب ضررا للبيئة.

كما يأخذ التعويض العيني صورة إعادة الشيء إلى ما كان عليه هو أفضل صور التعويض العيني قبولا لدى الدول طالما كان ممكنا حيث أنه يزيل كل أثر للسلوك الضار خاصة في مجال الأضرار البيئية بصورة غير مشروعة، لاسيما وأن ما يهم الدول المتضررة هو التخلص من تلك الأضرار التي باتت تهدد مجال الطبيعي و الحيوي خصوصا أن هذه الأضرار التي تلحق بالبيئة يمتد تأثيرها أيضا على صحة الإنسان و الكائنات الحية الأخرى وطالما كان الرد العين ممكن فهو الأفضل في جبر الضرر.

وقد أكدت التوجيهات الأوروبية في الكتاب الأخضر  في مجال الأنشطة البيئية على أن مبدأ إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الحادث كتعويض عيني يمثل العلاج البيئي الوحيد الأكثر ملائمة، وهو بمثابة عقوبة تكميلية للمسؤول عن الضرر إلى جانب العقوبة الأصلية التي تسلط عليه.كما أن التعليمة الأوربية الصادرة من المجلس الأوربي في 21 أفريل 2004 المتعلقة بتعويض عن الأضرار البيئية أشارت إلى أساليب و إمكانيات تعويض الأضرار البيئية ومن بينها التعويض في صورة إعادة الحال إلى ما كانت عليه واستبعاد المالي متى كان التعويض العيني ممكنا.

يكون التعويض بإعادة الحال إلى ما كان عليه إما بإصلاح وترميم الوسط البيئي الذي أصابه التلوث أو بإعادة إنشاء شروط معيشية مناسبة للأماكن التي يهددها الخطر، وفي حالة استحالة إعادة الحال إلى ما كان عليه بالنسبة لنفس المكان المتضرر فهنا يتم إنشاء مكان أخر تتوافر فيه نفس الشروط المعيشية للمكان المضرور في موضع أخر قريب أو بعيد بعض الشيء في الوسط الذي أصابه التلف و التلوث، ولكن هذا لا يعد حلا مجديا لأنه من غير المعقول أن يتم إنشاء وسط بيئي مماثل بشكل تام في مكان تم إفساده.

وقد أكدت على التعويض عن طريق إعادة الحال إلى ما كان عليه الإتفاقية الأوروبية المتعلقة بالمسؤولية المدنية عن الأضرار التي تنتج أثناء نقل البضائع الخطرة لسنة 1989 على أن التعويضات التي يحكم بها فيما يخص الأضرار البيئية تكون حسب قيمة الوسائل المعقولة التي تم اتخاذها لإعادة الحال إلى ما كانت عليه بالنسبة للمكان الذي لحقه ضرر، كم أن اتفاقية لوجانو 1993 اعتبرت أن إعادة الحال إلى ما كان عليه هو كل وسيلة معقولة يكون الغرض منها إعادة تهيئة أو إصلاح المكونات البيئية المتضررة ن وكذلك الوسائل التي يكون القصد منها إنشاء حالة من التعادل إذا كان ذلك ممكنا للعناصر المكونة للبيئة.

رغم أن التعويض العيني عن طريق إعادة الشيء إلى ما كان عليه يعتبر وسيلة ناجعة لتعويض عن الأضرار البيئية فإنه لا يمكن أن ننكر بأن إعادة الحال إلى ما كان عليهر يتطلب أموال باهضة  مما يؤدي إلى إثقال كاهل المتسبب في الأضرار البيئية ومنه لا يجوز إنفاق أموال طائلة من أجل إزالة التلوث من مكان قد لا تقدر قيمته لقيمة الأموال المصروفة لإزالة التلوث.

كما أن إعادة الحال إلى ما كان عليه قد يكون مستحيلا إذا تعلق الأمر بحريق كلي أدى إلى إتلاف الآلاف من الممتلكات و الغابات وتدمير كلي لبعض الطبيعة الاصطناعية أو تلك أضرار التي تصيب الفصائل الحيوانية و النباتية نتيجة إلقاء المواد السامة أو تدفق المواد البترولية في البحار، وكذا الأضرار الناجمة عن التجارب النووية التي تكون أضرارها طويلة الأمد.

المطلب الثاني:الإلتزام بالتعويض النقدي:

التعويض المالي هو أحد صور إصلاح الضرر الناجم عن الفعل غير المشروع دوليا ويقوم بسد الثغرات التي تعتري التعويض العيني لذلك فهو أكثر أنماط إصلاح الضرر شيوعا

لأنه يجبر الضرر بصورة كاملة باعتباره نتيجة طبيعية لثبوت المسؤولية الدولية، ويقصد به دفع مبلغ مالي إلى أحد أشخاص القانون الدولي الذي لحقه ضرر واستحال إصلاحه عينيا و بما انه يزيل كافة أثار السلوك الضار أو غير المشروع فيجب أن تكون التعويضات عما لحق الدولة من أضرار وما فاتها من كسب.

و التعويض المالي في المجال البيئي يتضمن كافة الأضرار الحاصلة للموارد الطبيعة وهي المبالغ اللازمة لإصلاح ما أصاب البيئة من ضرر وتدمير و إتلاف وخسارة بسبب الإستعمال غير العقلاني بالإضافة للمصروفات اللازمة لتقدير هذه الأضرار ومصاريف تنفيذ الإجراءات اللازمة أيضا لإستفادة وإحياء المصادر الطبيعية و استبدالها واكتساب مصادر أخرى مماثلة و بديلة.

و بالنسبة لشكل الذي ينبغي أن يتخذه التعويض فإن القاعدة العامة هي أن الدفع النقدي للضرر البيئي هو الأساس و هذا ما أكده البروتوكول الملحق باتفاقية الشمال حول حماية البيئة المبرمة بين الدانمارك و السويد و فنلندا و النرويج  لسنة 1974 في ستوكهولم حيث يسمح للطرف الذي يدعي الضرر من التلوث عبر الحدود الطلب بشراء أملاكه الحقيقية.

 و تسمح معاهدة الحدود الفنلندية و الروسية للطرفين بإجراء التعويض النقدي عن أي خسارة إو ضرر تسبب بالضمان للطرف الذي يعاني من خسارة أو ضرر
إن تطبيق القواعد العامة في المجال التعويض المالي التي تلحق البيئة تطرح مشكلة مدى معرفة الحدود التي تصبح بموجبها الدوة القائمة بالتلوث غير ملزمة بالدفع، كما أن معيار تحديد التعويض الحقيقي لأغراض دفع التعويض النقدي أمر بالغ التعقيد ويعتمد بالأساس على الجهة التي سيقدم إليها الطلب و الموقف المعين الذي سيواجههن وقد يكون من الصعب جدا تقديم قيمة العديد من الموارد و المصالح كالسمك غير المستثمر ومناطق البراري التي غاليا ما تتأثر بالتلوث بحيث من الصعب تحديد مبلغ مالي يقابل درجة الضرر الفعلي الحاصل.

عموما إن التعويض النقدي عن الأضرار التي تلحق بالبيئة تشمل كل المبالغ استعادة وإحياء و استبدال مصادر أخرى للمصادر المتضررة ، كما يتمن المبالغ المالية التي تفي بإنقاص من قيمة المصادر المكونة للبيئة لاستعادة وضعها السابق، قبل وقوع الضرر، كما يضاف إليه التكاليف و المصروفات الضرورية التي بذلت بهدف تقدير هذه الأضرار.

الخاتمة:
صفوة القول أن حق الإنسان بالعيش بيئة سليمة يستلزم حماية البيئة من كل الأضرار التي يمكن أن تلحق بها لاسيما أن البيئة من القيم الاجتماعية التي تحقق استمرارية الحياة حاضرا ومستقبلا لأن الجنس البشري هو جزء لا يتجزأ من البيئة، وهذا ما يستتبع وجود أحكام قانونية سواء على المستوى الدولي أو الداخلي تتعلق بتقرير المسؤولية عن انتهاك حماية البيئة، وإصلاح ما نشأ عن ذلك من أضرار،و باعتبار التعويض هو الأنسب إلى زوال الضرر سواء الذي أصاب المتضرر أو البيئة ذاتها وإعادة الحال إلى ما كان عليه، فهو يعتبر الوسيلة الأنجع لإصلاح الأضرار التي تصيب الأشخاص و الممتلكات الخاصة إلا أنه لا يرقى إلى المستوى المطلوب في إصلاح الأضرار البيئية لأن البيئة ملكا مشتركا بين أفراد المجتمع، لذا من الضروري تبني فكرة الدعوى الجماعية أو الشعبية للمطالبة عن الأضرار البيئية الخالصة سواء من قبل الأشخاص أو الهيئات الدولية المهتمة بحماية البيئة، من أجل تحقيق المصلحة العامة للبشرية جمعاء،وللحد من الأضرار التي يمكن أن تلحق بالبيئة لا بدا من إنشاء أجهزة دولية باتفاق الدول يعهد لها مهمة لرصد الملوثات البيئية داخل الدول بصفة مستقلة، وذلك لتفعيل مبدأ الملوث الدافع، وكذا فرض غرامات مالية على المشروعات الضخمة التي تتسبب في أضرار بيئية بغية ضمان وجود مبالغ مالية يتم تخصيصها لحالة وقوع الأضرار البيئية،كما يتوجب إعادة صياغة قوانين بيئية على المستوى الدولي لحماية البيئة، وانضمام الدول إلى اتفاقيات الخاصة بحماية البيئة ليتسنى لجميع الدول تحمل مسؤولياتها في مجال حماية البيئة.