رابطة الجنسية

المؤلف : احمد عبد الحميد عشوش
الكتاب أو المصدر : القانون الدولي الخاص
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

الجنسية هي رابطة قانونية وسياسية بين الفرد والدولة، يرسم القانون نظامها منذ نشأتها إلى زوالها والآثار المترتبة على ذلك، بوصفها تمس كيان الدولة، وتكشف عن الولاء، وهي بهذه المثابة تعد معياراً لتوزيع الأفراد بين الدول المختلفة في المجال الدولي، وإلى جانب ذلك، فهي عنصر من عناصر الحالة المدنية للأفراد، بثبوتها ونفيها يتقرر لهم الحقوق والالتزامات. وقد ثار خلاف حول طبيعة هذه العلاقة؟ فاتجه الفقه القديم إلى القول بأنها علاقة تعاقدية، بينما ساد الفقه الحديث أنها علاقة تنظيمية.

أما الفقه القديم الذي كان يرى أن الجنسية علاقة تعاقدية، فقد تأثر بالأفكار السائدة في العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة حتى الثورة الفرنسية، وهي أفكار تدور حول مبدأ الولاء الدائم بين الفرد والدولة، ومحصلته أن الفرد التابع يدين بالولاء والطاعة لمتبوعه السيد الإقطاعي أو الملك في ظل الملكية المطلقة. مقابل التزام هذا الأخير بحمايته. وكان هذا الولاء حقيقي وشخصي ودائم لا يزول إلا بإرادة الملك. ومن ثم، لا يستطيع الفرد تغيير جنسيته مهما كانت الظروف.

وبقيام الثورة الفرنسية والرغبة في استبعاد فكرة الولاء، تبدلت الأفكار حول الأسس التي تقوم عليها الدولة، وظهرت نظرية العقد الاجتماعي الناشئ عن التراضي بين الفرد والدولة، وانتقل هذا الفهم إلى مجال الجنسية، حيث اعتبرت علاقة الفرد بالدولة علاقة تعاقدية، تولد التزامات متبادلة بين الطرفين، حيث يلتزم الفرد بطاعة الدولة واحترام قوانينها، والتمتع بالحقوق السياسية والمدنية والإسهام في التكاليف العامة، بينما تلتزم الدولة بحمايته وتوفر له التمتع بحقوقه. ولما كان العقد – بطبيعته – يستلزم توافق إرادتين، فقد ذهبوا إلى القول بأنه يجري التعبير عن إرادة الدولة أما بطريقة عامة عندما تحدد سلفاً شروط أعمال قواعد الجنسية كما هو الحال في الجنسية الأصلية.

وأما بطريقة خاصة عندما تعلن الدولة عن إرادتها حينما يتقدم لها أحد الأفراد بطلب جنسيتها. ومن جانب آخر، يتخذ التعبير عن إرادة الأفراد إحدى طرق ثلاث، إما أن تكون الإرادة صريحة، كما هو الحال في التجنس أو عندما يمارس خياراً رخصت الدولة في استعماله، وإما أن يكون التعبير ضمنياً، إذا ثبت له جنسية الدولة ولا يسعى إلى تغييرها أو ردها عندما تفرض الجنسية مقرونة بخيار الرد، وأخيراً قد يكون التعبير عن الإرادة مفترضاً، بالنسبة للمولود الذي تفرض عليه الجنسية حيث تنعدم إرادته.

بيد أن نظرية العلاقة التعاقدية لاقت هجوماً من الفقهاء المحدثين، ذلك أن غالبية حالات اكتساب الجنسية تثبت عند الميلاد )الجنسية الأصلية( حيث تكون إرادة الأفراد – عند اكتسابها – إرادة مفترضة وهي إرادة غير حقيقية، فلا تعدو أن تكو مجرد افتراض وهي حيلة قانونية تخفي إنعدام هذه الإرادة، وعلى ذلك فإن أغلب حالات الجنسية لا تتأسس على مبدأ التراضي ومن ثم فقد انهدم أساس النظرية. وعلى أنقاض هذه النظرية، انتهى المحدثون إلى نعت علاقة الجنسية بكونها علاقة تنظيمية بين الدولة والفرد. وتقوم الدولة بإنشائها وسن قواعد تنظيمها وتعديل هذه القواعد كلما عن لها ذلك، ويقتصر دور الفرد في الدخول إلى هذه العلاقة إذا ما توافر فيه الشروط المنصوص عليها في القانون. وحجتهم في ذلك، أن الجنسية وثيقة الصلة بكيان الدولة، فهي تحدد ركن الشعب وفق مصالحها العليا، ومن ثم فهي من نظم القانون العام، حيث لا مجال لإطلاق مبدأ سلطان الإرادة ولا محل للركون إلى إرادة الفرد الصريحة أو الضمنية أوالمفترضة.