القضاء الإداري المصري و التكنولوجيا الحديثة

د. هشام عبد السيد الصافي محمد بدر الدين

مدرس القانون العام بكليتي الحقوق جامعتي حلوان وبنها.

مقدمة
صاحب نجاح تطبيق المعاملات الالكترونية في المعاملات بين الأفراد والشركات الخاصة، ظهور مصطلح الإدارة العامة الالكترونية ” الحكومة الالكترونية “([1])، وهو ما يعنى استخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات للوصول إلى الاستخدام الأمثل للموارد الحكومية، وكذلك ضمان توفير خدمة حكومية مميزة للمواطنين، والشركات، والمستثمرين، والأجانب، وتتطلب الإدارة العامة الالكترونية إدخال التقنية الحديثة إلي بيئة العمل الإداري بوزارات ومرافق الدولة المختلفة من خلال دمج تقنية المعلومات بثورة الاتصالات بهدف إدخال تغييرات أساسية في أنظمة الإدارة العامة بالدولة ، وفي الهياكل التنظيمية لها، فضلاً عن تطوير العنصر البشري من خلال وضع البرامج اللازمة التي تساعد في عملية تطبيق الإدارة العامة الالكترونية([2]).

أولاً: موضوع البحث:

يدور موضوع البحث” التصور الإلكتروني لمرفق القضاء الإداري ” حول تقديم مقترح قانونى لكيفية الاستعانة بالوسائل الالكترونية الحديثة في تطوير مرفق القضاء الإداري في محاولة للإسراع في تحقيق العدالة الناجزة وتبسيط إجراءات التقاضي، مع تحقيق المبدأ الدستوري المقرر للحق في التقاضي على الوجه المثالي المطلوب، وذلك من خلال تناول كافة الإجراءات المتبعة أمام القضاء الإداري والنظر فيها ومدي إمكانية تحويلها للصورة الالكترونية دون الإخلال بما يفرضه القانون من إجراءات كضمانة للمتقاضين.

ثانياً: أهمية موضوع البحث:

هناك عدد من الدوافع والأهداف من وراء اختيار موضوع البحث:

ما ورد من أحكام صادرة عن هيئات قضائية مختلفة في مصر وعلي رأسها المحكمة الإدارية العليا من تقرير ” أن الدول المتمدينة تعيش عصرالثورة العلمية والتكنولوجية، وأن هذه الثورة بكل افاقها الرحبة هيأحد مفاتيح التطور والتقدم والازدهار، وأنه لا سبيل أمام هذا الوطن في استشراقه للمستقبل إلا أن يندفع للتقدم بكل طاقاته وامكانيات أبنائه للاغتراف من مناهل العلم والتكنولوجيا وأن يكون التعليم والانتاج قائمين على الاسراع في تطبيق أحدث منجزات البشرية في هذا المجال”([3])، فمسايرة التقدم التقني والعلمي الحادث في العالم في مجال تكنولوجيا الاتصالات وما صاحبه من تغير في بعض المفاهيم القانونية، مع حدوث إقبال عالمي علي استخدام هذه التكنولوجيا للمميزات التي توفرها والتي لا مثيل لها في كافة الأمور القانونية، والتي منها الإجراءات القضائية، فالحقيقة التي يشهد بها التاريخ أن الكثير من التحولات في الفكر القانوني كانت نتيجة تحولات تقنية، وصناعية بل إن فروعاً قانونية جديدة لم تظهر إلا إثر تقدم تقني معين فكل تقدم علمي له دائما تأثير في القانون، كما أن القانون دائماً يأتي كرد فعل في مواجهة كل تقدم علمي.
إلقاء الضوء على المميزات التي يمكن أن تعود علىالمتقاضين مع مرفق القضاء الإداري والقائمين عليه نتيجة التحول إلىاستخدام التكنولوجيا الحديثة في إجراءات التقاضي كبديل للإجراءات التقليدية، مع محاولة إزالة أي تخوف قد ينتاب المتقاضين والقائمين على مرفق القضاء من ذلك التحول.
رغبة الباحث في تقديم بحث يضيف لمكتبة القانون العام العربية دراسة شاملة عن تصور الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة في مرفق القضاء الإداري بما يمكن أن يساعد في تسيير إجراءات أمام محاكم مجلس الدولة، والتي تعد ضمانة هامة لحصول المتقاضين على الحماية القضائية لحقوقهم بإجراءات سهلة ومبسطة وفي الموعد المناسب.
ثالثاً: صعوبات البحث:

تتجلي صعوبات موضوع البحث في العديد من النواحي أهمها:

-ندرة المراجع القانونية العربية والأجنبية التي تناولت موضوع البحث مما جعل الباحثيلجأ إلى استخدام الكثير من المراجع العامة التي تعالج الموضوعات القانونية المختلفة التي عالجت موضوع استخدام تكنولوجيا المعلومات فيها.
-عدم وجود نصوص تشريعية تنظم الجانب الإلكتروني في التقاضي بمصر.
-ندرة الأحكام القضائية الصادرة من القضاء المصري سواء الإداري أو العادي المرتبطة بموضوع البحث والتي انحصرت رغم ندرتها في قبول الإثبات بالمستخرجات الالكترونية.
-استخدام التكنولوجيا الحديثة في مصر في أعمال الإدارة الحكومية لا زال يسيرعلى استحياءوببطء شديد نتيجة عدم تقبل أغلب موظفي الدولة لهذه التكنولوجيا، وتخوفهم من استخدامها، ذلك على الرغم أن مصر من أوائل الدول العربية التي تبنت ما يسمي بمشروع الحكومة الالكترونية في أوائل التسعينات.
رابعاً: منهج البحث:

نظراً للطبيعة غير التقليدية لموضوع الدراسة وحداثته في ذات الوقت انتهج الباحث في هذه الدراسة العديد من مناهج البحث، والتي منها:

المنهج التأصيلي: والذي تناولنا فيه الإجراءات التقليدية المتبعة أمام القضاء الإداري، محاولين تحويل تلك الخطوات إلي الصورة الالكترونية آخذين في اعتبارنا أن الهدف من البحث ليس معالجة قضية نظرية مجردة بحته بل معالجة ركيزة عملية قانونية؛

ومن خلال المنهج المقارن: والذي تطرقنا فيه لتناول تجارب بعض الدول التي اهتمت بموضوع إدخال تكنولوجيا المعلومات الحديثة في إجراءات التقاضي؛

ومن خلال المنهج التحليلي لما يقتضيه موضوع البحث من ضرورة التعرض لشتي جوانبه بالتحليل والتمحيص وصولاً لوضع تصور لتطوير الإجراءات أمام القضاء الإداري باستخدام الوسائل الالكترونية.

خامساً: خطة البحث:

تناولت الدراسة هذا الموضوع من خلال الخطة البحثية التالية:

المبحث الأول: الإدارة الالكترونية للمرافق العامة.

المبحث الثاني: أثر التكنولوجيا الحديثة على مرفق القضاء الإداري.

المبحث الأول

الإدارة الالكترونية للمرافق العام

أطلق البعض على الإدارة الالكترونية لمرافق الدولة اسم الحكومة الالكترونية أو الحكومة الذكية أو حكومة عصر المعلومات أو الحكومة المحمولة أو الإدارة بلا أوراق أو الإدارة العامة الالكترونية أو الخدمات عن بعد أو الإجراءات الإدارية عن بعد، وسنحاول التعرف عن مفهوم الإدارة الالكترونية وأهميتها والفارق بينها وبين الإدارة التقليدية فيما يلي:

أولاً: ماهية الإدارة الالكترونية:

تُعرف الإدارة الالكترونية بأنها” إطار عام ومنظومة تقنية متكاملة تختلف عن الممارسات التقليدية للإدارة العادية إذ أنها تشمل تحولاً كبيراً في العمل يشمل الأنشطة الحياتية في الدول من بشرية واجتماعية واقتصادية وإنتاجية للتطوير الداخلي لها وبهدف تقديم خدمات أفضل من تلك التي تؤديها الإدارة التقليدية أصلاً “([4])، وتعرف أيضاً بأنها “استخدام التكنولوجيا الحديثة من إنترنت، وهواتف محمولة، وأجهزة فاكس، وأنظمة مراقبة، وأجهزة تتبع وأجهزة راديو وتليفزيون لتقديم المعلومات والخدمات الحكومية للمواطنين والشركات الخاصة”([5])، وتعرف أيضاً بأنها” استخدام تكنولوجيا المعلومات لحرية تنقل المعلومات وللتغلب علي الحدود المادية والشكل الورقي في النظام القائم واستبداله بأنماط ونظم جديدة تعتمد علي أتمتة أو حوسبة الإجراءات الورقية الحالية”([6])، وتعرف كذلك بأنها ” تحويل الأعمال والخدمات الإدارية التقليدية والإجراءات الطويلة والمعقدة باستخدام الورق إلي أعمال الكترونية تنفذ بسرعة عالية ودقة متناهية “، وتعرف أيضاً بأنها ” استخدامنتاج القدرة التقنية فيتحسين مستويات أداء الأجهزة الحكومية ورفع كفاءتها وتعزيز فاعليتها في تحقيق الأهداف المرجوة منها”([7])، وتعرف أيضا بأنها ” كسر لحاجز الزمان والمكان من الداخل والخارج للحصول علي الخدمات عن طريق ربط تكنولوجيا المعلومات بمهام ومسئوليات الجهاز الإداري والالتزام بتطويره وميكنة كافة النشاطات وتبسيط الإجراءات وسرعة وكفاءة إنجاز المعاملات”([8])، وتعرف أيضا بأنه” عبارة عن استخدام نتاج الثورة التكنولوجية في تحسين مستويات أداء المؤسسات الحكومية ورفع كفايتها وتعزيز فاعليتها في تحقيق الأهداف المرجوة منها”([9])،وعلي الرغم من أن مصطلح الإدارة الالكترونية يحتوي علي كلمة الكتروني إلا أنه ليس مصطلحاً تكنولوجياً فحسب بل هو مصطلح إداري يعبر عن التحول الجذري في المفاهيم الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والتسويقية وعلاقة الأفراد والمؤسسات، والمؤسسات مع بعضها البعض([10]).

ثانياً: الفارق بين الإدارة الالكترونية للمرافق العامة والإدارة التقليدية للمرافق العامة:

يتضح من التعريفات السابقة للإدارة الالكترونيةللمرافق العامة أنها تختلف عن الإدارة التقليدية لهذه المرافق في عدة جوانب تمثل في الحقيقة أسباب تبنى دول العالم المختلفة لهذا الأسلوب الحديث من الإدارة، وتتمثل تلك الفروق في الاتي([11]):

1-الحفظ: في ظل الإدارة التقليدية وسيادة المعاملات الورقية من ناحية تخزين المعلومات والبيانات أو من خلال تقديمها مما يعرضها للتلف بمرور الوقت أو الضياع في حين أن الإدارة الالكترونية يتم فيها تخزين المعلومات والبيانات بصورة الكترونية على وسائط الكترونية، وتقديمها في صورة الكترونية مما يساعد على حفظها من التلف أو الضياع مع المقدرة على تصحيح الأخطاء الحاصلة بسرعة ونشر الوثائق لأكثر من جهة في أقل وقت ممكن والاستفادة منها في أي وقت كان.

2-الاسترجاع: استرجاع المعلومات المخزنة بالطرق التقليدية أمر بالغ الصعوبة نظراً لتكدس الملفات المحتوية عليها مما يحتاج إلى ساعات أو أيام في حين أن مثل هذا الأمر لا يكلف الباحث في أرشيف الشبكة الالكترونية عن المعلومة غير ثوانٍ معدودة من خلال الضغط على الزر المعني في لوحة المفاتيح.

3-التكاليف: يحتاج تخزين ملفات المعاملات والتي تحتوي على المعلومات في الإدارة التقليدية إلى أماكن لتخزينها، كما يحتاج إلى توفير عمالة وموظفين مهمتهم إدارة هذه المخازن والمحافظة على محتوياتها؛ في حين أن الإدارة الالكترونية لا تحتاج عند تخزين الملفات بها لذلك، بالإضافة إلى توفيرها لنفقات انشاء أماكن تقديم الخدمات التقليدية حيث أن تقديم الخدمة يتم عن بعد ومن خلال منزل طالب الخدمة عن طريق تواصله مع جهة الإدارة عبر شبكة الإنترنت.

4-الحماية: تتمتع الإدارة الالكترونية بأنها من خلال برامج تأمين وحماية الكترونية تضمن عدم تمكن أحد من الدخول إلى المعلومات والتلاعب في ملفاتها ومعاملاتها بالحذفوالإضافة في حين أن الإدارة التقليدية لا تمنع ذلك.

5-التوثيق والضبط: يمكن من خلال الإدارة الالكترونية تسجيل تاريخ وتوقيت المعاملة التي تتم من خلالها بالساعة والثانية مما يعطي لتلك الإدارة أعلي مستوى من الدقة والتوثيق لمدخلاتها ومخرجاتها ومعاملاتها.

6- التعامل والإجراءات: الإجراءات تتم في الإدارة الالكترونية دون لقاء مباشر بين طالب المعلومة أو الخدمة ومقدمها، بل يمكن أن يتم تقديم الخدمة أو المعلومة من خلال تزويد أجهزة جهة الإدارة ببرامج معينة عند استيفاء طالب الخدمة الخطوات التي تحددها يحصل علي ما يريد مثل بطاقات الفيزا كارد علي عكس الإدارة التقليدية، بل وتتميز الإدارة الالكترونية بالتفاعل السريع مع المتعاملين معها فتستطيع استقبال آلاف الطلبات والرد عليها جميعاً في وقت واحد وبسرعة فائقة مع توافر سرعة التواصل بين الموظفين ورؤسائهم وهو ما لا يمكن أن يتوافر في الإدارة التقليدية.

7-مدة تقديم الخدمة: الإدارة الالكترونية تعمل طوال العام دون أي أجازاتوعلى مدار 24 ساعة أي يتم من خلالها إلغاء عامل الزمن، وهو ما لا يتوافر في الإدارة التقليدية.

8-القدرةعلى التخطيط: نظراً لسهولة الحصول على المعلومات واسترجاعها بسهولة مع إمكانية الربط بين الأجهزة الإدارية المختلفة في الدولة مما يعطي للإدارة الالكترونية إمكانية التخطيط السليم وهو ما لا يتوافر فيالإدارة التقليدية.

9-مبدأ الجودة الشاملة: والذي يعني إتمام الأعمال الصحيحة في الأوقات الصحيحة والذي مما لا شك فيه ستوفره الإدارة الالكترونية من خلال توفيرها الخدمة للمواطن في أسرع وقت ممكن([12]).

ثالثاً: خصائص الإدارة الالكترونية للمرافق العامة:

يتضح لنا من التعريفات السابقة الخصائص المميزة للإدارة الالكترونية للمرافق العامة والتي تتمثل في الاتي([13]):

اعتماد تقنية المعلومات والاتصالات وتوظيفها كأداة رئيسية في يد الإدارة لإنجاز مهام الجهاز الإداري ووظائفه، وميكنة جميع الأنشطة الإدارية مع الحرص على تحديثها باستمرار، مما سيترتب عليه تقليل التعامل بالنماذج اليدوية والتعامل بالنماذج الالكترونية.
تطوير وتحسين مستوى الخدمة المقدمة للجمهور من خلال تسهيل الإجراءات وخطوات العمل، وترشيد العمليات الحكومية، وتقليص الازدواجية في الإجراءات مع إعادة هندسة إدارة الموارد البشرية، مما يؤدي إلى تخفيف الأعباء الإدارية عن الموظفين.
الربط بين الخدمات والإجراءات الحكومية المتبعة للحصول عليها وجميع الأجهزة الحكومية المعنية بها، وتفعيل إجراء الخدمة بشكل آلي بين الإدارات والوزارات مما يحقق سهولة ومرونة في التعامل بين الأجهزة الحكومية.
اعتماد مواصفات قياسية موحدة لتبادل المعلومات والبيانات بين الوزارات والجهات المختلفة.
تقليل التكاليف الخاصة بتوفير وتطوير الخدمات المقدمة للمستفيدين والقطاعات المختلفة، وذلك من خلال الاعتماد على برامج التقنية الحديثة، وبما يؤدي إضافة لهذا إلى ترشيد الوقت والجهد مع الاحتفاظ بشرط الجودة في تقديم الخدمات.
زيادة الشفافية وتحسين اداء العمل الإداري ومحاربة الفساد، والوساطة، والمحسوبية.
رابعاً: تقييم فكرة الإدارة الالكترونية للمرافق العامة للدولة:

يترتب على تطبيق أي أسلوب أو فكرة تحقق مجموعة من المزايا وكذلك ظهور عدد من المثالب، ويمكن تلخيص مزايا وعيوب الإدارة الالكترونية للمرافق العامة في الاتي:

مزايا تطبيق الإدارة الالكترونية للمرافق العامة للدولة([14]):
1-سرعة الإنجاز: لا شك أن إنجاز المعاملات الكترونياً لا يستغرق غير دقائق معدودة مما يوفر الوقت الضائع في الانتقال إلى مقر الإدارة والبحث عن الموظف المختص وانتظار الدوروقيام الموظف بالتحقق من شروط الخدمة المطلوبة إذا صلحت النوايا،فالإدارة الالكترونية للمرافق العامةتوفر الخدمة للمواطن بسرعة من خلال الدخول علىالخط on-line وليس من خلال الدخول في الصف in-lineوطول انتظار الدور.

2-زيادة الإتقان: الإنجاز الالكتروني للخدمة عادة ما يكون أكثر دقة وإتقان من الإنجاز اليدوي، كما أنه يخضع لرقابة أسهل وأدق من تلك التي تفرض على الموظف في أداء عمله في نظام الإدارة التقليدية وبذلك يمكن تقديم خدمات أفضل لمستحقيها واستغلال أمثل لإمكانيات الحكومة من خلالاتباع أساليب مشابهة لأساليب التجارة الالكترونية.

3- تخفيض التكاليف: لاشك أن إقامة نظام الإدارة الالكترونية يحتاج في البداية إلي مبالغ غير يسيرة تنفق في شراء الأجهزة والمعدات وإعداد البرامج وتدريب العاملين غير أن أداء الخدمات بالطريق الالكتروني بعد ذلك تقل تكلفته كثيراً عن أدائها بالطريق التقليدي أو اليدوي إذ يؤدي إلي تقليل عدد الموظفين المطلوبين للعمل في الإدارة، والاستغناء عن إنشاء مقار عديدة بأماكن مختلفة لتقديم الخدمات، واختصار الإجراءات ومراحل العمل فضلاً عن التخفيض أو الاستغناء نهائياً عن كميات الأوراق والأدوات المكتبية المستخدمة في أداء الخدمات.

4- تبسيط الإجراءات: القضاء علي البيروقراطية بمعناها البغيض ونتائجها السيئة المؤدية إلي إهدار الجهد والوقت والمال وتعذيب أصحاب المصالح فبدلاً من اتباع عدد من الإجراءات والحصول علي توقيع عدد من الموظفين يمكن تبسيط وتسيير الإجراءات بخطوة واحدة تتم من خلال الدخول علي الخط مع الحكومة مع شبكة المعلومات مما يجعل في الإمكان إنجاز المطلوب بسرعة وسهولة مع توفير الوقت والنفقات وهذا يؤدي لتقليص النفقات مع إمكانية إنهاء المعاملة أو الخدمة عن طريق موظف واحد دون الرجوع لرؤسائه أو رفاقه في العمل وذلك بالرجوع إلي قاعدة البيانات المعدة سلفاً في إدارته والتي تعد بمثابة تفويض للموظف يتخذ قراره علي أساسه.

5- الشفافية الإدارية: وهي معرفة المواطنين بحقوقهم والتزاماتهم والقوانين واللوائح المنظمة لمعاملاتهم وما يحتاجونه من خدمات، وبالتالي عندما تتم المعاملات بطريقة الكترونية ودون اتصال مباشر بين صاحب الشأن والموظف المختص فلا يكون هناك مجال للرشوة أو تلاعب الموظفين أو سوء معاملتهم لطالبي الخدمة مما يساعد في مكافحة جرائم الفساد الوظيفي، والعمل علي تجنب الاحتكاك بين طالب الخدمة والموظف العام خاصة من ذوى الوعي المنخفض من الناس هذابالإضافة لوجود مساواة بين جميع المواطنين في إمكانية الحصول علي الخدمات.

6-زيادة فعالية وكفاءة الحكومة: وذلك من خلال إيجاد تفاعل جماعي متوازٍ بين الحكومة كمقدم للخدمة وعدة أطراف آخري وهم المواطنون، وقطاع الأعمال، والأجهزة الحكومية بعضها البعض فضلاً عن تحسين مستوى الاتصال والارتباط بين المؤسسات الحكومية بعضها البعض كذلك تحسين مستوى الاتصال بين الأفراد والمرؤوسين في كل مؤسسة مما يتيح تحسين مستوى سرعة وجودة صنع القرار وتحليل المشكلات المعقدة وابتكار حلول عقلانية بصددها.

ب-عيوب تطبيق الإدارة الالكترونية للمرافق العامة للدولة:

1-مشكلةالبطالة: الاعتمادعلى التكنولوجيا في إتمام الأعمال وتقديم الخدمات الحكومية وما يستتبعه ذلك من إعادة هيكلة وتنظيم الوحدات الإدارية المختلفة من شأنه أن يؤدي إلى إلغاء وظائف واندثارها، وظهور وظائف أخرى محلها،وما يترتب عليه من فقد بعض الموظفين لوظائفهم بل وقلة عدد الموظفين المستخدمين في ظل استخدام التكنولوجيا الحديثة في إنجاز أعمال الإدارة مما يؤدي بالضرورة لزيادة البطالة.

2- انتهاك الخصوصية والتجسس الالكتروني: مستخدمي الإنترنت يخافون من إمكانية انتهاك حقوقهم في الاحتفاظ بأسرارهم وبياناتهم الخاصة المرتبطة بهم والمسجلة لدى الحكومة نتيجة لمعاملاتهم معها والتي في ظل الإدارة الالكترونية ستكون محفوظة في أرشيفات الكترونية، وهو ما يعرضها إلي مخاطر كبيرة تكمن في التجسس علي هذه الوثائق وكشفها ونقلها وحتى إتلافها وهو ما يحدث عند إهمال أو ضعف الجانب الأمني للإدارة الالكترونية، وهو ما قد يؤدي إلي حدوث كارثة وطنية فهذه الأرشيفات الالكترونية تحتوي علي المعلومات والوثائق المتعلقة بإدارات الحكومة والشركات الخاصة والأفراد العاديين.

3-زيادة التبعية للخارج: فالدول العربية هي دول مستهلكة للتكنولوجيا وليست دولاً منتجه لها، والإدارة الالكترونيةللمرفق العام تعتمد بأكملها على تلك التكنولوجيا الأمر الذي يجعل الدول التي ترغب في إدارة مرافقها الكترونياً تحت رحمة من سيمدها بتلك التكنولوجيا وسيطرته بلستكون مخترقة من قبله مما يهدد الأمن القومي، وبغض النظر عما إذا كانت هذه الدول عدوة أم صديقة فالدول تتجسس علي بعضها البعض دون النظر لنوع العلاقات التي تربط بينها.

4- شلل الإدارة : التطبيق غير الصحيح لمفهوم واستراتيجية الإدارة الالكترونية للمرافق العامة، والانتقال دفعة واحدة من النمط التقليدي للإدارة إلي النمط الالكتروني دون الاعتماد علي التسلسل والتدرج في الانتقال من شأنه أن يؤدي إلي شلل في وظائف الإدارة فالانتقال للإدارة الالكترونية للمرافق العامة يحتاج لتغيير في الهياكل التنظيمية للوحدات الإدارية من الناحية البشرية والإجرائية والتشريعية الأمر الذي سيؤدي عند تطبيقها فجأة ودون تدرج إلي تعطيل الخدمات التي تقدمها الإدارة أو إيقافها ريثما يتم الإنجاز الشامل والكامل للنظام الإداري الالكتروني.

5-أثار اقتصادية ومالية: ضخامة التكاليف التي يتحملها الاقتصاد القومي من خلال استيراد التكنولوجيا وبناء البنية التحتية اللازمة لتشغيلها وتدريب العمالة عليها وتوفير نظم تأمين وحماية لمنع اختراقها والاطلاع على أعمالها، كل ذلك مع التزام الدولة بمواكبة المستجدات التكنولوجية وتحديث شبكات المعلومات من حين لأخر.

ويمكن التغلب على تلك العيوب من خلال إعادة تأهيل الموظفين العموميين وتدريبهم على استخدام التكنولوجيا الحديثة، مع منح حوافز تشجيعية لمن يستجيب منهم، مع استخدام نظم وبرامج تأمين الملفات الالكترونية الحديثة التي تمنع أي اختراق هذه الملفات، كما يمكن الاعتماد في استيراد هذه التكنولوجيا الحديثة على عدة دول مختلفة، مع التحول لنظام الحكومة الالكترونية بشكل يتناسب مع ميزانية الدولة، وامكانياتها المالية والإدارية.

خامساً: مراحل التحول من الإدارة التقليدية للمرافق العامة إلىالإدارة الالكترونية للمرافق العامة:

لا يتم التحول من أسلوب الإدارة التقليدية للمرافق العامة إلي أسلوب الإدارة الالكترونية للمرافق العامة فجأة ودون أي مقدمات بل يمر ذلك التحول بعدد من المراحل تهيئ فيها الدولة لهذا التحول، وللتحول لهذا الأسلوب من الإدارة لابد من المرور بثلاث مراحل تسعي حكومات الدول الراغبة في ذلك إلي تنفيذها سواء مباشرة أو بالتدريج وتتمثل هذه المراحل في الآتي: المرحلة الأولي: وتتمثل في نشر معلومات الحكومة عن طريق الإنترنت، وبالتالي يتمكن المواطنون ومؤسسات الأعمال من الحصول علي تلك المعلومات بصورة مباشرة، ودون مشقة، والمرحلة الثانية: وتتمثل في إشراك المواطنين ومؤسسات الأعمال في شئون الحكم من خلال التفاعل مع صانعي القرار السياسي علي كل المستويات الحكومية ومن خلال التعقيب علي المقترحات السياسية والتشريعية، والمرحلة الثالثة: وتتمثل في إنشاء مواقع علي الإنترنت تسمح من خلالها لمستخدميها في الحصول علي الخدمات الحكومية مباشرة ودون حاجة لانتقال طالب الخدمة من مكانه وانتظاره لساعات طويلة في صفوف طويلة ([15]).

سادساً: معوقات التحول من الإدارة التقليدية للمرافق العامة إلىالإدارة الالكترونية للمرافق العامة:

هناك عدد من المعوقات تقف حجرة عثرة في طريق التحول من الإدارة التقليدية للمرافق العامة إلى الإدارة الالكترونية للمرافق العامة، والتي تتمثل في الآتي([16]):

أولاً: معوقات تشريعية وتنظيمية: لا شك أن تطبيق الإدارة الالكترونية للمرافق العامةوما تتيحه من تقديم الخدمات المرفقية عبر الإنترنت يحتاج إلى تنظيم قانوني مناسب يكفل تحقيق أهدافه علي أكمل وجه ممكن، ويحقق تأمين المعلومات وتوفير الخصوصية لها إذ يفقد المواطنون الثقة في الإدارة الالكترونية للمرافق العامةإذا ما تم اختراقها والتعدي على خصوصية بيانات المواطن أو حتى شعوره بهذه المخاطر وذلك من خلال إصدار تشريعات متخصصة بالاستعانة بتجارب الدول صاحبة السبق في هذا المجال.

ثانياً: معوقات إدارية: يحتاج تطبيق هذا الأسلوب الحديث من الإدارة لكوادر بشرية مؤهلة ومدربة علي استخدام التكنولوجيا وتعاني الأجهزة الحكومية من نقص شديد في هذه الكوادر، إضافة إلي أنه حتى الموجود منها يعاني من ضعف في التعامل مع تلك الأجهزة بالإضافة لتخوف الموظفين الحاليين من تعلم تكنولوجيا الحاسبات ومحاربتهم لها خشية أن يؤدي تطبيقها لتقليص حجم العمالة البشرية والاستغناء عنها، وخوفهم من فقد التأثير والأهمية التي يتمتعون بها في النظم التقليدية، فضلاً عن فقدانهم ما كانوا يحصلون عليه من رشاوى، كل ذلك مع عدم اقتناعهم ووعيهم بأهمية التكنولوجيا وتطبيقاتها في العمل وأثر ذلك علي المجتمع بصفة عامة.

ثالثاً: معوقات متعلقة بالجوانب التقنية والمالية: يحتاج تطبيق الإدارة الالكترونية للمرافق العامةإلي الأجهزة التقنية الحديثة في مجال الحاسبات والاتصالات والتي كثرت أنواعها وتعددت في السنوات الأخيرة وتوفيرها بالطبع يحتاج لمبالغ ضخمة هذا بالإضافة لاختلاف درجات تطبيق الإدارة الالكترونية في الجهات الحكومية المختلفة واختلاف أنواع الأجهزة المستخدمة مع ضعف البنية التحتية التي تتيح الاتصال بالإنترنت، وعدم توفير خدمة الإنترنت بالمجان كل ذلك في ظل تردي الحالة الاقتصادية للمواطنين واهتمام الحكومات في الدول النامية إلي توجيه ميزانياتها لتوفير الاحتياجات الأساسية لمواطنيها.

رابعاً: معوقات سياسية: التخبط السياسي وعدم وجود خطط واضحة متكاملة لتبني مفهوم الإدارة الالكترونيةللمرافق العامة سيؤدي لدعم وجود المعوقات السابقة بقوة فأساس تبني أي مشروع قومي جديد ومعيار نجاحه هو وجود إرادة سياسية راغبة وجادة وصادقة في تنفيذه فالإدارة ليست إلا أداة لتطبيق السياساتالتي تضعها النظم السياسية فقرار التحول الإدارة الالكترونية للمرافق العامةهو قرار سيادي يتخذ من أعلي مستويات في الدولة وبدونه تبقي مجرد فكرة علي ورق لا قيمة لها([17]).

نخلص مما سبق أن تطبيق الإدارة الالكترونية للمرافق العامة ليس بالأمر السهل بل لابد من تطبيقها بما يتناسب مع احتياجات المجتمع وثقافاته وعاداته علي أن يتم تطبيقها بشكل تدريجي وبخطوات مدروسة، فالحكومة الالكترونية هي مجموعة من المتغيرات المعقدة المترابطة ببعضها وتكون الوسائل التكنولوجية جزء بسيطاً منها حيث تبقي الاعتبارات الاجتماعية والسلوكية وطريقة إدارة المشروع وديمومة التشغيل وكسب ثقة المستخدم هي العوامل الأساسية الأكثر علاقة بالنجاح([18])، فتوافر التقنية الحديثة في ظل عدم وجود تنظيم إداري سليم يقبلها، ومجتمع يستشعر أهمية تلك الإدارة بالنسبة له لن يؤدي إلا إلي الفشل وإهدار موارد مالية طائلة دون استفادة حقيقية منها.

سابعا:التجربة المصرية في التحول من الإدارة التقليدية للمرافق العامة إلىالإدارة الالكترونية للمرافق العامة:

أدركت مصر أهمية تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات فقامت بإدخال الإنترنت في مصر عام 1993 حيث بدأ تشغيله للباحثين وأساتذة الجامعات المصرية من خلال مركز المعلومات ودعم واتخاذ القرار بمجلس الوزراء والمجلس الأعلى للجامعات([19])، وفي أكتوبر عام 1999 قامت بإنشاء وزارة للاتصالات والمعلومات ومنحتها امتيازات تنفيذية قوية للاضطلاع بما هو موكل إليها من مهام تتمثل في تحويل مصر لمجتمع معلوماتي متطور، وخلق صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وبدأ برنامج الإدارة الالكترونية في مصر رسمياً في يوليو عام 2001 وتم تفعيله عام 2004 بإنشاء موقع الحكومة المصرية علي شبكة الإنترنت([20]).

ومنذ بدأ برنامج الإدارة ” الحكومة” الالكترونية عام 2001 تم الإعلان عن الأهداف الرئيسية له والتي تتمثل في توصيل الخدمات لجمهور المتعاملين مع الحكومة في أماكن تواجدهم وبالشكل والأسلوب الأمثل الذي يلائمهم وبالسرعة والكفاءة المناسبتين وبما يسمح لهم بالمشاركة في عملية صنع القرار، وخلق بيئة للاتصالات بالمستثمرين من خلال تبسيط الإجراءات وتيسير الوصول للخدمات الحكومية، وتوفير المعلومات الدقيقة والحديثة لدعم عملية اتخاذ القرار وللمساهمة في تخطيط ومتابعة المبادرات طويلة الأجل المختلفة، وإرساء وتطبيق فلسفات وممارسات الإدارة الحديثة في القطاع الحكومي مما يدفع بعجلة العمل بهذا القطاع نحو العمل بفعالية أكبر وتكلفة أقل، وضغط الإنفاق الحكومي من خلال تقديم نماذج لتنفيذ المشتريات الحكومية الكترونياً عبر الشبكات وتخطيط موارد المؤسسة، ودفع التنافسية المحلية وزيادة التأهب لمواكبة حركة العولمة وتهيئة الجهاز الحكومي المصري للاندماج في النظام العالمي الجديد علي كل من المستويين الإقليمي والدولي([21]).

واعتمدت الحكومة المصرية في تنفيذ مشروعها في بادئ الأمر علي عمل إصلاح تشريعي حيث قامت وزارة العدل بالتعاون مع مركز المعلومات ودعم القرار التابع لمجلس الوزراء بحصر التشريعات المصرية الصادرة منذ عام 1828 وحتى الآن علي الحاسب الآلي وتحديثها بما يصدر من تشريعات جديدة أو تعديل ما هو قائم كما قامت بحصر الأحكام القضائية وبناء قاعدة معلومات ليصبح الطريق سهلاً أمام إصلاح تشريعي علي أسس دقيقة وعلمية([22])، وأعقب ذلك صدور قانون تنظيم التوقيع الالكتروني وإنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات رقم 15 لسنة 2004، واللائحة التنفيذية له الصادرة بالقرار رقم 109 لسنة 2005([23])، هذا بالإضافة إلي قيام وزارة المالية بإنشاء مشروع سلطة التصديق الالكتروني الحكومي في عام 2007، والتي من المتوقع أن يصل عدد المستفيدين من هذه الخدمة 2¸ 6 مليون فرد، وقد تم الافتتاح الرسمي للمشروع في 28/9/2009، وتقوم الوزارة الأن بتفعيل خدمة التوقيع الالكتروني من خلال تنفيذ التعاقدات المبرمة بين سلطة التصديق الحكومي بها وبين 25 جهة حكومية والتي منها وزارة الداخلية، ووزارة الاعلام، ووزارة الاتصالات، والأمانة العامة لمجلس الوزراء،….، والمجلس الأعلى للجامعات، ومحافظة القاهرة،…..، ومحافظة الغربية([24]).

المبحث الثاني: أثر التكنولوجيا الحديثة على مرفق القضاء الإداري

التحول من نظام الإدارة التقليدية إلي نظام الإدارة “الحكومة ” الالكترونية قد سبق لنا تناوله في بداية ذلك البحث؛ وبالطبع مرفق القضاء الإداري ليس بمعزل عن باقي مرافق الدولة وهو ما دفع الباحث لمحاولة الإجابة علي تسأل مطروح منذ أن ظهر مصطلح الإدارة “الحكومة ” الالكترونية هل يستطيع مرفق القضاء الإداري أن ينتقل من التعامل الورقي والإجراءات التقليدية إلي التعامل الافتراضي والطرق الالكترونية؟، خصوصاً أن ذلك يتفق مع القاعدة التي تحكم المرافق العام والتي منها مرفق القضاء وهي القابلية للتبديل أوالتعديل في أي وقت([25])،وسنحاول في هذا المبحث التعرض للإجابة علي هذا التساؤل من خلال توضيح مفهوم القضاء الإداري الالكتروني، ومميزات استخدام التكنولوجيا الحديثة في مرفق القضاء الإداري، وكيفية استخدام التكنولوجيا الحديثة في مختلف مراحل الدعاوى الإدارية داخل محاكم مجلس الدولة.

المطلب الأول: الإطار النظري لمرفق القضاء الإداري الإلكتروني

أولاً: تعريف القضاء الإداري الالكتروني:

يقصد باستخدام النظم القضائية لتكنولوجيا المعلومات الحديثة في القضاء الإداري حلول نظم المعلومات والاتصالات محل الاليات التقليدية التي اعتاد الخصوم القيام بها لتحريك ورفع ومباشرة الدعاوى أمام المحكمة المختصة، ومتابعة ما يستجد فيها من قرارات أو إجراءات قضائية حتى صدور الحكم النهائي والطعن عليه([26])، يفترض في القضاء الإداري الالكتروني اتباعه لأسلوب غير مألوف في تسيير الإجراءات والمعاملات القضائية، وذلك بالتحول من الإجراءات المعتمدة كلياً علي الورق إلي استخدام الوسائل الالكترونية المستحدثة في قيد الدعاوى ومباشرة إجراءاتها وحفظ ملفاتها، وتقوم فكرة ذلك القضاء علي تشبيك كافة الأجهزة القضائية الخاصة بمجلس الدولة في مختلف الدوائر ومختلف المحافظات ومختلف الأقسام وضمها ضمن إطار تفاعلي واحد وذلك يستلزم ابتداءأتمتة عمل كل دائرة قضائية بالمجلس علي حدة ثم ربطها بنظرائها في المحافظات الأخرى ثم ربطها بما هو أعلي لتؤدي عملها عبر الوسائل الالكترونية، ولتجري التواصل فيما بينها بذات الوسائل، ولتقوم مقام الوثائق الورقية والملفات والأرشيفات علي نحو يتيح سرعة الوصول إلي المعلومات، وسرعة استرجاعها، والربط فيما بينها، فهي إدارة للأداء في مرفق العدالة، وهي – دون شك – وسيلة فعالة لإدارة الوقت ضمن الاستراتيجيات الجديدة للتعامل مع الوقت([27])، فهي تعد إعادة لهندسة الإجراءات القضائية مما يؤدي لتحسين الخدمة القضائية المقدمة للمتقاضين، مع توفير في الرسوم التي تحصل مقابل تقديم تلك الخدمة([28])، أي يعنى بلوغ النظام القضائي لمرحلة المحكمة اللاورقية وبالتالي، فض المحكمة للنزاع عبر شبكة الانترنت حال الوصول إلي نظام المحكمة الالكترونية القائم علي عدم التلاقي المادي بين الخصوم وهيئة المحكمة المناط بها الفصل في النزاع([29])،وليس كما يطرح البعض أن يتم الاستغناء عن القاضي البشري ليحل محله الحاسوب الالكتروني المغذي بقاعدة بيانات ومعلومات تخص موضوع معين وعند عرض النزاع عليه بإدخال بيانات معينة يقوم الحاسوب بإصدار حكم في النزاع في ضوء ما هو مخزن عليه وما تم إدخاله له، وفي هذه الحالة الحكم يصدر دون أدني اعمال للسلطة التقديرية للقاضي([30]).

ومن خلال العرض السابق لتصور القضاء الإلكتروني انتهي جانب إلي تعريف المحكمة الالكترونية” المحكمة المعلوماتية” بأنها” حيز تقني معلوماتي ثنائي الوجود، يسمح ببرمجة الدعوى الالكترونية، ويتألف من شبكة الربط الدولية إضافة إلي مبني المحكمة بحيث يتيح الظهور المكاني الالكتروني لوحدات قضائية وإدارية، ويباشر من خلاله مجموعة من القضاة مهمة النظر في الدعوى، والفصل فيها، بموجب تشريعات تخولهم مباشرة الإجراءات القضائية مع اعتماد تقنيات فائقة الحداثة لتدوين الإجراءات القضائية، وحفظ وتداول ملفات الدعوى”([31])، كما عرف جانب أخر أن المقصود بالتقاضي الإلكتروني أنه” نظام آلي يقوم بتمثيل عملية سير الدعوى المدنية المعمول بها حاليا علي الأوراق تمثيلاً حاسوبياً لتوثيق جميع خطوات ومراحل العمل القضائي بحيث يعالج جميع المراحل التي تمر بها الدعوى من مرحلة رفعها إلي مرحلة الانتهاء منها”([32])، كما عرفها جانب أخر بأنها ” سلطة مجموعة متخصصة من القضاة بالنظر في الدعاوى، ومباشرة الإجراءات القضائية بوسائل الكترونية مستحدثة، ضمن نظام قضائي معلوماتي متكامل الأطراف والوسائل”، كما عرف بأنه” عملية نقل مستندات التقاضي الكترونيا إل%8