عدم دستورية اختصاص القضاء العادي (محكمة النقض) بالفصل في منازعات العملية الانتخابية بالنقابات المهنية ومنها نقابة المهن التعليمية
الدعوى رقم 118 لسنة 26 ق ” دستورية ” جلسة 1 / 12 / 2018

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الأول من ديسمبر سنة 2018م، الموافق الثالث والعشرون من ربيع أول سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى وحاتم حمد بجاتو والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 118 لسنة 26 قضائية ” دستورية “، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثانية) بقرارها الصادر بجلسة 4/4/2004، ملف الدعوى رقم 5643 لسنة 54 قضائية.
المقامة من
1- حسن ذكى حسن عبد الغنى
2- فتحى قرنى هاشـــم أحمد
3- عادل عبدالمنعــم عباس
ضــــد
1- وزير التربيـة والتعليـــم
2- الأمين العام لنقابة المهن التعليمية
3- مدير إدارة حلــوان التعليمية
4- المشرف العام على الانتخابات بإدارة حلوان التعليمية

الإجـراءات
بتاريخ السابع عشر من مايو سنة 2004، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 5643 لسنة 54 قضائية، بعد أن قررت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بجلسة الرابع من أبريل سنة 2004، بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة (56) من القانون رقم 79 لسنة 1969 في شأن نقابة المهن التعليمية، والنصوص المناظرة له بقوانين النقابات المهنية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكـم الإحالة وسائر الأوراق – في أن كلاًّ من حسن ذكى حسن عبد الغنى وفتحى قرنى هاشم أحمد وعادل عبدالمنعم عباس، كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 5643 لسنة 45 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهـرة بطلب الحكـم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر بإعـلان نتيجة انتخابات اللجنة النقابية الفرعية بحلوان، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها وقف إجراء عملية انتخاب النقيب، وفى الموضوع بإلغاء كافة القرارات الصادرة عن الجمعية العمومية المنعقدة بتاريخ 24/2/2000، واعتبارها كأن لم تكن، لما شابها من بطلان ومخالفة أحكام القانون، وبخاصة بطلان انتخابات النقيب، والقضاء بإعادة الانتخابات، على سند من أنه بتاريخ 24/2/2000 أجريت انتخابات اللجنة النقابية لإدارة حلوان التعليمية لاختيار النقيب وأعضاء اللجنة النقابية، ونظرًا لما شاب هذه العملية من تجاوزات ومخالفات قانونية، منها أن انعقاد الجمعية العمومية لم يكن قانونيًّا لعدم اكتمال النصاب المحدد في المادة (55) من القانون رقم 79 لسنة 1969، وأن المرشح لمنصب النقيب تم اختياره من قبل أكثر من مرة بالمخالفة للقانون، وتم حجب المرشحين ومن ينوب عنهم عن حضور فرز الأصوات، والتجهيل في اختيار النسب المنصوص عليها، والواجب اختيارها من المرشحين في مجلس الإدارة كشباب وشيوخ، وأنه تم إعلان النتيجة دون بيان عدد الأصوات الصحيحة والباطلة ونسب الحضور والغياب، مما حدا بهم إلى إقامة تلك الدعوى بالطلبات سالفة البيان. وبجلسة 4/4/2004، قررت المحكمة وقف الدعـووإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة (56) من القانون رقم 79 لسنة 1969 في شأن نقابة المهن التعليمية، والنصوص المناظرة له بقوانين النقابات المهنية.
وحيث إن هذه المحكمة قد قررت بجلسة 6/5/2017 – إعمالاً للرخصة المقررة لها بمقتضى نص المادة (27) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين لاستكمال التحضير لبحث دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (56) من القانون رقم 79 لسنة 1969 المشار إليه. وبعد تحضير الدعوى في هذا الخصوص، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

وحيث إن المادة (56) من القانون رقم 79 لسنة 1969 بشأن نقابة المهن التعليمية، تنص على أن “لخمس عدد الأعضاء الذين حضروا اجتماع الجمعية العمومية للنقابة العامة أو النقابة الفرعية أو اللجنة النقابية حق الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية أو في تشكيل مجالس الإدارة أو في القرارات الصادرة منها، بتقرير موقع عليه منهم يقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض خلال خمسة عشـر يومًا من تاريخ انعقـادها بشرط التصديق على التوقيعات من الجهة المختصة.
ويجب أن يكون الطعن مسببًا وإلا كان غير مقبول شكلاً.
وتفصل محكمة النقض في الطعن على وجه الاستعجال في جلسة سرية، وذلك بعد سماع أقوال النقيب أو من ينوب عنه ووكيل عن الطاعنين”.
وحيث إن الإحالة التى تضمنها حكم محكمة القضاء الإداري الصادر بجلسة 4/4/2004، قد انصبت في حقيقتها على ما تضمنته الفقرة الأخيرة من المادة (56) من القانون رقم 79 لسنة 1969 المشار إليها من عقد الاختصاص لمحكمة النقض بالفصل في القرارات المتعلقة بصحة انعقاد الجمعية العمومية للنقابة العامة أو النقابات الفرعية أو اللجان النقابية أو تشكيل مجالس إدارتها أو القرارات الصادرة منها، والنصوص المناظرة لها بقوانين تنظيم النقابات المهنية.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن توافر المصلحة في الدعوى الدستورية مناطه أن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، سواء اتصلت الدعـوى بهذه المحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، بما لازمه: أن الدعوى لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس النص التشريعى المحال على النزاع الموضوعى، فيكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع. لما كان ذلك، وكان الفصل في اختصاص محكمة الموضوع بنظر النزاع المعروض عليها هو من الأمور المتعلقة بالنظام العام، بحكم اتصاله بولاية هذه المحكمة في نظره والفصل فيه، ومن أجل ذلك، كان التعرض له سابقًا بالضرورة على البحث في موضوعه، وكانت المسألة المثارة أمام محكمة الموضوع إنما تتعلق في حقيقتها بتحديد الجهة المختصة بالفصل في النزاع الموضوعي الذى يدور حول الطعن على قرار إعلان نتيجة انتخابات اللجنة النقابية الفرعية بحلوان، مع ما يترتب على ذلك من آثار. حيث تضمنت الفقرة الأخيرة من المادة (56) من القانون رقم 79 لسنة 1969، التنظيم القانوني الحاكم لتلك المسألة، ومن ثم فإن المصلحة في الدعوى تكون متحققة في الطعن على عبارة “وتفصل محكمة النقض في الطعن” الواردة بصدر هذه الفقرة، دون غيرها من النصوص المناظرة بقوانين تنظيم النقابات المهنية الأخرى، بحسبان القضاء في دستورية هذه العبارة سيكون له أثره وانعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وولاية المحكمة في نظرها والفصل فيها. وتكون النصوص المماثلة لا صلة لها بالدعوى الموضوعية، وليس للفصل في دستوريتها أدنى انعكاس على هذه الدعوى.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة في شأن المادة (27) من قانونها، التى تخولها الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارستها لاختصاصاتها، ويتصل بالنزاع المعروض عليها، مؤداه: أن مناط تطبيقها يفترض وجود خصومة أصلية طرح أمرها عليها وفقًا للأوضاع المنصوص عليها في قانون إنشائها، وأن ثمة علاقة منطقية تقوم بين هذه الخصومة، وما قد يثار عرضًا من تعلق الفصل في دستورية بعض النصوص القانونية بها. ومن ثم تكون الخصومة الأصلية هى المقصودة بالتداعي أصلاً، والفصل في دستورية النصوص القانونية التي تتصل بها عرضًا، مبلورًا للخصومة الفرعية التى تدور مع الخصومة الأصلية وجودًا وعدمًا، فلا تقبل إلا معها. وهو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة التي لا تعرض لدستورية النصوص القانونية التى تقوم عليها الخصومة الفرعية، إلا بقدر اتصالها بالخصومة الأصلية، وبمناسبتها. وشرط ذلك أن يكون تقرير بطلان هذه النصوص أو صحتها مؤثرًا في المحصلة النهائية للخصومة الأصلية أيًّا كان موضوعها، أو أطرافها، بما مؤداه: أن مباشرة هذه المحكمة لرخصتها المنصوص عليها في المادة (27) من قانونها، شرطها، أولاً: استيفاء الخصومة الأصلية لشرائط قبولها. وثانيًا: اتصال بعض النصوص القانونية عرضًا بـها. وثالثًا: تأثير الفصل في دستوريتها في محصلتها النهائية.
وحيث إن الفصل في دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (56) من القانون 79 لسنة 1969 بشأن نقابة المهنة التعليمية، فيما أوردته من اختصاص محكمة النقض بنظر الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية أو تشكيل مجالس إدارة النقابة العامة أو الفرعية أو اللجنة النقابية، والقرارات الصادرة منها، وثيق الصلة بما تضمنته الفقرة الأولى من هذا النص من تحديد للقواعد المنظمة لاتصال المحكمة بهذا الطعن، فاشترطت أن يتم الطعن من خُمْس عدد الأعضاء الذين حضروا الجمعية العمومية بتقرير موقع عليه منهم يقدم إلى قلم كتاب محكمة النقض، خلال المهلة التى حددها هذا النص – وبشرط التصديق على التوقيعات من الجهة المختصة – بما لازمه أن النصين المشار إليهما ينظمان موضوعًا واحدًا، هو الطعن على القرارات الصادرة عن الجمعية العمومية لنقابة المهن التعليمية، سواء تعلق بالقرارات المتعلقة بالنقابة العامة أو النقابة الفرعية أو اللجنة النقابية، والاختصاص بنظر هذا الطعن والفصل فيه، ومن ثم يمثل النص في مجمل أحكامه منظومة متكاملة للطعن على قرارات من طبيعة واحدة، يتعين على هذه المحكمة أن تجيل ببصرها فيها، وعلى ضوء نظرة شاملة، تحيط بها، وتحدد على ضوئها دستوريتها، وهو ما حدا بالمحكمة إلى استخدام رخصتها في التصدى المقررة لها بمقتضى نص المادة (27) من قانونها، بالنسبة لنص الفقرة الأولى المشار إليها، الذى استوفى شرائطه القانونية.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المطعون فيه، مخالفته لنص المادة (172) من دستور 1971، الذى أصبحت بموجبه كافة الدعاوى الإدارية تندرج ضمن اختصاصات محاكم مجلس الدولة، التى تختص بها اختصاصًا مطلقًا، بما لا يجوز معه للمشرع أن يضمن نصوص القوانين ما يسلب هذا الاختصاص أو يحد منه، لتعلق ذلك بالأسس العامة للدولة. وأضافت المحكمة، أن هذا النص كان متوائمًا مع نصوص الدستور المنظمة للاختصاص باعتبار أن قرارات الجمعية العمومية للنقابات لا تتصف بصفة القرار الإداري خاصة المتعلقة باختيار وتشكيل مجالس الإدارة، وأنه بصدور القانون رقم 100 لسنة 1993 بشأن ضمانات ديمقراطية التنظيمات النقابية المهنية المعدل بالقانون رقم 5 لسنة 1995، والذى بموجبه أضفى المشرع الصبغة الادارية على العملية الانتخابية والإشراف عليها، وذلك منذ الترشح، وبدء إجراءات الانتخابات، حتى إعلان النتيجة، وأصبحت كافة القرارات المتعلقة بها تصدر من موظف عام، و تعد بالتالي قرارات إدارية صادرة من سلطة عامة، بما لها من اختصاص إدارى تمارسه طبقًا للقانون، وبذلك أضحى النسق العام أن يختص القضاء الإداري بالفصـل في المنازعات التى تنشأ حول العملية الانتخابية بالنقابات المهنية، ومنها نقابة المهن التعليمية، إلا أن المشرع حين أصدر القانون رقم 100 لسنة 1993 المشار إليه، أغفل تعديل المادة (56) من القانون رقم 79 لسنة 1969، وأضحى ثمة تعارض بين هذا النص ونص المادة (172) من الدستور.
وحيث إن من المقرر أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة، إنما تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به، وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسس القواعد الآمرة، وعلى ذلك فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصوص المحالة، والتى مازال معمولاً بها، وذلك من خلال أحكام الدستور الصادر بتاريخ 18/1/2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع الدستوري، بدءًا من دستور سنة 1971 قد حرص على دعم مجلس الدولة، الذى أصبح منذ استحداثه نص المادة (172) منه جهة قضاء قائمة بذاتها، محصنة ضد أى عدوان عليها أو على اختصاصها المقرر دستوريًّا عن طريق المشرع العادي، وهو ما أكده الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/3/2011، الذى أورد الحكم ذاته في المادة (48) منه، والمادة (174) من الدستور الصادر بتاريخ 25/12/2012، والمادة (190) من الدستور الحالي التى تنص على أن “مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية ….. “. ولم يقف دعم المشرع الدستوري لمجلس الدولة عند هذا الحد، بل جاوزه إلى إلغاء القيود التي كانت تقف حائلاً بينه وبين ممارسته لاختصاصاته، فاستحدث بالمادة (68) من دستور سنة 1971، نصًّا يقضى بأن التقاضي حق مكفول للناس كافة، وأن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا، ويحظر النص على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، وهو ما انتهجه نص المادة (21) من الإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011، ونص المادة (75) من الدستور الصادر في 25/12/2012، وقد سار الدستور الحالي على النهج ذاته في المادة (97) منه، وبذلك سقطت جميع النصوص القانونية التي كانت تحظر الطعن في القرارات الإدارية، وأزيلت جميع العوائق التي كانت تحول بين المواطنين والالتجاء إلى مجلس الدولة بوصفه القاضي الطبيعي للمنازعات الإدارية . وإذ كان المشرع الدستوري بنصه في عجز المادة (97) من الدستور الحالي على أن ” ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي “، فقد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم والدفاع عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعًا لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية، ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغي دائمًا أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة، سواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التي تصدر فيها، وكان مجلس الدولة قد غدا في ضوء الأحكام المتقدمة قاضى القانون العام، وصاحب الولاية العامة، دون غيره من جهات القضاء، في الفصل في كافة المنازعات الإدارية، عدا ما استثناه الدستور ذاته بنصوص صريحة ضمنها وثيقته.
وحيث إن الدستور الحالي قد نص في مادته (76) على أن “إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم في رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم”. كما نص في المادة (77) منه على أن ” ينظم القانون إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطي، ويكفل استقلالها ويحدد مواردها، وطريقة قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم المهني، وفقًا لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية”.
و حيث إن القانون رقم 79 لسنة 1969، في شأن نقابة المهن التعليمية المعدل بالقانون رقم 13 لسنة 1992، قد نص في مادته الأولى على إنشاء نقابة للمهن التعليمية، تكون لها الشخصية الاعتبارية، تضم المشتغلين بمهنة التربية والتعليم، والذين سبق اشتغالهم بها، وقد أضفى هذا القانون على النقابة شخصية معنوية مستقلة، وخولها حقوقًا من نوع ما تختص به الهيئات الإدارية العامة، مما يدل على أنها جمعت بين مقومات الهيئة العامة وعناصرها من شخصية مستقلة ومرفق عام، تقوم عليه، مستعينة في ذلك ببعض مزايا السلطة العامة التى منحها لها القانون، تمكينًا لها من أداء المهام الموكلة لها في خدمة المهنة القائمة عليها، ورعاية أعضائها، والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم، ومن أجل ذلك جعل عضويتها إجبارية على المشتغلين بمهنة التربية والتعليم، في غير الجامعات والأزهر والكليات والمعاهد العالية والكليات والمدارس العسكرية، ورتب على مخالفة أحكام هذا النص، توقيع عقوبة الحبس والغرامة على المخالف، كما ألزم المنتمين للنقابة بأداء رسم قيد واشتراكات سنوية، وأنشأ هيئة تأديبية يحاكم أمامها الأعضاء الذين يخالفون قانون النقابة أو لائحتها الداخلية أو يرتكبون أمورًا مخلة بواجبات المهنة أو ماسة بكرامتها، ومن ثم تغدو نقابة المهن التعليمية من أشخاص القانون العام، وتُعد الطعون المتعلقة بصحة انعقاد الجمعية العمومية لأى من تشكيلاتها النقابية المختلفة، وكذا بتشكيل مجلس إدارتها، أو القرارات الصادرة منها، من قبل المنازعات الإدارية، التي ينعقد الاختصاص بنظرها والفصل فيها لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيرها، طبقًا لنص المادة (190) من الدستور، وإذ أسند صدر الفقرة الأخيرة من المادة (56) من القانون رقم 79 لسنة 1969 بشأن نقابة المهن التعليمية، الفصل في تلك المنازعات إلى محكمة النقض، التابعة لجهة القضاء العادي، بناء على تقرير يقدم إلى قلم كتاب تلك المحكمة، فإن مسلك المشرع، على هذا النحو يكون مصادمًا لنص المادة (190) من الدستور، الذى أضحى، بمقتضاه، مجلس الدولة، دون غيره، هو صاحب الولاية العامة في الفصل في المنازعات الإدارية وقاضيها الطبيعي.
وحيث إن البيّن من نص الفقرة الأولى من المادة (56) المشار إليه، أن ثمة شرطيـن يتعين توافرهما معًا لجواز الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية، أو في تشكيل مجالس الإدارة، أو القرارات الصادرة منها، أولهما: أن يكون هذا الطعن مقدمًا من خُمْس عدد الأعضاء الذين حضروا اجتماع الجمعية العمومية للنقابة العامة أو النقابة الفرعية أو اللجنة النقابية، ليكون انضمامهم إلى بعض نصابًا للطعن، فلا يقبل بعدد أقل. ثانيهما: أن يكون الطعن على قراراتها مستوفيًا شكلية بذاتها، قوامها أن تكون توقيعاتهم على تقرير الطعن، مصادقًا عليها جميعًا من الجهة المختصة.
وحيث إن الشرطين المتقدمين ينالان من حق التقاضي، ويعصفان بجوهره، وعلى الأخص من زاويتين. أولاهما: أن الدسـتور كفل للناس جميعًا – وبنص المادة 97 – حقهم في اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي، لا يتمايـزون في ذلك فيما بينهم، فلا يتقدم بعضهم على بعض في مجال النفاذ إليه، ولا ينحسر عن فئة منهم، سواء من خلال إنكاره أو عن طريق العوائق الإجرائية أو المالية التى يحاط بها، ليكون عبئًا عليهم، حائلاً دون اقتضاء الحقوق التى يدعونها، ويقيمون الخصومة القضائية لطلبها، ذلك أنهم يتماثلون في استنهاض الأسس الموضوعية التى نظم المشرع بها تلك الحقوق لضمان فعاليتها، فقد كفل الدستور لكل منهم – سواء أكان شخصًا طبيعيًّا أم معنويًّا – الحق في الدعوى، ليكون تعبيرًا عن سيادة القانون، ونمطًا من خضوع الدولة لقيود قانونية تعلوها، وتكون بذاتها عاصمًا من جموحها وانفلاتها من كوابحها، وضمانًا لردها على أعقابها إن هي جاوزتها، لتظهر الخصومة القضائية بوصفها الحماية التي كفلها القانون للحقوق على اختلافها، وبغض النظر عمن يتنازعونها، ودون اعتداد بتوجهاتهم، فلا يكون الدفاع عنها ترفًا أو إسرافًا، بل لازمًا لاقتضائها وفق القواعد القانونية التي تنظمها. ثانيتهما: أن الخصومة القضائية لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها اجتناء منفعة يقرها القانون، تعكس بذاتها أبعاد الترضية القضائية التي يطلبها المتداعون، ويسعون للحصول عليها تأمينًا لحقوقهم. وهم بذلك لا يدافعون عن مصالح نظرية عقيمة، ولا عن عقائد مجردة يؤمنون بها، ولا يعبرون في الفراغ عن قيم يطرحونها، بل يؤكدون من خلال الخصومة القضائية تلك الحقوق التي أُضيروا من جراء الإخلال بها، ويندرج تحتها ما يكون منها متعلقًا بمجاوزة نقابتهم للقيود التي فرضها الدستور عليها، لتنفصل حقوقهم هذه، عن تلك المصالح الجماعية التي تحميها نقابتهم بوصفها شخصًا معنويًّا يستقل بالدفاع عنها في إطار رسالتها وعلى ضوء أهدافها والقيم التي تحتضنها. وهو ما يعنى أن تأمينها لمصالح أعضائها – منظورًا إليها في مجموعها – لا يعتبر قيدًا على حق كل منهم في أن يستقل عنها بدعواه التي يكفل بها حقوقًا ذاتية يكون صونها ورد العدوان عنها، متصلاً بمصلحته الشخصية المباشرة، ليتعلق بها مركزه القانوني الخاص في مواجهة غيره، فلا ينال من وجوده – ولو بنص تشريعي – قيد تقرر دون مسوغ.
وحيث إن الطعن على قرار معين – وكلما توافر أصل الحق فيه – لا يجوز تقييده فيما وراء الأسس الموضوعية التي يقتضيها تنظيم هذا الحق، وإلا كان القيد مضيقًا من مداه أو عاصفًا بمحتواه، فلا يكتمل أو ينعدم، وكان حق النقابة ذاتها في تكوينها على أسس ديمقراطية، وكذلك إدارتها لشئونها بما يكفل استقلالها، ويقظتها في الدفاع عن مصالح أعضائها، وإنمائها للقيم التي يدعون إليها في إطار أهدافها، ووعيها بما يعنيهم، ومراجعتها لسلوكهم ضمانًا لصون الأسس التي حددها الدستور بنص المادة (76) منه، وإن كان كافلاً لرسالتها محددة على ضوء أهدافها، وبمراعاة جوهر العمل النقابي ومتطلباته، إلا أن انحرافها عنها يقتضى تقويمها، ولا يكون ذلك إلا بإنزال حكم القانون عليها، باعتباره محددًا لكل قاعدة قانونية مجالاً لعملها، ومقيدًا أدناها بأعلاها، فلا تكون الشرعية الدستورية والقانونية إلا ضابطًا للأعمال جميعها، محيطًا بكل صورها، ما كان منها تصرفًا قانونيًّا أو متمحضًا عملاً ماديًّا، فلا تنفصل هذه الشرعية عن واقعها، بل ترد إليها أعمال النقابة وتصرفاتها جميعًا، ليكون تقويمها حقًّا مقررًا لكل من أعضائها، بقدر اتصال الطعن عليها بمصالحهم الشخصية المباشرة.
بيد أن نص الفقرة الأولى من المادة (56) المشار إليها قد نقض هذا الأصل، حين جعل للطعن في قرار صادر عن الجمعية العمومية لنقابة فرعية، نصابًا عدديًّا، فلا يقبل إلا إذا كان مقدمًا من خُمْس عدد الأعضاء الذين حضروا اجتماع الجمعية العمومية للنقابة العامة أو الفرعية أو اللجنة النقابية، ليحول هذا القيد – وبالنظر إلى مداه – بين من يسعون لاختصامها من أعضائها، وأن يكون لكل منهم دعواه قبلها يقيمها استقلالاً عن غيره، ويكون موضوعها تلك الحقوق التى أخل بها القرار المطعون فيه، والتى لا يقوم العمل النقابى سويًّا دونها، وهى بعد حقوق قد تزدريها نقابتهم أو تغض بصرها عنها، فلا تتدخل لحمايتها ولو كان اتصالها برسالتها وتعلقها بأهدافها، وثيقًا. وقد افترض النص المطعون فيه كذلك، أن أعضاء الجمعية العمومية – الذين جعل من عددهم نصابًا محتومًا للطعن في قراراتها – متحدون فيما بينهم في موقفهم منها، وأنهم جميعًا قدروا مخالفتها للدستور أو القانون، وانعقد عزمهم على اختصامها تجريدًا لها من آثارها وتعطيلاً للعمل بها، لتتخلى نقابتهم عنها. وهو افتراض قلمًا يتحقق عملاً، ولا يتوخى واقعًا غير مجرد تعويق الحق في الطعن عليها من خلال قيود تنافى أصل الحق فيه، ليكون أفدح عبئًا، وأقل احتمالاً.
وحيث إن البيّن كذلك من النص المشار إليه، أن الطعن في قرار صادر عن الجمعية العمومية للنقابة العامة أو الفرعية أو اللجنة النقابية – ولو كان مكتملاً نصابًا – يظل غير مقبول، إذا كان من قدموه غير مصادق على توقيعاتهم من الجهة الإدارية ذات الاختصاص؛ وكان ما توخاه النص المطعون فيه بذلك، أن يكون هذا التصديق إثباتًا لصفاتهم، فلا يكون تقرير الطعن مقدمًا من أشخاص لا يعتبرون أعضاء في النقابة العامة أو الفرعية أو اللجنة الفرعية، ولا من أشخاص يتبعونها، ولكنهم تخلفوا عن حضور جمعيتها العمومية؛ وكان التصديق وإن تم في هذا النطاق، وتعلق بتلك الأغراض، يظل منطويًا على إرهاق المتقاضين بأعباء لا يقتضيها تنظيم حق التقاضى، بل غايتها أن يكون الطعن أكثر عسرًا من الناحيتين الإجرائية والمالية؛ وكان هذا القيد مؤداه كذلك، أن تحل الجهة الإدارية محل محكمة الطعن في مجال تثبتها من الشروط التى لا يقبل الطعن من الخصوم إلا بها – وتندرج صفاتهم تحتها – باعتبار أن تحقيقها وبسطها لرقابتها على توافرها، أو تخلفها، مما يدخل في اختصاصها. ولا يجوز بالتالي أن تتولاه الجهة الإدارية، وإلا كان ذلك منها عدوانًا على الوظيفة القضائية التى اختص المشرع غيرها بها، وانتحالاً لبعض جوانبها، وباطلاً لاقتحام حدودها.
وحيث إنه لما تقدم، فإن النصوص المتقدمة تغدو مصادمة لنصوص المواد (76، 77، 94، 97، 184، 190) من الدستور الحالي، مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (56) المشار إليها برمتها، وكذا عبارة “وتفصل محكمة النقض في الطعن” الواردة بصدر الفقرة الأخيرة من هذه المادة، وسقوط نص الفقرة الثانية، وباقى الأحكام التى تضمنتها الفقرة الأخيرة من المادة ذاتها، لارتباطها بالنصوص المقضي بعدم دستوريتهـــا ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة، بحيث لا يمكن فصلها عنها أو تطبيقها استقلالاً عنها.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأولى، وعبارة “وتفصل محكمة النقض في الطعن” الواردة بصدر الفقرة الأخيرة من المادة (56) من القانون رقم 79 لسنة 1969 في شأن نقابة المهن التعليمية، وسقوط نص الفقرة الثانية وباقى أحكام الفقرة الأخيرة من المادة ذاتها

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .