مقال قانوني حول دور المحامي في القضايا الجنائية

مقال حول: مقال قانوني حول دور المحامي في القضايا الجنائية

دور المحامي في القضايا الجنائية
يعتبر المحامي ركناً من أركان المحاكمة الجنائية قانوناً ؛ فهو كالقاضي والمتهم والمدعي العام ؛ ولذلك نصت الاتفاقيات الدولية على أن من شروط المحاكمات العادلة وجود المحامي ، وبناءً عليه فإنه يمكن التعامل مع وجود المحامي في المحاكمات الجنائية كواقع التزمت به الحكومات بهدف الوصول إلى ضمانات أعلى للعدالة .

وعلى الرغم من ذلك فإن الترافع في القضايا الجنائية جاء له أصل في السنة فقد روى الشيخان و غيرهما عن أنس رضي الله عنه قال : كَسَرت الرُّبَيِّعُ ـ و هي عمة أنس بن مالك ـ ثَنِيَّةَ جاريةٍ من الأنصار، فطلب القومُ القصاص . فأتوا النبي صلى الله عليه و سلم ، فأمر بالقصاص . فقال أنس بن النضر ـ أخو الرُّبَيِّعَ ـ : لا و الله لا تكسر سنها يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (يا أنس ! كتابُ الله ـ أي حكمه و قضاؤه – القصاص ) . فرضي القوم و قبلوا الأرش . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري : ( اُستشكل إنكار أنس بن النضر كسر سن الرُّبَيِّعِ مع سماعه من النبي صلى الله عليه و سلم الأمرَ بالقصاص ، ثم قال : أتكسر سن الرُّبَيِّعِ؟ ثم أقسم أنها لا تكسر . وأجيب :-

بأنه أشار بذلك إلى التأكيد على النبي صلى الله عليه و سلم في طلب الشفاعة إليهم أن يعفوا عنها .

وقيل : كان حلِفُه قبل أن يعلم أن القصاص حتمٌ فظن أنه على التخيير بينه وبين الدية أو العفو.

وقيل : لم يُرِد الإنكار المحض و الرد، بل قاله توقعاً ورجاءً من فضل الله أن يلهم الخصوم الرضا حتى يعفوا أو يقبلوا الأرش … )

والشاهد هنا المرافعة في قضايا القصاص بمحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك أيضا ما جاء في صحيح مسلم من حديث ابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غر عبد أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم فقال حمل بن النابغة الهذلي يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يُطَل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنما هذا من إخوان الكهان ) من أجل سجعه الذي سجع، حيث أنكر على الرجل السجع الذي قيل لإبطال الحق وليس أصل المرافعة عن بقية العاقلة .

قال شيخنا ابن عثيمين – رحمه الله – ” المحاماة مفاعلة من الحماية إن كانت حماية شر ودفاع عنه فلاشك أنها محرمة ؛ لأنه وقوع فيما نهى الله عنه في قوله تعالى : ( وَلاَتَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )، وإن كانت المحاماة لحماية الخير والذود عنه فإنها حماية محمودة مأمور بها في قوله تعالى : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ) ، وعلى هذا فإن من أعدّ نفسه لذلك يجب عليه إذا أراد أن يدخل في القضية المعينة أن ينظر في هذه القضية ويدرسها فإن كان الحق مع طالب المحاماة دخل في المحاماة وانتصر للحق ونصر صاحبه ، وإن كان الحق في غير جانب من طلب المحاماة فإنه يدخل في المحاماة أيضاً ، لكن المحاماة تكون عكس ما يريد الطالب بمعنى أنه يحامي عن هذا الطالب حتى لايدخل فيما حرم الله عليه وفي دعوى ما هو عليه ، وذلك لأن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَـيْهِ وَسَلَّمَ – قـال : (( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً )) قالوا : يا رسول الله هذا المظلوم فكيف ننصره إذا كان ظالماً قال : (( تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه )). فإذا علم أن طالب المحاماة ليس له حق في دعواه فإن الواجب أن ينصحه وأن يحذره وأن يخوفه من الدخول في هذه القضية ، وأن يبين له وجه بطلان دعواه حتى يدعها مقتنعاً بها ” .

وأقول : إن من علم حال الصدر الأول علم أن المرافعة والمناقشة تكون مفتوحة في مجلس الحكم للمحامي وغيره لإبداء الرأي والدفع أو للمطالبة بالعقوبة لكن كان الفصل في النهاية للقاضي ، ومن ذلك قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- : ( دعني أضرب عنقه يا رسول الله فإن الرجل قد نافق ). ولكي تتضح المسألة بشكل أوضح فإن القضايا الجنائية ثلاثة أنواع :

الأول:- الحدود الشرعية وهي الزنا والسرقة والقذف والشرب والحرابة والردة على خلاف بين الفقهاء في عد بعض هذه الأنواع من الحدود .

الثاني:- الجرائم التعزيرية كالمباشرة المحرمة دون الفرج والسرقة من غير حرز والمخدرات ونحوها

الثالث:- الجنايات سواء في النفس أو فيما هو دونها

وكل هذه الأنواع الثلاثة تمر بمراحل هي الاستدلال ثم التحقيق ثم المحاكمة ثم التنفيذ للحكم ، والمحامي له علاقة في موكله في جميع هذه المراحل الثلاث .

ففي مرحلة الاستدلال يكون دور المحامي في تقديم الاستشارة والتي قد تحوي على إفساد أدلة الإدانة أو ابتكار أدلة براءة لمن يحتمل أن تتم إدانته ، ومن أمثلة ذلك : المشورة على العميل بإخفاء الأدلة أو بتزوير أدلة براءة أو المشورة عليه بإنكار التهمة وإخفاء بعض الحقائق أو تلقينه أجوبة على الأسئلة المتوقعة ولا يقال بأن كل ذلك محرم بل الذي يظهر لي أنه يجوز فيما يجوز إنكاره من التهم ولا يجوز متى كان الاعتراف واجبا ، فإذا تعلق الأمر بحق الله تعالى وظهر الندم من العميل الذي يُظن أنه فعل المعصية فإن للمحامي أن يقدم له المشورة المقترنة بتلقينه للنفي وحيث إنه يصح مثل ذلك من القاضي فمن المحامي من باب أولى، وأما إذا كانت التهمة مما لا يجوز إنكاره كالنصب والاحتيال على الناس فإن للعميل تقديم المشورة المتعلقة بإنهاء حقوق الناس وردها إلى أهلها .

وأما في مرحلة التحقيق فإن للمحامي فيها دورين أساسيين هما : الشهادة ، والدفاع ، والغالب عليه الشهادة وهي الشهادة على التحقيق وأنه تم بحضوره وأمامه وأن موكله لم يتعرض إلى ضغط أو أذى أثناء التحقيق ، وهذا الدور لا إشكال فيه في جميع الأحوال ، وأما المدافعة فتكون من خلال الاعتراض على السؤال في غير محله أو إذا اشتمل على صيغة التهديد أو الوعد بالإفراج لتحصيل اعتراف ونحو ذلك ، وكذلك بطلب توجيه السؤال للمتهم أو الشهود أو لأفراد جهة القبض فيما يحقق مصلحة موكله ، أو بطلب حق المتهم في الإفراج بالكفالة أو بغيرها أو بطلب الإحالة للمحاكمة والذي يظهر أن للمحامي القيام بهذا الدور ما لم يتضمن إبطال حق الغير فيما يعتقد المحامي ثبوته لذلك الغير ، فإذا كان المحامي يعلم أن حق المجني عليه القصاص أو الدية فليس له أن يدفع بأن الجناية شبه عمد أو خطأ ليسقط حق المجني عليه في القصاص .

وأما في مرحلة المحاكمة فإن دور المحامي فيها هو أيضاً الشهادة والمرافعة والثاني هو الغالب والأمر في الشهادة واسع وأما المرافعة فإنه بحسب ظن المحامي حيث إن له المرافعة والمدافعة عن المتهم ما لم يعلم أنه مذنب مستحق للعقوبة التي يطالب بها المدعي العام أو الخاص ، فإذا لم يعلم استحقاقه لما يطالب به المدعي العام أو المدعي بالحق الخاص أو علم أنه مستحق لما هو أقل منه جاز له المطالبة برد الدعوى لكونها ظلم إما لأنها غير مستحقة أو لكونها مجاوزة للحد الشرعي ، والظلم يجوز طلب رده بل ربما صار مأمورا به .

وأما في مرحلة تنفيذ الأحكام فإن دور المحامي يقتصر على المطالبة بمنع الجهة التنفيذية من الزيادة على ما حكم به القاضي كماً وكيفاً.

وتغليب جانب الورع في هذه الأمور أبرأ للذمة وأحوط للإنسان، وإنما الكلام في حد الممنوع والمأذون فيه؛ والله تعالى أعلم.

د. سليمان الخميس.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

شارك المقالة

1 تعليق

  1. جزاك الله خير وبارك فيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.