الاحتجاج بالدفاتر التجارية لمصلحة صاحبها في القوانين المقارنة :

أجازت غالبية التشريعات قبول الدفاتر التجارية للإثبات في الدعوى المقامة من التاجر على خصمه التاجر أو على خصمه غير التاجر متى كانت متعلقة بأعماله التجارية، لذا سنبحث في الاحتجاج بالدفاتر التجارية لمصلحة صاحبها في مواجهة الغير في فقرتين كالآتي:

أولاً: الاحتجاج بالدفاتر التجارية لمصلحة صاحبها في مواجهة خصمه التاجر:

أجازت أغلب التشريعات أن تكون البيانات الواردة في الدفاتر التجارية المستوفية للقواعد المقررة قانوناً (المنتظمة) دليلاً لإثبات الدعاوى المقامة بين التجار متى كانت متعلقة بأعمالهم التجارية(1)، وهذا ما يعتبر خروجاً على القاعدة العامة في الإثبات التي تقضي بأنه (لا يجوز للشخص أن يصطنع الدليل لنفسه بنفسه)، لذا فأن التشريعات التي أجازت هذا الاحتجاج قد حددت الشروط اللازمة لذلك وهي كالآتي:

أ- أن تكون الدفاتر التي يحتج التاجر بقيودها منتظمة:

اشترطت التشريعات لاحتجاج التاجر بقيود دفاتره التجارية في مواجهة خصمه التاجر أن تكون منتظمة، والحكمة من ذلك هي أن انتظام الدفاتر التجارية قرينة بسيطة على أن القيود الواردة فيها صحيحة وأن يد التاجر لم تمتد إليها بالافتعال والتلاعب ليصطنع الدليل لنفسه(2)، وتقدير ما إذا كانت دفاتر التاجر منتظمة أم غير منتظمة هي مسألة وقائع تدخل في السلطة التقديرية لقاضي الموضوع ولا رقابة عليه من محكمة التمييز(3)، وغالباً ما يستعين قاضي الموضوع بخبير لتقدير مدى انتظام الدفاتر التجارية باعتباره من الأمور الفنية التي يعود تقديرها لأهل الخبرة(4). أما الدفاتر التجارية غير المنتظمة فقد اختلف الفقه في مدى الاحتجاج بها لمصلحة صاحبها في مواجهة خصمه التاجر، بالرغم من أن قسم من التشريعات قضى بعدم جواز الاحتجاج بها أمام القضاء(5)، فذهب البعض بأن للقاضي أن يعتبر الدفاتر غير المنتظمة دليلاً كاملاً في الإثبات لمصلحة صاحبها، وذلك تطبيقاً لمبدأ حرية الإثبات في المواد التجارية والذي يمنح القاضي الحرية في تكوين قناعته وفي استنباط الدليل من الوقائع المعروضة عليه دون الخضوع لقواعد معينة(6)، في حين ذهب البعض الأخر إلى أن للقاضي أن يعتبر الدفاتر غير المنتظمة دليلاً غير كامل في الإثبات لمصلحة صاحبها يمكن أن تكمله عناصر الإثبات الأخرى في الدعوى(7)، والرأي الأخير هو الأكثر قبولاً لأن المساواة بين الدفاتر المنتظمة والدفاتر غير المنتظمة في القيمة القانونية في الإثبات يؤدي إلى استفادة التاجر من إهماله وتقصيره في تنظيم دفاتره التجارية.

ب- أن يكون النزاع متعلقاً بعمل تجاري:

اشترطت التشريعات التي أجازت الاحتجاج بالدفاتر التجارية لصاحبها في مواجهة خصمه التاجر أن يكون النزاع متعلقاً بعمل تجاري، والحكمة من ذلك هي أن التاجر يلتزم بقيد العمليات التجارية التي يباشرها في دفاتره التجارية وعن طريق المقارنة بين دفاتر طرفي النزاع يمكن الوصول إلى حسمه(8)، ولا يكفي أن يكون النزاع تجارياً بالنسبة للطرف الذي يحتج بالدفاتر وإنما يجب أن يكون تجارياً بالنسبة لطرفي النزاع، فإذا كان النزاع متعلقاً بعمل مدني بالنسبة للمدعى عليه فلا يمكن للمدعي أن يحتج بالدفاتر التجارية في مواجهة خصمه، كما لو أشترى تاجر من آخر سلعاً لاستعماله الشخصي لا لغرض الاتجار بها فلا يجوز للأخيران يتمسك في مواجهة الأول بدفاتره التجارية، لأن النفقات الشخصية والعائلية تقيد إجمالاً ودون ذكر التفاصيل في الدفاتر التجارية مما يتعذر معه إجراء المقارنة بين دفاتر طرفي النزاع(9)، فالسماح للتاجر أن يحتج بدفاتره التجارية في مواجهة خصمه التاجر لإثبات تصرف مدني يعني جواز الإثبات بالقرائن في المواد المدنية ومهما كانت قيمة التصرف، وهذا ما يعد خروجاً على القواعد العامة في الإثبات لأن العبرة في تطبيق قواعد الإثبات المدني بطبيعة التصرف لا بصفة الخصوم(10) وبالرغم من أن التشريعات أجازت للتاجر الاحتجاج بدفاتره التجارية متى تعلق النزاع بعمل تجاري إلا أنه لا يجوز للتاجر أن يستند إلى الدفاتر التجارية لإثبات تصرفات يلزم لإثباتها الرسمية كعقد الشركة لأنه يجب إتباع الطريق الذي حدده التشريع لإثباتها(11).

ج- أن يكون النزاع بين تاجرين:

اشترطت التشريعات لاحتجاج التاجر بدفاتره التجارية في إثبات المعاملات التجارية أن يكون خصمه تاجراً، والحكمة من ذلك هي أن التجار يلتزمون بمسك الدفاتر التجارية لقيد معاملاتهم التجارية فيها مما يتيسر معه مضاهاة دفاتر الطرفين للوصول إلى الحقيقة(12)،فإذا تطابقت هذه الدفاتر فلا صعوبة في الأمر، أما إذا اختلفت دفاتر طرفي النزاع فللقاضي الذي ينظر النزاع أن يهمل هذه الدفاتر ويطلب تقديم أدلة أخرى في الدعوى إلا أنه في الغالب يرجح بين دفاتر الطرفين، فله أن يأخذ بالبيانات الواردة في الدفاتر المنتظمة إذا كانت دفاتر الطرف الآخر غير منتظمة أو كان لا يمسك دفاتر بالرغم من أنه ملزم بذلك، أو أن يرجح دفاتر الطرف الذي يكون محل ثقة كبيرة كالشركات الكبرى(13)، وللقاضي أن يرجح البيانات الواردة في الدفاتر غير منتظمة على الدفاتر المنتظمة متى أطمئن إلى صحتها وذلك تطبيقاً لمبدأ حرية الاثبات في المواد التجارية(14). أن التاجر لا يمكنه الاحتجاج في مواجهة خصمه غير التاجر بالبيانات الواردة في دفاتره التجارية، فلا يجوز لصاحب العمل (التاجر) أن يحتج بدفاتره التجارية في مواجهة العامل عند حصول نزاع(15)،كما أن التاجر لا يستطيع الاحتجاج بدفاتره التجارية في مواجهة التاجر الذي لا يلزمه القانون بمسك الدفاتر التجارية أو التاجر الذي أتلف دفاتره التجارية بسبب انتهاء المدة اللازمة للاحتفاظ بها إذ يصبح من المتعذر مقارنة دفاتر طرفي النزاع(16). أن التاجر يمكن أن يحتج بدفاتره التجارية في مواجهة شركات القطاع العام، لأن هذه الشركات تكتسب صفة التاجر بالقدر الذي لا يتعارض مع طبيعة الخدمات التي تؤديها(17)، فشركات القطاع العام حرة في ادارة أعمالها التجارية على وفق المبادئ التي تفضلها على غيرها، حيث تملك من الوسائل ما يمكنها من مواجهة وسائل التاجر الاعتيادي المتمثلة بالدفاتر التجارية ان لم تفقها قوة وتنظيماً من جميع الوجوه(18). أن توافر الشروط الثلاثة المتقدمة لا يجعل للدفاتر التجارية حجية مطلقة بل أن حجيتها تخضع للسلطة التقديرية للقاضي فله اعتبارها دليلاً كاملاً في الإثبات أو إهدارها إذا وجدت أسباب جدية لذلك، لأن اعتماد البينة المستمدة من الدفاتر التجارية هو حق اختياري يعود للقاضي الذي ينظر النزاع(19)، كما يجوز لخصم التاجر أن ينقض البينة المستمدة من دفاتر التاجر بطرق الإثبات كافة(20).

ثانياً: الاحتجاج بالدفاتر التجارية لمصلحة صاحبها في مواجهة خصمه غير التاجر:

أجازت غالبية التشريعات أن تكون البيانات الواردة في الدفاتر التجارية دليلاً لإثبات الدعوى المقامة من التاجر على خصمه غير التاجر إذا تعلقت بأشياء وردها التاجر إلى شخص غير تاجر بشرط توجيه اليمين المتممة(21)، فالتاجر يستطيع أن يحتج بدفاتره التجارية في مواجهة خصمه غير التاجر بالرغم من أن الأخير لا يلتزم بمسك الدفاتر التجارية مما يتعذر معه مقارنة دفاتر طرفي النزاع، وقد وضعت التشريعات الشروط اللازمة لذلك وهي كالآتي:

أ- أن يتعلق النزاع بأشياء وردها التاجر إلى خصمه غير التاجر:

اشترطت التشريعات للاحتجاج بالدفاتر التجارية لصاحبها في مواجهة غير التاجر أن يتعلق النزاع بأشياء وردها التاجر كالأغذية والملابس والأثاث المنزلية، والحكمة من ذلك هي مراعاة مصلحة التجار الذين أعتادوا على توريد السلع للعملاء مع استيفاء ثمنها على فترات دورية كأول الشهر ودون الإهتمام بالحصول على دليل كتابي لإثبات هذه التوريدات بل يكتفي التجار بما يقيدونه في دفاترهم التجارية(22)، أما إذا تعلق النزاع بعقد آخر غير التوريد كالقرض أو الوكالة أو الكفالة، فلا يستطيع أن يحتج التاجر بدفاتره التجارية في مواجهة خصمه غير التاجر(23)، ويتعين على الأخير أن يتمسك بأنه غير تاجر أمام محكمة الموضوع ولا يجوز ذلك لأول مرة أمام محكمة التمييز(24). اما بالنسبة لقيمة التوريدات فقد اختلفت التشريعات في تحديدها، فقيد قسم منها حق التاجر بالاحتجاج بدفاتره التجارية في مواجهة خصمه غير التاجر بأن تكون قيمة الأشياء التي وردها في حدود ما يجوز إثباته بالبينة الشخصية(25)، في حين أن القسم الآخر من التشريعات أجاز الاحتجاج بغض النظر عن قيمة التوريدات(26).

ب- أن توجه المحكمة اليمين المتممة لاستكمال الدليل الناقص المستمد من الدفاتر التجارية:

اشترطت التشريعات لاحتجاج التاجر بدفاتره في مواجهة خصمه غير التاجر أن توجه المحكمة اليمين المتممة لتستكمل الدليل الناقص المستمد من قيودها وتوجه اليمين المتممة إلى التاجر صاحب الدفاتر ليقسم على صحة ما جاء في دفاتره التجارية من مدرجات، ويجوز أن توجه اليمين المتممة إلى الطرف الذي يحتج بالدفاتر التجارية في مواجهته(27). لقد ذهب البعض إلى إن البيانات الواردة في الدفاتر التجارية تعتبر دليلاً كاملاً في الإثبات أو دليلاً ناقصاً يمكن أن تكمله عناصر الإثبات الأخرى في الدعوى كالشهادة والقرائن(28)، في حين أن الرأي الراجح في الفقه ذهب إلى أن البيانات الواردة في الدفاتر التجارية تعتبر أدلة ناقصة تستكمل بتوجيه اليمين المتممة ولا يجوز أن تستكمل بالشهادة أو القرائن(29)، ولا يشترط أن تكون الدفاتر التجارية التي يحتج بها التاجر على خصمه غير التاجر منتظمة(30)، ولكن البعض ذهب إلى أن الدفاتر التجارية التي يحتج بها التاجر يجب أن تكون منتظمة قياساً على الاحتجاج بالدفاتر التجارية في مواجهة التاجر(31).

______________

1- كالمادة (12) من قانون التجارة الفرنسي، والمادة (13) من القانون التجاري الجزائري، والمادة(14) من القانون التجاري المغربي، والمادة (11) من القانون التجاري التونسي، والمادة (20) من قانون التجارة اللبناني، والمادة (15/2) من قانون البينات السوري، والمادة (16/2) من قانون البينات الأردني، والمادة (105/2) من قانون التجارة العراقي رقم (149) لسنة 1970 الملغي.

2- د. أحمد زيادات – د. إبراهيم العموش، الوجيز في التشريعات التجارية الأردنية، الطبعة الأولى، دار وائل للنشر، عمان، 1996، ص64.

3- د. السيد محمد اليماني، القانون التجاري، الجزء الأول، مطبعة عابدين، القاهرة، 1984، ص165.

4- قرار محكمة التمييز السورية المرقم (299) الصادر بتاريخ 1950، أنس كيلاني، المرجع السابق،ص265.

5- كالمادة(13) من قانون التجارة الفرنسي، و المادة(14) من القانون التجاري الجزائري، و المادة(15) من القانون التجاري المغربي، و المادة(11) من القانون التجاري التونسي.

6- د. علي حسن يونس، القانون التجاري، دار الفكر العربي، القاهرة، 1970، ص248.

7- د. إلياس ناصيف، الكامل في قانون التجارة ، الجزء الأول، المؤسسة التجارية، الطبعة الثانية، منشورات عويدات، بيروت- باريس، 1985، ص66، وكذلك د. سميحة القليوبي، الموجز في القانون التجاري، مكتبة القاهرة الحديثة، القاهرة، 1978، ص157.

8- د. ثروت علي عبد الرحيم، الوجيز في القانون التجاري، دار النهضة العربية، القاهرة، 1988، ص125.

9- د. السيد محمد اليماني، القانون التجاري، الجزء الأول، مطبعة عابدين، القاهرة، 1984، 165.

10- حسين المؤمن، نظرية الإثبات، الجزء الثالث،المحررات او الأدلة الكتابية، مكتبة النهضة، بيروت – بغداد، 1975،488.

11- د. أحمد محمد محرز، القانون التجاري، الجزء الأول، مطبعة حسان، القاهرة، 1986-1987، ص165.

12- د. محمد حسين إسماعيل، القانون التجاري الأردني، الطبعة الأولى، دار عمار للنشر والتوزيع، عمان، 1985، ص152.

13- د. طالب حسن موسى، مبادئ القانون التجاري، الطبعة الأولى، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1974، ص152.

14- د. علي البارودي – د. محمد فريد العريني، القانون التجاري، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1987، ص234.

15- قرار محكمة التمييز السورية المرقم (311) الصادر بتأريخ 26/12/1953، أنس كيلاني، قانون البينات، مؤسسة العلاقات الاقتصادية والقانونية، دمشق، 1976ص270.

16- د. محمد حسني عباس، الوجيز في النظرية العامة للقانون التجاري، المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر، الإسكندرية، 1969، ص138.

17- المادة (10) من قانون التجارة رقم (30) لسنة 1984.

18- د. طالب حسن موسى، مبادئ القانون التجاري، الطبعة الأولى، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1974، ص151.

19- قرار محكمة التمييز اللبنانية المرقم (77) الصادر بتأريخ 18/5/ 1967، سمير سامي الحلبي، موسوعة البينات في المواد المدنية والتجارية، الطبعة الأولى، مطابع لبنان الحديثة، بيروت، 1979ص483.

20- قرار محكمة النقض المصرية المرقم (52) الصادر بتأريخ 5/1/ 1956، عز الدين الدناصوري – حامد عبد الحميد عكاز، التعليق على قانون الإثبات، عالم الكتب، القاهرة، 1977، ص40.

21- كالمادة (1329) من القانون المدني الفرنسي، والمادة(330/1)من القانون المدني الجزائري، والمادة (169) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني، والمادة (14) من قانون البينات السوري، والمادة (15) من قانون البينات الأردني،والمادة 17 من قانون الإثبات المصري، والمادة (458/1) من القانون المدني العراقي الملغاة.

22- د. ثروت علي عبد الرحيم، الوجيز في القانون التجاري، دار النهضة العربية، القاهرة، 1988، ص126.

23- د. نوري طالباني، القانون التجاري، الجزء الأول، الطبعة الثانية، مطبعة أوفسيت الحديثي، بغداد، 1979، ص259.

24- قرار محكمة النقض المصرية المرقم (119) الصادر بتأريخ 15/1/ 1970، عز الدين الدناصوري- حامد عبد الحميد عكاز، المرجع السابق، ص41.

25- كالمادة (17) من قانون الإثبات المصري، والمادة (169) من قانون أصول المحاكمات اللبناني، والمادة (330/1) من القانون المدني الجزائري، والمادة (458/1) من القانون المدني العراقي الملغاة.

26- كالمادة (1329) من القانون المدني الفرنسي، والمادة (14) من قانون البينات السوري، والمادة
(15 )من قانون البينات الأردني.

27- د. أحمد نشأت ، رسالة الإثبات، الجزء الأول، دار الفكر العربي، القاهرة، 1972، ص511.

28- د. أدور عيد، الأعمال التجارية والتجار والمؤسسة التجارية، مطبعة باخوس وشرتوني، بيروت، 1971 ص204.

29- د. سميحة القليوبي، الموجز في القانون التجداري، مكتبة القاهرة الحديثة، القاهرة، 1978، ص155،وكذلك د. سمير عالية، الوجيز في القانون التجاري، الطبعة الأولى، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1987، ص171.

30- د. أنور سلطان، قواعد الإثبات في المواد المدنية والتجارية، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت 1984 ،ص78.

31- د.أحمد زيادات – د. إبراهيم العموش، المرجع السابق، ص64.

الاحتجاج بالدفاتر التجارية لمصلحة صاحبها في القانون العراقي :

تنص الفقرة (1) من المادة (28) من قانون الإثبات العراقي رقم (107) لسنة 1979 على أنه ((لا تكون القيود الواردة في الدفاتر التي يوجب القانون مسكها سواء أكانت منتظمة أم غير منتظمة حجة لصاحبها))، كما تنص الفقرة (1) من المادة (29) من القانون ذاته على أنه (( لا تكون القيود الواردة في الدفاتر غير الإلزامية……..حجة لصاحبها)). يتبين من هذه النصوص أن الدفاتر التجارية الإلزامية المنتظمة وغير المنتظمة والدفاتر التجارية غير الإلزامية لا يمكن الاحتجاج بها لمصلحة صاحبها في مواجهة خصمه بغض النظر عن كون الأخير تاجراً أو غير تاجر، لأن الدفاتر التجارية ما هي إلا محررات نظمها التاجر وهي غير موقعة من قبل خصمه لذا لا يمكن للتاجر أن يحتج بها في مواجهة خصمه(1)، ويتفق هذا الحكم مع القاعدة العامة في الإثبات التي تقضي بأنه (لا يجوز للشخص أن يصطنع الدليل لنفسه بنفسه) ومع أحكام الفقه الإسلامي(2)، ولكنه يختلف عن المبادئ التي كانت مقررة في المادة (105/2) من قانون التجارة العراقي رقم (149) لسنة 1970 الملغي والتي نصت على أن ((تكون البيانات الواردة بالدفاتر المنظمة وفقاً لأحكام القانون حجة لصاحب هذه الدفاتر على خصمه التاجر ……))(3)، وكذلك يختلف هذا الحكم عن حكم المادة (458/1) الملغاة من القانون المدني العراقي والتي كانت تجيز للتاجر استثناءاً التمسك بدفاتره ضد غير التاجر على أن توجه المحكمة اليمين المتممة له وذلك فيما يجوز إثباته بالشهادة. ولكن هل يجوز أن تكون الدفاتر التجارية بداية دليل إثبات لمصلحة صاحبها استناداً إلى المادة (77/1) من قانون الإثبات العراقي التي تنص على أنه ((يجوز إثبات وجود التصرف القانوني أوانقضائه بالشهادة إذا كانت قيمته لا تزيد على(5000) خمسة آلاف دينار))؟ اختلف الفقه في ذلك، فذهب البعض إلى أنه لا يجوز أن تكون الدفاتر التجارية بداية دليل إثبات لمصلحة صاحبها، لأن الفقرة (1) من المادتين (28، 29) من قانون الإثبات العراقي تمنع صراحة إمكانية الاحتجاج بالدفاتر التجارية لصالح صاحبها ضد خصمه، وهذا المنع لا يحتاج إلى تأويل أو تخفيف أو استثناء فهو منع بات، والقول بغير ذلك يتعارض مع القاعدة العامة في الإثبات التي تقضي بأنه لا يجوز للشخص أن يصطنع الدليل لنفسه بنفسه(4)، في حين ذهب البعض الآخر إلى أنه لا مانع من أن تكون الدفاتر التجارية بداية دليل لصالح صاحبها يستكمل باليمين المتممة وبشرط تعلق النزاع بنشاطه التجاري وذلك في كل الحالات التي يجوز فيها الإثبات بالوسائل كافة(5).

والرأي الأخير هو الأكثر قبولاً في ظل نصوص قانون الإثبات العراقي، فالدفاتر التجارية تصلح بداية دليل إثبات لمصلحة صاحبها يستكمل بتوجيه اليمين المتممة وذلك فيما يجوز إثباته بالشهادة، وأساس ذلك هو الفقرة (1) من المادة (102) من قانون الإثبات العراقي التي تنص على أن ((للقاضي أن يستنبط كل قرينة لم يقررها القانون وذلك في نطاق ما يجوز إثباته بالشهادة))،ولا نعتقد وجود أي تعارض مع الفقرة (1) من المادتين (28، 29) من قانون الإثبات العراقي والتي تقضي بأنه لا يجوز أن تكون الدفاتر التجارية حجة لصاحبها لأننا نعتقد بأن المشرع العراقي قصد بذلك أن الدفاتر التجارية لا يمكن أن تكون دليلاً كاملاً في الإثبات لمصلحة صاحبها، وليس هناك ما يمنع المحكمة التي تنظر الدعوى من استنباط قرائن من قيود الدفاتر التجارية لمصلحة صاحبها تستكمل بتوجيه اليمين المتممة، لذا يمكن إعتبار الدفاتر التجارية دليلاً ولو كان ناقصاً لصاحبها في مواجهة خصمه وذلك فيما يجوز إثباته بالبينة الشخصية. كما إن التاجر يستطيع أن يحتج بدفاتره التجارية في مواجهة خصمه ولو تجاوزت قيمة النزاع ما يجوز إثباته بالشهادة إذا وجد اتفاق بينهما على الإثبات بالدفاتر التجارية، وهذا الاتفاق قد يكون صريحاً كما لو أبرم تاجر الجملة مع عميله تاجر المفرد اتفاقاً مكتوباً ينص على الاستناد إلى دفاتر تاجر الجملة في الإثبات عند حصول النزاع، وقد يكون الاتفاق ضمنياً فلو قدم التاجر دفاتره التجارية إلى المحكمة للإثبات بها في مواجهة خصمه ولم يعترض الأخير على ذلك أمام محكمة الموضوع فإن سكوته يعتبر قبولاً ضمنياً بالإثبات بالدفاتر التجارية في مواجهته، ولا يجوز له أن يدفع لأول مرة أمام محكمة التمييز بعدم جواز الاحتجاج بالدفاتر التجارية في مواجهته(6)، لأن قواعد الإثبات الواردة في قانون الإثبات العراقي لا تعتبر حسب الرأي الراجح في الفقه(7) من النظام العام ويجوز الاتفاق على الإثبات بطريقة أخرى غير الطريقة التي حددها المشرع، وأساس ذلك هو الفقرة (2) من المادة (77) من قانون الإثبات العراقي، أما إجراءات الإثبات فإنها تعد من النظام العام ولا يجوز الاتفاق على خلافها(8).

__________________

1- محمد علي الصوري، التعليق المقارن على مواد قانون الإثبات، الجزء الأول، مطبعة شفيق، بغداد، 1983، ص301.

2- وفي ذلك يقول ابن عابدين في كتابة رد المحتار على الدار المختار )) ان ما يوجد في دفاتر التجار في زماننا إذا مات أحدهم وقد حرر بخطة في دفتره الذي يقرب من اليقين أنه لا يكتب فيه على سبيل التجربة والهزل يعمل به والعرف جار بينهم بذلك، فلو لم يعمل به لزم ضياع أموال الناس إذ غالب بياعاتهم بلا شهود… أما فيما له على الناس فلا ينبغي القول به، فلو ادعى بمال على آخر مستنداً لدفتر نفسه لا يقبل لقوة التهمة.))، د. محمد حسن الجبر، القانون التجاري السعودي، الطبعة الرابعة ، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، 1996، ص126-127.

3- تقابلها المادة (58) من قانون التجارة العراقي رقم (60) لسنة 1943 الملغي.

4- د. باسم محمد صالح، القانون التجاري، القسم الأول، الطبعة الثانية، مطبعة جامعة بغداد، بغداد، 1992.ص164، وكذلك د. عباس العبودي، شرح أحكام قانون الإثبات المدني، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1999، ص171 .

5- د. طالب حسن موسى، الإثبات التجاري وقانون الإثبات العراقي، مذكرات مسحوبة بالرونيو، طبع مكتبة زيدون، 1979، ص10، نقلاً عن د. عباس زبون العبودي، السندات العادية ودورها في الإثبات المدني، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2001، ص179 .

6- قرار محكمة النقض المصرية المرقم (124) الصادر بتاريخ 10/2/1952، أنس كيلاني، قانون البينات، مؤسسة العلاقات الاقتصادية والقانونية، دمشق، 1976، ص133-134 .

7- د. سعدون العامري، طاولة مستديرة حول قانون الإثبات، مجلة العدالة، العدد الثاني، السنة السادسة، 1980، ص363 .

8- د. أحمد أبو الوفا، الإثبات في المواد المدنية والتجارية، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، 1983، ص34-35 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .