أن الشريعة الإسلامية عرفت ما يسمى بالذمي والمستأمن والقاعدة ألان ان المعتبر هو جنسية الشخص بغض النظر عن الديانة التي يدين بها فالعراقي من حيث الأصل محكوم بالقوانين التي يقوم المشرع العراقي بسنها وقانون الأحوال الشخصية نص في الفقرة الأولى من المادة الثانية على انه (تسري أحكام هذا القانون على العراقيين إلا من استُثنِي منهم بقانون خاص) فالمشرع أتى بالجملة الخبرية التي تفيد الطلب فأوجب سريان أحكام القانون على العراقيين إلا من استثني منهم بقانون خاص وهنا مسائل لا بد من مناقشتها:

الأولى: أن هذا القانون قانون عام.

الثانية: أن هذا العموم في هذا القانون عموم مخصوص.

الأمر الذي يدعونا إلى إشارة إلى العموم والتخصيص بصفة عامة والى تطبيقهما في هذا القانون.أما العام فهو اللفظ الموضوع لمعنى مفرد يشمل جميع ما يندرج تحته من الأفراد دفعة واحدة، ومقتضاه أن الحكم الوارد فيه ينطبق على جميع ما من شانه أن يندرج تحته من الأفراد دفعة واحدة. أما التخصيص فهو إخراج بعض أفراد النص العام من كونها مشمولة بالحكم الوارد فيه بدليل متصل بالنص أو منفصل عنه. ومعلوم أن للعموم صيغ عديدة من أبرزها الجمع المحلى بال التي تفيد الاستغراق وهي الصيغة التي استعملها المشرع لإفادة عموم سريان أحكام قانون الأحوال الشخصية على العراقيين جميعا فنص في الفقرة الأولى من المادة الثانية على سريان أحكام هذا القانون على العراقيين ولفظ العراقيين شامل لكل من يحمل الجنسية العراقية بغض النظر عن ديانة هذا الشخص سواء كان مسلما أو غير مسلم ولما كانت مسائل الأحوال الشخصية من المسائل المتصلة بعقيدة الإنسان وأن المجتمع العراقي مجتمع تختلف فيه المذاهب العقائدية وجب أن يخصص هذا النص بإخراج بعض العراقيين من حكم القانون وهم من أشار إليهم بقوله (من استثني منهم بقانون خاص). وهنا استعمل المشرع الاستثناء باعتباره احد المخصصات المتصلة للنص فقال (إلا من استثني منهم بقانون خاص). ولما كانت المخصصات منها المتصل ومنها المنفصل وما الاستثناء إلا نوع من أنواع المتصل فلا بد من الإشارة إلى أن المعنى لا يستقيم إلا إذا قلنا بان المشرع أطلق كلمة (استُثنِي) وأراد أُخرِج أي خُصِصَ من باب إطلاق الخاص وإرادة العام. وهنا يرد سؤال من هم العراقيون الذين استثناهم المشرع بقانون خاص؟.الحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال نجدها في قانون تنظيم المحاكم الدينية للطوائف المسيحية والموسوية رقم 32 لسنة 1947 فقد نصت المادة الأولى والثانية على من هذا القانون على ما ياتي:

المادة الأولى: (تنظم المحاكم الدينية للطوائف المسيحية والموسوية المنصوص عليها في المادة 2 وفقا للأحكام الواردة في هذا القانون).

المادة الثانية: (تنشا حسب الحاجة محكمة طائفية من الطوائف الآتية:

أولا: الكاثوليك على اختلاف فرقهم.

ثانيا: الأرمن الارثذوكس.

ثالثا : اليعاقبة الارثذوكس.

رابعا : الإسرائيليين)(1).

وعلى هذا فان العراقيين الذين استثناهم المشرع من سريان أحكام قانون الأحوال الشخصية هم الطوائف الأربع السابقة الذكر أو من يستثنى بقانون خاص ومما تنبغي الإشارة إليه أن المشرع عندما استثنى هذه الطوائف من نطاق سريان أحكام القانون خص هذا الاستثناء ببعض المسائل فلا يشمل الاستثناء جميع أحكام القانون، فقد حدد القانون أي قانون تنظيم المحاكم الدينية للطوائف المسيحية والموسوية اختصاص المحاكم الطائفية ببعض المسائل وذلك في المادة الثانية عشرة منه والتي نصت على انه (تنظر المحاكم والمجالس الطائفية في الدعاوى الآتي ذكرها الخاصة بالعراقيين المنتمين إلى الطائفة التي تخصص لها المحكمة النكاح، والصداق، والتفريق، والنفقة الزوجية خلا الأمور الداخلة ضمن اختصاص المحاكم المدنية) أما غير هذه المسائل كالميراث مثلا فتبقى محكومة بالأحكام التي تضمنها قانون الأحوال الشخصية. وهنا يرد سؤال له أهميته في إطار بحثنا مفاده هل أن لهذا الاستثناء أي استثناء هذه الطوائف من أحكام القانون من اصل شرعي؟ إن الإجابة على هذا السؤال تقتضينا الإشارة إلى أقوال فقهاء الشريعة في هذه المسائل وسنكتفي بعرض بعض من أراءهم في مسالة من أهم المسائل وأخطرها إلا وهي مسالة النكاح(2) لكننا وقبل هذا نرى الإشارة إلى مسالة لها أهميتها وهي تخصيص النص العام بالنص الخاص المتقدم ، فمن الواضح أن المشرع أتى بالمبني للمجهول من باب الفعل الماضي بضم الأول وكسر ما قبل الأخر ولم يقل يُستثنَى بضم الأول وفتح الأخر ليشمل الاستثناء المقارن أو المتأخر عليه رافعا ما قد يتوهمه البعض من أن قانون الأحوال الشخصية باعتباره قانونا عاما متأخرا يعتبر ناسخا لكل ما سبق من قوانين نظمت بعض الأحوال لبعض الطوائف وان كانت خاصة، وما هذا إلا تأكيد لما ذهب إليه بعض الأصوليين(3) من تخصيص النصِ العامِ المتأخرِ بالخاصِ المتقدمِ جاء في شرح المحلي على جمع الجوامع (إن تأخرَ الخاصُ عن العمل) بالعام المعارض له أي عن وقته (نسخَ) الخاصُ (العامَ) بالنسبة لما تعارضا فيه (والا) بان تأخر الخاصُ عن الخطاب بالعام دون العمل أو تأخر العامُ عن الخاص مطلقا أو تقارنا بان عقب احدهما الأخر أو جهل تاريخهما (خصصَ) الخاصُ العامَ.)(4) وعلى هذا فان قانون الأحوال الشخصية العراقي لا يعتبر ناسخا (ملغيا) لما سبقه من قوانين خاصة كما لا يحتج بنص المادة السادسة والثمانين من قانون الأحوال الشخصية العراقي والتي تنص على انه (تلغى جميع النصوص التشريعية التي تتعارض وأحكام هذا القانون) فقواعد قانون الأحوال الشخصية الجديد قد وضعت أحكاما عامة في مسائل الأحوال الشخصية لجميع العراقيين ولكن قواعد العادات والتعاليم الطائفية التي أحالت إليها نصوص بيان المحاكم وقانون تنظيم المحاكم الطائفية وضعت أحكاما خاصة في مسائل الأحوال الشخصية لمنتسبي تلك الطوائف فقط مراعاة لما درجوا عليه من عادات وما اطمئنوا إليه من تعاليم شرائعهم وحيث أن النصوص الجديدة التي تضع أحكاما عامة لا تلغي نصوصا قديمة تضع أحكاما خاصة إذ العام لا يلغي الخاص بل يسري معه … فلا تكون هذه القواعد (الخاصة) ملغاة…. ينبني على ذلك أن المحاكم المدنية (محاكم المواد الشخصية) عندما يثور أمامها نزاع بشان أية مسالة من مسائل الأحوال الشخصية الخاصة بالطوائف غير المسلمة فان عليها أن تعمل بموجب بيان المحاكم لسنة 1917 فتحيل هذا النزاع إلى احد العلماء الروحانيين للطائفة التي ينتسب إليها المتنازعون لأخذ رأيه فيه وفقا لتعاليم وعادات الطائفة وبعد ذلك تعمل المحكمة بمقتضى هذا الرأي إذ يكون هذا الرأي ملزما لها في الحكم حتى وان خالف ذلك ما قضت به قواعد قانون الأحوال الشخصية….)(5).والآن نستعرض أراء الفقهاء فيما يتعلق بنكاح الذميين كنموذج للإجابة على سؤالنا السابق وهو هل لهذا الاستثناء من اصل شرعي ؟ فنقول اختلفت أراء الفقهاء فيما يتعلق بنكاح الذميين على التفصيل الآتي:

أولاً: الأحناف:

وضع الأحناف قاعدة عامة تفيد أن كل نكاح جائز بين المسلمين فهو جائز عند أهل الذمة قال السرخسي رحمه الله (كل نكاح يجوز فيما بين المسلمين فهو جائز فيما بين أهل الذمة لأنهم يعتقدون جوازه ونحن نعتقد ذلك في حقهم أيضا فإن النبي قال بعثت إلي الأحمر والأسود(6) وخطاب الواحد خطاب الجماعة فما توافقنا في اعتقاده يكون ثابتا في حقهم)(7). أما إذا تخلف وصف الجواز عند المسلمين بان كان في النكاح ما يوجب وصفه بعدم الجواز بان يكون النكاح بغير شهود أو أن يتزوج الذمي ذمية في عدة ذمي أو أن يتزوج ذات رحم محرم منه أو أن يتزوجها على خنزير أو خمر فإذا اسلما أو اسلم احدهما فقد اتفقوا على أن حكم الإسلام هو الذي ينفذ في حقهم لان الإسلام يعلوا ولا يعلى عليه(8) فإذا لم يسلما أو يسلم احدهما فلهم فيه تفصيل واختلاف على التفصيل الآتي:

أما الإمام أبو حنيفة فقد ذهب إلى جواز كل ذلك وان رفع احدهما أمره إلى القاضي مطالبا بحكم الإسلام معللا ذلك بان هذه المطالبة لا تكون حجة على الأخر في إبطال الاستحقاق الثابت له باعتقاده لان اعتقاده يكون معارضا لاعتقاد الآخر فبقى حكم الصحة على ما كان بخلاف ما إذا رفعا لأنهما انقادا لحكم الإسلام فيثبت حكم الخطاب في حقهما بانقيادهما له وإليه أشار الله تعالى في قوله فإن جاؤك فاحكم بينهم (9) فتكون مرافعتهما كإسلامهم(10).ولو تتبعنا أراء الإمام في هذه المسالة لوجدنا أن القول بجواز (صحة) كل ذلك معلل بكونهم غير مخاطبين بحقوق الشرع وبجوازه عندهم وعدم اعتقادهم خلافه وهذا يعني أنهم إن اعتقدوا عدم الجواز لم يجز(11). أما الأصحاب فمنهم من وافق الإمام في بعض من هذه المسائل ومنهم من خالفه في بعض منها. فقد ذهب الإمام زفر رحمه الله تعالى فيما يتعلق بالزواج من غير شهود إلى انه (لا يتعرض لهم في ذلك إلا أن يسلموا أو يترافعوا إلينا فحينئذ يفرق القاضي بينهم لقوله تعالى وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم(12) ولأنهم بعقد الذمة صاروا منا دارا والتزموا أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات فيثبت في حقهم ما هو ثابت في حقنا(13). وذهب كل من الإمامين أبي يوسف ومحمد فيما يتعلق بالزواج في عدة ذمي إلى التفريق بينهما (لأن النكاح في العدة مجمع على بطلانه فيما بين المسلمين فكان باطلا في حقهم أيضا ولكن لا نتعرض لهم لمكان عقد الذمة فإذا ترافعوا أو أسلموا وجب الحكم فيها بما هو حكم الإسلام)(14). أما فيما يتعلق بنكاح رحم محرم فقد (قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى هو باطل في حقهم ولكنا لا نتعرض لهم في ذلك لمكان عقد الذمة وهذا لأن الخطاب بحرمة هذه الأنكحة شائع في دار الإسلام وهم من أهل دار الإسلام فيكون الخطاب ثابتا في حقهم لأنه ليس في وسع المبلغ التبليغ إلى كل واحد وإنما في وسعه جعل الخطاب شائعا فيجعل شيوع الخطاب بمنزلة البلوغ إليهم ولكن لا نتعرض لهم لمكان عقد الذمة)(15). أما فيما يتعلق بالمهر فقد خالف الأصحابُ الإمامَ أبي حنيفة فيما إذا تزوجها على ميتة أو دم شيء فقد ذهبوا إلى أن النكاح جائز ولها مهر مثلها لأنهم لا يتمولون الميتة والدم كما لا يتمولهما المسلمون ولو كان المسلم هو الذي تزوج امرأة بهذه الصفة كان لها مهر مثلها فكذلك الذمي(16).

ثانياً: المالكية:

لم يصرح المالكية بجواز (صحة) انكحة أهل الكتاب ولكن هذا يفهم من كلامهم وصرحوا بأنه لا يعرض لهم بها فقد جاء في المدونة الكبرى نقلا عن الإمام مالك أن (كل نكاح يكون في الشرك جائزا فيما بينهم فهو جائز إذا أسلموا عليه وكان قد دخل بها ولا يفرق بينهما لأن نكاح أهل الشرك ليس كنكاح أهل الإسلام…. ومما كان في شروطهم من أمر مكروه فإنه يثبت من ذلك ما كان يثبت في الإسلام ويفسخ من ذلك ما كان يفسخ في الإسلام من شروط لها)(17) ونقل عنه في موضع أخر (وليست تشبه المسلمة إذا لم يبن بها لأن المسلمة إذا لم يبن بها فرق بينهما لشروطهم التي لا تحل لأن العقدة وقعت بما لا يحل ونكاح الشرك إذا وقع بما لا يحل من الشروط ثم أسلما لم يكن ذلك فسادا لنكاحهم)(18) وقول الإمام لم يكن ذلك فسادا لنكاحهم يقتضي صحة هذا النكاح قبل الإسلام وجاء في موضع أخر (ولا ينبغي أن يعرض لأهل الذمة إذا أسلموا في نكاحهم لأن نكاح أهل الشرك أشر من هذا ، نكاحهم ليس كنكاح أهل الإسلام فإذا أسلموا لم يعرض لهم في نكاحهم إلا أن يكون تزوج من لا تحل له فيفرق بينهما….)(19).ونقل عن الإمام مالك في نكاح المحارم أن (أهل الذمة إذا كانوا يستحلون في دينهم نكاح الأمهات والأخوات وبنات الأخ …. أنه لا يعرض لهم في دينهم)(20). وأما عن المهر فقد ذهب المالكية إلى أن (النصراني إن تزوج نصرانية على خمر أو خنزير أو بغير مهر أو اشترط أن لا مهر لها وهم يستحلون ذلك في دينهم فان كان قد دخل بها أن يكون لها في جميع هذا صداق مثلها إذا لم تكن قبضت قبل البناء بها شيئا فإن كان قد دخل بها وقبضت قبل البناء بها ما كان أصدقها كان ذلك صداقها ولم يكن لها على الزوج شيء وهما على نكاحهما فإن كان لم يدخل بها حتى أسلما وقد قبضت ما أصدقها أو لم تقبض فانه بالخيار إن أحب أن يعطيها صداق مثلها ويدخل فذلك له وإن أبى فرق بينهما ولم يكن لها عليه شيء وكانت تطليقة واحدة)(21).

ثالثاً: الشافعية:

ذهب الشافعية على الصحيح من المذهب إلى أن نكاح غير المسلم صحيح وعلى قول ضعيف أنه فاسد لعدم مراعاتهم الشروط لكن لا يفرق بينهم لو ترافعوا إلينا رعاية للعهد والذمة ونقرهم بعهد الإسلام رخصة وخشية من التنفير ووضع النووي لهذا ضابطا ذكره في المنهاج هو أننا (نقرهم على ما نقر لو اسلموا ونبطل ما لا نقر)(22) وقيل موقوف إن أسلم وقرر تبينا صحته وإلا فلا أي وإن لم يقرر تبينا فساده جاء في مغني المحتاج (ونكاح الكفار صحيح على الصحيح لقوله تعالى وقالت امرأة فرعون(23) وامرأته حمالة الحطب(24) ولحديث غيلان وغيره ممن أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة فأمره  بالإمساك ولم يسأل عن شرائط النكاح(25) فلا يجب البحث عن شرائط أنكحتهم فإنه  أقرهم عليها وهو  لا يقر أحدا على باطل ولأنهم لو ترافعوا إلينا لم نبطله قطعا ولو أسلموا أقررناه وقيل فاسد لعدم مراعاتهم الشروط لكن لا يفرق بينهم لو ترافعوا إلينا رعاية العهد والذمة ونقرهم بعهد الإسلام رخصة وخشية من التنفير وقيل موقوف إن أسلم وقرر تبينا صحته وإلا فلا أي وإن لم يقرر تبينا فساده)(26) ونقل عن السبكي (انها -أنكحة أهل الذمـة- إن وقعت على حكم الشرع فصحيحة وإلا فمحكوم لها بالصحة إن اتصلت بالإسلام رخصة وعفوا من الله تعالى وما كان مستجمعا لشروط الإسلام فهو صحيح ولا أرى أن فيه خلافا بل يقطع بصحته لوجود شروطه الشرعية وحكم الله واحد أ.هـ)(27).أما عن المهر فقد جاء في مغني المحتاج ما نصه (ومن قررت على النكاح فلها المسمى الصحيح… ووجهه أنه كما تثبت الصحة للنكاح تثبت للمسمى وهو ظاهر على قول الصحة وأما على قول الفساد فظاهر كلامهم أنه كذلك وبحث السبكي أنه لا يجب المسمى بل مهر المثل وأما المسمى الفاسد كخمر معينة أو في الذمة فإن قبضته أو قبضه وليها وهي محجور عليها قبل الإسلام ولو بإجبار قاضيهم كما بحثه الزركشي فلا شيء لها لخبر (الإسلام يجب ما قبله)(28) ولانفصال الأمر بينهما وانقطاع المطالبة قبل الإسلام “تنبيه” ظاهر كلامه جريان هذا في كل فاسد وليس مرادا فإنه لو أصدقها حرا مسلما أسروه واسترقوه ثم أسلما لم يقر في يده ويجب لها مهر المثل قال صاحب الكافي لأن الفساد فيه لحق المسلم وفي نحو الخمر لحق الله تعالى وأيضا لأنا نقرهم حال الكفر على نحو الخمر دون أسر المسلم…. وإلا أي وإن لم تقبضه قبل الإسلام بأن لم تقبضه أصلا أو قبضته بعد الإسلام سواء أكان بعد إسلامهما أم إسلام أحدهما كما نص عليه في الأم فمهر مثل لها لأنها لم ترض إلا بالمهر والمطالبة بالخمر في الإسلام ممتنعة فرجع إلى مهر المثل كما لو نكح المسلم على خمر وإن قبضت قبل الإسلام بعضه أي المسمى الفاسد من خمر ونحوه ثم أسلما فلها قسط ما بقي من مهر المثل لا ما بقي من المسمى لتعذره بالإسلام إلحاقا للجزء بالكل في القبض وعدمه….) (29).

رابعاً: الحنابلة:

ذهب الحنابلة إلى أن أنكحة غير المسلمين صحيحة يقرون عليها إذا اسلموا وإن خالف أنكحة المسلمين إذا اعتقدوه في دينهم نكاحا ولم يرتفعوا إلينا(30) إلا أنهم أي الحنابلة قيدوا هذا الإقرار بما إذا كانت المرأة ممن يجوز ابتداء نكاحها في الحال قال ابن قدامة (أنكحة الكفار صحيحة يقرون عليها إذا أسلموا أو تحاكموا إلينا إذا كانت المرأة ممن يجوز ابتداء نكاحها في الحال ولا ينظر صفة عقدهم وكيفيته ولا يعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولي والشهود وصيغة الإيجاب والقبول وأشباه ذلك بلا خلاف بين المسلمين)(31). وقد ذهب الحنابلة فيما يتعلق بالمهر(32) إلى أن المهر (متى كان صحيحا استقر أو كان المهر فاسدا كخمر أو خنزير وقبضته استقر لأنه لا يتعرض لما فعلوه ويؤكده قوله تعالى فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله… وإن لم تقبض المهر الفاسد فلها مهر المثل لأنه يجب في التسمية الفاسدة فإذا كانت الزوجة مسلمة فكذا الكافرة ولأن الخمر لا قيمة له في الإسلام فوجب مهر المثل أو لم يسم لها مهرا فلها مهر المثل لأنه نكاح خلا عن تسمية فوجب لها مهر المثل كالمسلمة…)(33).

خامساً: الجعفرية:

للجعفرية في نكاح الذمي قولان فقد جاء في إيضاح الفوائد ما نصه (أن الذمي يصلح محللا للذمية على المسلم لو طلقها ثلاثا كما فرضناه بعد إسلامها إن منعنا نكاح الذمي للمسلم أو قبله متعة أو دواما إن جوزنا أحدهما. (ومبنى) هذه المسألة على أن نكاح الكفار حال كفرهم صحيح لقوله تعالى عن أبي لهب: وامرأته حمالة الحطب وقوله: وقالت امرأة فرعون فأهل الذمة أولى بالصحة (ولتقريرهم) عليه بعد الإسلام والفاسد لا ينقلب صحيحا بالإسلام… (وقيل) فاسد لأنهم لم يلتزموا بأحكام الشرع ولم يعتبروا شرائطه لكن لا يفرق بينهما لو ترافعوا مراعاة للذمة ونقرهم إن أسلموا تخفيفا وعفوا (ولأنه) لو كان صحيحا لزم أحد الأمرين أما اعتبار الشرائط فيه ويلزم منه التفحص عن كيفية وقوعه حال الكفر بعد الإسلام أو اشتراط الإسلام في التكاليف الشرعية وكلاهما باطل)(34). أما عن المهر فقد ذهبوا إلى أن المهر (الصحيح يحكم بصحته سواء كان مقبوضا أولا وان كان فاسدا فان كان مقبوضا لزم واستقر والاسقط وقضى بمهر المثل وان قبض بعضه سقط من مهر المثل بإزائه فان كان خمرا عشرة أزقاق وقبضت منه خمسة فان كانت متساوية وجب نصف مهر المثل وان كانت مختلفة فالأقرب اعتباره بالقيمة عند مستحلبه ولو كان كلابا أو خنازير فالقيمة من غير التفات إلى العدد)(35). ومما سبق من اراء للفقهاء المسلمين يمكن القول بان ما ذهب اليه المشرع من استثناء بعض العراقيين من نطاق احكامه اتجاه له اصله في اقوال فقهاء الشريعة الاسلامية وإذا توخينا الدقة فإن ما ذهب اليه المشرع في هذه المسألة هو عين ما ذهب اليه الإمام أبو حنيفة .

____________________________

[1]- جاء في ملحق نظام رعاية الطوائف الدينية رقم (32) لسنة 1981 ان الطوائف المعترف بها (1. طائفة الكلدان 2. الطائفة الآثورية 3. الطائفة الآثورية الجائيليقة 4. طائفة السريان الأرثوذكس 5. طائفة السريان الكاثوليك 6. طائفة الأرمن الأرثوذكس 7. طائفة الأرمن الكاثوليك 8. طائفة الروم الأرثوذكس 9. طائفة الروم الكاثوليك 10. طائفة اللآتين 11. الطائفة البروتستانتية الإنجيلية الوطنية 12. الطائفة الإنجيلية البروتستانتية الآثورية 13. طائفة الادفنتست السبتيين 14. الطائفة القبطية الارثوذكسية 15. طائفة الأمويين اليزيدية 16. طائفة الصابئة 17. الطائفة اليهودية).

2- تظهر خطورة هذه المسالة لتعلقها بالفروج التي مبناها على الاحتياط ينظر البهوتي، المرجع السابق، 6/346، ابن عابدين، حاشية رد المحتار، 3/283، ابن الهمام، كمال الدين محمد بن عبد الواحد، شرح فتح القدير مع تكمليته نتائج الامكا بقاضي زاده على الهداية، مطبعة مصطفى محمد، من دون سنة طبع، 4/50، الدسوقي، العلامة شمس الدين محمد عرفة، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير، دار احياء الكتب العربية، من دون سنة طبع، 2/423 ، يحيى بن زكريا النووي، روضة الطالبين، من منشورات المكتب الاسلامي، ط2، 1406هـ، 12/14 وجاء فيها (وأوجبوا التفصيل والتعرض للشروط ابتداء ودواما لأن الفروج يحتاط لها كالدماء والوطء المستوفى لا يتدارك كالدم).

3- وذهب بعض كالحنفية وإمام الحرمين إلى أن المتأخر ناسخ جاء في غاية الوصول “وقالت الحنفية وإمام الحرمين العام المتأخر عن الخاص ناسخ له كعكسه” ينظر لذلك غاية الوصول شرح لب الأصول، كلاهما لشيخ الإسلام أبي يحيى زكريا الأنصاري الشافعي، مطبعة عيسى ألبابي الحلبي وشركاؤه بمصر، دون سنة طبع، ص81.

4- ينظر شمس الدين محمد بن احمد المحلي، شرح المحلي على متن جمع الجوامع لابن السبكي، دار إحياء الكتب العربية، دون سنة طبع، 2/ 41-42.

5- ينظر محسن ناجي، المرجع السابق، ص49-50 .

6- جزء من حديث رواه ابن حبان في صحيحه (قال رسول الله  ثم أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي بعثت إلى الأحمر والأسود وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ونصرت بالرعب فيرعب العدو من مسيرة شهر وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا وقيل لي سل تعطه واختبأت دعوتي شفاعة لأمتي في القيامة وهي نائلة إن شاء الله لمن لم يشرك بالله شيئا) صحيح مسلم، المساجد ومواضع الصلاة، رقم الحديث 810، مسند الامام احمد، مسند بني هاشم، رقم الحديث 2606، سنن الدارمي، كتاب السير، رقم الحديث 2358.

7- ينظر السرخسي، الامام ابي بكر محمد بن احمد بن سهل، المبسوط، مطبعة السعادة، 1324هـ ،5/38.

8- وفي هذا يفرق بين ما ينافي النكاح ابتدأ وبقاء وما ينافيه ابتداء فقط فالأول يبطل النكاح والثاني لا يبطله فالمحرمية مثلاً كما تنافي النكاح أبتدأً تنافيه بقاءاً أما العدة فهي تنافي النكاح ابتداءا لا بقاءاً.

9- سورة المائدة / 42.

0[1]- ينظر السرخسي، المرجع السابق: 5/40.

[1]1- ينظر السرخسي، المرجع السابق: 5/38ـ39.

2[1]- سورة المائدة / 49.

3[1]- ينظر السرخسي، المرجع السابق، 5/38.

4[1]- ينظر السرخسي، المرجع السابق: 5/38ـ39.

5[1]- ينظر السرخسي، المرجع السابق: 5/39.

6[1]- ينظر السرخسي، المرجع السابق: 5/41.

7[1]- ينظر مالك بن أنس، المدونة الكبرى، دار صادر، دون سنة طبع، 4/311.

8[1]- ينظر مالك بن أنس، المرجع السابق، 4/312.

9[1]- المرجع السابق: 4/312.

20- المرجع السابق: 4/312.

[1]2- المرجع السابق: 4/297.

22- الإمام يحيى بن شرف النووي، منهاج الطالبين، مطبوع في أعلى صفحات مغني المحتاج، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1398هـ ، 1978م، 3/195، جاء في المغني (فلو نكح بلا ولي ولا شهود وترافعوا إلينا قررنا النكاح وحكمنا بالنفقة وإن نكح المجوسي محرما له ولم يترافعا إلينا لم نعترض عليهما … فإن ترافعا إلينا في النفقة أبطلنا نكاحهما ولا نفقة لأنهما بالترافع أظهرا ما يخالف الإسلام فأشبه ما لو أظهر الذمي الخمر ولو ترافع إلينا كافر تحته أختان وطلبوا فرض النفقة أعرضنا عنهم ما لم يرضوا بحكمنا ولا نفرق بينهم فإن رضوا به فرقنا بينهم بأن نأمره باختيار إحداهما فإن قيل قد مر في نكاح المحرم أنا نفرق بينهم وإن لم يرضوا بحكمنا فهلا كان هنا في الأختين كذلك أجيب بأن المحرم أشد حرمة لأن منع نكاحها لذاتها وإنما منع في الأختين للهيئة الاجتماعية) ينظر الخطيب الشربيني، المرجع السابق، 3/195ـ196.

23- سورة القصص / 9.

24- سورة المسد / 4.

25- هذا تطبيق للقاعدة الأصولية التي تقول (ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال).

26- ينظر الشربيني، المرجع السابق، 3/193.

27- ينظر الشربيني، المرجع السابق: 3/193.

28- مسند الإمام أحمد، مسند الشاميين، رقم الحديث، 17109.

29- ينظر الشربيني، المرجع السابق: 3/193–194.

30- ينظر البهوتي، المرجع السابق، 5/116.

[1]3- ينظر ابن قدامة، المرجع السابق، 7/116 وأيضاً البهوتي، المرجع السابق، 5/117.

32- جاء في المغني (الفصل الثاني أن الفرقة إذا حصلت قبل الدخول بإسلام الزوج فللمرأة نصف المسمى وإن كانت التسمية صحيحة أو نصف مهر مثلها إن كانت فاسدة مثل أن يصدقها خمرا أو خنزيرا لأن الفرقة حصلت بفعله وإن كانت بإسلام المرأة فلا شيء لها لأن الفرقة من جهتها) ينظر ابن قدامة، المرجع السابق، 7/117.

33- ينظر البهوتي، المرجع السابق، 5/118.

34- ينظر الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي، ايضاح الفوائد في شرح اشكالات القواعد، ط1، 1378هـ، دون اسم مطبعة، 3/102.

35- ينظر الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي، تحرير الاحكام، الطبعة الحجرية، مطبعة طوس، دون سنة طبع، 2/22.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .