حماية حق المؤلف في إطار المصنفات المشتركة

تمهيد :

ظل الفقه يقسم الحقوق المالية إلى حقوق عينية وحقوق شخصية لفترة طويلة ولكن سرعان ما ظهر نوع ثالث من الحقوق وهي الحقوق التي تكون محلها شيئاً غير مادي وقد ظل الفقه في تردد في اختيار الإسم الذي يطلقه على هذه الحقوق إلى أن استقر على تسميتها بالحقوق المعنوية، ويقصد بهذا النوع تلك الحقوق التي ترد على أشياء معنوية من نتائج الذهن مثل حق المؤلف على مصنفاته وحقوق المخترع على ما قدمه من اختراعات وعلى هذا يمكن تقسيم هذه الحقوق إلى نوعين رئيسيين هما الملكية الصناعية وحق المؤلف، وسنقصر الدراسة هنا على حق المؤلف. وذلك على أساس أن الملكية الصناعية لها صفتها التجارية من ناحية ومن ناحية أخرى فإن حق المؤلف هو الذي تبرز فيه بوضوح خصائص الملكية الفكرية.

حق المؤلف:

يجب أن يضفي المشرع الحماية على المؤلفين حتى يمكنهم القيام بأعمالهم الذهنية وتقديم مصنفاتهم إلى الجماعة وهم على درجة كبيرة من التأكد بأن أعمالهم ستكون بعيدة عن الاعتداء والتشويه. علاوة على أن المجتمع سيقدم لهم جزاء ما عملوا فيندفع الجميع إلى العمل والبذل. وقد ظل القضاء في مصر يحمي المؤلفين على أساس مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة لعدم وجود نص في التشريع أو في المصادر الأخرى التي تليه إلى أن أصدر المشرع القانون رقم 354 لسنة 1954 حيث قام بوضع قواعد تفصيلية لحماية حق المؤلف. وقد أصدر المشرع بعد ذلك القانون رقم 38 لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام قانون حق المؤلف رقم 354 لسنة 1954.

المقصود بالمؤلف:

يقصد بالمؤلف كل شخص يقوم بإنتاج فكري مبتكر سواء كان هذا الإنتاج أدبياً أو فنياً وأياً كانت طريقة التعبير عنه سواء بالكتابة أو الرسم أو التصوير إلى غير ذلك من الطرق الأخرى، والأمر المهم هو أن يصل نتاج الذهن إلى درجة معينة من الابتكار وليس المقصود بالابتكار أن يقوم المؤلف باختراع أفكار غير معروفة من قبل ولكن يكفي لكي يكون الابتكار متحققاً أن يتميز الخلق الذهني بطابع معين يبرز شخصية صاحبه سواء كان ذلك في جوهر الفكرة نفسها أو في طريقة عرضها، وعلى ذلك فإن من يقوم بترجمة كتاب من لغته المكتوب بها إلى لغة أخرى يعتبر مؤلفاً طالما قد أبرز شخصيته من خلال الترجمة حتى يظهر الأسلوب متماسكاً لأن الترجمة الحرفية ستؤدي في النهاية إلى الفاظ لا معنى لها. وكذلك فإن من يقوم بتخليص مصنف معين والتعليق عليه بحيث تبرز شخصيته من خلال التعليق يعد مؤلفاً يستحق الحماية وأيضاً فإن من يقوم بتجميع أحكام القضاء ثم يعرضها عرضاً منسقاً بحيث تبرز من خلاله جهوده الشخصية ولم يقتصر عمله على النواحي المادية فقط بل برزت شخصية صاحب العمل من خلاله فإنه يتمتع بحماية حق المؤلف ويعترف القانون للمؤلف على خلقه الذهني بحقين إحداهما أدبي وآخر مالي.

أصحاب الحق الذهني:

إذا قام شخص بعمل مصنف أدبي أو فني بحيث يظهر في المصنف عنصر الابتكار على النحو السابق فهو يعد مؤلفاً لهذا المصنف ويستدل على أن هذا الشخص هو المؤلف من وضع اسمه على المصنف ولكن ليس معنى ذلك أن ظهور اسم الشخص على المصنف دليل قاطع على أنه المؤلف فقد ينشر المصنف تحت اسم شخص آخر إذا رغب المؤلف في أن يظل بعيداً، وفي هذه الحالة يظهر المصنف تحت اسم مستعار أو مجهول. وفي بعض الأحيان يشترك أكثر من مؤلف في وضع المصنف وهو ما يدفعنا إلى دراسة المصنف المشترك والمصنف الجماعي.
(المادة 25 من قانون حماية حق المؤلف في مصر).

الحق الأدبي للمؤلف:

يتمتع المؤلف على مصنفه بحق أدبي وحق مالي وعن طريق الحق الأدبي يمكن للمؤلف أن يقرر مصير المصنف وما إذا كان سينشر على العامة أم لا، كما يخوله أيضاً الحق في وضع اسمه على المصنف، وأن ينسبه إليه وأن يدافع عنه ضد أي اعتداء أو تشويه قد يقوم به الغير بقصد تحريف المصنف، وأخيراً يخوله الحق في سحب المصنف، من التداول بقصد تعديله أو إلغائه، وهذه الامتيازات التي يوفرها الحق الأدبي للمؤلف لا يمكن التنازل عنها أو التصرف فيها، لأن ذلك الحق مرتبط بشخصية المؤلف، وسنتكلم عن هذه الامتيازات بالتفصيل على النحو الآتي:

الحق في تقرير نشر المصنف:

للمؤلف وحدة الحق في تقرير نشر مصنفه وتداوله بين الأفراد، وذلك لأن المؤلف هو الشخص الذي يستطيع أن يقرر ما إذا كان المصنف على النحو الذي وصل إليه قد اكتمل وأصبح صالحاً للنشر أو ما زال بحاجة إلى تحسينات إضافية. وعلاوة على ذلك فإن المصنف سيحمل اسم المؤلف وسمعته وسيوجه إليه النقد أو التقدير والثناء من جانب الأفراد، ولذلك فإن أحداً لا يستطيع أن يجبر المؤلف على نشر مصنفه في الوقت الذي لا يراه فيه صالحاً للنشر.

الحق في نسبة المصنف إلى المؤلف:

يتمتع المؤلف على مصنفه بحق الأبوة على حد تعبير الفقهاء الفرنسيين ولهذا يمكن للمؤلف أن يضع اسمه على المصنف باعتباره واضع هذا المصنف ومؤلفه، ولا يحق لأحد أن يضع اسمه على مصنفات المؤلف حتى يظهر أمام الأفراد على أنه مؤلف هذه المصنفات أو أن يقوم بمحو اسم المؤلف من على مصنفاته، ويحق للمؤلف أن ينشر مصنفه تحت اسم مستعار أو مجهول كأن يكون في بدء حياته في التأليف ويريد أن يظل مختفياً حتى يتأكد من قدراته على التأليف ثم يقوم بعد ذلك بإزاحة الستار عن شخصيته بحيث يظهر أمام الأفراد باسمه الحقيقي ولا يمكن جبر المؤلف على الكشف عن شخصيته إذا كان لا يريد ذلك ولا يسقط حقه في الكشف عن شخصيته مهما طالت مدة الاختفاء فهو حق لا يسقط التقادم.

وقد يقوم المؤلف بنشر المصنف وبعد فترة من تداوله يشعر بأن المصنف المنشور غير معبر عن آرائه الجديدة ونظرياته التي توصل إليها وفي هذه الحالة يخول له الحق الأدبي سلطة سحب المصنف من التداول بحيث يصبح المصنف معبراً عن شخصية المؤلف الحقيقية وعن آرائه وأفكاره الجديدة ولكن ذلك مقصور على حالة اكتفاء المؤلف بتعديل بعض آرائه فقط مع بقاء المصنف بعد ذلك كما هو وبحيث أن هذا التعديل يكفي تماماً لوضع المصنف في صورته الصحيحة المتمشية مع أفكار المؤلف الجديدة، ولكن إذا كان المؤلف قد غير تماماً من الأفكار الرئيسة التي قام عليها المصنف المتداول فيمكن أن يسحب المصنف بقصد تدميره ثم يخرج بعد ذلك مصنفاً آخر يعبر عن آرائه الجديدة، ولكن حق المؤلف في السحب مقيد بضرورة دفع تعويض عادل لصاحب الحق في الاستغلال المالي، كما أن المؤلف إذا قرر عودة المصنف للنشر فإن الأولوية تكون للناشر السابق الذي سحب المصنف من بين يديه حتى لا يتخذ المؤلف الحق في السحب ستاراً لإعادة التعاقد مع ناشر آخر يعرض عليه قيمة مرتفعة.

الحق في احترام المصنف والدفاع عنه:

قد يقوم أحد الأشخاص بتشويه مصنف المؤلف والاعتداء عليه، وفي هذه الحالة يمكن للمؤلف الدفاع عن مصنفه عن طريق ما يوفره له الحق الأدبي من ضمانات. وهذا الحق كما سبق أن ذكرنا مرتبط بشخصية المؤلف، ولا يجوز التنازل عنه وعلى هذا، فعندما يقوم المؤلف بالتنازل عن الحق المالي فإن الحق الأدبي يظل مرتبطاً بشخصيته وعن طريقه يمكن للمؤلف إذا حدث أي اعتداء على مصنفه أن يلجأ إلى القضاء مطالباً بوقف هذا الاعتداء مستعملاً حقه الأدبي على مصنفه.

الحق المالي:

يتمتع المؤلف على مصنفه إلى جانب الحق الأدبي بحق آخر هو الحق المالي وعن طريق هذا الحق يمكن للمؤلف أن يجني الأرباح المالية من وراء استغلال مصنفه ولكن إذا كان الحق الأدبي لا يسقط بالتقادم، فإن الحق المالي ينتهي بمضي خمسين عاماً على وفاة المؤلف، وذلك حتى يمكن للجماعة أن تستفيد من التراث الفكري فلا يمكن أن يكون الحق المالي مؤيداً وإذا كان الحق الأدبي كما ذكرنا من قبل لا يقبل التصرف فيه، فإن الحق المالي يقبل التصرف فيه حيث يمكن للمؤلف أن يقوم بالاستغلال بنفسه أو عن طريق الغير حيث يتنازل له عن حقه في الاستغلال لقاء مبلغ من المال ولكن إذا صرح المؤلف للغير بالاستغلال بطريقة معينة كالنشر مثلاً فلا يمكن للمتنازل إليه أن يقوم بإستغلال المصنف عن طريق آخر كالتمثيل في السينما أو المسرح إلا بعد الحصول على إذن كتابي سابق من المؤلف أو ممن يخلفه.

ضرورة حماية المصنفات المشتركة:

لقد عمدت التشريعات إلى حماية المصنفات الفكرية حتى توفر المناخ الملائم للإبداع وتقدم المجتمع، وقد يقوم مؤلف بمفرده بوضع المصنف، وفي هذه الحالة لا تكون هناك مشكلة حتى يتمتع هذا المؤلف بالحماية طالما توافرت شروطها، ولكن يوجد إلى جانب ذلك نوع آخر من المصنفات يشترك عدد من المؤلفين في وضعها، مثل المصنفات المشتركة وهذه المصنفات هي التي سنركز عليها في هذا البحث. وتمثل هذه المصنفات نسبة هامة من المصنفات الفكرية في المجتمع، كما أن اشتراك أكثر من مؤلف في وضعها يؤدي إلى قيام المشاكل والصعوبات، ففي مجال المصنفات المشتركة لا بد من تحديد معنى الشريك، فلا يمكن اعتبار كل من ساهم في عمل المصنف من قريب أو من بعيد شريكاً في المصنف كذلك يلزم تحديد معنى الاشتراك نفسه.

كما يلزم بحث مسألة الاشتراك الظني، وهو الذي يقوم على جعل شخص لم يشارك في عمل المصنف شريكاً فيه. وهذا ما أخذ به المشرع المصري في المادة 31/الفقرة الأخيرة من قانون حق المؤلف، حيث نص على أنه “……إذا كان المصنف السينمائي أو المصنف المعد للإذاعة اللاسلكية أو التليفزيون مبسطاً أو مستخرجاً من مصنف آخر سابق عليه يعتبر مؤلف هذا المصنف مشتركاً في المصنف الجديد”. كما أن هناك بعض المصنفات التي يحيط بها الغموض من حيث طبيعتها مثل المصنفات السينمائية، حيث ينادي البعض بوضعها في إطار المصنفات الجماعية، على حين ينادي البعض بأنها مصنفات مشتركة فكان لا بد من جلاء هذا الغموض.

لم يوضح لنا المشرع سواء في مصر أو فرنسا المقصود من المصنف الذي تشمله الحماية، فنجد المشرع المصري في المادة الأولى من قانون حماية حق المؤلف (قانون رقم 354 لسنة 1954) ينص على أنه “يتمتع بحماية هذا القانون مؤلفو المصنفات المبتكرة في الآداب والفنون والعلوم أياً كان نوع هذه المصنفات أو طريقة التعبير عنها أو أهميتها أو الغرض من تصنيفها”. ونلاحظ أن المشرع هنا لم يوضح لنا المقصود من المصنف، وهو نفس الشيء الذي فعله المشرع الفرنسي حيث نجده في المادة الأولى يتكلم مباشرة على تمتع مؤلف المصنف الفكري لنفس واقعة الإبداع بحق ملكية فكرية مانع ويحتج به على العامة….” دون أن يقوم بتحديد المقصود بهذا الإبداع ولقد قام الفقه والقضاء بدور هام في هذا المجال، حيث تم ملء هذا الفراغ الذي لم يتعرض له المشرع … وهناك نقطة هامة ينبغي أن نركز عليها هنا، وهي أن حق المؤلف لا ينطبق على الأفكار فالفكرة التي عبر عنها أحد المؤلفين لا تكون حكراً عليه وحده، بل يمكن أن تتكرر بواسطة من يريد فالمؤلف لم يصل إلى الفكرة بعمله وحده، بل استعان في الوصول إليها بجهود الآخرين، ولكن المؤلف يمكنه أن يدعي بأن الشكل الذي ظهرت فيه الفكرة مملوك له وحده، ومن ثم فيمكنه أن يشترط على أي شخص يريد الاستعانة بهذا الشكل ضرورة الحصول على موافقته…..ولا يشترط لكي يتمتع الشكل بالحماية أن يكون المصنف جديداً بل يكفي أن يكون مبتكراً وله طابع يعبر عن شخصية المؤلف.

ولكن ما هو الفرق بين الجدة والابتكار؟

إننا نستطيع التفرقة بينهما بسهولة، فالفنان الذي يقوم برسم لوحة لم يقم أحد قبله بالتعبير عنها، يقدم لنا مصنفاً جديداً، فإذا قام أحد الفنانين بعد ذلك برسم نفس اللوحة ولكنه عبر عنها بطريقة ظهر فيها طابع شخصيته، فلا تعتبر اللوحة الثانية جديدة، ولكنها تعتبر مبتكرة Original. وعلى هذا فإن المصنف يتمتع بالحماية، حتى ولو كان المؤلف قد استوحاه من مصنف سابق، طالما عبر فيه عن شخصيته……..”
فالمسرحية المأخوذة عن رواية معينة يتمتع مؤلفها بالحماية طالما أنها تعكس شخصيته، ولكن نظراً لأن القصة ستكون هي نفسها في المسرحية، فإن على مؤلف المصنف الثاني أن يأخذ في اعتباره حقوق مؤلف المصنف السابق طالما أنه لم يسقط في الملكية العامة حيث يلزم الحصول على موافقته.

وبحسب نص المادة 2 من قانون حماية حق المؤلف في فرنسا فإن كافة المصنفات تتمتع بالحماية القانونية أياً كان نوعها، أو طريقة التعبير عنها أو قيمتها أو تخصيصها. وعلى هذا فلا يهم نوع المصنف، فحق المؤلف ينطبق على المصنفات الأدبية أو الفنية أو الموسيقية. كذلك فإن طريقة عرض المصنف لا تتأثر بها الحماية، فالمصنف الذي يلقى شفاهة يحمى تماماً كالمصنف المكتوب، ولا يعتد أيضاً عند الحماية بقيمة المصنف فلا يقوم القاضي بتقدير المصنف من أجل شموله بالحماية. وإنما يلزمه فقط التأكد من أن الأمر يتعلق بمصنف مبتكر أي مصنف يحمل طابع شخصية مؤلفه.

ولا يهم الغرض الذي أعد من أجله المصنف، فسواء كان هذا الغرض علمياً أو أدبياً أو فقهياً أو حتى إذا كان الغرض عملياً كما هو الحال بالنسبة للتقاويم الفلكية أو الجوية، أو الكتالوجات التي تعد من أجل الدعاية لبعض أنواع البضائع. وفي مصر فقد نص المشرع في المادة الأولى من قانون حماية حق المؤلف على أنه “يتمتع بحماية هذا القانون مؤلفو المصنفات المبتكرة في الآداب والفنون والعلوم وأياً كان نوع هذه المصنفات أو طريقة التعبير عنها أو أهميتها أو الغرض من تصنيفها”.

وعلى هذا فإن المشرع لم يشترط من أجل حماية المصنفات المختلفة سوى توافر عنصر الابتكار في المصنف، ولم يعلق أية أهمية على نوع المصنف أو أهميته أو الغرض الذي وضع المصنف من أجله، أو الطريقة التي تم بها التعبير عن المصنف. ولكن إذا انتفى الابتكار لم يكن المصنف جدير بالحماية، وعلى هذا فقد نص المشرع المصري في المادة الرابعة على أن الحماية لا تشمل:

أولاً: المجموعات التي تنظم مصنفات عدة كمختارات الشعر والنثر والموسيقى وغيرها من المجموعات، ذلك مع عدم المساس بحقوق مؤلف كل مصنف.

ثانياً: مجموعات المصنفات التي آلت إلى الملك العام.

ثالثاً: مجموعات الوثائق الرسمية كنصوص القوانين والمراسيم واللوائح والاتفاقات الدولية والأحكام القضائية وسائر الوثائق الرسمية، ومع ذلك تتمتع المجموعات سالفة الذكر بالحماية إذا كانتت متميزة بسبب يرجع إلى الابتكار أو الترتيب أو أي مجهود يستحق الحماية”. ولم يجعل المشرع المصري تمتع الموظف بالحماية متوقفاً على القيام بأي إجراء شكلي، فالإبداع القانوني لا يعتبر شرطاً للحماية في مصر”.

كذلك فإن المشرع الفرنسي قد نص في المادة الأولى من قانون 11 مارس سنة 1957 على أن المؤلف يتمتع بالحماية لنفس واقعة الابتكار، ومن ثم فلم يشترط هو الآخر القيام بالإبداع القانوني، أو أي إجراء شكلي آخر للتمتع بالحماية، وهذا الاتجاه يتفق مع فكرة الإبداع والابتكار، وهو نظام أكثر حرية وأكثر مطابقة للفكرة القائلة بأن حق المؤلف من الحقوق الطبيعية.

فالمشرع سواء في مصر أو في فرنسا يلزم الناشر بالقيام بالإيداع القانوني، ولكنه لم يعتبر هذا الإيداع أمراً تتوقف عليه الحماية القانونية، فالمصنف يتمتع بالحماية القانونية ولو لم يتم الإيداع القانوني.
ونقوم فيما يلي بشرح موضوع المصنفات المشتركة في فصلين على النحو التالي:

الفصل الأول: ونعالج فيه تحديد معنى الاشتراك في التصنيف، وقد ركزنا على معيار الاشتراك وانتهينا فيه إلى المعيار الصحيح في هذا المجال.

الفصل الثاني: وقد خصصناه لدراسة المقارنة بين المصنفات المشتركة والمصنفات الجماعية، حيث قمنا بتحديد المصنف الجماعي، ثم أوضحنا كيف نميز بين هذين المصنفين وأخيراً تكلمنا عن المصنفات السينمائية كتطبيق واضح للمصنف المشترك، والذي يريد البعض وضعه في إطار المصنفات الجماعية.

الفصل الأول
تحديد معنى الاشتراك

تمهيد وتقسيم :

إلى جانب المصنف الذي يقوم بوضعه المؤلف بمفرده، توجد المصنفات التي يساهم في وضعها عدد من المؤلفين، ويأتي على رأسها المصنفات المشتركة وهي التي سنعالجها في هذا البحث، حيث نحاول تحديد معنى الاشتراك في المصنف، مع وضع الحلول للكثير من المشاكل التي تنجم عن مساهمة عدة مؤلفين في عمل واحد، وقد ينشأ نوع من الغموض بالنسةب لكلمة الاشتراك، حيث يلزم أن نستبعد المعنى الذي يمكن إعطاؤه لهذه الكلمة في اللغة الدارجة وهو الاشتراك بالمعنى الواسع وغير المحدد، فهل يمكن اعتبار الناشر الذي يعاون المؤلف في نشر مصنفه شريكاً له؟ وهل يمكن اعتبار النموذج “موديل الرسام” أو سكرتير الكاتب من الشركاء إننا إذا قلنا بأن الاشتراك في المصنف يقصد به هذا المعنى الغامض، إن معنى ذلك القول بسهولة أن كل الناس شركاء، لأن الحياة تقوم على التعاون، والفرد المنعزل لا وجود له إلا في خيال الفلاسفة ورواة الأساطير.

ومن الواضح أن هذا المعنى غير المحدد لا يمكن قبوله للتعبير عن الاشتراك في مجال المصنفات الفكرية، فهو في النهاية يضع فكرة غير منضبطة ولها نتائج خطيرة، حيث سيصبح كل من ساهم بعمل ما في المصنفات شريكاً فيه.

ولكن يلزمنا بعد استبعاد هذه الفكرة أن نحدد معنى الاشتراك في المصنفات، لقد ظهرت في هذا المجال فكرتان: الأولى على أساس معيار ضيق يشترط الاندماج الكامل لعمل الشركاء في المصنف، بحيث يستحيل فصل عمل كل شريك عن الآخر فصلاً مادياً، وهناك فكرة متسعة لا تشترط هذا الأمر وتسمح بإمكانية الفصل بين أعمال الشركاء، وعلى هذا سنقسم الدراسة في هذا الفصل إلى مبحثين:

المبحث الأول: الفكرة الضيقة للاشتراك.
المبحث الثاني: الفكرة الواسعة للاشتراك.

المبحث الأول
الفكرة الضيقة للاشتراك

تمهيد وتحديد:

نتيجة للفكرة غير المحددة التي ظهرت في تحديد معنى الاشتراك ظهر رأي آخر على العكس تماماً منها، يضع الاشتراك في المصنفات في إطار ضيق، فلا يعتبر المصنف مشتركاً إلا إذا كانت تذوب فيه شخصية جميع المؤلفين، بحيث لا يمكن مطلقاً الفصل بين نصيب كل منهم في المصنف، كما تختفي شخصية جميع المؤلفين، وتظهر في اسم مستعار واحد يمكن عن طريقه أن نميز الوحدة الفكرية ووحدة المصنف لهؤلاء المؤلفين.

ولكن لا يشترط بالضرورة وضع اسم مستعار على المصنف، بل يمكنهم أن يوضحوا للعامة أن عدة أفراد قد اشتركوا في عمل المصنف، كما يمكنهم التوقيع بأسمائهم على المصنف. ولكن الشرط الضروري لقيام المصنف المشترك، هو أن يساهم كل مؤلف ببعض العناصر في المصنف، على أن تمتزج هذه العناصر ببعضها، بحيث لا يمكن تحديد العناصر التي ساهم بها كل مؤلف.

نقــد:

ولكن هذه الفكرة يترتب عليها نتائج خطيرة، فالمسرحيات أو الأوبرا مثلاً لا يمكن بحسب هذا المعيار اعتبارها من المصنفات المشتركة، حيث يمكن بسهولة الفصل بين عمل الأديب وعمل الموسيقى، فكل منهما ينفذ عمله مستقلاً عن الآخر، لأنه من غير المعقول أن يقوم أحدهما بالمساهمة في عمل يجهله.

فالعبرة في المصنفات المشتركة ليست كما يدعي هذا الرأي مرتبطة بعدم القابلية للقسم المادية بصفة مطلقة، وإنما يكفي أن يكون الشركاء الذين يقومون بعمل المصنف يؤدون أعمالهم تحت تأثير الفكرة المشتركة التي يقوم عليها المصنف.

كما أن هذه الفكرة الضيقة تؤدي أيضاً إلى استبعاد فكرة الاشتراك بالنسبة للمصنفات المتعلقة بنوع واحد من الابتكار، فالقصة التي يساهم في وضعها اكثر من شخص يستبعد بالنسبة لها صفة المصنف المشترك إذا كان من الممكن أن تفصل بين الأنصبة المختلفة، فتحرير المؤلف لأحد الأبواب المحددة لا تعطى له صفة المؤلف للمصنف في مجموعه، فهذه الصفة لا تمنح إلا إذا كان مجموع المصنف وحدة مادية لا يمكن تقسيمها.

المبحث الثاني
الفكرة الواسعة للاشتراك

تمهيد:

سبق أن رأينا الآثار الخطيرة التي ترتبت على الفكرة الضيقة للاشتراك ونتيجة لذلك ظهر رأي آخر أكثر اتساعاً من الرأي السابق، وإن كان هذا الرأي لا يصل إلى الدرجة التي وصل إليها أنصار المعيار غير المحدد الذين خلطوا بين الاشتراك والتضامن البسيط، وذهبوا إلى أن كل الأشخاص شركاء للآخرين لأن وسائل الحياة تعتمد على التعاون بينهم جميعاً.

ولا يشترط أنصار الفكرة الواسعة لقيام الاشتراك في المصنف عدم إمكانية الفصل بين الأنظمة المختلفة، حيث أنهم يعتبرون المصنف مشتركاً بين المؤلفين حتى ولو أمكن الفصل بين الأنصبة المختلفة، وعلى هذا فإن المصنفات المسرحية تعتبر من المصنفات المشتركة، على الرغم من أنه يمكن بسهولة الفصل بين الأنصبة المختلفة في هذا المجال، كذلك يعتبر المصنف السينمائي مصنفاً مشتركاً مع أن الأعمال المقدمة في هذا المصنف يمكن تمييزها عن بعضها بسهولة حيث يمكن فصل الموسيقى عن الحوار عن السيناريو.

ويمكن القول بأنه يكفي لكي يعتبر المصنف من المصنفات المشتركة، أن تكون مجهودات المشتركين في العمل تخضع لفكرة مشتركة من أجل تحقيق المصنف، فالفكرة المشتركة والخطة المميزة وتبادل الآراء والنقد وتقارب المحاولات الفردية كل هذه الأمور هي سمات فكرة المصنف المشتركة، ولا يهم بعد ذلك ما إذا كانت الأعمال المقدمة يمكن الفصل بينهما مادياً أو لا يمكن، كذلك لا يهم أن تكون هذه الأعمال قد نفذت في وقت واحد بل يكفي أن يكون مختلف الأنصبة قد أعدت من أجل الهدف المشترك على حسب البرنامج المعد باتفاق الشركاء، فكاتب السيناريو يعتبر شريكاً مع المخرج في الفيلم السينمائي مع أن الأخير لا يبدأ عمله إلا بعد انتهاء الأول.

وطالما أن الفصل بين الأنصبة لا يتعارض مع قيام المصنف المشترك، فإن الاستغلال المنفرد يكون مسموحاً به طالما أنه لا يضر بالمصنف في مجموعه. لقد وجدت الفكرة واسعة للاشتراك مجالها إلى التطبيق في العديد من التشريعات ويمكن أن نشير إلى بعض هذه التشريعات فيما يلي:

المشرع الفرنسي:

لقد اتجه المشرع الفرنسي إلى المعيار الواسع للاشتراك ورفض بوضوح الانضمام إلى التحديد الضيق للمصنف المشترك، وقد عبر عن ذلك في المادة 15/4 من قانون حماية المؤلف (11 مارس 1957) التي ذهبت إلى أن عندما تكون الأنصبة التي يساهم بها كل شريك تتعلق بأنواع مختلفة، فإن كل واحد منهم يمكنه – طالما لا يوجد اتفاق مخالف أن يستغل على انفراد نصيبه الشخصي، بشرط ألا يضر ذلك باستغلال المصنف في مجموعة، ومن الواضح أن ممارسة هذه السلطة تتضمن إمكانية إجراء التجزئة بين الأنصبة المختلفة، ومن ثم فإن المصنفات التي تجمع بين الأدب والموسيقى، تعتبر مصنفات مشتركة، وعلى الرغم من أن الأديب لم يساهم في العمل الموسيقي، كما أن الموسيقي لم يشترك في العمل الأدبي، ويمكن القول بأن المشرع الفرنسي يكتفي بأن تكون الجهود المشتركة متجهة نحو الهدف الواحد الذي يسعى جميع الشركاء لتحقيقه فالفكرة المشتركة وتبادل الرقابة هي المعيار الذي يقوم عليه الاشتراك. ولا يشترط القانون الفرنسي أن تكون الأنصبة المختلفة قد ساهم في تحقيقها جميع الشركاء، وقد عبر المشرع عن ذلك في المادة 15 من 11 مارس 1957.

إن المقصود بالمساهمة الشخصية تلك التي تحققت بصفة شخصية ومنفردة من جانب الشريك في إطار البرنامج العام، مع الأخذ في الاعتبار الأنصبة، ولم يهمل المشرع الفرنسي حالة المصنف المشترك الذي لا يمكن الفصل فيه بين الأنصبة المختلفة، بل يمكن أن نلاحظ وجود نوع من الازدواجية في القانون الفرنسي. حيث إن الفكرة الواسعة في ذلك القانون، قد أدت إلى وجود نوعين من الاشتراك فيوجد من جهة المصنفات المشتركة التي تتفق مع الفكرة الضيقة، التي يقوم فيها الشركاء بالتنفيذ معاً لكل الأجزاء، وأما الآخر فهو الاشتراك الذي توضع فيه مختلف الأنصبة في إطار المصنف العام، ولكنها تنفذ منفصلة من أجل خدمة الموقف.

هذه الازدواجية متوقفة على ممارسة السلطة المنصوص عليها في المادة 10/4 فعندما يمكن الفصل بين الأنصبة يمكن تصور قيام الاستغلال الجزئي والمستقل، وإلا كان كل الشركاء مدعوين إلى إعطاء موافقتهم من أجل استغلال أحد الأنصبة مع استبعاد الأخرى.

موقف القضاء الفرنسي:

والفكرة الواسعة التي أيدها المشرع الفرنسي لم تكن جديدة في فرنسا حيث أن القضاء الفرنسي قد اتجه إليها قبل صدور قانون 11 مارس 1957، فنجد محكمة السين في 13 فبراير 1904 تسمح بإمكانية قيام الاشتراك بين الأديب والموسيقي على الرغم من إمكانية الفصل بسهولة بين الأنصبة، حيث ذهبت إلى أن هناك بينهما تبادلاً دائماً للآراء ونقداً مشتركاً، كما أن تأثير أفكار كل واحد منهما تترك أثرها على المصنف في مجموعه(1).

وهناك أيضاً الحكم الصادر من محكمة النقد في 7 إبريل سنة 1935 والذي ذهب فيه إلى أن العلاقة الناشئة عن العمل في الأوبرا لا تؤدي في أية حال إلى أن يتدخل رجل الادب في المجال الموسيقي، أو أن يتدخل رجل الموسيقى في مجال تحرير النص الأدبي، فلا يجمع الشريك في نفس الوقت بين صفة رجل الأدب ورجل الموسيقى طبقاً لما هو سائد في أغلب الحالات(2). ونشير أيضاً في هذا المجال إلى حكم محكمة باريس 7 يوليو 1956، والذي حددت فيه المحكمة المصنف المشترك بأنه ذلك المصنف الذي يقوم على فكرة مشتركة، يحاول المؤلفون الوصول إلى نفس الهدف، فإذا كان المصنف الذي تحقق يشكل وحدة، فإن كل الأجزاء الأدبية أو الموسيقية قد ساهمت في تكوين انطباعات المستمع ومشاعره، وكذلك في تحديد رأيه وحكمه على قيمة المصنف(3).

ويلزم اتفاق الشركاء فيما بينهم على قيام المصنف وتحديد النصيب الذي سيساهم به كل شريك، كما يلزمهم الاتفاق على الطريقة التي سيفهم بها كل شريك نصيبه في المصنف.
فالأوبرا وهي من المصنفات المشتركة، كما سبق أن ذكرنا، يلزم فيها الاتفاق بين الموسيقي ورجل الأدب حتى يقوم المصنف كما يلزم وحدة الفكرة واتجاه الإرادة نحو تحقيقها، وهذا العنصر من الأمور الهامة في المصنف المشترك لأنه عن طريقه يمكن التمييز بين المصنف المشترك والمصنف المشتق.

فالشركاء يهدفون إلى وضع مصنف واحد، ومن ثم فلا يمكن لأحد الأفراد أن يفرض نفسه عليهم لكي يشترك معهم في المصنف، بل لا بد من الموافقة على ذلك سواء كانت هذه الموافقة صريحة أو ضمنية ويمكن القول بأن عقد الاشتراك يسبق كل شيء لأن هذا العقد الذي سيقوم على أساسه المصنف يستند على حرية المؤلفين المرتبطين بالتعاقد كل في مواجهة الآخر من أجل الإيداع المشترك.

فالاشتراك يخلق علاقات قانونية بين حقوق والتزامات لا يمكن أن تولد إلا إذا وافق الأطراف عليها، فضلاً عن ذلك فإن النصوص التي وضعها المشرع الفرنسي في مجال الاشتراك قد وردت في أقل نطاق. ومن ثم فإن هذا الفراغ لا يمكن أن يملأ إلا عن طريق الاتفاقات التي تبرم بين الشركاء. ولا يشترط أن يعبر عن هذه الاتفاقات صراحة، بل يمكن أن تستخلص ضمناً من قيامه بالعمل وتبادل الأفكار من أجل إبداع المصنف.

موقف المشرع المصري:

وإذا نظرنا إلى موقف القانون المصري لحماية حق المؤلف (قانون 354 لسنة 1954) من المصنف المشترك، فإننا سنلاحظ انضمام المشرع المصري إلى المعيار الواسع، الذي أيده المشرع الفرنسي، فلم يشترط المشرع المصري أن تكون مختلف الأنصبة التي ساهمت في قيام المصنف المشترك غير قابلة للقسمة بصفة مطلقة بل هو يسمح بقيام المصنف المشتري عندما تندرج الأنصبة تحت نوع مختلف من الفن حيث سمح المشرع في هذه الحالة لكل شريك بالحق في استغلال الجزء الذي ساهم به على حده، بشرط ألا يضر ذلك باستغلال المصنف المشترك إلا إذا اتفق الشركاء على غير ذلك . وإذا كان موقف المشرع المصري لا يتضح من نص المادة 25 من قانون حماية حق المؤلف فإن المادة 26 تعبر عن ذلك بوضوح.. ويمكنك القول بأن المشرع المصري قد اعترف بوجود نوعين من الاشتراك، يقوم النوع الأول في حالة المصنف الذي يشترك فيه أكثر من شخص ولا يمكن فصل نصيب كل منهم كأن يقوم شخصان بكتابة رواية أو تأليف كتاب علمي أو رسم صورة أو نحت تمثال بحيث تمتزج مختلف الأنصبة معاً بطريقة لا يمكن معها أن نميز بين نصيب كل منهما.

وفي هذه الحالة يكون حق المؤلف لكل الشركاء على الشيوع فيما بينهم، إلا إذا اتفق الشركاء على عكس ذلك، فالمشرع يعتبرهم أصحاب المصنف بالتساوي فيما بينهم إلا إذا قاموا هم بتحديد حصة كل منهم في الحق على المصنف، وذلك على ضوء المجهود الذي بذله كل منهم فهم أعلم الناس بهذا الأمر وعند حدوث أية خلافات بين الشركاء فإن المحكمة الابتدائية هي التي تختص بالفصل فيه (المادة 25 من قانون حماية حق المؤلف)، وأما النوع الآخر من المصنفات المشتركة فيكون في حالة اشتراك أكثر من شخص في المصنف بطريقة يمكن فيها الفصل بين الأنصبة المختلفة، وقد عبر المشرع عن ذلك في المادة 26 بقوله “إذا كان اشتراك كل من المؤلفين يندرج تحت نوع مختلف من الفن” وهذا التعبير لا يعبر عن المعنى الحقيقي للمسألة فقد تكون الأنصبة تندرج تحت نوع مختلف من الفن وقد لا تكون كذلك فمن الممكن الفصل بين عمل الأديب وعمل الموسيقي في مجال الأوبرا وهي من المصنفات المشتركة التي تنتمي فيها كل مساهمة إلى فن مختلف، كما أنه يمكن الفصل بين عمل مؤلفَين اشتراكا معاً في كتاب إذا كان كل منهما قد اختص بأبواب محددة على الرغم من أن عملها يخضع لنوع واحد من الفن”.

وفي النوع الأول: لا مجال للتحدث عن قيام الشريك بالاستغلال المنفرد لنصيبه، لأن الأنصبة كما سبق أن ذكرنا تمتزج معاً بطريقة لا يمكن الفصل فيما بينهما، أما النوع الثاني فإن الأنصبة يمكن الفصل فيما بينها، ولذلك يمكن للشريك أن يقوم بالاستغلال المنفرد للجزء الذي ساهم به طالما أن هذا الأمر لا يضر باستقلال المصنف في مجموعه (المادة 26 من قانون حماية حق المؤلف) ولا يكفي لقيام الاشتراك أن يقوم المؤلف بأعمال بسيطة في مجال المصنف كاستبدال كلمة بأخرى، بل لا بد أن يقدم عملاً في المصنف يعبر فيه عن شخصيته أو بتعبير آخر عملاً مبتكراً في إطار الفكرة العامة التي يسعى إليها الشركاء من خلال المصنف.

رأينا الخاص:

وبعد هذا العرض للفكرة الضيقة في الاشتراك والفكرة الواسعة نلاحظ أن الفكرة الضيقة التي لم تعترف بقيام الاشتراك إلا في حالة اندماج مختلف الأنصبة بحيث لا يمكن الفصل بينها قد وقعت في مأزق صعب لأنها لا تقدم لنا تكييفاً للمصنفات التي يشترك فيها أكثر من مؤلف مع إمكانية الفصل بين الأنصبة، لقد ركزت هذه الفكرة على شرط قانوني في مجال الاشتراك وتركت الشرط الجوهري، وهو أن تكون مجهودات المشتركين في المصنف خاضعة لفكرة مشتركة تسير على هداها لتحقيق المصنف المشترك ولا يهم كما سبق أن ذكرنا أن يقوم الشركاء بالعمل في وقت واحد طالما قد وجدت الفكرة وقام الاتفاق بينهم، على وضع المصنف المشترك على أساسها فمؤلف النص الأدبي يعتبر شريكاً مع المخرج مع أن الثاني لا يبدأ عمله إلا بعد انتهاء الأول ولكن العمل في كل الأحوال يسير على أساس الفكرة المشتركة، ويمكن القول بأن الفكرة الضيقة في الاشتراك لا تغطي جميع حالات المصنف المشترك، وأما الفكرة الواسعة فإنها تغطي المصنف المشترك سواء في حالة إمكانية الفصل بين عمل المؤلفين أو في حالة عدم إمكانية الفصل بين أعمالهم، وعلى هذا فهي في رأينا الفكرة الصحيحة وهي التي أخذ بها المشرع سواء في مصر أو في فرنسا بالإضافة إلى العديد من التشريعات في العالم.

الفصل الثاني
المصنفات المشتركة والمصنفات الجماعية

تمهيد وتقسيم:

بعد أن قمنا بتحديد المعيار الصحيح الذي يقوم على أساسه الاشتراك في المصنف، فإننا سنقوم في هذا الفصل بالمقارنة بين المصنفات المشتركة والمصنفات الجماعية، لما لهذا الأمر من أهمية حيث قد يخلط البعض بينهما، كما أننا سنقوم في هذا الفصل بالتركيز على موقف المشرع سواء في مصر أو في فرنسا لنعرف التحديد الذي أعطاه لهذه المصنفات ومدى مطابقته للحقيقة لكي تنتهي بعد ذلك إلى توضيح المعيار الصحيح في هذا المجال، وسنقسم الدراسة في هذا الفصل إلى المباحث الآتية :

المبحث الأول: تحديد المصنف الجماعي.
المبحث الثاني: التمييز بين المصنف المشترك والمصنف الجماعي.
المبحث الثالث: المصنفات السينمائية.

المبحث الأول
تحديد المصنفات الجماعية

تمهيد:

إن التفرقة بين المصنف المشترك والمصنف الجماعي تعد من الأمور الهامة نظراً للخطر الذي يمكن وقوعه بين هذه المصنفات، وقد لعب المشرع سواء في مصر أو في فرنسا دوراً هاماً في تحديد مضمون المصنف الجماعي ولكن على الرغم من هذا الدور فإن الغموض لا يزال يحيط بتحديد هذا المصنف. إذ أن هذه المصنفات تمثل نطاقاً جديداً في مجال المصنفات الفكرية. وتخضع لنظام استثنائي حدده القانون إذ أنها تعتبر وضعاً شاذاً غير مألوف في مجال الملكية الأدبية. حيث قد سمح المشرع بالنسبة لها بأن يتمتع الشخص الاعتباري بصفة المؤلف على نفس الدرجة من المساواة مع الشخص الطبيعي على الرغم من أ ن طبيعة الشخص الاعتباري يستحيل معها القيام بعملية الإبداع الفكري.

لقد حدد المشرع الفرنسي للمصنف الجماعي في المادة 9/3 من قانون 11 مارس 1957 بأنه المصنف الذي ينشأ بناء على مبادرة شخص طبيعي أو اعتباري حيث يقوم بنشر المصنف تحت إشرافه واسمه وتمتزج فيه الأنصبة التي قدمها المؤلفون بحيث لا يمكن أن تخول لكل واحد منهم حقاً مميزاً على مجموع المصنف.

وهذا التحديد الذي وضعه المشرع الفرنسي للمصنف الجماعي يتضح أكثر من ذلك عندما نقرأ المادة 13 من القانون الفرنسي الذي ينص على أن المصنف الجماعي يعتبر – فيما عدا حالة إثبات العكس – ملكاً للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي ينشر المصنف تحت اسمه .

18- كما عالج المشرع المصري المصنفات الجماعية في المادة 27 من قانون حماية حق المؤلف حيث نص على أن “المصنف الجماعي هو المصنف الذي يشترك في وضعه جماعة بتوجيه شخص طبيعي أو معنوي ويتكفل بنشره تحت إدراته وباسمه ويندمج عمل المشتركين فيه في الهدف العام الذي قصد إليه الشخص الطبيعي أو المعنوي بحيث لا يمكن فصل عمل كل من المشتركين وتمييزه على حده ويعتبر الشخص الطبيعي الذي وجه ابتكار هذا المصنف ونظمه مؤلفاً، ويكون له الحق في مباشرة المؤلف.

من دراستنا للنصوص السابقة نلاحظ أن المصنفات الجماعية تمثل خروجاً على القواعد العامة التي تقصر التمتع بصفة المؤلف على الشخص الطبيعي ومن ثم فإنه يلزم أن تكون هذه المصنفات في أضيق نطاق. وقد رفضت محكمة باريس في 27 مايو 1957 في عبارة صريحة دعوى التعويض المرفوعة من جانب شركة تجارية باسمها كمؤلف. ولكن محكمة النقض الفرنسية في 26 أكتوبر 1977 رفضت هذا الحكم واعترضت على أن المحكمة قد أنكرت بدون تحفظ أن تكون الشركة التجارية متمتعة بحقوق الملكية الأدبية والفنية(4).

إن الشيء الذي يثير الانتباه في المصنف الجماعي هو تمتع الشخص الاعتباري بصفة المؤلف لأن المشرع سواء في مصر أو فرنسا قد ركز على الناحية الإنسانية في حق المؤلف عندما جعل الحماية ترتبط بالابتكار وكان المأمول بناء على ذلك ألا يعترف المشرع بصفة المؤلف إلا للشخص الطبيعي.

ولكن المشرع عندما قام بإضفاء صفة المؤلف على الشخص الاعتباري بالنسبة للمصنفات الجماعية حتى لا تحرم من الحماية لا يعني ذلك أنه لم تكن هناك أمامه أية وسيلة أخرى حيث كان من الممكن أن يضع المشرع نظاماً مشابهاً أو قريباً من النظام الذي وضعه للمنتج في الفيلم السينمائي على نحو ما سنراه فيما بعد حيث ندخل بعض القيود على الحق الأدبي ويتم التنازل عن الحق المالي ومن ثم فلن يقدم المؤلفون على وضع أية عراقيل أمام شركات النشر بل سيقدمون لها كل التسهيلات اللازمة دون حاجة إلى اللجوء إلى هذا الخيال البعيد الذي يتعارض مع الحقيقة التي تقصر التمتع بصفة المؤلف على الشخص الطبيعي . والمسألة ليست أن نحظر على شركات الإنتاج ما نوافق على منحه لدور النشر بل كان من الأفضل أن نحظر على الاثنين التمتع بصفة المؤلف مع منحهم بعض الامتيازات.

وكان المشرع الفرنسي قد عدل نص المادة 9/3 حيث ألغى عبارة (بحيث يكون من المستحيل أن نحدد على انفراد عمل كل واحد من المشتركين في هذا المجموع .. وجاء بدلاً منها بعبارة دون أن يكون في الإمكان أن تخول لكل منهم حقاً مميزاً على مجموع المصنف. ونحن نعتقد أن النص الفرنسي بعد تعديله يوضح حقيقة المصنف الجماعي أكثر من النص المصري، فالمشرع المصري يشترط ألا يكون من الممكن فصل عمل كل من المشتركين وتمييزه على حده مع أن المصنف الجماعي يمكن أن يميز فيه عمل المشتركين دون أن يؤثر ذلك على طبيعته.

المبحث الثاني
التمييز بين المصنف المشترك والمصنف الجماعي

أهمية ذلك الأمر:

إن التمييز بين المصنف المشترك والمصنف الجماعي له أهمية كبيرة، فبينما نجد الشريك في المصنف المشترك يتمتع على مجموع المصنف بحقوق حتى على الجزء الذي لم يساهم مباشرة في عمله فإن المؤلف في المصنف الجماعي لا يتمتع بأي حق على المصنف وعليه أن يرضى بما يعطى له في مقابل عمله. إن مقارنة المصنف المشترك بالمصنف الجماعي تظهر لنا أن المصنف الأول يأتي نتيجة عمل مجموعة من المؤلفين كثمرة فكرهم المشترك، على حين أن المصنف الجماعي ينجم عن عمل مجموعة من المؤلفين دون أن يكون بينهم أي تبادل في الأفكار، فالتنسيق يتم عن طريق الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يشرف على المصنف وعلى هذا فإن المؤلفين في المصنف الجماعي يعملون على انفراد ويتم الاتصال بينهم عن طريق الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يشرف على المصنف وليس عن طريق الاتصال بعضهم ببعض، وهذا المعيار الأساسي الذي يجب أن يركز عليه القضاة من أجل التمييز بين المصنف المشترك والمصنف الجماعي.

وقد سبق أن ذكرنا أن المصنفات الجماعية تظهر في صور كثيرة منها مثلآً المعاجم ودوائر المعارف، ونلاحظ بوضوح أن كل واحد من المؤلفين في المصنف الجماعي يهتم بموضوعه دون أن يكون بين مجموع المؤلفين المشتركين في عمل المصنف الجماعي أي تبادل في الأفكار، فالذي يعمل في معجم أو دورية لا يهتم بما يعمله الآخرون، ومن الضروري أن نلاحظ أن عدم القابلية للقسمة لا يعد شرطاً ضرورياً لقيام المصنف الجماعي فعندما يقرر أحد الشركاء فصل المقالة التي قدمها واستغلالها منفردة فإن ذلك لا يكون محظوراً بشرط ألا يضر ذلك بالمصنف في مجموعه وألا يكون هناك شرط يقضي بعكس ذلك: ولكن خصائص المصنف المشترك والمصنف الجماعي قد تختلطان معاً وهذا ما يحدث عندما يكتب مؤلفان معاً مقالة في دائرة من دوائر المعارف وفي هذه الحالة نكون أمام مصنف جماعي مندرج فيه مصنف مشترك.

ويترتب على ذلك توحيد مدة الحماية حيث أنها ستصبح خمسين عاماً من تاريخ النشر وليس من تاريخ وفاة آخر شريك كما هو الحال في المصنفات المشتركة، ولكن إذا قام الشركاء بفصل مصنفهم واستغلاله منفرداً عن المصنف الجماعي فإنه يلزم في هذه الحالة الحصول على موافقة باقي الشركاء كما أن الخصائص التي كانت في حالة سكون ستبدأ في الظهور حيث تحسب مدة الحماية على أساس خمسين عاماً بعد وفاة آخر شريك.

المبحث الثالث
المصنفات السينمائية

المقصود بالمصنف السينمائي:

وفي إطار دراستنا للمصنفات المشتركة يلزمنا أن نتكلم عن المصنفات السينمائية ومن الضروري في بداية الأمر أن نوضح العلاقة بين الفيلم والمصنف السينمائي حتى لا نقع في الخطأ الشائع الذي يخلط بين الفيلم والمصنف السينمائي، فالفيلم ما هو إلا مجموعة متتابعة من الصور تعرضها آلة العرض على المشاهدين عن طريق الشاشة وقد يتبادر إلى الذهن أن المصنف السينمائي هو الآخر مجموعة من الصور ولكن هذا الأمر يتضمن خلطاً فالفيلم ما هو إلا الجسم المادي الذي يحمل المصنف السينمائي إلى المشاهدين ويمكن تشبيه الفيلم بالكتاب إذ أن هذا الأخير ما هو إلا الجسم المادي الذي يحمل فكرة المؤلف التي أراد أن يقدمها لقرائه.

إن دراسة موضوع المصنف السينمائي له أهمية كبرى وذلك حتى يمكن معرفة المسؤول عن إدارة الفيلم و استغلاله وعلى الخصوص إذا عرفنا أن الفيلم يكلف مبالغ طائلة تصل في بعض الأحيان إلى الملايين علاوة على أن الاستغلال يجب أن يكون في أوسع نطاق ولفترة قصيرة جداً وما يتضمنه ذلك من مخاطر الخسارة فبعد عدة أشهر أو عدة سنوات على أكثر تقدير يكون الفيلم قد انتهى فيما عدا بعض الاستثناءات وقد كان المشرع الفرنسي في قانون 11 مارس سنة 1957 صريحاً وحاسماً حيث أنه رفض أن يتمتع المنتج بصفة المؤلف الوحيد للفيلم ووصف المصنفات السينمائية بأنها مصنفات مشتركة وهذا ما عبرت عنه المادة 14/2 من ذلك القانون كما أن المشرع الفرنسي قد وصف المنتج بأنه الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يتخذ المبادرة ويتحمل المسؤولية نحو تحقيق الفيلم دون أن يعترف له بأية امتيازات من التي يخولها الحق الأدبي أو الحق المالي للمؤلف.

ولكن المشرع الفرنسي قد فتح الباب أمامه لاعتباره أحد المشتركين في العمل السينمائي بشرط أن يكون شخصاً طبيعياً وأن يساهم بنشاط مبتكر (المادة 24/1 من قانون 11 مارس 1957)… ولا يمكن أن يكون النص معيباً لعدم ذكر الأشخاص الاعتباريين، لأن هذه الأشخاص ليست أهلاً للقيام بالإبداع الفكري فضروريات الحياة هي التي قد اقتضت أن نعترف لها بالشخصية القانوينة، وأما الإبداع الفكري فهو ثمرة الذكاء والعقل وهي أمور لا تتوافر إلا في الشخص الطبيعي. وإذا كان من الممكن السماح للمنتج كشخص طبيعي قدم نشاطاً مبتكراً في الفيلم بأن يكون أحد الشركاء في المصنف السينمائي فإنه من غير الممكن الاعتراف له بصفة المؤلف الوحيد لأن معنى ذلك أن يقوم وحده بكل الأعمال الفكرية والمبتكرة في الفيلم وهو أمر يصعب حدوثه.

كذلك فقد عالج المشرع المصري دور المنتج في الفيلم في المادة 34/1 من قانون حماية حق المؤلف وهو لم يعترف له بصفة المؤلف الوحيد للفيلم بل اعتبره المسؤول الذي يضع في متناول مؤلفي المصنف السينمائي الوسائل المادية والمالية الكفيلة بإنتاج المصنف وتحقيق إخراجه وبالتالي فإن مهمة المنتج هي مهمة مادية محضة ولا صلة بالعمل الابتكاري وعلى هذا فلم يذكره المشرع المصري وسط الشركاء الذين حددهم في المادة 31 من قانون حماية حق المؤلف والتي يفهم منها أن المشرع المصري قد اعتبر المصنف السينمائي مصنفاً مشتركاً حيث قد ابتعد عن الفكرة التي تقرب المصنف السينمائي في المصنف الجماعي.

ونحن نؤيد المشرع المصري تماماً من جعل المصنف السينمائي مصنفاً مشتركاً على الرغم من أن عمل الشركاء في المصنف السينمائي يكون على مراحل متتالية. فإذا نظرنا إلى العلاقة بين كاتب السيناريو والمخرج فسنجد أن الأول يقوم بعمله أولاً ثم يأتي دور الثاني لكي يكمل هذا العمل فهي أعمال متتابعة. ولكن ليس معنى قيام الشركاء في المصنف السينمائي بأعمالهم على مراحل متتابعة أن تضفي على هذا المصنف صفة المصنف الجماعي فهم يعملون كما نعرف على ضوء الفكرة المشتركة التي يسعى المصنف السينمائي إلى نشرها. كما أن المشاركين في عمل المصنف الجماعي يتنازلون بإرادتهم عن حقوقهم للمسؤول عن المصنف، بينما نجد الشركاء في الفيلم يصرون على حقوقهم وعلى ظهور اسمائهم على المصنف.

لقد حدد المشرع المصري الشركاء في المصنف السينمائي في المادة 31 من قانون حماية حق المؤلف، حيث نص على أن يعتبر شريكاً في المصنف السينمائي:
1. مؤلف السيناريو أو صاحب الفكرة المكتوبة للبرنامج الإذاعي التلفزيوني.
2. مؤلف الحوار.
3. من قام بتحديد المصنف الأدبي الموجود بشكل يجعله ملائماً للفن السينمائي.
4. واضع الموسيقى إذا قام بوضعها خصيصاً للمصنف السينمائي.
5. المخرج إذا بسط رقابة فعلية بعمل إيجابي من الناحية الفكرية لتحقيق المصنف السينمائي. ولكن إذا اقتصر دوره على الأعمال الفنية كتحديد الأدورا فلا يعد شريكاً.
6. مؤلف المصنف الأصلي الذي اقتبس منه المصنف السينمائي وكان يجب ألا يضاف هذا الشخص طالما أنه لم يشترك في تحرير المصنف فهو لا يعد شريكاً ولم يقم بأي نشاط يسمح له بحمل هذه الصفة .

ولم يذكر لنا المشرع المصري المنتج وسط الشركاء، وهذا الموقف لا غبار عليه لأن المنتج كما ذكرت المادة 34 من قانون 354 لسنة 1954 هو الشخص الذي يتولى تحقيق الشريط أو يتحمل المسؤولية في هذا التحقيق ويضع في متناول مؤلف المصنف السينمائي أو الإذاعي أو التلفزيوني الوسائل المادية والمالية الكفيلة بإنتاج المصنف لتحقيق إخراجه. وهذا النشاط لا يؤدي إلى تمتع المنتج بصفة الشريك في المصنف السينمائي فهو نشاط مادي بحت ولكن المشرع المصري اعتبره دائماً ناشراً للمصنف السينمائي (المادة 34/2) ويترتب على ذلك أنه يصبح نائباً من مؤلف المصنف السينمائي وعن خلفهم في الاتفاق على عرض الفيلم أو استغلاله. مع عدم الإخلال بحقوق مؤلف المصنفات الأدبية أو الموسيقية المقتبسة كل هذا ما لم يتفق على غيره ولم يذكر المشرع المصري الممثلين وسط الشركاء وهو نفس الشيء في فرنسا، وقد تعرض هذا الموقف من جانب المشرع للنقد الشديد. فهو مثار دهشة كبيرة حيث أن دور الممثلين لم يناقش ولم يذكر كما لو كانوا يقومون بعمل تافه لا يستحق أي إشادة.. إن صمت المشرع سواء في مصر أو في فرنسا عن ذكر الممثلين وسط الشركاء في المصنف السينمائي لا يعني أن نهمل حقوقهم حيث إنهم لن يجدوا صعوبة في إثبات أن أنصبتهم تحمل بصمات شخصياتهم وأنهم قد لعبوا دوراً هاماً في الابتكار في مجال المصنف السينمائي.

وبعد هذا العرض للشركاء في المصنف السينمائي نستبعد ثلاثة أشخاص لا يعتبرون شركاء في المصنف وهم:

1. المصور: فهو لا يتمتع بصفة المؤلف لأنه يحرك الكاميرا بناءً على أوامر المخرج، فهو يتحرك كآلة وليس كمفكر، ولكن ليس معنى ذلك انعدام الفرصة التامة تماماً في اكتساب هذه الصفة فقد يثبت المصور أنه كان يتدخل في أقسام أخرى غير قسمة بأعمال مبتكرة.
ولكننا نرى أن الاعتراف في هذه الحالة مصدره عمل المصور في مجال آخر غير مجال التصوير فهو يكتسب صفة المؤلف لا كمصور وإنما كمشارك في عمل آخر أظهر فيه درجة من الابتكار.

2. مركب الفيلم: وهو يقوم بعمل لا يخلو من الابتكار ومع ذلك لم يذكره المشرع المصري وسط الشركاء.

3. المترجم: ولا يعد المترجم شريكاً في المصنف السينمائي فهو لا يقوم بعمل مبتكر يعبر فيه عن شخصيته بل يقوم بعمل له طابع مادي محض.