يمكن للباحث في التشريع باعتباره أحد المصادر الرسمية للقواعد التي تحكم الأحوال الشخصية أن يبحث في معناه ومزاياه وعيوبه ولما كنا قد أشرنا إلى المقصود بالتشريع سابقاً وأن مزايا وعيوب التشريع قد تكفلت ببيانها معظم إن لم نقل كل كتب المدخل لدراسة القانون فلن نبحث في هذا الموضوع من دراستنا شيئاً من ذلك وانما سنكتفي بالاشارة إلى أبرز مايميز القواعد التشريعية عن غيرها من القواعد إلا وهو الكتابة فكما هو معلوم أن القواعد التشريعية يتم التعبير عنها في صورة مكتوبة فلا تكون القاعدة التشريعية ملزمة للجماعة إلا إذا افرغت في وثيقة مكتوبة مع مراعاة الاجراءات الاخرى(1). وكما هو معلوم (أن الكتابة توفر للقاعدة القانونية الوضوح إذ المفروض أن تكون صياغتها بلغة قانونية سليمة… ولئن كانت الكتابة توفر للقاعدة التشريعية الوضوح والثبات فانها من ناحية أخرى قد تكون مصدر متاعب إذا لم تكن الصياغة موفقة وسليمة فالصياغة المعيبة تخرج القاعدة التشريعية في صورة ناقصة ترهق من يقوم على تطبيق القانون أو تفسيره)(2).

وهذا يعكس بشكل واضح ما للصياغة في القوانين من اثر عظيم في قيمة تلك القوانين ومقدار تحقيقها للغايات المقصودة فقد (تسمو بها فتجعلها كالصروح المنيفة وقد تهبط بها إلى مستوى الأكواخ والأطلال إذ هي لا تقتصر على شكل الفانون ومظهره فحسب بل هي التي تحدد القانون وغاياته ومعانيه لا بل إنها ترسم أدق صورة لمستوى الأمة التي شرع القانون لها لهذا وجب أن يكون من يتصدى لوضع تشريع ما عالما بأسرار اللغة التي يكتب فيها أو يترجم عنها واقفا على دقائق علومها وآلاتها بعيدا عن الخطأ واللحن سليم الذوق يحسن اختيار الألفاظ ووضعها مواضعها ينزه تشريعه عن العامي منها وعن الدخيل عليها متين الأسلوب رتيب الفكر يجيد عرض أفكاره صافية متتابعة ويتقن توزيعها على مواد القانون وفصوله إذا ما تعددت)(3). ولا يخفى ان الصياغة القانونية تعتمد الكلمات والالفاظ فالاخيرة هي ادوات العمل في يدي المشتغل بالقانون فهي التي تتولى التعبير عن الافكار(4). وبالتالي تساهم بنصيب وافر في سلامة الصياغة أو انحرافها، وتستمد اللغة القانونية كلماتها من اللغة العامة ولكن الكلمة قد يتخصص معناها في لغة القانون كما أن بعض الكلمات تكون عديمة الاستعمال في اللغة العامة ويكاد استعمالها يقتصر على لغة القانون … ولا يكفي عادة عند الصياغة التوفيق في اختيار الكلمات المعبرة بل ينبغي فضلا عن ذلك أن تأتي الصياغة في اسلوب قانوني ذلك الاسلوب الذي يجب ان يكون محددا ودقيقا بحيث يتجنب الالفاظ والكلمات التي تحتمل معنى مزدوجا ومثل هذا الضبط في اسلوب الصياغة واختيار كلماتها هو الذي يوفر للقاعدة القانونية الدقة والتحديد.

وتقضي الدقة في الصياغة الابتعاد عن التكرار والاستطراد وتظهر المهارة في تجريد الاسلوب من الجمل والالفاظ التي تؤدي معنى مكررا أو التي لا تعبر عن معنى مفيد. كما تقتضي البساطة والوضوح دون التخلي عن قدر من العناية باللفظ بل والتأنق فيه على ان لا تكون هذه العناية دافعا الى الاسراف في الابتكار أو الابتداع بل يجب أن تستقر لغة القانون بكلماتها والفاظها مهما طال بها الزمن ما دامت قادرة على التعبير عن المعنى المطلوب ويقتصر الابتداع على تلبية الحاجة لما يستجد من اوضاع لم يكن لها مقابل في نظم ماضية)(5). هذه العناية في الصياغة القانونية لها الاثر الكبير في تطبيق القانون فليس (يصح لسان القضاء ان اعتلت لغة القانون وركبتها الامراض أو كان قانونا ابكما لا يفهم قارئه مراد واضعه)(6). (وما اظن أن في الدنيا امة عنيت بلغة القوانين مثل عنايتنا ولا اشتغلت به مثل اشتغالنا حتى صار لدينا علم خاص بتنظيم لغة القانون وبيان ما تفيده كل كلمة فيه وكل حرف منه وما يفهم منه وما ينتج عنه هو علم الاصول ولكن من بيدهم امر وضع القوانين لا يعرفون علومنا ولا وقوف لهم على فقهنا والفقهاء العالمون منا – أكثرهم- لا خبرة لهم بوضع القوانين)(7). لذلك كانت الهوة بين تشريعنا الإسلامي في بطون كتب الفقه وتشريعنا الرسمي المتمثل بالقوانين لذا نحن بامس الحاجة إلى جيل من العلماء يفقهون الشريعة ويحسنون لغة القانون فياتوا باوضح واسلم الوسائل إلى انفع الغايات وهذا ما اجتهد المشرع القانوني للاحكام المتعلقة بالاحوال الشخصية إلى تحقيقه إلا انه وقع وهو بصدد بيان هذه الأحكام في كثير من الاخطاء سواء في الوسيلة أو في الغاية ومن هذه الاخطاء على سبيل المثال لا الحصر:

– المادة الثالثة: (4. لايجوز الزواج بأكثر من واحدة إلا بأذن القاضي ويشترط لاعطاء الأذن تحقق الشرطين التاليين:

أ. أن تكون للزوج كفاية مالية لأعالة أكثر من زوجة واحدة.

ب. أن تكون هناك مصلحة مشروعة.

5. إذا خيف عدم العدل بين الزوجات فلا يجوز التعدد ويترك تقدير ذلك للقاضي.

7. استثناءاً من أحكام الفقرتين (4) و (5) من هذا المادة يجوز الزواج بأكثر من واحدة إذا كان الزواج بها أرملة).

فقد استثنى المشرع الزواج بالأرملة من أحكام الفقرتين الرابعة والخامسة وأرى أن المشرع قد جانب الصواب في هذا الاستثناء فالظاهر ان المشرع اراد مصلحة المرأة الأرملة وصلاحها في عدم استثناءها هذا من جهة ومن جهة ثانية فأن هذه الشروط التي وضعها القانون لا تتعلق بالزوجة الأخرى فقط وأنما تتعلق بمصلحة الزوحة أو الزوجات السابقات فعدم التحقق الكفاية المالية لن يضر في مصلحة الأرملة فقط وأنما سيؤدي إلى الاخلال بمصلحة معتبرة للزوجة السابقة.

– المادة السادسة الفقرة الثانية والتي نصت على (ينعقد الزواج بالكتابة من الغائب لمن يريد أن يتزوجها بشرط أن تقرا الكتاب أو تقرؤه على الشاهدين وتسمعهما عبارته وتشهدهما عبارته وتشهدهما على انها قبلت الزواج منه).

فكما هو معلوم أن الايجاب في عقد الزواج كما يكون من الرجل يمكن أن يكون من المراة فكان الأولى بالمشرع أن يقول بدل كلمة (يتزوجها، تقرا، تقرؤه، وتسمعهما، وتشهدهما، انها قبلت) بقوله (يتزوجه، يقرا، يقرؤه، ويسمعهما، ويشهدهما ، انه قبل) ليشمل الذكر والانثى القابل.

– المادة السابعة الفقرة الثانية والتي نصت على (للقاضي أن ياذن بزواج احد الزوجين المريض عقليا إذا ثبت بتقرير على أن زواجه لا يضر بالمجتمع وانه في مصلحته الشخصية إذا قبل الزوج الاخر بالزواج قبولا صريحا).

فعبارة احد الزوجين في هذه المادة عبارة زائدة كان الأولى بالمشرع أن يرفعها وايضا أن يستبدل عبارة الزوج(8). الاخر بعبارة الطرف الاخر لتكون الفقرة (للقاضي أن ياذن بزواج المريض عقليا إذا ثبت بتقرير على أن زواجه لا يضر بالمجتمع وانه في مصلحته الشخصية إذا قبل الطرف الاخر بالزواج قبولا صريحا).

– المادة الثامنة الفقرة الثانية والتي تنص على (للقاضي أن ياذن بزواج من بلغ الخامسة عشرة من العمر إذا وجد ضرورة قصوى تدعو إلى ذلك ويشترط لا عطاء الاذن تحقق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية).

فكلمة للقاضي تدل على أن القاضي له أن يقبل أو يرفض طلب الزواج هذا، وكان على المشرع أن يلزم القاضي بالاذن في حالة وصفها المشرع بانها ضرورة قصوى لتكون الفقرة (على القاضي أن ياذن بزواج من بلغ الخامسة عشرة من العمر إذا وجد ضرورة قصوى تدعو إلى ذلك ويشترط لاعطاء الاذن تحقق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية).

– المادة الثالثة عشرة (اسباب التحريم قسمان مؤبدة ومؤقتة فالمؤبدة هي القرابة والمصاهرة والرضاع والمؤقتة الجمع بين زوجات يزدن على اربع وعدم الدين السماوي والتطليق ثلاثا وتعلق حق الغير بنكاح أو عدة وزواج احدى المحرمين مع قيام الزوجة الاخرى) فذكر المشرع في المحرمات على التاقيت الجمع بين زوجات يزدن على اربع وزواج احدى المحرمين مع قيام الزوجة الاخرى وكما هو معلوم أن كلا من الأول والثاني عبارة عما يتعلق به التحريم لا اسباب التحريم فكان الأولى بالمشرع أن يعبر عن هذه الاسباب بعبارة أخرى مثلا قيام الزوجية باربع زوجات ، قيام الزوجية باحدى المحرمين لتكون المادة (اسباب التحريم قسمان مؤبدة ومؤقتة فالمؤبدة هي القرابة والمصاهرة والرضاع والمؤقتة قيام الزوجية بأربع زوجات وعدم الدين السماوي والتطليق ثلاثا وتعلق حق الغير بنكاح أو عدة وقيام الزوجية باحدى المحرمين).

– المادة الثالثة والأربعون الفقرة السادسة من أولا (إذا وجدت بعد العقد أن زوجها مبتلى بعلة لا يمكن معها معاشرته بلا ضرر…. وللزوجة أن تمتنع عن الاجتماع بالزوج طيلة مدة التأجيل…) والصواب أن يقول المشرع (وللزوجة أن تمتنع عن معاشرة الزوج طيلة مدة التأجيل …).

– المادة الخامسة والثلاثون الفقرة الثانية والتي تنص (لا يقع طلاق الاشخاص الآتي بيانهم 2- المريض في مرض الموت او في حالة يغلب في مثلها الهلاك اذا مات في ذلك المرض او تلك الحالة وترثه زوجته) فقد خرج المشرع في هذا عن اجماع الفقهاء في هذه المسالة في الحكم بعدم ايقاع طلاق المريض في مرض الموت او في حالة يغلب في مثلها الهلاك اذا مات في ذلك المرض والصواب النص على توريثها فقط مع ايقاع الطلاق معاملة للمطلق بنقيض قصده وان ينص على هذا التوريث في المادة الثامنة والثمانون والتي نصت على المستحقين للتركة.

– المادة الثامنة والثمانون (المستحقون للتركة هي الاصناف التالية:

1. الوارثون بالقرابة.

2. المقر له بالنسب.

3. الموصى له بجميع المال.

4. بيت المال.

فلم ينص المشرع في هذه المادة الى الوارثين بالنكاح الصحيح

والصواب ان يقول المشرع المستحقون للتركة هم الاصناف التالية:

1. الوارثون بالقرابة.

2. الوارثون بالنكاح الصحيح وترث المطلقة التي يطلقها زوجها في مرض الموت او في حالة يغلب في مثلها الهلاك اذا مات في ذلك المرض او تلك الحالة اذا طلقها دون سبب منها

3. المقر له بالنسب.

4. الموصى له بجميع المال.

5. بيت المال.

هذه بعض الامثلة وهناك امثلة اخرى على الاخطاء التي وقع فيها المشرع والذي كان يجب عليه ان يكون اكثر دقة في التعبير واكثر اصابة للمصلحة.

________________________

[1]- كالاصدار والنشر والنفاذ.

2- ينظر د.شمس الدين الوكيل، دروس في القانون، منشأة المعارف ط1 1966، ص149ـ150.

3- ينظر د. عدنان الخطيب، لغة القانون في الدول العربية، المطبعة الهاشمية بدمشق، ط2، 1371هـ، 1952م ص33ـ34

4- قال الشاطبي في الموافقات (ما تقرر من أمية الشريعة وأنها جارية على مذاهب أهلها وهم العرب ينبني عليه قواعد… منها أن يكون الاعتناء بالمعاني المبثوثة في الخطاب هو المقصود الأعظم بناء على أن العرب إنما كانت عنايتها بالمعاني وإنما أصلحت الألفاظ من أجلها وهذا الأصل معلوم ثم أهل العربية فاللفظ إنما هو وسيلة إلى تحصيل المعنى المراد والمعنى هو المقصود) ينظر الشاطبي، الامام ابي اسحاق ابراهيم بن موسى اللخمي: الموافقات في اصول الشريعة، دار المعرفة، 1975م، تحقيق الشيخ عبد الله دراز. 2/81 ـ 87.

5- ينظر شمس الدين الوكيل، المرجع السابق ص158ـ159.

6- ينظر د. عدنان الخطيب، المرجع السابق، ص10.

7- المرجع السابق، ص13ـ14.

8- إلا إذا اراد المشرع بعبارة الزوج الاخر باعتبار ما سيؤول اليه ولا يخفى أن هذا الاستعمال من قبيل المجاز الذي ينبغي أن تبتعد عنه الصياغة القانونية.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .