اهم الانتقادات التي يمكن توجيهها قانون حق الزوجة المطلقة في السكنى:-

أولاً -افتقار القانون للأساس الشرعي والقانوني :

لقد اعطى القانون المرقم 77 لسنة 1983 للزوجة المطلقة الحق في البقاء ساكنةً بمسكن الزوجية لمدة ثلاث سنوات من تاريخ إخلاء الزوج له وهذا يعني انه اعطى الحق للزوجة في السكنى حتى بعد انقضاء عدتها وصيرورتها اجنبية عن الزوج وهو ما يخالف احكام الشريعة وآراء الفقه الاسلامي بمختلف مذاهبه التي تعد المصدر الاساس في تقرير أي حق من الحقوق الزوجية . فلقد اجمع الفقهاء على ان الزوجة تستحق النفقة ومنها ( السكنى ) من زوجها بمجرد العقد عليها باعتباره السبب الموجب لنفقتها عليه (1). فإن طلقت او فرق القاضي بينهما استحقت النفقة والسكنى إلى حين إنقضاء عدتها (2). فان انقضت عدتُها انقضى حقها في السكنى والنفقة تبعاً لذلك ، ولم يقل احد من الفقهاء في حدود إطلاعنا باستحقاق المطلقة بعد انقضاء عدتها وصيرورتها اجنبية عن الزوج المطلق للنفقة ومنها السكنى ، بل ان قسماً من الفقهاء قال بعدم استحقاق المعتدة من وفاة او من طلاقٍ بائن للسكنى(3). وعليه فإن قانون حق الزوجة المطلقة في السكنى قانون لا اساس له من الناحية الشرعية بتاتاً . هذا من الناحية الشرعية ، اما من الناحية القانونية ، فان القانون المذكور يتعارض مع نص المادة (58) من قانون الاحوال الشخصية العراقي النافذ ، والتي نصت على ان ( نفقة كل انسان في ماله الا لزوجة فنفقتها على زوجها ) وبما ان النفقة تشمل السكنى ويقصد بالزوجة هنا المرأة التي هي في عصمة الرجل فأن المطلقة التي انقضت عدتها لا تستحق السكنى من مطلقها بموجب هذا النص . كما اننا لم نجد في القوانين العربية نصا تمنح المطلقة بموجبه هذا الحق. فالمادة (4) من قانون الاحوال الشخصية المصري المرقم 44 لسنة 1979 نصت على ان ( للمطلقة الحاضنة بعد طلاقها الاستقلال مع صغيرها بمسكن الزوجية المؤجر ، ما لم يهيء الزوج المطلق سكناً اخر مناسباً فإذا إنتهت الحضانة أو تزوجت المطلقة فللمطلق ان يستقل دون مطلقته بذات المسكن اذا كان من حقه ابتداءً الاحتفاظ به قانوناً …) . ويفهم من هذا النص ان المشرع المصري لم يمنح الزوجة المطلقة بعد طلاقها وصيرورتها اجنبيةً ، حق السكنى في مسكن الزوجية المؤجر بدافع انساني وهو احتمال بقائها بلا مأوى بل بسبب حضانتها ، فان انتهت مدة الحضانة انتهى حقها في البقاء في المسكن المؤجر وللزوج استرجاعه ان كان من حقه الاحتفاظ به قانوناً(4). وان لم يكن للمطلقة أولاد من مطلقها فإنها لا تستحق السكنى ابتداءً ، وقد يقال ان القانون المرقم 77 لسنة 1983 قد اعطى للمطلقة حق السكنى بسبب الحضانة أيضاً، والرد على ذلك ان القانون المذكور اعطى للمطلقة حق السكنى لاعتبارات العدالة التي تقضي بإبقاء الزوجة المطلقة التي لا مأوى لها ، ساكنةً بمسكن الزوجية بدليل ما ورد في الاسباب الموجبة لهذا القانون ، كما ان الحديث عن جواز إسكان المطلقة لمن كان تحت حضانتها بموجب المادة (2/ف1 / البند ب) قد جاء عرضاً والدليل ان الزوجة المطلقة تستحق السكنى بموجب هذا القانون وان لم يكن لها اطفال من مطلقها .

ثانياً – ضعف التبرير الذي استند اليه المشرع العراقي في اصدار هذا القانون :

لقد تبين لنا من خلال عرض الاسباب الموجبة لهذا القانون ان المشرع العراقي استند في منحه هذا الحق للمطلقة الى اعتبارات العدالة التي تقضي بمنح الزوجات اللواتي يبقين بلا مأوى بعد طلاقهن او تفريقهن حق البقاء في مسكن الزوجية مدة تكفيها لتهيئة مسكن يأويها ، لان الزوج هو الاقدر على تهيئة مسكن له . وبناءً على ذلك تحرم الزوجة المطلقة بموجب المادة (3) من القانون المرقم 77 لسنة 1983 من هذا الحق اذا كانت تملك على وجه الاستقلال داراً او شقة سكنية(5)، ولا تحرم من هذا الحق ان كانت تملك سهما او حصة شائعة في دار او شقة سكنية فلو افترضنا ان الزوجة موسرة وكانت لديها اموال نقدية او عينية دون ان يكون لها مسكن مملوك وكان الزوج فقيرا لا يستطيع في ظل ازمة السكن وارتفاع بدلات الايجار ان يجد له مسكناً يأويه فان للمطلقة اخراجه من المسكن والبقاء فيه لمدة ثلاث سنوات من تاريخ إخلائه. والسؤال الذي يطرح هل ان اعتبارات العدالة تقضي بإسكان الزوجة في مسكن مطلقها المعسر وطرده منه تنفيذاً لرغبة الزوجة في الاضرار بزوجها مستغلة بذلك هذا القانون . وهل من العدل والحكمة ان نكلف الزوج المطلق الذي اصبح أجنبياً عن الزوجة بإسكانها في مسكنه والبحث له عن مسكن غيره ، في حين ان الشرع والقانون يوجبان نفقة المرأة وسكناها على من تجب عليه نفقتها وسكناها وهم اهلها واقاربها وذوو رحمها بعد طلاقها . وعلى فرض ان الزوجة المطلقة لا مسكن لها ولا يوجد من تجب عليه نفقتها (وهن قليلات) أليس من الواجب على الدولة بإعتبارها الراعية لمصالح الناس والقائمة على توفير سبل العيش ان تتولى تهيئة مساكن جماعية لهن شأنها في ذلك شأن مساكن العجزة ودور الايتام بدلاً من تكليف الزوج بذلك ؟

ثالثاً – حصول المطلقة على السكنى من جهتين :

لقد نصت الفقرة (3) من المادة (39) من قانون الاحوال الشخصية العراقي النافذ على انه ( اذا طلق الزوج زوجته وتبين للمحكمة ان الزوج متعسف في طلاقها وان الزوجة اصابها ضررا من جراء ذلك تحكم المحكمة بطلب منها على مطلقها بتعويض يتناسب وحالته المادية ودرجة تعسفه يقدر جمله على ان لا يتجاوز نفقتها لمدة سنتين علاوة على حقوقها الثابتة الاخرى ) .

ويفهم من هذا النص ان الزوجة المطلقة طلاقا تعسفيا تستحق تعويضا من مطلقها بسبب هذا الطلاق اذا تحققت الشروط الاتية :

1.ان يكون الزوج متعسفا في حقه في ايقاع الطلاق .

2.ان يصيب الزوجة ضرر من جراء الطلاق .

3.ان تطلب الزوجة من المحكمة التعويض عن الطلاق التعسفي .

4.ان يكون التعويض متناسبا مع حالة الزوج المادية .

5.ان لا يتجاوز مقدار التعويض النفقة لمدة سنتين(6).

فإذا تحققت تلك الشروط كان للزوجة المطلقة مطالبة مطلقها بتعويض مالي يعادل نفقة سكناها لمدة سنتين ونفقة مأكلها وملبسها وغيرها من النفقات الاخرى لمدة سنتين أيضاً .

والسؤال الذي يطرح : اذا كانت الزوجة المطلقة بلا مأوى وهو التبرير الذي ساقه مشرع القانون رقم 77 لسنة 1983 لاستحقاق الزوجة المطلقة للسكنى في مسكن زوجها المطلق ، ألا تستطيع الزوجة ايجاد مسكن للايجار من التعويض الذي حصلت عليه ؟ هذا من جهة ، ومن جهة أخرى كيف يمكن وبأي وجه ان يكون للمطلقة السكنى من جهتين ؟ جهة نفقة السكنى وجهة التعويض عن الطلاق التعسفي وهو ما يعادل نفقة السكنى .

وبناءً على ما قدمناه من انتقادات موضوعية لهذا القانون نوصي بالغائه جملة وتفصيلاً .

___________________

[1]- الكاساني ، بدائع الصنائع ، مصدر سابق ، ج4 ، ص15 ؛ الشربيني ، مغني المحتاج ، مصدر سابق ، ج3 ، ص425؛ ابن قدامة ، المغني ، ويليه ابن قدامة المقدسي ، الشرح الكبير ، مصدر سابق ، ج9 ، ص229 .

2- ينظر : ص 46 من هذه الرسالة .

3- ينظر : ص 46 من هذه الرسالة .

4- انظر : نص المادة (4) من قانون الاحوال الشخصية المصري المرقم 44 لسنة 1979 .

5- ينظر : نص المادة (3/ف د) من القانون المرقم 77 لسنة 1983 .

6- جمعة سعدون الربيعي ، احكام النفقة شرعاً وقانوناً وقضاءً ، ص ص 199-202 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .