في الشق العاجل من الدعـوى رقم 62 لسنة 40 ق “منازعة تنفيذ” جلسة 5 / 1 / 2019

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد العشرون من يناير سنة 2019م، الموافق الرابع عشر من جمادى الأولى سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار / محمد خيرى طه النجار نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمى إسكندر والدكتور حمدان حسن فهمى ومحمود محمد غنيم نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ تامر ريمون الرئيس بهيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الشق العاجل من الدعـوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 62 لسنة 40 قضائية “منازعة تنفيذ”.
المقامة من
1- السيد المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليــــا بصفته
2- القائم بعمل أمين عام المحكمة الدستورية العليـــــــا بصفته
3- مدير عام الاستحقاقات بالمحكمة الدستورية العليا بصفته
4- مندوب وزارة المالية بالمحكمة الدستورية العليـا بصفته
ضــــــد
السيد المستشار / عبدالعزيز على عبدالعزيز على حمزة

الإجراءات
بتاريخ السادس والعشرين من ديسمبر سنة 2018، أودع المدعون بصفتهم صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، بطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بجلسة 21/2/2015 في الطعن رقم 423 لسنة 59 قضائية عليا، والأمر بتنفيذ الحكم بمسودته وبغير إعلان، وفى الموضوع بعدم الاعتداد بالحكم المشار إليه، والاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 24/2/2015 في الدعوى رقم 1 لسنة 37 قضائية “طلبات أعضاء”.

ونُظر الشق العاجل من الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمـــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى عليه وآخرين، كانوا قد استصدروا حكمًا من المحكمة الإدارية العليا بجلسة 21/2/2015 في الطعن رقم 423 لسنة 59 قضائية عليا، ضد وزير العدل ورئيس هيئة النيابة الإدارية، بأحقيتهم في مساواة رواتبهم وبدلاتهم وكافة مزاياهم المالية بزملائهم من أعضاء المحكمة الدستورية العليا شاغلى ذات الدرجة بذات التاريــخ، وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية، وبمراعاة أحكام التقادم الخمسى، وقد أسست المحكمة قضاءها على سند من أن: المادة الأولى من القانون رقم 88 لسنة 1973 ببعض الأحكام الخاصة بأعضاء النيابة الإدارية تنص على أن “تحدد وظائف ومرتبات وبدلات أعضاء النيابة الإدارية وفقًا للجدول الملحق بهذا القانون وتسرى فيما يتعلق بهذه المرتبات والبدلات وكذلك بالمعاشات وبنظامها جميع الأحكام المقررة والتى تقرر في شأن أعضاء النيابة العامة ….”، وينص البند تاسعًا من قواعد تطبيق جدول مرتبات رجال القضاء والنيابة العامة المرفق بقانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972 المعدل بالقانون رقم 11 لسنة 1981 على أنه “…. ولا يجوز أن يقل مرتب وبدلات من يشغل إحدى الوظائف القضائية عن مرتب وبدلات من يليه في الأقدمية في ذات الوظيفة …”. وأضافت المحكمة أن المحكمة الدستورية العليا استعرضت في طلب التفسير رقم 3 لسنة 8 قضائية “تفسير” بجلستها المنعقدة في 3/3/1990 نصوص المواد أرقام (20) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، و(122) من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972، والمادة الأولى من القانون رقم 88 لسنة 1973 سالف الذكر، والمادة الأولى من القانون رقم 79 لسنة 1973 ببعض الأحكام الخاصة بأعضاء هيئة قضايا الدولة، وخلصت إلى أن المشرع استهدف بهذه النصوص المساواة في المعاملة المالية بين أعضاء الهيئات القضائية بالمحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة وهيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، وبين أقرانهم من شاغلى الوظائف المقابلة في القضاء والنيابة العامة، سواء في المخصصات المالية المقررة لهذه الوظائف من مرتبات وبدلات ومزايا أخرى، أو في المعاشات المستحقة لشاغليها بعد انتهاء خدمتهم، وذلك على أساس اعتبار القواعد المنظمة للمخصصات والمعاشات المقررة لوظائف القضاء والنيابة العامة أصلاً يجرى حكمه على المخصصات والمعاشات المستحقة لشاغلى الوظائف المقابلة لها في الهيئات القضائية الأخرى. وعليه فإن ما ينطبق على رجال القضاء والنيابة العامة، ينطبق على سائر أعضاء الهيئات القضائية الأخرى، وانتهت المحكمة الدستورية العليا إلى أن المساواة بين أعضاء الهيئات القضائية في المرتبات والبدلات والمزايا الأخرى أصبح أصلاً ثابتًا ينظم المعاملة المالية لأعضاء تلك الهيئات، ويؤكد ذلك أن المادة الأولى من القانون رقم 11 لسنة 1981 بتعديل بعض أحكام قوانين الهيئات القضائية، التى تم بموجبها تعديل البند تاسعًا من جدول المرتبات الملحق بقانون السلطة القضائية السالف الذكر، لم تجز أن يقل ما يتقاضاه من يشغل إحدى الوظائف القضائية عن مرتب وبدلات من يليه في الأقدمية، سواء في ذات الدرجة أو في الدرجة الأدنى، وذلك لتحقيق العدالة بين رجال القضاء. ولما كانت الزيادات التى تطرأ على الأجر تعتبر جزءًا منه تندرج فيه، وتسرى عليها ما يسرى على الأجر من أحكام، أيًّا كان سبب الزيادة، إذ يجب التفرقة بين مصدر الزيادة أو سندها القانونى من جهة، وبين المال الذى تنتهى إليه الزيادة في المزايا المالية التى يتقاضاهـــــــــــا عضو الهيئة القضائية من جهة أخرى، إذ لا يمكن فصل هذه الزيادة عما يتقاضاه العضو من مرتبات ومزايا مالية، لمجرد أنها منحت تحت مسميات مختلقة، ما دام أن مآلها في النهاية اعتبارها جزءًا من المزايا المالية والبدلات والمرتبات التى يتقاضاها عضو الهيئة القضائية، ومن ثم يستحق زميله الذى يشغل الدرجته ذاتها في الهيئة القضائية التى يعمل بها، أو في أى هيئة قضائية أخرى، أن يتساوى معه في كافة ما يتقاضاه من مخصصات مالية إعمالاً لقاعدة المساواة بين أعضاء الهيئات القضائية في المخصصات المالية، وذلك كله بمراعاة أن مناط إعمال قاعدة المساواة بين أعضاء الهيئات القضائية، يقتضى أن يكون ثمة تماثل في الدرجة الوظيفية وفى تاريخ شغلها، بأن يكون عضو الهيئة القضائية طالب التسوية قد شغل وظيفته القضائية في تاريخ واحد مع من يطلب تسوية حالته به أو في تاريخ سابق عليه، وذلك دون نظر لتاريخ التخرج أو الحصول على المؤهل، اللازم لشغل الوظيفة القضائية. وانتهت المحكمة إلى أن المدعى – وآخرين معه -، أعضاء فنيون بهيئة النيابة الإدارية، تسرى عليهم فيما يتعلق بالمرتبات والبدلات والمعاشات ونظامها ما يسرى على أعضاء النيابة العامة، وفقًا للمادة الأولى من القانون رقم 88 لسنة 1973 ببعض الأحكام الخاصة بأعضاء النيابة الإدارية السالفة الذكر. ولما كان المشرع في القانون رقم 11 لسنة 1981 الخاص بتعديل بعض أحكام قوانين الهيئات القضائية استهدف المساواة بين جميع أعضاء الهيئات القضائية في المرتبات والبدلات وكافة المزايا المالية، فلا يتقاضى الأحدث مخصصات مالية تزيد عما يتقاضاه الأقدم، سواء في الهيئة القضائية التى يعمل بها أو في هيئة قضائية أخرى. فمن ثم فإنهم بذلك يستحقون مساواتهم في المرتب والبدلات وكافة المزايا المالية الأخرى بأقرانهم أعضاء المحكمة الدستورية العليا شاغلى ذات درجاتهم في ذات التاريخ، مع أحقيتهم في صرف الفروق المالية المترتبة على هذه التسوية وذلك بمراعاة أحكام التقادم الخمسي، ومن ثم خلصت المحكمة الإدارية العليا إلى القضاء المتقدم، هذا وقد أوضح المدعى عليه بصحيفة دعواه رقم 1326 لسنة 2018 مدنى كلى حلوان، أنه قام بتاريخ 14/12/2017 بإعلان الصورة التنفيذية للحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا السالف الذكر إلى هيئة النيابة الإدارية لتنفيذ مقتضاه، ولم تقم الهيئة بتنفيذه لعدم وجود بيان المخصصات المالية التى يتقاضها نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بها، فأقام دعواه المشار إليها، مختصمًا فيها كلاًّ من مندوب وزير المالية لدى المحكمة الدستورية العليا، وأمين عام المحكمة الدستورية العليا، ومدير إدارة الاستحقاقات بالمحكمة الدستورية العليا، طالبًا القضاء له “بإلزامهــم بأن يقدموا له بيانًا بالمخصصات المالية – أيًّا كان صورتها أو تسميتها – التى يحصل عليها نظراؤه في الدرجة الوظيفية من أعضاء المحكمة الدستورية العليا.

وأضاف المدعون أن المحكمة الدستورية العليا، سبق لها أن أصدرت حكمًا في القضية رقم 1 لسنة 37 قضائية “طلبات أعضاء”، بجلستها المنعقدة بتاريخ 24/2/2015، قاضية “بعدم الاعتداد بحكم “دائرة طعون رجال القضاء” بمحكمة النقض في الطعن المقيد برقم 383 لسنة 84 قضائية الصادر بجلسة 23/12/2014″. وهى الدعوى التى كانت مقامة من عدد من الرؤساء بهيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا، مختصمين فيها السيد المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا وآخرين، طالبين بصفة مستعجلة وقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة النقض آنف الإشارة، وفى الموضوع بعدم الاعتداد بهذا الحكم، وكان الحكم الصادر من محكمة النقض في الطعن رقم 383 لسنة 84 ق، المقضى بعدم الاعتداد به، قد ألزم السيد المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا، بتقديم بيان رسمي عن كافة ما يتقاضاه هو والسادة المستشارون نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا وأعضاء هيئة المفوضين بها، من رواتب أساسية وما يرتبط بها من بدلات وحوافز، وكذلك كافة البدلات الأخرى غير المرتبطة بالراتب الأساسى وبدل عدم جواز الانتداب وغيرها، وكافة المزايا العينية التى يحصلون عليها أو قيمتها المالية، وأسست المحكمة الدستورية العليا، حكمها الصادر في الدعوى رقم 1 لسنة 37 “طلبات أعضاء”، على سند من أن ” البين من مطالعة الباب الخامس من دستور سنة 2014 – باب نظام الحكم – انفراد كل سلطة من سلطات الدولة بفصل مستقل، يجمع في مواده كافة الأحكام المتعلقة بهذه السلطة، وقد تم تقسيم كل فصل إلى أفرع، يعالج كل منها أحد التكوينات المؤسسية المنضوية في هذه السلطة، فخصص الفصل الأول للسلطة التشريعية ” مجلس النواب ” وهو كيان مؤسسى وحيد، وخصص الفصل الثاني للسلطة التنفيذية، وقسمه إلى ثلاثة أفرع هى على الترتيب، رئيس الجمهورية، ثم الحكومة، ثم الإدارة المحلية، وخصص الفصل الثالث للسلطة القضائية، وانقسم هذا الفصل لأفرع ثلاثة، شمل أولها الأحكام العامة المشتركة بين جهتى هذه السلطة، وأفرد ثانيها للقضاء والنيابة العامة، واستقل قضاء مجلس الدولة بثالثها، بينما اختصت المحكمة الدستورية العليا بالفصل الرابع من الباب الخامس من الدستور، الذى انتظمت أحكامه المواد من (191) حتى (195)، والتى نُص فيها على أن المحكمة الدستورية العليا جهة قضائية مستقلة قائمة بذاتها، لها موازنة مستقلة، يناقشها مجلس النواب بكامل عناصرها، وتدرج بعد إقرارها في الموازنة العامة للدولة رقمًا واحدًا، وتقوم الجمعية العامة للمحكمة على شئونها، وتتولى المحكمة الدستورية العليا الفصل في المنازعات المتعلقة بشئون أعضائهـا، وتؤلف المحكمة من رئيس، وعدد كاف من نواب الرئيس، وتؤلف هيئة المفوضين بالمحكمة من رئيس وعدد كاف من الرؤساء بالهيئة والمستشارين والمستشارين المساعدين، وتنشر في الجريدة الرسمية الأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، وهى ملزمة للكافة وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم. هذا ويتجلى مما سبق جميعه مقصد المشرع الدستوري في تأكيد استقلال المحكمة الدستورية العليا عن السلطة القضائية بجهتيها، وكذلك الهيئتين القضائيتين اللتين وردتا بالفصل الخامس من الباب الخامس من الدستور، هذا الاستقلال الذى أفصحت عنه القوامة الذاتية للمحكمة الدستورية العليا، والتى انبثقت عنها كافة الأحكام التى وردت بشأنها في الدستور، سواء ما تفردت به عن جهتى القضاء والهيئتين القضائيتين الأخريين، أو ما تماثلت فيه معها. وما أحيل فيه بشأنها إلى حكم ورد في الباب الخاص بالسلطة القضائية، ذلك أن القول بغير ما تقدم، لازمه تناقض أحكام الدستور مع منهجه في شأن استقلال السلطات المكونة لنظام الحكم عن بعضها، دون الإخلال بتكاملها وتوازنها، وهو ما تتنزه عنه نصوص الدستور بالضرورة. واستطردت المحكمة بحكمها المتقدم إلى أن إلزام رئيس المحكمة الدستورية العليا بتقديم بيان رسمى يتضمن ما يخص المستحقات المالية للسادة المستشارين رئيس ونواب رئيس المحكمة ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بها، أيًّا كان مسماها أو طبيعتها، ينطوى بالضرورة على مساس بشأن من أخص شئونهم الوظيفية، وأن التعرض لتلك البيانات والمستحقات على أى نحو كان، أمر تندرج المنازعة حوله – أيًّا كان إسمها أو تكييفها – تحت عباءة الخصومة القضائية في شأن من شئون أعضاء المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين بها، والتى ينعقد الاختصاص بالفصل فيها لدائرة طلبات الأعضاء لهذه المحكمة دون سواها طبقًا لنص المادة (192) من الدستور، وهو ما لم يلتزمه الحكم المنازع فيه – في الدعوى المشار إليها – والذى لم يراع قواعد الاختصاص الولائى لجهات القضاء التى انتظمتها نصوص الدستور والقانون، والتى تحرم غير المحكمة الدستورية العليا من ولاية القضاء في شئون أعضائها، فصدر مجاوزًا حدود ولايته ومفتئتًا على الاختصاص الولائي للمحكمة الدستورية العليا، ومن ثم خلصت المحكمة إلى القضاء المتقدم، وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم (10) مكرر (ه) بتاريخ 11/3/2015. وإذ ارتأى المدعون أن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا، وما اتخذ من إجراءات من قبل المدعى عليه للبدء في تنفيذه على النحو المتقدم، يمثل عقبة في تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا المار ذكره، أقاموا دعواهم بطلباتهم المتقدمة.

وحيث إن ما اتخذه المدعى عليه من إجراءات – على النحو المشار إليه – في مواجهة المحكمة الدستورية العليا التى يمثلها المدعى الأول بصفته، ومختصمًا فيها باقى المدعين – العاملين بتلك المحكمة التابعين له طبقًا لنص المادة (57) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – بغية إلزامهم بتقديم ما لدى المحكمة من بيانات ومستندات تتعلق بالمخصصات والمستحقات المالية لنواب رئيس المحكمة ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بها، هو في حقيقته بدءًا في إجراءات تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا المشار إليه، تتحقق به الصفة والمصلحة للمدعين في مخاصمته، والمنازعة في تنفيذه، باعتبار هذا الحكم والإجراءات المتخذة في شأن تنفيذه، تُعد عوائق تحول دون تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 24/2/2015 في الطلب رقم 1 لسنة 37 قضائية “طلبات أعضاء”، وعقبة تعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان، بما تمثله من اعتداء على ولاية هذه المحكمة وجمعيتها العامة، ومساسًا بشأن من شئون أعضائها، بعد أن جعلت المادة (191) من الدستور تلك الجمعية هى القوامة على شئون المحكمة وشئون أعضائها، كما أسندت المادة (192) من الدستور، والمادة (16) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، للمحكمة دون غيرها الاختصاص بنظر المنازعات المتعلقة بشئون أعضائها والفصل فيها، وهو ما قرره الحكم المشار إليه الصادر من هذه المحكمة، بقضاء قاطع في شأن اعتبار تلك المخصصات والمستحقات المالية والإفصاح عنها والمستندات المتعلقة بها شأن من أخص شئون أعضائها، التى وسد الدستور والقانون لها وحدها دون غيرها ولاية الفصل في المنازعات المتعلقة بها، وهو قضاء يحوز الحجية المطلقة المقررة لأحكام المحكمة الدستورية العليا وقراراتها بمقتضى نص المادة (195) من الدستور، وذلك في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، ويكون ملزمًا لهم، فوق كون ما يمثله ذلك من تعارض مع الحقوق الثابتة لنواب رئيس المحكمة الدستورية العليا، ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بها، والتى يكون معها للمدعين بعد أن اُتخذت إجراءات التنفيذ قبلهم، المنازعة في تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا المشار إليه، والذى تستند إليه هذه الإجراءات، فضلاً عما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من جواز إقامة منازعة بعدم الاعتداد بحكم صدر من محكمة لا ولاية لها في المسـألة التى قضت فيها قبل إعلان السند التنفيذي بغية توقى آثاره. لما كان ذلك، وكان جوهر النزاع في منازعة التنفيذ إنما يتوجه أساسًا إلى قوة التنفيذ المشمول بها الحكم في ذاته، بهدف إهدار حجيته في هذا الشأن، فإذا ما كانت آثارها في مجال التنفيذ غير قابلة للتجزئة، كما هو الشأن في الدعوى المعروضة، التى تبتغى إجراءات التنفيذ فيها إلزام المحكمة بالإفصاح عن البيانات المتعلقة بمرتبات وبدلات وكافة المخصصات المالية لنواب رئيس المحكمة ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بها، وتقديم المستندات المتعلقة بذلك، وهو أثر لا يتجزأ، كما أن تنفيذ الحكم في مواجهة المحكمة الدستورية العليا يستنفد غايته كاملة بإجابة المدعى عليه إلى طلبه، ومن ثم فقد بات التعرض للحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بجلسة 21/2/2015 في الطعن رقم 423 لسنة 59 قضائية، بجميع أجزائه، أمرًا لازمًا، ومطروحًا حكمًا على هذه المحكمة، للارتباط الذى لا يقبل الفصل أو التجزئة بين ما تضمنه من قضاء على النحو السالف بيانه، وذلك في مجال التنفيذ، وصولاً إلى تحقيق الغاية من منازعة التنفيذ المعروضة، وهى إزالة العقبات التى تحول دون تنفيذ حكم هذه المحكمة المار ذكره، خاصة في ضوء الحجية المطلقة المقررة لأحكام هذه المحكمة والتي تخولها رخصة قصر خصومة التنفيذ على من استوفى الشروط القانونية لانعقادها قبله، دون من يشاركه مركزه القانوني، ولو في الخصومة ذاتها، ومأخوذًا في الاعتبار أن الحجية المطلقة لأحكامها تمتد لمن خوصم في الدعوى الصادر فيها الحكم، ومن لم تتم مخاصمته فيها، الأمر الذى تتوافر معه للدعوى المعروضة شروط قبولها، مما يتعين معه القضاء بقبولها شكلاً.

وحيث إنه عن طلب وقف تنفيذ الحكم موضوع الدعوى المعروضة فإنه يشترط لقبوله، أن يتحقـق ركنان: أولهما: ركن الجدية، بأن يكون الحكم المطلوب وقف تنفيذه – بحسب الظاهر – مرجحًا عدم الاعتداد به عند الفصل في موضوع الدعوى، وثانيهما: ركن الاستعجال، بأن يترتب على تنفيذ الحكم نتائج يتعذر تداركها.

وحيث إنه عن ركن الجدية فإن الدستور في مقام تحديده للسلطـات العامة في الدولة أفرد الفصل الثالث من الباب الخامس للسلطة القضائية، مسندًا توليها بصريح نص المادة (184) منه للمحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، التابعة لجهات القضاء، التى ضمن هذا الفصل، والفصل الرابع، والفرع الأول والثالث من الفصل الثامن منه، تحديدًا لتلك الجهات على سبيل الحصر، في جهة القضاء العادي (القضاء العادي والنيابة العامة)، وجهة القضاء الإداري (مجلس الدولة)، والمحكمة الدستورية العليا، والقضاء العسكرى واللجنة القضائية لضباط وأفراد القوات المسلحة، كما تولى المشرع الدستوري توزيع ولاية القضاء بين تلك الجهات، فعين لكل منها اختصاصها، شاملاً اختصاصًا حصريًّا لجهة القضاء العادي، والمحكمة الدستورية العليا، دون غيرهما بالفصل في المنازعات المتعلقة بشئون أعضائهما المقرر بالمادتين (188، 192) منه، باعتبارهما صاحبتي الاختصاص الأصيل والوحيد، بنظر هذه المنازعات والفصل فيها، لتنفرد كل جهة منهما بهذه الولاية دون غيرها، وتضطلع بها، إلى جوار مجلس الدولة صاحب الولاية العامة بنظر المنازعات الإدارية طبقًا لنص المادة (190) من الدستور. وقد أتى هذا التنظيم تقديرًا من المشرع الدستوري لأهمية ذلك، وارتباطه باستقلال تلك الجهات، الذى حرص الدستور على توكيده بالمواد (94، 184، 185، 186، 188، 190، 191)، وهو الأمر الوثيق الصلة بالوظيفة القضائية الموكلة لكل منهما، وضمان اضطلاعها بمهامها الدستورية في إقامة العدل، الذى اعتبرته المادة (4) من الدستور أساسًا لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، وليغدو مجاوزة أى من الجهات القضائية لاختصاصها الذى قرره لها الدستور والقانون، على أى وجه من الوجوه، والاعتداء على اختصاص أى من الجهات الأخرى، أيًّا كانت صورته، والذى يعد تخومًا لا يجوز لها تجاوزها، انتهاكًا منها لأحكام الدستور والقانون، ينحدر بعملها إلى مرتبة العدم، ليغدو محض واقعة مادية، فلا يكون له حجية في مواجهة جهة القضاء صاحبة الاختصاص، وليضحى تقرير ذلك في مكنة الجهة صاحبة الولاية، لا تشاركها فيه جهة أو سلطة أخرى، بوصفه حقًّا نابعًا من اختصاصها الأصيل الموكل إليها بمقتضى أحكام الدستور والقانون، وناشئًا عنه، وداخلاً في مضمونه ومحتواه، باعتباره أحد أدواتها لرد العدوان على اختصاصها، وإقامة أحكام الدستور والقانون، وكفالة احترامها والالتزام بها وصونها.

لما كان ما تقدم، وكان البين من مطالعة الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 423 لسنة 59 قضائية عليا، وكذا الدعوى رقم 1326 لسنة 2018 مدنى كلى حلوان، إنهما يستهدفان إلزام المحكمة التي يمثلها المدعى الأول والعاملون بها، بتقديم بيان رسمي يتضمن ما يخص المستحقات المالية والمزايا العينية المقررة لنواب رئيس المحكمة الدستورية العليا، ورئيس وأعضـاء هيئة المفوضين بها، أيًّا كان اسم تلك المستحقات والمزايا أو طبيعتها، وكان الإلزام بتقديم هذا البيان، يعتبر في حقيقته إلزامًا بالإقرار بما في الذمة للسادة المستشارين نواب رئيس المحكمة ورئيس وأعضـاء هيئة المفوضين بها، والذى يفتقد لسنده القانونى السليم، كما ينطوى بالضرورة – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – على مساس بشأن من أخص شئونهم الوظيفية، باعتبار أن البيان المطلوب، علاوة على أنه لا شراكة فيه على وجه الإطلاق بين المدعى الأول والسادة المستشارين نواب رئيس المحكمة ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بها، وبين المدعى عليه، فإنه يعد وعاء تفرغ فيه المستحقات المالية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين بها التى قررها القانون، وتلك التى تقررها الجمعية العامة للمحكمة، وفقًا لاختصاصها الحصرى المعقود لها بمقتضى نص المادة (191) من الدستور، ونص المادة (8) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، باعتبارها القائمة على شئون المحكمة، الذى ناط بها النظر في المسائل المتعلقة بجميع الشئون الخاصة بأعضاء المحكمة، والتى تصدر قراراتها منضبطة بالموازنة المالية المستقلة للمحكمة، بعد إقرارها من السلطة التشريعية، وفقًا لنص المادة (191) من الدستور سالفة الذكر، التى نصت على استقلال ميزانية المحكمة واعتبارها رقمًا واحدًا. وتأكيدًا على ذلك الاستقلال نصت المادة (56) من قانون المحكمة الدستورية العليا على أن تباشر الجمعية العامة للمحكمة السلطات المخولة لوزير المالية في القوانين واللوائح بشأن تنفيذ موازنة المحكمة. ولا مشاحة في أن قرارات الجمعية العامة للمحكمة، والمحررات التى تُثبت فيها هذه القرارات، والتعرض لتلك البيانات والمستحقات على أى نحو كان – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أمر تندرج المنازعة حوله – أيًّا كان اسمها أو تكييفها – تحت عباءة الخصومة القضائية في شأن من شئون أعضاء المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين بها، والتى ينعقد الاختصاص بالفصل فيها لهذه المحكمة دون غيرها. وهو ما أثبته الحكم الصادر من هذه المحكمة بجلسة 24/2/2015 في الطلب رقم 1 لسنة 37 قضائية “طلبات أعضاء”، والذى تضمن منطوقه وأسبابه – المكملة له والمرتبطة به ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة – قضاءً قطعيًّا حاسمًا باعتبار البيانات الخاصة بالمستحقات والمخصصات المالية لنواب رئيس المحكمة الدستورية العليا ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بها شأنًا من أخص شئونهم الوظيفية، وأن الإلزام بالإفصاح عنها، وتقديم المستندات المتعلقة بها، يُعد منازعة في شئون أعضاء هذه المحكمة وهيئة المفوضين بها، ينعقد الاختصاص بنظرها والفصل فيها للمحكمة الدستورية العليا وحدها دون غيرها، وأن التعرض لها ممن لا ولاية له يحول دون الاعتداد بهذا الحكم أمامها، باعتبارها جهة القضاء المختصة ولائيًّا بنظر تلك المسألة، وهو ما لا تصححه قوة الأمر المقضي به، وهو قضاء يحوز الحجية المطلقة المقررة لأحكام هذه المحكمة وقراراتها في مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، بما فيها محاكم السلطة القضائية، ويكون ملزمًا لهم، طبقًا لأحكام الدستور، على النحو السالف بيانه. متى كان ذلك، وكان الحكم المطلوب وقف تنفيذه، وما اتخذ من إجراءات تنفيذًا له على النحو المتقدم، لم تتقيد بما تضمنه قضاء هذه المحكمة السالف الذكر، بل عمدت إلى إهداره، وعدم الالتزام بقواعد توزيع الاختصاص الولائي بين جهات القضاء التى انتظمتها نصوص الدستور والقانون، والتي تحرم غير هذه المحكمة من ولاية القضاء في شئون أعضائها، ليكون التوجه بما قضى به، وبإجراءات تنفيذه قبل المحكمة الدستورية العليا، مجاوزة لتخوم الولاية التى حددها الدستور وقانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، والتى لا تملك أى جهة من جهات القضاء الفكاك منها، وليضحى حكم المحكمة الإدارية العليا سالف الذكر، وإجراءات التنفيذ التى اتخذها المدعى عليه استنادًا إليه، عقبة في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، تحول دون ترتيب آثاره كاملة، وهو ما يتوافر به ركن الجدية في الشق العاجل من الدعوى المعروضة.
وحيث إنه عن ركن الاستعجال فإنه لما كان تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بجلسة 21/2/2015 في الطعن رقم 423 لسنة 59 قضائية، وإجراءات التنفيذ التى ارتكنت إليه على ما تقدم بيانه، يمثل انتهاكًا لأحكام الدستور والقانون السالف ذكرها، واعتداءً مباشرًا على استقلال المحكمة الدستورية العليا، والحقوق الثابتة لنواب رئيس المحكمة ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بها، فمن ثم يكون ذلك الركن متوافرًا في الدعوى المعروضة.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن القضاء بوقف تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بجلسة 21/2/2015 في الطعن رقم 423 لسنة 59 قضائية يكون لازمًا، إعمالاً للسلطة المخولة لهذه المحكمة بموجب نص المادة (192) من الدستور، وحكم المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.
وحيث إن المادة (286) من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أنه “يجوز للمحكمة في المواد المستعجلة …. أن تأمر بتنفيذ الحكم بموجب مسودته بغير إعلانه”.

فلهـذه الأسبـاب
حكمت المحكمة: أولاً: بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بجلسة 21/2/2015 في الطعن رقم 423 لسنة 59 قضائية عليا، وأمرت بتنفيذ الحكم بموجب مسودته وبغير إعلان.
ثانيًا: إحالة الدعوى إلى هيئة المفوضين، لتحضير الموضوع طبقًا للقانون.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .