أخذ رأي هيئة قضايا الدولة في التسويات الودية (مع الدولة) إجراء جوهري وشرط لصحة انعقاد عقد الصلح

الدعوى رقم 3 لسنة 40 ق “منازعة تنفيذ” جلسة 6 / 7 / 2019

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من يوليه سنة 2019م، الموافق الثالث من ذى القعدة سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عمـــاد النجار والدكتور عبد العزيز محمد سالمان نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 3 لسنة 40 قضائية “منازعة تنفيذ”.
المقامة من
1- وزير المالية، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب
2- رئيس مأمورية ضرائب مركز كبار الممولين
3- رئيس مأمورية ضرائب الشركات المساهمة
ضد
رئيس مجلس إدارة بنك مصــر

الإجراءات
بتاريخ السادس من فبراير سنة 2018، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بوقف تنفيذ وعدم الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة النقض بجلسة 25/5/2017، فى الطعن رقم 5239 لسنة 86 قضائية، المؤيد للحكم الصادر من محكمة شمال القاهرة الابتدائية بجلسة 24/6/2015، فى الدعوى رقم 2610 لسنة 2013 مدنى كلى شمال القاهرة، والاستمرار فى تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 25/7/2015، فى الدعوى رقم 70 لسنة 35 قضائية “دستورية”.
وقدم البنك المدعى عليه مذكرة، طلب فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة بجلسة 1/6/2019، إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، وصرحت بإيداع مذكرات فى أسبوع، وفى الأجل المشار إليه أودع البنك المدعى عليه مذكرة صمم فيها على طلباته.

المحكمـــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – فى أن البنك المدعى عليه كان قد قدم إقرارته الضريبية عن السنوات من 1993 حتى 1996 إلى مأمورية ضرائب شركات الأموال، التى أجرت تعديلاً على الإقرارات المذكورة، وأخطرت به البنك المار ذكره، الذى اعترض على التعديل، ونُظر اعتراضه بلجنة الطعن الداخلية التى أصدرت قرارها رقم 129 لسنة 2001 بتاريخ 6/4/2002، متضمنًا فى بنديه الأول والثالث تأييد خضوع أرباح المدعى عليه لوعائى ضريبة شركات الأموال، وشركات مستقل. طعن المدعى عليه على القرار المذكور بطريق التحكيم، وقُيد طلبه برقم 51 لسنة 2002، وقُضى فيه بجلسة 26/7/2003، بإلغاء قرار الطعن الضريبى سالف الإشارة إليه عن سنوات النزاع المبينة به، وإعادة الأوراق إلى مأمورية الضرائب المختصة. ونفاذًا لحكم التحكيم الفائت بيانه، أعادت مأمورية ضرائب الشركات المساهمة بالقاهرة إخطار المدعى عليه بنموذج (19) ضرائب شركات أموال عن سنوات النزاع بأسس اللجنة الداخلية السابق رفضها منه، فطعـــــن عليـــــه أمـــــام اللجنة الداخلية الأولـــــى بالطعــــــن المقيـــــد برقم (10) لسنة 2005، وأصدرت تلك اللجنة قرارها بجلسة 4/3/2007، ناصًا فى بنده السادس على إلغاء وعاء شركات مستقل (م 111 مكرر) على عوائد قروض لهيئات مضمونة من الحكومة عن سنوات النزاع، ونفاذًا لحكم التحكيم المار ذكره، قامت مأمورية المركز الضريبى لكبار الممولين المشكلة بقرار وزير المالية رقم (928) لسنة 2005، التى تقع المحاسبة الضريبية للمدعى عليه ضمن نطاق اختصاصها، بتعديل الإقرارات الضريبية المقدمة منه، وأخضعت أرباحه لوعائى ضريبة شركات الأموال، وشركات مستقل، طعن المدعى عليه فى قرار المأمورية السالف ذكره أمام لجنة الطعن الضريبى، وقيد طعنه برقم 110 لسنة 2008 التى أصدرت قرارها فى 10/3/2010، برفض الطعن وتأييد مأمورية المركز الضريبى لكبار الممولين فى الأوعية الضريبية التى ألزمت بها المدعى عليه، الذى تمسك بإنفاذ قرار لجنة الطعن الضريبى المقيد برقم 10 لسنة 2005، وأقام الدعوى رقم 654 لسنة 2013 مدنى كلى جنوب القاهرة، والتى قُضى بإحالتها إلى محكمة شمال القاهرة الابتدائية وقيدت برقم 2610 لسنة 2013 مدنى كلى شمال القاهرة، طلبًا للحكم باسترداد مبلغ 652,012,608 جنيهات، بالإضافة إلى مقابل التأخير من تاريخ صدور قرار لجنة الطعن الضريبى فى 4/3/2007، على أساس سعر الائتمان والخصم المعلن من البنك المركزى فى الأول من يناير السابق على تاريخ استحقاق الضريبة، مخصومًا منه 2%، بالإضافة إلى الفوائد القانونية حتى تمام السداد. وبجلسة 16/7/2014، قضت تلك المحكمة بعدم اختصاصها نوعيًّا بنظر الدعوى، وإحالتها إلى محكمة شمال القاهرة الابتدائية، بهيئة تجارية، باعتبار أن الخصومة تتعلق بنزاع ضريبى. استأنف البنك المدعى عليه الحكم المذكور بالاستئناف رقم 6837 لسنة 18 قضائية أمام محكمة استئناف القاهرة، التى قضت فيه بجلسة 23/12/2014، بإلغاء الحكم المستأنف، وإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة لنظرها أمام الدائرة المدنية المختصة باعتبار أن الخصومة تتعلق باسترداد دين مدنى، وإذ نظرت محكمة شمال القاهرة الابتدائية، بهيئة مدنية، الدعوى السالف ذكرها، فقد قضت فيها بجلسة 24/7/2015، بإلزام المدعين متضامنين بأن يؤدوا للبنك المدعى عليه المبالغ المبينة بطلباته المار ذكرها، وإذ لم يلق هذا القضاء قبولاً لدى المدعين فقد طعنوا عليه بالاستئناف رقم 4746 لسنة 19 قضائية أمام محكمة استئناف القاهرة، التى قضت بجلسة 10/2/2016، بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص محكمة شمال القاهرة الابتدائية ولائيًّا بنظر الدعـــــوى، وإحالتها بحالتها إلى محكمة القضـــــاء الإدارى بمجلس الدولة. طعـــــن البنك المدعـــــى عليه فى الحكـــــم المذكـــــور بطريـــــق النقض، وقيد طعنه برقم 5239 لسنة 86 قضائية، وبجلسة 25/5/2017، قضت محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه، وحكمت فى موضوع الاستئناف برفضه، وبتأييد الحكم المستأنف الصادر بجلسة 24/6/2015، فى الدعوى رقم 2610 لسنة 2013 مدنى شمال القاهرة الابتدائية. ومن ناحية أخرى، أقام البنك المدعى عليه الدعوى رقم 576 لسنة 2010 ضرائب كلى جنوب القاهرة مخاصمًا المدعى الأول بطلب الحكم بإلغاء قرار لجنة الطعن رقم 110 لسنة 2008، والقضاء مجددًا بتأييد القرار النهائى الصادر من اللجنة الداخلية فى الطعن المقيد برقم 10 لسنة 2005، الصادر فى 4/3/2007، وإلزام المدعى بصفته برد مبلغ مقداره 652,012,608 جنيهات، بالإضافة إلى مقابل تأخير من تاريخ صدور قرار اللجنة الداخلية فى 4/3/2007، على أساس سعر الائتمان والخصم المعلن من البنك المركزى فى الأول من يناير السابق على تاريخ استحقاق الضريبة، مخصومًا منه 2% وحتى تمام السداد. وإذ تدوولت الدعوى بالجلسات، حُكم بجلسة 26/4/2011، بوقفها تعليقًا لحين الفصل فى الدعوى رقم 654 لسنة 2010 مدنى كلى جنوب القاهرة – التى أُعيد قيدها بعد إحالتها إلى محكمة شمال القاهرة الابتدائية برقم 2610 لسنة 2013 مدنى كلى شمال القاهرة – فاستأنف المدعى الأول حكم الوقف التعليقى أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1376 لسنة 128 قضائية القاهرة، التى قضت بجلسة 26/9/2012 برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن المدعى الأول على الحكم الاستئنافى السالف أمام محكمة النقض بالطعن المقيد برقم 17276 لسنة 82 قضائية، التى قضت فيه بجلسة 11/6/2017، بنقض الحكم المطعون فيه، وحكمت فى الاستئناف رقم 1376 لسنة 128 قضائية استئناف القاهرة بإلغاء الحكم المستأنف، وبعدم اختصاص القضاء العادى ولائيًّا بنظر الدعوى، وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى. وإذ تراءى للمدعين بصفاتهم أن الحكم الصادر من محكمة شمال القاهرة الابتدائية بجلسة 4/6/2015، فى الدعوى رقم 2610 لسنة 2013 مدنى كلى شمال القاهرة، وحكم محكمة النقض الصادر بجلسة 25/5/2017، فى الطعن رقم 5239 لسنة 86 قضائية، المؤيد له، المـــار ذكرهمـــا، يُعــــــدان عقبة فى تنفيـــذ حكـــم المحكمـــة الدستورية العليا الصادر بجلسة 25/7/2015، فى الدعوى رقم 70 لسنة 35 قضائية “دستورية”، أقاموا الدعوى المعروضة.

وإبان نظر هذه الدعوى، قدم البنك المدعى عليه صورة من بروتوكول تعاون مشترك بين كل من وزارة المالية وبنك مصر بشأن تسوية وتنفيذ الأحكام النهائية الصادرة لصالح البنك المذكور، كما قدم صورة من كتاب المركز الضريبى لكبار الممولين موجه إلى هيئة قضايا الدولة تضمن تنفيذ الحكم الصادر فى الدعوى رقم 2610 لسنة 2013 مدنى كلى شمال القاهرة، طبقًا للبروتوكول السالف ذكره، وتمسك البنك فى مذكرته الختامية بإثبات التصالح وإلحاقه بمحضر الجلسة، وإثبات ترك المدعين للخصومة فى الدعوى المعروضة، وفى المقابل قدم المدعون كتاب وزير المالية مُبينًا به أن البروتوكول المشار إليه لا يتضمن تنازلاً عن الدعوى المعروضة.

وحيث إن المادة (141) من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أن “يكون تـــــرك الخصومة بإعـــــلان من التارك لخصمه على يـــــد محضـــــر أو ببيـــــان صريح فى مذكرة موقعة من التارك أو من وكيله مع اطلاع خصمه عليها أو بإبدائه شفويًّا فى الجلسة وإثباته فى المحضر”.

وحيث إنه من المقرر قانونًا أن عقد الصلح المبرم بين الطرفين يُعد بيانًا كتابيًّا موقعًا من الطرفين فيتحقق به إحدى طرق إبداء الترك بشرط أن يكون صريحًا لا غموض فيه ولا يُستنتج ضمنيًّا.

لما كان ما تقدم، وكان عقد الصلح المبرم بين طرفى الخصومة المعروضة، الذى وقع فى تاريخ لاحق على إقامتها، وإن تضمن اتفاق طرفيه على تنفيذ الحكم الصادر فى الدعوى رقم 2610 لسنة 2013 مدنى كلى شمال القاهرة، المؤيد بالحكم الصادر من محكمة النقض فى الطعن رقم 5239 لسنة 86 قضائية، إلا أن الاحتجاج بهذا الصلح، وإعمال آثاره فى شأن اعتبار المدعين تاركين لدعواهم المعروضة، مشروط بوجوب عرضه على هيئة قضايا الدولة لأخذ رأيها فى إجراء الصلح، والذى يُعد من الاختصاصات المحجوزة لتلك الهيئة على ما جرى به نص المادة (196) من الدستور، ونص المادة (8) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 75 لسنة 1963 فى شأن تنظيم هيئة قضايا الدولة الذى يقضى بأنه “لا يجوز إجراء صلح فى دعوى تباشرها هيئة قضايا الدولة إلا بعد أخذ رأيها فى إجراء الصلح، كما يجوز لهذه الهيئة أن تقترح على الجهة المختصة الصلح فى دعوى تباشرها ……”،

بما مؤداه اعتبار أخذ رأى الهيئة المشار إليه إجراءً جوهريًّا، وشرطًا لصحة انعقاد عقد الصلح، والحال أنه لم يؤخذ رأى الهيئة المذكورة فى شأن الصلح، وإنما تمسكت بطلباتها المُبداة فى هذه الدعوى، التى تتناقض كليًّا مع ما تضمنه عقد الصلح السالف ذكره، ومقتضاه عدم انعقاد أثر هذا الصلح فى الدعوى المعروضة، لعدم استيفائه لشروطه القانونية، مما لازمه طعنها على الصلح بالبطلان، وذلك عملاً بالمفهوم الموافق للحكم المنصوص عليه بعجز الفقرة الثانية من المادة (21) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، التى تنص على أنه “ولا يجوز التمسك بالبطلان من الخصم الذى تسبب فيه، وذلك كله فيما عدا الحالات التى يتعلق فيها البطلان بالنظام العام”، ومن ثم فإن المحكمة تلتفت عن طلب المدعى عليه بإثبات التصالح وإلحاقه بمحضر الجلسة، وإثبات ترك المدعين للخصومة فى هذه الدعوى، لتخلف شروط قبول الطلب على النحو المار الذكر.

وحيث إن البنك المدعى عليه، دفع بعدم قبول الدعوى من وجوه أربعة: أولها: عـــــدم تناقض حكم محكمة النقض المار ذكره مع حكم المحكمة الدستورية العليا السالف بيانه، ثانيها: انتفاء الارتبـــاط المدعى به بين حكم المحكمة الدستورية العليا وحكم محكمة النقض المشار إليهما، ثالثها: اختلاف محل وخصوم الدعويين المقضى فيهما بحكمى المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض السالف بيانهما. ورابعها: أن المحكمة الدستورية العليا لا تُعد جهة طعن فى أحكام جهات القضاء الأخرى، ولا تمتد ولايتها إلى بحث مدى توافقها وأحكام القانون.

وحيث إن هذا الدفع، فى جميع أوجهه مردود؛ بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن قوام منازعة التنفيذ التى ناط نص المادة (50) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 بهذه المحكمة الفصل فيها، أن يكــــون تنفيذ الحكــــم القضــــائى لم يتم وفقًا لطبيعته، وعلى ضــــــــوء الأصــــل فيــــه، بــــل اعترضته عوائق تحول قانونًا- بمضمونها أو أبعادها- دون اكتمال مداه، وتعطل تبعًا لذلك، أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان، ومن ثم تكون عوائق التنفيذ القانونية هى ذاتها موضوع منازعة التنفيذ التى تتوخى فى غايتها النهائية إنهاء الآثــــار المصاحبة لتلك العوائــــق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها، لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقًا بحكم صادر فى دعوى دستورية، فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التى احتواها، والآثار المتولدة عنها، هى التى تحدد جميعها شكل التنفيذ، وتبلور صورتــــه الإجمالية، وتعين كذلك ما يكون لازمًا لضمـــــــان فاعليته. بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة عوائق التنفيذ التى تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها فى مواجهة الكافة ودون تمييز، بلوغًا للغاية المبتغاة منها، فى تأمين حقوق الأفراد وصون حرياتهم، إنما يفترض أن تكون هذه العوائق- سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها- حائلة دون تنفيذ أحكامها تنفيذًا صحيحًا ومكتملاً أو مقيدة لنطاقها. وعلى ذلك لا تُعد منازعة التنفيذ طريقًا للطعن فى الأحكام القضائية، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة، ولا تطرحه الدعوى المعروضة، التى تهدف فى حقيقتها إلى إزالة العوائق التى تحول دون ترتيب الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا المشار إليه لأثاره وتنفيذ مقتضاه بالنسبة للمدعين، على ضوء ما تأسس عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا، فى حكمها المار بيانه، من أسباب ترتبط ارتباطًا وثيقًا بما انتهى إليه قضاؤها. ومن ثم فإن الدفع المبدى من البنك المدعى عليه لا يُعد قائمًا على سند صحيح من القانون، متعينًا الالتفات عنه.

وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت بجلسة 25/7/2015، فى الدعوى رقم 70 لسنة 35 قضائية “دستورية” أولاً : بعدم دستورية نص المادة (123) من قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005 .
ثانيًا : سقوط عبارة ” أمام المحكمة الابتدائية ” الواردة بعجز الفقـــرة الثانية من المادة (122) من القانون ذاته. ونُشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية بالعدد رقم (31) مكرر ج بتاريخ 2/8/2015، وتأسس على أن الأصل فى الضريبة أنها فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرًا بما لها من ولاية على إقليمها لتنمية مواردها، باعتبار أن حصيلتها تُعد إيرادًا عامًا يــــؤول إلــــى الخزانــــة العامة ليندمج مــــع غيره من الموارد التى يتم تدبيرها لتشكل جميعها نهرًا واحدًا لإيراداتها الكلية، وأن نص القانون هو الذى ينظم رابطتها محيط بها، مبينًا حدود العلاقة بين الملتزم بها من ناحية وبين الدولة التى تفرضها من ناحية أخرى، سواء فى مجال تحديد الأشخاص الخاضعين لها، أو الأموال التى تسرى عليها، وشروط سريانها وسعر الضريبة، وكيفية تحديد وعائها وقواعد تحصيلها، وأحوال الإعفاء منها، والجزاء على مخالفة أحكامها، وكان قانون الضريبة إذ يصدر على هذا النحو فإنه ينظم رابطتها تنظيمًا شاملاً يدخل فى مجال القانون العام …. وأن المرجع فى تحديد بنيان الضريبة على الدخل وعناصرها ومقوماتها وأوضاعها والإعفاء منها وأحكامها المختلفة إلى قانون هذه الضريبة، وكان قانون الضريبة على هذا النحو ينظم جباية الضريبة على الدخل تنظيمًا شاملاً يدخل فى مجال القانون العام، وبوجه خاص فى مجال توكيده حق الإدارة المالية فى المبادأة بتنفيذ دين الضريبة على الممول، وتأثيم محاولة التخلص منه، وكانت الجهة الإدارية المختصة بتحصيل هذه الضريبة إنما تباشر ذلك بموجب قرارات إدارية تصدر منها تنفيذًا لأحكام هذا القانون، ومن ثم تُعد المنازعة فى هذا القرار منازعة إدارية بحسب طبيعتها تندرج ضمن الاختصاص المحدد لمحاكم مجلس الدولة طبقًا لأحكام الدستور، وأن اسناد نص المادة (123) من قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005، وعبارة “أمام المحكمة الابتدائية” الواردة بعجز الفقرة الثانية من المادة (122) من القانون ذاته، الاختصاص بالفصل فى تلك المنازعات إلى المحكمة الابتدائية التابعة لجهة القضاء العادى، يصادم أحكام الدستور، الذى أضحى بمقتضاه مجلس الدولة دون غيره من جهات القضاء هو صاحب الولاية العامة فى الفصل فى المنازعات الإدارية وقاضيها الطبيعى، والتى تدخل ضمنها الطعون فى القرارات النهائية الصادرة من الجهات الإدارية فى منازعات الضرائب.

وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت المحكمة الدستورية العليا فى حكمها المتقدم قد حددت – بطرق الدلالة المختلفة معنى معينًا لمضمون نصوص قانون الضريبة على الدخل، وخلصت من ذلك إلى اتجاه المشرع إلى اعتبار كافة الأنزعة القضائية التى تنشأ عن تطبيقه، أيًّا كان اسمها، ومهما كانت طلبات الخصوم بشأنها، هى منازعات ضريبية تدخل فى مجال القانون العام، وتختص محاكم مجلس الدولة بالحكم فيها، بوصفها جهة القضاء صاحبة الولاية العامة فى الفصل فى المنازعات الإدارية. ليكون المعنى السالف ذكره هو الدعامة الأساسية التى انبنى عليها حكم المحكمة الدستورية العليا السالف ذكره، ولازمًا لما انتهى إليه من نتيجة، ومرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بمنطوقها، ومكملاً له، ليُكوّن معه وحدة لا تقبل التجزئة، تمتد إليه مع المنطوق الحجية المطلقة والكاملة التى أسبغتها الفقرة الأولى من المادة (49) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، والمادة (195) من الدستور القائم، على ما يصدر منها من أحكام وقرارات، وذلك فى مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، وبحيث تلتزم تلك السلطات – بما فيها الجهات القضائية على اختلافها – باحترام قضائها وتنفيذ مقتضاه على الوجه الصحيح، فلا يجوز لأية جهة أن تعطى هذه النصوص معنى مغايرًا لما قضت به.

وحيث إن الثابت من الأوراق أن الدعويين رقمى 2610 لسنة 2013 مدنى كلى شمال القاهرة و576 لسنة 2010 ضرائب كلى جنوب القاهرة، قد اتحدتا خصومًا وموضوعًا وسببًا؛ بحسبان أن رد مبلغ 652,012,608 جنيهات، وعوائده القانونية للبنك المدعى عليه، بوصفه أثرًا مترتبًا على إنفاذ قرار لجنة الطعن الداخلية، أو إلغاء قرار لجنة الطعن الضريبى فى النزاع الموضوعى، إنما هو حاصل الطلبات فى كلتا الدعويين المذكورتين التى تُكوّن بهذه المثابة موضوعهما، كما أن المنازعة فى خضوع أرباح المدعى عليه خــــــلال الأعوام من 1993 حتى 1996 لوعاء ضريبة شركات مستقـــــل، هو سبب هاتيـــــن الدعويين، اللتين تناقض فى شأن تكييفهما القانونى، ومن ثم الاختصاص الولائى بالفصل فى موضوعهما، حكما محكمة النقض، الصادر أولهما: بجلسة 25/5/2017 فى الطعن رقم 5239 لسنة 86 قضائية – محل الدعوى المعروضة – الذى قضى فى موضوع النزاع بوصفه نزاعًا مدنيًّا، تختص بنظره محاكم جهة القضاء العادى، والصادر ثانيهما: بجلسة 11/6/2017، فى الطعن رقم 17276 لسنة 82 قضائية، والذى قضى بإحالة النزاع الموضوعى إلى محكمة القضاء الإدارى، بوصفه نزاعًا ضريبيًّا تختص بنظره محاكم مجلس الدولة.

وحيث إن حكم محكمة النقض الذى يطلب المدعون عدم الاعتداد به قد تساند فى قضائه بتأييد حكم محكمة شمال القاهرة الابتدائية فى الدعوى رقم 2610 لسنة 2013 مدنى كلى، ورفض الاستئناف المقام عنه والمقيد برقم 4746 لسنة 19 قضائية القاهرة، إلى حجية الحكم النهائى الصادر فى الاستئناف رقم 6737 لسنة 81 قضائية القاهرة، وذلك فيما خلص إليه من اعتبار الدعوى الموضوعية المرددة بين طرفى الخصومة المعروضة – وقد تحددت الطلبات الختامية فيها باسترداد البنك المدعـــــى عليه قيمة الضـــــرائب المفروضة على وعــــاء شركات مستقــــل – منازعة مدنية وليست ضريبية، وما ترتب على ذلك من عقده الاختصاص بالفصل فيها إلى الدائرة المدنية المختصة بمحكمة شمال القاهرة الابتدائية، وتأييده حكمها فى الموضوع، معطيًا بذلك تلك المنازعة معنى مغايرًا يجاوز تخوم الدائرة التى يعمل فيها، محددًا إطارها على ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 70 لسنة 35 قضائية “دستورية” السالف بيانه والذى تم نشره فى تاريخ سابق على ذلك القضاء، ومن ثم فإن الحكم الصادر من محكمة شمال القاهرة الابتدائية فى الدعوى رقم 2610 لسنة 2013 مدنى كلى وحكم محكمة النقض الصادر فى الطعن رقم 5239 لسنة 86 قضائية المؤيد له، يُعدان عقبة فى تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الآنف ذكره، الأمر الذى يتعين معه القضاء بإزالتهما.

وحيث إنه عن طلب وقف تنفيذ حكمى محكمة شمال القاهرة الابتدائية ومحكمة النقض سالفى البيان، فإنه يُعد فرعًا من أصل النزاع حول منازعة التنفيذ المعروضة، الذى انتهت المحكمة فيما تقدم إلى الفصل فى موضوعه، بما مؤداه أن قيام هذه المحكمة – طبقًا للمادة (50) من قانونها – بمباشرة اختصاص البت فى موضــــــوع منازعة التنفيذ، يكون قد بات غير ذى موضوع.

فلهــذه الأسبــاب
حكمت المحكمة بالاستمرار فى تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 25/7/2015 فى الدعوى رقم 70 لسنة 35 قضائية “دستورية” وعدم الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة شمال القاهرة الابتدائية بجلسة 24/6/2015 فى الدعوى رقم 2610 لسنة 2013 مدنى كلى شمال القاهرة، وحكم محكمة النقض الصادر بجلسة 25/5/2017، فى الطعن رقم 5239 لسنة 86 قضائية المؤيد له، وألزمت البنك المدعى عليه المصروفات مبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .