تمت إعادة النشر بواسطة محاماه نت

الهجرة السرية في المجتمع الجزائري: أبعادها وعلاقتها بالاغتراب الاجتماعي. دراسة ميدانية

أستاذ أنتروبولوجيا الجريمة بقسم التقافة الشعبية. كلية الآداب و العلوم الإنسانية و العلوم الإجتماعية تلمسان

يرتسم جد ل الهجرة السرية والاغتراب في عمق النقاش الدائر حول المتغيرات الحديثة التي تندفع إلى الأمام بعنف مٌخلفة في كل يوم مشكلات معقدة جديدة وتتحول ثنائية هذا الجدل إلى ظاهرة اجتماعية يبدو أنها أضحت قدرا محتوما على حضارة العصر لدرجة أنها تستطيع العبث بالثقافة المحلية والمؤسسات التقليدية التي قادت البشرية إلى هذا المستوى من التطور التكنولوجي. وليست الحياة في المجتمع الجزائري بمنأى عن هذه الظاهرة التي أصبحت تسجل حضورها الشامل في الثقافة الجزائرية المعاصرة. فالفرد الجزائري يعاني في الوقت الحاضر أشكالا من القصور والسلبية واللامبالاة، وهذه المظاهر تلعب دورا بارزا في استلاب الشخصية وتخلق ثقافة متسلطة وتعطل الإبداع وتدفع الإنسان إلى دوائر الاغتراب المفضي إلى براثين السلوك الغير المحمود.

إن رحلة الإبحار في المياه المجهولة تبدأ من الاغتراب، وتمر بطريق الخوف والهلع و في أصل كل خوف أو هلع يكمن القهر والتسلط، وتنتهي بحالات من الانتحار.

أولا: المفاهيم الأساسية:

1.الهجرة:
تعد الهجرة من أهم العوامل المؤثرة في النمو السكاني، و تعرف بأنها، انتقال الفرد أو الجماعة من مكان إلى آخر، بغرض الاستقرار في المكان الجديد، و يستثنى من ذلك الإقامة المحددة كما في حالات الرحلات الاستكشافية و العلاج و السياحة. ..
و تنقسم الهجرة من حيث الاستمرار و الدوام إلى نوعين: الهجرة الدائمة و الهجرة المؤقتة.
أما من حيث اتجاهها فيمكن تقسيمها إلى :هجرة دولية- هجرة داخلية- هجرة موسمية أو دورية. وهذا النوع الأخير قد يندرج جزئيا تحت أحد النوعين السابقين ( عطوى.ع،1993،142 ).
و المتصفح للتاريخ البشري يلاحظ أن الهجرة شملت شعوب العالم القديم، جماعات و فرادى. لقد هجرت شعوب من آسيا الوسطى إلى أوربا و استوطنتها، و أخرى من أوربا إلى آسيا و إفريقيا، و كان لشعوب الجزيرة العربية هجرات تاريخية إلى الشمال و منه شرقا و غربا، كما أن معظم سكان أمريكا اليوم من المهاجرين الأوربيين و الأسيويين و غيرهم.

2.الهجرة الشرعية:
تحدث الهجرة الشرعية في الدول التي تسمح نظمها القانونية باستقبال الأجانب، و تتم عن طريق الدخول من الأماكن المحددة سواء كانت عن طريق البر،الجو أو البحر لإقليم الدولة. و تشترط الدول لدخول أراضيها أو الخروج منها، تقديم جواز سفر، ساري المفعول و صادر عن السلطات المختصة أو وثيقة سفر تقوم مقام الجواز مع احترام مبدأ المعاملة بالمثل بخصوص التأشيرات.
و أشارت ديباجة دستور منظمة العمل الدولية إلى ضرورة حماية مصالح العمال المستخدمين في بلدان غير بلدانهم، و ظهرت اتفاقيات دولية و إقليمية تنظم عمليات الهجرة الشرعية، و طورت الدول تشريعاتها الوطنية المتعلقة بالهـجرة ، وأخيرا انتـقلت النظم القانونية للهـجرة إلى مرحـلة أكثر تطورا، فأصـبح القانـون الدولي هو الذي يشـرع و ينظم الهجرة من أجل العمل ، و تشـرف عليه منظـمات دولية، مثل الأمـم المتحدة و فروعها المتخصصة ، أو المـنظمات ذات العلاقة . (عثمان.أ، ياسر.ع،2008،25-26 ).
و الجزائر تولي عناية بالغة لموضوع الأجانب، حيث اتخذت السلطات العمومية منذ السنوات الأولى من الاستقلال تدابير تشريعية و تنظيمية تخص حركة و إقامة و عمل الأجانب في الجزائر، و تتمثل في :
– الأمر رقم 66-211 و المرسوم التنفيذي 66-212 المؤرخ في 02 ربيع الثاني عام 1386 الموافق 21 يوليو سنة 1966 و المتعلق بوضعية الأجانب في الجزائر.
– القانون رقم 81-10 المؤرخ في09 رمضان عام 1401الموافق 11يوليو سنة 1981و المتعلق بشروط تشغيل العمال الأجانب .
-المرسوم82-51المؤرخ في 09 ربيع الأول عام 1403 الموافق ل 25- ديسمبر-1982،يحدد كيفيات منح رخص العمل و الرخص المؤقتة للأجانب .
– مرسوم رقم 86-276المؤرخ في 09 ربيعالأول عام1407 الموافق 11نوفمبر سنة 1986،يحدد شروط توظيف المستخدمين الأجانب في مصالح الدوالة والجماعات المحلية والمؤسسات و الهيئات العمومية .
– القانون المدني : الأحكام المتعلقة بتشغيل العمال الأجانب :المواد 18-19-20-21.
و تماشيا مع التطور الذي عرفه العالم في العقد الأخير من نهاية القرن العشرين، و ما رافقه من تدفق للمهاجرين و تزايد في أعدادهم ، و ظهور للإجرام العابر للقارات و جرائم المخدرات و الإرهاب و التهريب، اتخذت الجزائر مجموعة من الإصلاحات الجذرية، شملت المؤسسات و التشريع الوطني في مختلف المجالات. و تعد التعديلات التشريعية المتعلقة بوضعية الأجانب من بين الإصلاحات المتخذة في هذا السياق. و طبقا لتعليمات المجلس الوزاري المشترك المنعقد في 14يونيو سنة 2005 التي تنص على “تجريم الهجرة الغير الشرعية”، قامت الحكومة الجزائرية بإعداد قانون يتعلق بتحديث التشريع الذي يخضع له الأجانب في الجزائر. و قد استوحى هذا القانون فلسفته من:

üنتائج تقييم التشريع الساري المفعول منذ الاستقلال و المتعلق بتسيير السكان الأجانب في الجزائر.
üالمصالح الدبلوماسية و الإستراتيجية للجزائر.
üالحاجة إلى تنظيم إقامة الأجانب، بالنظر إلى التوجُهات المتعلقة بالسياسة الوطنية للتشغيل و الشروط المتعلقة بالأمن و النظام العمومي.
üضرورة تحديث الآليات القانونية التي تسمح للمصالح المختصة بمراقبة الأجانب بتأدية مهمتها في أحسن شروط الفعالية.
üالحماية القانونية للأجانب الذين دخلوا بصفة شرعية إلى الجزائر أو الذين لهم صفة مقيم في إطار احترام قوانين البلاد و كذلك حماية أملاكهم و ذلك طبقا للمادة 67 من الدستور الجزائري. (دستور1996).
üالتحديات المعاصرة التي تفرض على الدول التحكم في تنقل الأجانب عبر الحدود، لاسيما و أن الهجرة غير الشرعية أضحت عاملا مهددا للأمن القومي، نتيجة تطور الإجرام العابر للقارات، و جرائم الإرهاب و المخدرات و التهريب.
üتطور العلاقات بين الأفراد و المجتمعات، والاهتمام الذي أصبح يحضى به الأجنبي في ظل التشريعات والاتفاقيات الدولية الحديثة، حيث حددت مركزه القانوني، و بينت التزاماته و حقوقه و ما يترتب عليه أثناء وجوده على أرض دولة خارج بلاده.

3.الهجرة غير الشرعية:
الهجرة غير الشرعية في معناها العام هي التسلل عبر الحدود البرية و البحرية، و الإقامة بدولة أخرى بطريقة غير مشروعة. و قد تكون الهجرة في أساسها قانونية و تتحول فيما بعد إلى غير شرعية، و هو ما يعرف بالإقامة غير الشرعية.
و تتضمن الهجرة غير الشرعية في مضمونها الهجرة السرية، و تعني الاجتياز غير القانوني للحدود، دخولا أو خروجا من التراب الوطني للدولة.

و ظاهرة الهجرة السرية باتت ظاهرة عالمية، إذ تصنف في المرتبة الثالثة تبعا لخطورتها الإجرامية بعد المتاجرة بالمخدرات و الأسلحة، و قد تفاقمت في فترة ما بعد الحرب الباردة بسبب: التطور التكنولوجي في ميدان الاتصال ووسائل النقل- المراقبة الهشة للحدود- النزاعات العرقية- النزوح القسري. (عمران.أ، 1997، 91-92 ). هذه المظاهر الجديدة دفعت الناس إلى البحث عن حياة أفضل في بلدان أجنبية، و حفزت أنواعا مختلفة من الهجرة، فظهرت تنظيمات و عصابات إجرامية مختصة تعرف بشبكات الهجرة السرية.
إن شبكة الهجرة السرية هي جمعية مهيكلة لعصابة أشرار، عادة ما تكون متدرجة و أحيانا مقطوعة فيما بينها، تقوم بتنظيم و تسهيل استدراج و توجيه مهاجرا أو عدة مهاجرين سريين من بلد إلى آخر، غالبا ما تكون مقابل مبالغ مالية، و أحيانا مقابل قيم أخرى (دليل عملي ،د،م،م،ه،س،2007،04 ).