يعرّف حق الانتفاع بانه حق عيني اصلي مؤقت المدة يرد على شيء منقول او عقار يخوله صاحبه سلطتي الاستعمال والاستغلال على شيء مملوك لغيره. وبذلك يؤدي وجود حق الانتفاع إلى تشتت سلطات الملكية الثلاث . فبعد ان كان المالك يجمع بيده السلطات الثلاث ، فانه لا يحتفظ بعد نشأة حق الانتفاع ، الا سلطة التصرف فقط ، والتنازل عن سلطتي الاستعمّال والاستغلا للمنتفع ، ويترتب على نشأة حق الانتفاع ان المالك لا يكون مالكاً الا للرقبة فقط على امل ان يعود يوما مالكاً ملكية تامة بعد انقضاء هذا الحق (1).فاذا ما اقام المنتفع محدثات على الأرض المنتفع بها ، فانه يكون قد بنى او غرس في ملك غيره ، ولكن ما هو حكم هذه المحدثات بعد انقضاء حق المنفعة ؟ لم ينص القانون المدني العراقي على حكم المحدثات التي يقيمها المنتفع ، كذلك لم يتطرق الفقه العراقي لهذه الحالة ، الا ان هناك رأياً حديثاً لاحد الباحثين ، يرى أن الاصل هو ان حق المنتفع يقتصر على الاستعمّال والاستغلال فقط دون التصرف ، وهذا يعني – كما يعتقد هو – أن ليس للمنتفع ان يبني دون اذن المالك ، كما ان البناء يترتب عليه تغيير في الشيء وهذا ليس من حقه(2).

ويمكن مناقشة الراي المتقدم على النحو الآتي ، ان المادة 1254 مدني عراقي نصت ” 1- على المنتفع ان يستعمل الشيء بحسب ما اعدّ له . . . . ” كذلك نصت المادة 1251 على ان ” يراعى في حقوق المنتفع والتزاماته ، السند الذي انشأ حق الانتفاع . . ” ، وتأتي عدم دقة الرأي السابق ، من انه قد يتفق الطرفان على نوع معين من الاستغلال او الاستعمّال ، كأن يتفق على ان يستغل العقار يجعله فرناً للخبز مثلا ، وسكت الطرفان بعد ذلك ، وقام المنتفع ببناء الفرن على الأرض المنتفع بها ، فهل يعتبر الباني غير محق باقامته للمحدثات ، واعتقد ان المادة 1167 من القانون المدني العراقي (3).التي تحيل احكام المصروفات التي ينفقها الحائز إلى المواد الخاصة بالإلتصاق ، يمكن الاستعانة بها في هذا المقام ، كون المنتفع يعتبر حائزاً للعقار ، واذا ما اقام بناءً على الأرض المنتفع بها فانه يكون مشمولاً بأحكام هذه المادة .

ولكن ما يجب تحديده ، هو متى يعتبر المنتفع حسن النسبة ومتى يعتبر سيئ النيّة في اقامته لهذه المحدثات ؟ لا خلاف في تطبيق نص المادة 1121 من القانون المدني اذا ما استحصل المنتفع اذناً من المالك على اقامته للمحدثات ، اذ لا يستطيع مالك الأرض طلب ازالة المنشآت ، وعليه إذا لم يطلب صاحب حق المنفعة ( المحدث ) ازالة المحدثات التي اقامها ، فيحق لصاحب الأرض طلب تملكها بعد دفع قيمتها قائمة وقت انتهاء حق المنفعة . ولكن قد ينشأ الخلاف فيما إذا لم يكن لدى المنتفع اذنٌ بإقامة المحدثات ، فقد اعتبره الرأي المتقدم سيئ النيّة دائماً. واعتقد بان المنتفع إذا ما كانت لديه اسباب معقولة تحمله على الاعتقاد بان له الحق باقامة المحدثات فانه يكون حسن النيّة ويكون لديه زعم بسبب شرعي ومن ثم تطبق عليه احكام المادة 1120 من القانون المدني العراقي ، كما في مثال فرن الخبز السابق . وتنهض المشكلة نفسها في مصر ، إذا لم ينص على حكم المحدثات التي يقيمها المنتفع واعتبر الفقه دون خلاف ان المنتفع حسن النيّة فيما يحدث من بناء او غراس اذا ما حصل على ترخيص من مالك الرقبة بالبناء ودون اتفاق على مصير المحدثات(4).

اما بناء المنتفع دون ترخيص فقد اختلف حول الفقه ، فذهب رأي إلى ان المنتفع يعتبر سيئ النيّة اذا ما بنى في الأرض دون الحصول على ترخيص في ذلك من مالك الرقبه ، فالقانون يلزم المنتفع بان يستعمل الشيء بحالته التي تسلمه بها ، ويترتب على ذلك انه ليس من حقه ان يغير حالة الأرض المنتفع بها ، باقامة محدثات عليها ، واذا هو فعل ذلك فانه يكون قد بنى او غرس وهو سيئ النيّة ، وتسري عليه احكام المحدث سيئ النيّة (5).فالمنتفع في هذه الحالة يعلم انه لا يحق له البناء (6).وذهب رأي اخر إلى ان المنتفع ( المحدث ) يعتبر حسن النيّة حتى ولو لم يحصل على ترخيص بالبناء ، وذلك متى قامت لديه اسباب جدية تحمله على الاعتقاد بانّ مالك الرقبه قد صرح له بالبناء (7).وتأكيداً لهذا الرأي يقول احد الفقهاء ، بان العبرة ليست بوجود ترخيص البناء فعلاً سواء كان الترخيص صريحاً او ضمنياً ، وانما العبرة في الاعتقاد بوجود ترخيص على اسس معقولة ، ويضيف بان المقصود بالاعتقاد ، هو اعتقاده بالحق في البناء ، بناءً على صدور ترخيص بذلك من مالك الرقبه ، وان أي اعتقاد اخر غير اعتقاده بالترخيص لا يجعله حسن النيّة ، لان المنتفع يعلم ان المشرّع قد سلبه حق التغيير في العين عندما الزمه باستعمّالها بالحالة التي تسلمها بها (8).واذا ما كان هذا الحكم منسجماً مع ما نص عليه القانون المدني المصري في عدم السماح للمنتفع باستعمّال العين المنتفع بها الا بالحالة التي تسلمها ، فانه لا ينسجم مع نصوص القانون المدني العراقي التي تسمح للمنتفع باستعمّال واستغلال الشيء بحسب ما اعد له (9).

اذ يمكن تصوّر اقامة المحدثات في الأرض المنتفع بها لاستعمّالها بحسب ما اعدت ، ومن دون هذه المحدثات لا يمكن ان تستغل وفقا لذلك ، عليه فان اعتقاد المحدث المستند إلى اسباب جدية بان له الحق في اقامة المحدثات يجعله ذا زعم بسبب شرعي في المحدثات التي اقامها على الأرض المنتفع بها . اما في فرنسا ، فقد اختلف الفقه مع التشريع والقضاء بخصوص المحدثات التي يقيمها المنتفع في الأرض المنتفع بها ، إذ طبقت المحاكم الفرنسية نص المادة 599 الفقرة الثانيّة التي تنص على ان ” التحسينات التي يدخلها المنتفع على العقار المنتفع به لا يكون للمنتفع حق المطالبة بأي تعويض عنها حتى لو زادت في قيمة الشيء وقضت محكمة النقض الفرنسية تاسيساً على المادة في اعلاه بان البناء والغراس التي يقيمها المنتفع من ضمن التحسينات ، ولم تطبق بشأنها احكام الالتصاق ، وقد الزم القضاء الفرنسي المنتفع الذي بنى على الأرض المنتفع بها دون ترخيص من مالك الرقبه على ترك البناء لمالك الرقبه دون ان يتقاضى منه أي تعويض (10).وقد انتقد الفقه الفرنسي هذا القضاء ، باعتبار ان التحسينات لا تشمل البناء ولا الغراس ، كما ان القضاء هنا يضع المنتفع في وضع اسوأ من المحدث سيئ النيّة ، كونه لا يستحق أي تعويض عمّا احدثه من منشآت ، ولا يستطيع قلع محدثاته ، بل عليه تركها لمالك الأرض دون تعويض (11). وقد تفرد التشريعان السوري واللبناني بالنص على حكم المحدثات التي يقيمها المنتفع على الأرض المنتفع بها ، وطبقت عليه احكام البناء بسوء نيّة ، عند انتهاء اجل الانتفاع(12). وعلى الرغم من ان النص السوري واللبناني يؤكد كل منهما على اعتبار ان المنتفع المحدث سيئ النيّة ، كونه يعلم ان عليه اعادة الأرض إلى مالك الرقبه عند انتهاء حق المنفعة بالحالة التي تسلمها ، الا ان الفقه يذهب إلى ان النص في اعلاه يعالج حالة المنتفع الذي لم يحصل على اذن من مالك الرقبة ، اما المنتفع الذي يحصل على اذن من المالك يعامل معاملة المحدث حسن النيّة (13).

_______________________

1- د. أحمد شوقي محمد عبد الرحمن ، مصدر سابق ، ص144 . د.محمد المرسي زهرة ، الحقوق العينية الأصلية ،المجلد الاول ، مصدر سابق ، ص677 . ومن الجدير بالذكر فإن المشرع العراقي نظم أحكام حق المنفعة في المواد 1249-1260 من القانون المدني.

2- ضحى محمد سعيد ، المصدر السابق ، ص60 .

3- انظر ص12 من الرسالة .

4- السنهوري ، الوسيط ، ج9 ، ط ، 1999 ، ص398 ، د. منصور مصطفى منصور ، مصدر سابق ، ص269 .

5- السنهوري ، الوسيط ، ج9 ، مصدر سابق ، ص295 .

6- د. محمود جمال الدين زكي ، الحقوق العينية ، مصدر سابق ، ص363 .

7- د. عبد المنعم البدراوي ، الحقوق العينية الأصلية ،مصدر سابق ، ص66 .

8- د. حسام الدين الاهواني ، الحقوق العينيّة ، مصدر سابق ، ص86 .

9- نص المادة 1254 من القانون المدني العراقي .

10- نقض مدني فرنسي ” 4 / 1 / 1885 دالوز الدوري 86 – 1 – 36 . اشار اليه د. حسام الدين الاهواني ، اسباب كسب الملكيه ، مصدر سابق ، ص127 .

11- سانت لاري ، موسوعة دالوز ،التصاق ، رقم 186 . أشار إليه د. حسام الدين الأهواني ، المصدر السابق ، ص127 .

12- نصت المادة 890 / 4 من القانون المدني السوري ” تطبق هذه الاحكام ( احكام البناء بسوء نيّة ) عند انتهاء اجل الانتفاع على المنتفع الذي يكون قد شيد ابنيّة على الأرض المنتفع بها ” . تقابلها م 217 / 2 من قانون الملكية العقارية اللبناني ( مطابق ) .

13- د. عبد المنعم فرج الصده ، الحقوق العينيّة ، مصدر سابق ، ص335 . المحامي عبد الجواد السرميني و د. عبد السلام الترمانيني ، القانون المدني ، الحقوق العينيّة ، مصدر سابق ، ص679 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .