الكفالات في القضايا الجنائية في مصر  :

ان الكفالة يقررها وكيل النيابة أو القاضي حسب الجرم الجنائي فهناك فرق بين متهم اختلس مليون جنيه ومتهم اخر اختلس100 الف جنيه، وهناك فرق بين متهم ضرب احد الاشخاص فاحدث به اصابات بالغة ومتهم صفع شخصا بالقلم او ركله بالقدم وتفرض الكفالة بشرط مهم ومحدد ان يكون للمتهم محل اقامة معلوم وثابت داخل مصر حتي لا يهرب ووقتها تحدد الكفالة المالية وهي في الوقت نفسه تحدد حسب الاوراق والمستندات والاتهامات والشهود، فمثلا اذا كان هناك شخص ما لديه ثروة تقدر بالملايين وقتها يمكن للقاضي او المحقق ان يفرض عليه كفالة بقيمة ٢ أو ٣ ملايين جنيه وليس لاحد عليه سلطان.

ويضيف المستشار حمدي عبدالله:

وهناك فرق شاسع بين كفالة النيابة والتي يقررها وكيل النائب العام في كل نيابات مصر، وهي تفرض علي المتهم كنوع من الضمان، حتي يعود للتحقيق معه مرات اخري وله الحق في استردادها في نهاية محاكمته اذا حصل علي البراءة أو تم حفظ التحقيقات. اما كفالة القاضي فلها شقان، الاول في حالة حبس المتهم احتياطيا فيحقق للقاضي ان يخلي سبيله بكفالة حتي نهاية محاكمته وصدور حكم نهائي ضده، الثاني عندما يصدر حكم ضد المتهم من احدي محاكم الجنح وتصبح واجبة النفاذ، مثل جرائم السرقات والضرب والشيكات وايصالات الامانة والبناء بدون ترخيص، وفيها يقضي القاضي بالحبس وتقدر الكفالة لوقف تنفيذ العقوبة لحين قيامه باستئناف الحكم امام محاكم جنح مستأنف، ولا يحق له استئناف الحكم الا اذا سدد الكفالة فإذا تراخي عن السداد يصبح الحكم واجب النفاذ ويمكن القبض عليه في منزله او بالشارع. ى القانون المصرى, كما فى أغلب القوانين الجنائية المعمول بها فى معظم دول العالم, أورد القانون نصوصا تعطى للمواطن حقا فى الإفراج عنه بكفالة لحين حلول موعد محاكمته. و لكن يبدوا أن فكرة الكفالة فى القاون المصرى تختلف فى ” تطبيقها ” عن غيرها فى الدول الأخرى. و قبل شرح أوجه الخلاف, سوف أشرح معنى كلمة “كفالة”, و الفرق بينها و بين كلمة ” ضامن” سواء أكانت الضمانة مالية أم شخصية.

عند القبض على مُتهم, لا يظهر أمام المحكمة المختصة فورا, بل هناك خطوات تُتبع, منها فى مصر مثلا عرض المتهم على النيابة, مع حبسه لمدة معينة على ذمة التحقيق, ثم بعد ذلك يتم إستدعاء الشخص أمام المحكمة لكى تطلب النيابة إستمرار حبسه. ثم بعد ذلك يجئ دور المحاكمة. أباح القانون للمتهم أن يطلب, فى أى من المراحل السابقة, الإفراج عنه بكفالة, إذا كان الإتهام فى جناية, أو جنحة معاقبا عليها بالحبس. و فى إنجلترا و أمريكا, لا ينظر فى طلب الكفالة إذا كانت التهمة هى القتل العمد. كذلك أباح القانون للمتهم طلب الإفراج عنه بالضمان الشخصى, او المالى فى الجنح الخفيفة, و المخالفات. الكفالة إذن هى مبلغ تقرره النيابة, أو المحكمة, نظير إطلاق سراح المتهم, لحين محاكمته. و يكون إستعمال الكفالة هنا, و خاصة إذا كان مبلغ الكفالة مرتفع, مقصود به ضمان أن المتهم سوف لا يتخلف عن الحضور الى المحكمة, و إلا صادرت المحكمة المبلغ, مع إصدار أمر بالقبض على المتهم, و ما يتبع ذلك من أمور يعرفها الجميع.( المفروض أن تُرد الكفالة إذا لم يتغيب المتهم عن الحضور) و فى القضايا البسيطة, يمكن الإفراج عن المتهم, أو المشكوك فيه, بالضمان الشخصى, و كان ” شيخ الحارة” فى الماضى هو الضامن الشخصى, و كان يتناول “المعلوم” نظير هذه ” الخدمة”.

و فى بعض الحالات , تكون الضمانة مالية, و لا يعنى ذلك دفع أى مبلغ, و لكن الضامن سوف يفقد مقدارا محددا من المال, إذا فشل المتهم فى الحضور الى النيابة أو المحكمة( فى القانون الإنجليزى). و أحيانا يُطلب من الضامن إيداع مستندات تثبت ملكيته لممتلكات تكفى قيمتها لدفع الضمانة فى حالة التخلف. نعود الى الفرق بين الكفالة فى الفكر القانونى المصرى, و الفكر الغربى. من المبادئ القانونية التى تحميها جميع الدساتير, سواء بالفعل, أو بالقول, أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته, و هذا هو أساس فكرة الكفالة, فالمتهم الذى يتم القبض عليه من حقه أن يقول أنه لم تثبت إدانته بعد, و من حقه طلب الإفراج عنه. لذا, نرى أن المحاكم الإنجليزية, و أغلب المحاكم التى تتبع القانون الإنجليزى, تجعل حق الإفراج بكفالة أو بدونها ( لحين المحاكمة ) حقا أساسيا, و جعلت سحب هذا الحق هو الإستثناء. بمعنى أنه طالما أن المتهم معروف محل إقامته, و لم يكن له سوابق, و لم يتهم بارتكاب جريمة تهدد أمن المجتمع, و لم تكن تهمته إرتكاب عمل عنيف….. الخ, فى هذه الأحوال, يكون للماجيستيريت( قاضى أدنى درجة) أن يأمر بأحد من الأمور الآتية:

1- أن يأمر بالإفراج عن المتهم بدون كفالة, و بالضمان الشخصى.

2- أن يأمر بضمان مالى

3- أن يأمر بدفع كفالة تتناسب مع خطورة الإتهام

4- أن يأمر باستمرار حبس المتهم بدون كفالة, حيث أن المتهم معتاد الإجرام, أو أجنبى يمكنه مغادرةالبلاد, أو خطر على المجتمع, أو خطر على الشهود.

و السبب فى جعل الإفراج هو الأساس, و الحبس هو الإستثناء هو أن المواطن فى هذه البلاد هو سلعة نفيسة. فله أسرة يعولها, و له عمل يسترزق منه, و له الحق فى الإستمتاع بحريتة و صحبة أصدقائه, طالما أن التهمة لم تثبت عليه بعد, و طالما أنه لم يكن هناك داع جدى ملح لحبسه. و الحكمة الإقتصادية واضحة هنا, فالحكومة لن تصرف مليما واحدا على المتهم, الذى يُكلف وجوده فى داخل السجن مبالغ طائلة. كذلك يسمح باستمرار المواطن فى عمله, و هذه هى خير وسيلة لتفادى حرمان أبرياء من عقوبة ليس لهم بها دخل, و أقصد بذلك أعضاء أسرة المتهم. و يبدوا أن المواطن المصرى هو سلعة رخيصة, لذا نرى فلسفة الكفالة كما تطبقها المحاكم هى عكس المقصود بها طبقا للقانون, فالمتهم محبوس لأن المحكمة أو النيابة ترى أنه يعتبر مذنبا إلى أن تثيت براءته. و عل المتهم أن يلتمس الإفراج عنه بكفالة, و فى أغلب الأحيان, ترفض المحكمة الطلب, و تودع أفرادا لا خطر منهم فى السجون لسنوات, حتى تثبت براءتهم. و ليس من حقهم المطالبة بأى تعويض عن ذلك, بل من المطلوب منهم أن يهتفوا فور حكم البراءة بكلمة………. يحيا العدل.

فضلا عن هذا, فإن أنكار حق الكفالة لمن يثبت براءته فى النهاية يفقد المواطن الأيمان بالعدل, و بالنظام الإجتماعى كله. ليس معنى ذلك أن كل متهم يجب أن يتم الإفراج عنه, و لكن من المطلوب مراعاة ظروف كل حالة على حدة, و تقدير مدى الضرر المادى و الإقتصادى الذى سيترتب عليه حبس أفراد لم تتسم تهمهم بالعنف ( مثل إالتهم الموجهة الى كثير من مديرى البنوك و الذين يمكن منعهم من مغادرة البلاد الى أن تنتهى المحاكمة ) ما ذنب أسرة المتهم؟ و لماذا يعاقبهم القانون, بحرمان عائلهم من حق إعالتهم, قبل ثبوت التهمة؟و لماذا تحشد الدولة هذا العدد الغفير فى سجون مكتظة, غير صالحة للاستعمال الآدمي؟”نظريا “, المفروض أن تقوم الدولة بتوفير المأكل و المشرب, و الرعاية الصحية مجانا. أعيد القول….” نظريا”, فإذا كان ذلك كذلك, لماذ تنفق الدولة هذه الأموال لحجز قوم ليس منهم خطر, و لن يمكنهم ترك البلاد؟نجئ الآن الى الجانب العملى: الحكومة لا تصرف مليما واحدا عليهم, فقد زرت السجون, ووجدت أن كل متهم محبوس إحتياطيا يقوم بدفع رشاوى طائلة لكى يتمتع ببعض الهواء, و بمكان نظيف يلقى نفسه فيه. أما الأكل, فكل أسرة تحضر طعام لعائلها, و أغلب هذا الطعام لن يصل لصاحبه بدون دفع إكرامية. و يتقاسم ضباط السجن هذه الرشاوى مع سجانى و سجانات السجن , علنا, و بدون حياء.

إذن, مهما نظرنا الى فلسفة الكفالة طبقا للتطبيق المصرى لها, سنجد أنها تُطلع لنا لسانها, و تقول بإصرار شديد: المتهـم مذنب, حتى لـو ثبتت براءته تحولت الكفالات إلى “سبوبة النظام” لإستنزاف وإرهاق المعارضة ماديا ، والتنكيل بهم معنويا وسياسيا، فى مقابل قبول طعون رموز النظام السابق على أحكام حبسهم وإخلاء سبيلهم بضمان محل الإقامة، فقد تخطت حجم الكفالات التى فرضتها النيابة على النشطاء والمعارضين فى عهد الرئيس فى الفترة الأخيرة المليون جنيه لإخلاء سبيلهم بتهم غير واضحة من تكدير الأمن الوطنى والسلم العام ، و إهانة الرئيس، فقد حصر تقرير “حملة حقى يادولة ” عدد الكفالات التى حصلتها النيابة العامة من النشطاء والمعارضيين اللذين تم اعتقالهم على خلفية أحداث الثورة فى عهد الرئيس مرسى والاحتجاجات التى أندلعت ضدة فى أكثر من 80 يوم والتى تخطت المليون جنيه بإجمالي 1,007,500 جنيهاً؛ حيث تم فرضها على 459 معتقلًا في 8 محافظات مختلفة مع حساب اعتقالات عمالية وطلابية وبلاغات النائب العام ، حيث أكد التقرير إن النيابة والقضاة الجزئيين تعمدوا خلال التحقيقات فرض الكفالات بصورة مستفزة لاستنزاف أموال معتقلى النظام سواء كانوا بأحداث سياسية او عمالية او طلابية او احتجاجات اجتماعية. كما فندت الحملة في تقريرها الكفالات كالآتي: 193 معتقل بمحافظة القاهرة، بكفالة 413,000 جنيه ، و41 معتقل بمحافظة الاسكندرية، بكفالة 168,500 جنيه، و39 معتقل بمحافظة المنوفية، بكفالة 78,000 جنيه، والدقهلية 59,500 جنيه على 39 معتقل، والغربية 51,000 جنيه على 3 معتقلين، وكفر الشيخ 31,800 جنيه على 36 معتقل، والشرقية 17,000 جنيه على 36 معتقل، وأسوان 5,500 جنيه على 6 معتقلين بلغوا قضايا طلابية وحراك عمالي، و 158,200 جنيه على 63 معتقل ، بلاغات النائب العام 25,000 جنيه على 3 متهمين.

كتاب دوري رقم 12 لسنة 2008 بشأن صرف الكفالات :

ورد كتاب الإدارة العامة لتجميع البيانات المركزية بمصلحة الضرائب المؤرخ 8 / 5 / 2008 بشأن ما تضمنه الكتاب الدوري رقم 28 لسنة 2008 الصادر من الإدارة المركزية لحسابات الحكومة بوزارة المالية من توجيه إلى كافة الوزارات والمصالح الحكومية والأجهزة المستقلة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة بمراعاة صرف الكفالات التي لا تزيد قيمتها على ألف جنيه دون الرجوع لمصلحة الضرائب المصرية . ولما كانت التعليمات العامة للنيابات المنصوص عليها في المادة 748 من التعليمات القضائية والمادة 1309 من التعليمات الكتابية والمالية والإدارية قد أوجبت على النيابات قبل صرف أية مبالغ مالية أو أموال متعلقة بالغير لأصحابها – متى زادت قيمتها على مائة جنيه – وإخطار الإدارة العامة لتجميع البيانات المركزية بمصلحة الضرائب العامة بالنسبة لمحافظات القاهرة والجيزة والقليوبية والمناطق الضريبية بالنسبة للمحافظات الأخرى فان تعددت المناطق الضريبية داخل المحافظة الواحدة تخطر منطقة ضرائب أول ، ويعتبر عدم رد هذه الجهات على إخطارات النيابة خلال عشرة أيام من تاريخ وصول تلك الإخطارات إليها موافقة ضمنية منها على رد المبالغ المطلوبة لأصحابها ، كما أوجبت أيضا ضرورة تضمين الإخطارات المشار إليها البيانات المقررة ، وان يتم تسليم المراسلات الخاصة بهذه الإخطارات بموجب دفتر تسليم خاص في نطاق محافظة القاهرة الكبرى ولا تسلم لذوي الشأن بأي حال من الأحوال . وكان الكتاب الدوري رقم 9 لسنة 2004 الصادر من النائب العام قد أكد على ضرورة إعمال التعليمات العامة للنيابات المشار إليها سلفا . فانه في ضوء ما تقدم نذكر أعضاء النيابة العامة بتلك التعليمات وندعوهم إلى إتباع ما يلي : التصرف في طلبات صرف الكفالات المالية التي لا تزيد قيمتها على ألف جنيه دون استطلاع رأي الجهات المختصة بمصلحة الضرائب وقصر حالات استطلاع الرأي على صرف الكفالات المالية التي تزيد قيمتها على ألف جنيه . ثانيا : ضرورة قيام النيابات بمحافظات القاهرة والجيزة والقليوبية بتسليم المراسلات الخاصة بالإخطارات الموجهة إلى الجهات المختصة بمصلحة الضرائب في شأن استطلاع الرأي في صرف المبالغ والأموال المتعلقة بالغير بموجب دفتر تسليم خاص ولا تسلم لذوي الشأن بأي حال من الأحوال .
والله ولي التوفيق
صدر في 19 / 5 / 2008
النائب العام
المستشار / عبد المجيد محمود

بقلم الدكتور عادل عامر رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .