الزمت غالبية التشريعات التاجر بمسك الدفاتر التجارية، وقد ربطت هذه التشريعات عند تقنين الأحكام الخاصة بمسك الدفاتر التجارية بين الدفاتر التجارية والدعامة الورقية لأغراض المحاسبة والضرائب ومراجعة الحسابات والإثبات وغير ذلك، ولكن انتشار استخدام الحاسب الآلي في تنظيم الدفاتر التجارية حمل معه تحدياً للقواعد القانونية التقليدية، لذا بذلت العديد من المحاولات سواء كان ذلك على صعيد التشريعات الدولية أم على صعيد التشريعات الوطنية للاعتراف بالدعامات الإلكترونية المكونة للدفاتر التجارية إلى جانب الدعامات الورقية، لذا سنبحث موقف التشريعات من استخدام الحاسب الآلي في تنظيم الدفاتر التجارية في الفقرتين الآتيتين:

أولاً: الجهود المبذولة على الصعيد الدولي للاعتراف بالدعامات الإلكترونية المكونة للدفاتر التجارية:

صدرت قوانين نموذجية وتوجيهات دولية لتضع أمام الدول إرشادات تشريعية تستهدي بها في إزالة العوائق أمام استعمال وسائل الحفظ الإلكترونية في التجارة الدولية، فقد نصت المادة (9) من مجموعة القواعد والإرشادات حول التجارة الإلكترونية الصادرة عن غرفة التجارة الدولية (ICC) على أنه: ((يجب أن يحفظ كل فريق بأمانة تسجيلاً كاملاً ومتسلسلاً زمنياً للرسائل الإلكترونية المرسلة أو المتلقاة من الفرقاء الآخرين في نطاق التعامل الإلكتروني وذلك بالتوافق مع المواصفات والحدود الزمنية التي ينص عليها القانون الوطني، وفي غياب أي قانون مطبق يجب أن تحفظ هذه التسجيلات لمدة ثلاث سنوات على الأقل وذلك من تاريخ انتهاء المعاملة الإلكترونية التجارية))(1). أما الفقرة (1) من المادة (10) من قانون الاونسترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية الصادر عن لجنة القانون التجاري الدولي لدى الأمم المتحدة في عام (1996) فقد نصت على أنه: ((عندما يقضي القانون الاحتفاظ بمستندات أو سجلات أو بمعلومات بعينها، يتحقق الوفاء بهذا الشرط إذا تم الاحتفاظ برسائل البيانات شريطة مراعاة الشروط التالية: أ- تيسر الإطلاع على المعلومات الواردة فيها على نحو يتيح استخدامها في الرجوع إليها لاحقاً، و. ب- الاحتفاظ برسالة البيانات بالشكل الذي انتجت أو أرسلت أو استلمت أو بشكل يمثل بدقة المعلومات التي انشأت أوأرسلت أو استلمت، و. ج- الاحتفاظ بالمعلومات، إن وجدت، التي تمكن من استبانة منشأ رسالة البيانات وجهة وصولها وتاريخ ووقت إرسالها واستلامها)). إن هذه الفقرة يمكن أن تفهم في ضوء المادة (2/أ) من القانون النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية والتي عرفت رسالة البيانات بأنها المعلومات التي يتم انشاؤها أو إرسالها أو استلامها أو تخزينها بوسائل إلكترونية أو ضوئية أو بوسائل مشابهة بما في ذلك على سبيل المثال تبادل البيانات الإلكترونية، لذا فإن مفهوم رسالة البيانات لا يقتصر على الإبلاغ وإنما يشمل السجلات التي ينتجها الحاسب الإلكتروني والتي لا يقصد إبلاغها (2) أي إنها تشمل السجلات أو الدفاتر الإلكترونية، ويلاحظ بأن القانون النموذجي قد وضع معياراً موضوعياً للاحتفاظ برسالة البيانات هو” تيسر الإطلاع على المعلومات على نحو يتيح استخدامها في الرجوع إليها لاحقاً”، ويقصد به أن تكون المعلومات المقدمة في شكل بيانات حاسوبية مقروءة وقابلة للتفسير، وحتى تكون المعلومات كذلك فلا بد من الاحتفاظ ببرامجيات الحاسوب لكي تصبح المعلومات قابلة للإستخدام البشري فضلاً عن التجهيز الحاسوبي (3)،ويتم الاحتفاظ برسالة البيانات بدون تعديل بحيث تعكس بدقة المعلومات التي تم إنتاجها، وتعتبر هذه المعلومات سليمة إذا ما بقيت مكتملة ودون تغيير باستثناء أي تغيير يطرأ أثناء المجرى العادي للتخزين أو العرض(4)، ولدى تقييم سلامة المعلومات ينبغي أن ينظر إلى تسجيل المعلومات بانتظام، والتأكد من أنها سجلت بدون نواقص،وحماية المعلومات من التغيير(5). وكذلك تناولت اتفاقات التبادل الإلكتروني للبيانات مسألة الاحتفاظ برسائل البيانات التي يتم تبادلها، فقد نصت المادة (8) من الاتفاق النموذجي الأوربي للتبادل الإلكتروني للبيانات لعام 1994 على أن:

((1- يحفظ كل طرف، بدون تعديل وبأمانة، سجلاً كاملاً ومتسلسلاً زمنياً لجميع الرسائل التي تتبادلها الأطراف إلكترونياً أثناء القيام بصفقة تجارية، وفقاً للحدود الزمنية وللمواصفات المنصوص عليها في الشروط التشريعية لقانونه الوطني، وعلى أي حال، لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات من تاريخ إتمام الصفقة.2- يخزن المرسل الرسائل التي يتم تبادلها إلكترونياً بالشكل المرسلة به ويخزنها المستلم بالشكل الذي يستلمها به، ما لم تنص القوانيين الوطنية على خلاف ذلك. 3- تكفل الأطراف يسر الإطلاع على السجلات الإلكترونية أو سجلات الحاسوب للرسائل التي يتم تبادلها إلكترونياً، وإمكانية استنساخها بشكل يمكن للإنسان قراءتهِ، وإمكانية طبعها أن أقتضى الأمر ذلك، ويحتفظ بأية معدات تشغيلية تكون لازمة بهذا الصدد))(6). هذا وقد ذهبت بعض الاتفاقات النموذجية إلى أبعد من ذلك، فعلى وفق المادة (10/هـ) من مدونة القواعد الموحدة لتبادل البيانات التجارية يجب على الأطراف ضمان أن يشهد الشخص المسؤول عن نظام تسجيل البيانات أو أي طرف آخر على صحة سجل البيانات التجارية وعلى استنساخها(7). من كل ما تقدم يتبين أن العديد من التشريعات الدولية قد اعترفت للدفاتر التجارية الإلكترونية بالقيمة القانونية ذاتها المقررة للدفاتر التجارية الورقية.

ثانياً: الجهود المبذولة على الصعيد الداخلي للاعتراف بالدعامات الإلكترونية المكونة للدفاتر التجارية:

كشف استخدام الحاسب الآلي في تنظيم الدفاتر التجارية عن الحاجة إلى تنظيم قانوني يكفل الاعتراف بالدفاتر ذات الدعامة الإلكترونية ويتيح استرجاع المعلومات المحررة عليها إلكترونياً على مخرجات ورقية، لذا شرعت بعض الدول الأجنبية والعربية قواعد قانونية استهدفت عدم إنكار القيمة القانونية للدفاتر التجارية لمجرد أنها خرجت في شكل إلكتروني، الأمر الذي كرس مبدأ التكافؤ بين الدفاتر الإلكترونية والدفاتر الورقية، لذا سنتناول موقف هذه التشريعات في الفقرتين الآتيتين:

أ- الجهود المبذولة على صعيد التشريعات الأجنبية:

أصدرت العديد من الدول الأجنبية تشريعات للاعتراف بصلاحية الدعامات الإلكترونية المكونة للدفاتر التجارية إلى جانب الدعامات الورقية، فقد أقر المشرع الفرنسي صراحة للتجار والشركات تنظيم الدفاتر التجارية، كدفتر الجرد ودفتر الأستاذ، على دعامات إلكترونية بعدما أصبحت الدفاتر التجارية التقليدية عائقاً أمام الاحتفاظ بالبيانات المحاسبية والمعلومات، وذلك بالقانون المحاسبي رقم (253) الصادر بتاريخ 29/11/1983، كما استبدل القانون المذكور مصطلح الدفاتر التجارية باصطلاح التسجيلات المحاسبية (Enregistrement Comptable) لكي تشمل الدفاتر التجارية ذات الدعامات الإلكترونية(8) كالأقراص المغناطيسية والضوئية. وفي المملكة المتحدة صدرت العديد من التشريعات في هذا الخصوص، حيث أصدر المشرع الإنكليزي تشريعاً بتاريخ 12/10/1976 أجاز فيه للشركات تنظيم دفاترها التجارية على شكل دعامات بصرية أو إلكترونية، ثم تلاه تعديلاً لقانون الشركات استبدل مصطلح (Books of Account) باصطلاح (Accounting Records) والذي يعني السجلات المحاسبية وبذلك أصبح شاملاً لوسائط غير تقليدية في الاحتفاظ بالبيانات المحاسبية كالأقراص والأشرطة الممغنطة والإسطوانات الضوئية، كما أصدر المشرع الإنكليزي تشريعاً في عام 1979 أجاز فيه للبنوك أن تنظم دفاترها التجارية على شكل مصغرات فلمية أو أشرطة ممغنطة أو أي شكل من أشكال الحفظ التي تقبل الاسترجاع الميكانيكي أو الإلكتروني(9).وكذلك في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد منح المشرع الأمريكي الدفاتر التجارية الإلكترونية القيمة القانونية في الإثبات، حيث يقضي الفصل (803/6) من قانون الإثبات الفدرالي أن السجلات التجارية التي يتم إعدادها على وفق السياق الاعتيادي للعمل الذي تقوم به المؤسسة التجارية، يمكن منحها القيمة القانونية في الإثبات ولو كانت سجلات الكترونية بشرط وحيد هو الحصول على شهادة الشخص أو الأشخاص الذين هم على إطلاع على نظام تسجيل البيانات وكيفية حفظها وعلى كل ما يتصل بموثوقية النظام المعلوماتي القائم(10)، ويكون هؤلاء من خبراء المعلوماتية أن وجدوا لدى المؤسسة التجارية، وتأسيساً على ذلك فقد استقر القضاء الأمريكي على أن مخرجات الحاسب الآلي يمكن منحها القيمة القانونية مادام الحاسب المتولدة عنه يؤدي وظائفه بصورة سليمة وكان القائم عليه تتوافر فيه الثقة والطمأنينة(11). أما في كندا فيمكن قبول السجلات الناجمة عن الحاسب الآلي إذا توافرت شروط معينة، وعلى وفق الفصل (29) من قانون الإثبات الكندي والخاص بسجلات المؤسسات المالية يشترط لعمل نسخة من السجل أن تكون النسخة حقيقية من المدخل الأصلي، وتأسيساً على ذلك قضت محكمة استئناف أونتاريو في قضية (mc mullen) بأنه يشترط لكي تكون سجلات الحاسب مقبولة بوصفها نسخاً حقيقية من السجلات الإلكترونية، أن تكون مستكملة لنظام حفظ السجلات السائد لدى المؤسسات المالية، ويتضمن ذلك وصفاً لإجراءات إدخال البيانات وتخزينها واسترجاعها حتى يتبين أن مخرجات الحاسب موثوق بها بشكل كاف، كما وتعرضت المحكمة ذاتها في قضية (Bell and Bruce) لواقعه كانت فيها البيانات الإلكترونية الأصلية قد محيت وكل ما تبقى منها هو مخرجات الطابعة التي استخدمها البنك بإعتبارها الأصل وليس مجرد صورة، فأيدت المحكمة ذلك وقضت بأن الصورة في هذه الحالة تنزل منزلة الأصل وتصبح هي السجل الأصلي حسبما جاء في الفصل (29) من القانون، وأضافت لذلك بأن السجل قد يتخذ عدة أشكال سواء كانت مقروءة وواضحة أم لا، وأن الشكل الذي سجلت فيه المعلومات قد يتغير من وقت لآخر فقد يتم تجميعها أو دمجها وفي كل هذه الحالات فأن الشكل الجديد يصبح سجلاً بنفس مقومات السجل السابق، أما الفصل (30) من قانون الإثبات الكندي فيقضي بقبول السجلات التجارية التي تم عملها في سياق النشاط الاعتيادي للمؤسسة التجارية في الإثبات، وهو ما ينطبق على السجلات الناتجة عن الحاسب الآلي(12).

ب- الجهود المبذولة على صعيد التشريعات العربية:

أصدرت العديد من الدول العربية تشريعات للاعتراف بصلاحية الدعامات الإلكترونية المكونة للدفاتر التجارية إلى جانب الدعامات الورقية، وفيما يأتي نستعرض موقف التشريع العراقي ومن ثم التشريعات العربية:

1- موقف القانون العراقي من استخدام الحاسب الآلي في تنظيم الدفاتر التجارية:

أصدر المشرع العرقي تشريعات عدة أجاز فيها استخدام الحاسب الآلي في تنظيم الدفاتر التجارية، وأهم هذه التشريعات هو الآتي:

أولاً: تنص المادة (19) من قانون التجارة رقم (30) لسنة 1984 على أنه: ((يجوز للتاجر أن يستعيض عن الدفاتر المنصوص عليها في المادتين (14) و(16) من هذا القانون باستخدام الأجهزة التقنية والأساليب الحديثة المتطورة في تنظيم حساباته وبيان مركزه المالي)). يتضح من هذا النص أن القانون أجاز للتاجر أن يستخدم الحاسب الآلي أو غيره من الأجهزة التقنية والأساليب الحديثة في تنظيم دفاتر اليومية المساعدة المنصوص عليها في المادة (14) من قانون التجارة، وكذلك في الاحتفاظ بالرسائل والبرقيات وغيرها من المحررات المتعلقة بالتجارة والمنصوص عليها في المادة (16) من قانون التجارة.

ثانياً: تنص المادة (3) من نظام مسك الدفاتر التجارية لأغراض ضريبة الدخل رقم (2) لسنة 1985 على أنه: ((إذا مسك المكلف حساباته على جهاز الحاسب الإلكتروني بدلاً من الدفاتر المذكورة في المادة الأولى من هذا النظام، فيشترط لذلك: أولاً- تنظيم دفتر اليومية على شكل أوراق متسلسلة تظهر فيها جميع قيود اليومية بشكل يمكن مراجعتها وتدقيقها على أن ترزم هذه الأوراق حسب تسلسلها التاريخي وتجلد وتصدق من الكاتب العدل في نهاية كل سنة مالية تعود لها. ثانياً- تكون نتائج (مخرجات) الحاسب الإلكتروني بالنسبة لحسابات الأستاذ على شكل كشوف تحتوي على مفردات القيود الحسابية للمعلومات التي تخص كل حساب وحسب التسلسل التاريخي لحدوثها. ثالثاً- يلتزم المكلف بتقديم دليل التبويب الحسابي المستخدم على جهاز الحاسب الإلكتروني في تنظيم حساباته إلى السلطة المالية للمصادقة عليه قبل استخدامه على أن تخبر هذه السلطة مسبقاً عن كل تعديل يطرأ عليه.)) يتضح من هذا النص أن المشرع العراقي أجاز استخدام الحاسب الإلكتروني في تنظيم الدفاتر التجارية المنصوص عليها في المادة (1) من نظام مسك الدفاتر التجارية لأغراض ضريبة الدخل،وهي دفتر اليومية وأي دفتر من دفاتر اليومية المساعدة ودفتر الأستاذ وأي دفتر من دفاتر الأستاذ المساعدة والدفاتر المخزنية، ووضع الضمانات اللازمة لتنظيم عمليات استخدامه بدلاً من الدفاتر التجارية وهي على نوعين:

أ- الضمانات المتعلقة بالبيانات المستقاة من الحاسب الإلكتروني وهي:

أولاً: استخراج بيانات مطبوعة من الحاسب الإلكتروني بالنسبة لدفتر اليومية على أن تكون مرقمة الصفحات ومؤرخة وتتضمن المعلومات الخاصة بالقيود الحسابية جميعها ويتم جمع هذه البيانات حسب تسلسلها التاريخي وتصديقها من قبل الكاتب العدل في نهاية السنة المالية التي تعود لها، ويجب أن تتضمن هذه البيانات معلومات تفصيلية عن القيود الحسابية بالنسبة لدفتر اليومية بحيث يمكن مراجعتها وتدقيقها بالطرق المعتادة.

ثانياً: استخراج بيانات مطبوعة من الحاسب الإلكتروني بالنسبة لدفتر الأستاذ على أن تتضمن هذه البيانات معلومات تفصيلية عن القيود الحسابية بحيث تكون على شكل كشوف تحتوي على مفردات القيود الحسابية التي تخص كل حساب من حسابات الأستاذ وحسب التسلسل التاريخي لحدوثها. وتهدف الضمانات المتعلقة بالبيانات المستقاة من الحاسب الإلكتروني إلى جعل هذه البيانات والمخرجات، مرجعاً يمكن الركون إليه لتحديد أي تلاعب في قيود الدفاتر التجارية وذلك من خلال مقارنة المعلومات الواردة في البيانات المستقاة من الحاسب الإلكتروني بالمعلومات المحفوظة على ذاكرة الحاسب الإلكتروني.

ب- الضمانات المتعلقة بنظام الحاسب الإلكتروني:

يجب تقديم دليل تبويب الحسابات المستخدم على جهاز الحاسب الإلكتروني إلى السلطة المالية لغرض توثيقه قبل استخدامه في تنظيم الدفاتر التجارية، ويجب إعلام هذه السلطة بكل تعديل يطرأ عليه، ويقصد بدليل التبويب الحسابي البرامج المستخدمة في تنظيم الحسابات على الحاسب الإلكتروني، والحكمة من ذلك هي أن البيانات المحفوظة على الحاسب الإلكتروني تخضع لتفتيش ممثل السلطة المالية.ثالثاً: تنص الفقرة (8) من الفصل الثاني من تعليمات النظام المحاسبي للشركات رقم (1) لسنة 1998 على أنه: ((عند استخدام الحاسوب في تنظيم حساباتها على الشركة مراعاة توفير المعلومات والبيانات المحاسبية المطلوبة بموجب هذه التعليمات وضمان إمكانية فحصها وتدقيقها بالطرق المعتادة)).يتبين من هذا النص أن الشركة تلتزم باستخراج بيانات مطبوعة لحساباتها المثبتة على ذاكرة الحاسب الآلي لضمان فحصها وتدقيقها بالطرق المعتادة.

رابعاً: تنص الفقرة (2) من المادة (38) من قانون المصارف العراقي لسنة 2004 على أن: ((يحتفظ بالسجلات خطياً ويجوز لأي مصرف أن يحتفظ بالدفاتر والسجلات والكشوفات والمستندات والمراسلات والبرقيات والاشعارات والمستندات الأخرى المتعلقة بأنشطته المالية بشكل مصغر (مايكروفيلم، أو خزانة البيانات إلكترونياً أو الوسائل التكنولوجية المعاصرة الأخرى)، بدلاً من الاحتفاظ بها بشكلها الأصلي طيلة المدة المحددة في القانون،بقدر توافر نظم وإجراءات واقية لاسترداد البيانات، ويكون لهذه النسخ المصغرة نفس مفعول الأصل من حيث الإثبات، ويجوز للبنك المركزي العراقي أن يصدر أنظمة تحدد المتطلبات المرتبطة بتلك النظم.)). يتبين من هذا النص بأن للمصرف استخدام الحاسب الآلي وغيره من الوسائل التكنولوجية المعاصرة الأخرى في الاحتفاظ بالدفاتر والمحررات المتعلقة بأنشطته المالية بدلاً من الاحتفاظ بها بشكلها الأصلي طيلة المدة المحددة في القانون على أن تتوفر لدى المصرف إجراءات واقية لاسترداد هذه البيانات.

من كل ما تقدم يتبين أن المشرع العراقي أجاز استخدام الحاسب الآلي في تنظيم الدفاتر التجارية، وبذلك يكون المشرع العراقي قد وسع مفهوم الدفاتر التجارية ليشمل البيانات المحاسبية المحفوظة على الأقراص أو الأشرطة الممغنطة والأسطوانات الضوئية فضلاً عن الدفاتر التجارية ذات الدعامات الورقية، ويلاحظ تعدد النصوص التشريعية التي أجازت استخدام الحاسب الآلي في تنظيم الدفاتر التجارية وتواضع الضمانات التي جاءت بها هذه النصوص، لذا نقترح تعديل نص المادة (19) من قانون التجارة من خلال النص صراحة على جواز استخدام الحاسب الآلي في تنظيم الدفاتر التجارية بدلاً من النص على دفاتر بعينها ووضع الضمانات اللازمة لذلك، وحبذا أن يكون النص المقترح كالآتي:

((يجوز للتاجر أن يستخدم الحاسب الآلي أوغيره من الأجهزة التقنية الحديثة في تنظيم الدفاتر التجارية، وتعد مخرجات هذه الأجهزة بمثابة دفاتر تجارية بقدر توافر القواعد التي تكفل صحة البيانات الواردة فيها والتي تحدد على وفق التعليمات التي يصدرها وزير التجارة)).

2-قانون الجمهورية اللبنانية:

أجاز المشرع اللبناني للتجار والشركات تنظيم دفتر الجرد ودفتر الأستاذ باستخدام الحاسب الآلي وذلك بالقانون المحاسبي العام رقم (4656) الصادر بتاريخ 26/12/1981، لذا يكون المشرع اللبناني قد اعترف بالدعامات الإلكترونية المكونة للدفاتر التجارية(13) إلا أن محكمة التمييز اللبنانية قضت بعدم إعتبار البيانات المحاسبية الإلكترونية بمثابة الدفاتر التجارية التقليدية، بالرغم من أن طالب الصلح طلب من المحكمة إعتبارها دفاتر تجارية لأن مفهوم الأخيرة قد تغير بفعل الثورة المعلوماتية فتجاوز الدفاتر الورقية إلى البيانات المحاسبية الإلكترونية المبرمجة على الأقراص المدمجة، وقد أسست المحكمة حكمها على أن الدفاتر التجارية التي يلتزم طالب الصلح بتقديمها على وفق المادتين (460، 461) من قانون التجارة هي الدفاتر المنصوص عليها في المادة (16) من القانون ذاته والتي يلتزم التاجر باعتمادها من الجهات القضائية، لذا فإن الدفاتر الإلزامية ناقصة وغير ممسوكة على وفق القواعد القانونية المفروضة والتي لا يمكن الاستعاضة عنها بأي عرف قائم على البرمجة الإلكترونية(14)، وبذلك يكون القضاء اللبناني قد رفض إعتبار البيانات المحاسبية الإلكترونية بمثابة الدفاتر التجارية الورقية،لان القانون رقم (4656) لسنة 1981 لم يضع آلية لإعتماد (تصديق) البيانات المحاسبية الإلكترونية من الجهات القضائية.

3- قانون المملكة العربية السعودية:

تنص المادة (2) من نظام الدفاتر التجارية السعودي رقم(م/61) لسنة 1409 هـ على أنه: ((يجوز أن تدون البيانات الخاصة بالدفاتر التجارية عن طريق الحاسب الآلي وذلك بالنسبة للشركات والمؤسسات التي تستخدم الحاسب الآلي في حساباتها وتحدد اللائحة التنفيذية الإجراءات والقواعد التي تكفل صحة وسلامة البيانات التي يثبتها الحاسب الآلي))، وقد صدر القرار الوزاري (1110) لسنة 1410هـ الذي حدد قواعد استخدام الحاسب الآلي في تنظيم الدفاتر التجارية(15) كما يأتي:

أولاً: يجب أن يتصف نظام الحاسب الآلي بما يأتي:

أن يسمح النظام المتبع في معالجة المعلومات التي تدون على الحاسب الآلي بالتفتيش على هذه المعلومات في أي وقت.
يجب استخراج بيانات مطبوعة (مخرجات) بشكل دوري منتظم (أسبوعي- شهري – نصف سنوي) وتكون هذه المخرجات مرقمة الصفحات ومؤرخة وتتضمن المعلومات المدخلة إلى الحاسب الآلي جميعها لتكون دليلاً يمكن الركون إليه لتحديد أية إضافة أو حذف في المعلومات المدونة على تلك المخرجات، بحيث يمكن مقارنة بنود المخرجات بمفردات المدخلات مفردة مفردة.
يجب أن يكون كل بند من المخرجات مؤيداً بمستند مكتوب أو إيضاح مكتوب في حالة إدخال المعلومات مباشرة إلى الحاسب الآلي.
أن تتوفر إمكانية استخراج وإعادة استخراج المخرجات المذكورة في أي وقت.

 أن توثق المؤسسة أو الشركة نظام إدخال وتوجيه المعلومات في الحاسب الآلي أي برامج الحاسب الآلي إذا كانت تعدها بنفسها، وكذلك التعليمات الخاصة بالتشغيل وذلك للرجوع إليها عند الحاجة.

أن تتوفر لدى المؤسسة أو الشركة وسائل الأمان الكافية التي تكفل الحفاظ على أمن وسلامة أجهزة الحاسب الآلي وبرامجه، وأن يكون لديها ضوابط رقابية تحول دون إجراء أي تلاعب في البرامج والمعلومات المثبتة على الحاسب الآلي (المدخلات والمخرجات) بحيث يمكن فحص ومراجعة الوسائل والضوابط في أي وقت.

ثانياً: تكون المنشآت التجارية التي تستخدم الحاسب الآلي في تنظيم دفاترها التجارية مسؤولة مسؤولية مباشرة عن صحة البيانات المدونة في الدفاتر التجارية، وبما يطابق ما تم الاحتفاظ به لتلك البيانات والمستندات والمعلومات المحفوظة في الملفات، وفي حالة حدوث ما يخالف ذلك تطبق على المنشأة وكل من تسبب في ذلك ما تقضي به الأنظمة والتعليمات المعتمدة.

ثالثاً: يجب على المحاسب القانوني المرخص بمزاولة المهنة أن يضمن تقريره عن المنشآت التي يراجع حساباتها ما يفيد بأن المنشأة تستخدم الحاسب الآلي في تنظيم حساباتها، وأن القوائم المالية مطابقة لما هو مدون على الحاسب الآلي.

ومما تقدم يتبين أن المشرع السعودي أجاز استخدام الحاسب الآلي في تنظيم الدفاتر التجارية إلا أنه قصر ذلك على الشركات والمؤسسات، فلا يجوز للتاجر الطبيعي أن يستفيد من تقنية الحاسب الآلي في تنظيم حساباته.

4- قانون دولة الإمارات العربية المتحدة:

استثنى المشرع الإماراتي في المادة (38) من قانون المعاملات التجارية رقم (18) لسنة 1993 التاجر الذي يستخدم في تنظيم معاملاته التجارية الحاسب الآلي أو غيره من الأجهزة التقنية الحديثة من أحكام الموادة (26، 27، 28، 29) من القانون، وأعتبر المعلومات المستقاة من هذه الأجهزة بمثابة دفاتر تجارية على أن توضع ضوابط عامة لتنظيم عمليات استخدامها بقرار من وزير الاقتصاد والتجارة، وقد صدر القرار الوزاري المرقم (74) لسنة 1994 الذي وضع ضوابط تخزين وحفظ واسترجاع البيانات المستقاة من الحاسب وغيره من الأجهزة التقنية الحديثة، وأهم الضمانات التي نص عليها القرار المذكور(16) هي الآتي:

أولاً: الضمانات المتعلقة بنظام الحاسب الآلي المعمول به لدى التاجر وهي:

أن تتوفر ضوابط رقابية كافية على نظام التشغيل تحول دون التلاعب في المعلومات والبيانات.
أن يسمح النظام باستخراج البيانات المالية بصورة مباشرة وإمكانية مراجعة تلك البيانات أيضاً.

ثانياً: الضمانات المتعلقة بالبيانات المستقاة من الحاسب الآلي، فيجب أن تكون هذه البيانات مرقمة الصفحات ومؤرخة آلياً وموقعة من مراجع حسابات الشركة أو المديرين المخولين بالتوقيع على تلك النسخ وتثبيت التاريخ يدوياً، ويتم جمع هذه البيانات بصورة دورية منتظمة وتوضع ضمن مغلفات تختم وتؤرخ بمعرفة إدارة السجل التجاري الذي يتبعه التاجر، ولا يجوز فتح هذه المغلفات إلا بمعرفة إدارة السجل التجاري أو بمعرفة المحكمة التي يطلب الاستناد لحجية البيانات المستقاة من الحاسب الآلي في مواجهتها.

ثالثاً: الضمانات المتعلقة بمدة حفظ البيانات المستقاة من الحاسب الآلي، حيث يجب الاحتفاظ بها طيلة المدة اللازمة للاحتفاظ بالدفاتر التجارية وهي خمس سنوات.

مما سبق يتبين أن المشرع الأماراتي اعترف بالدفاتر التجارية ذات الدعامات الإلكترونية إلى جانب الدفاتر التجارية الورقية، وتطبيقاً لذلك قضت محكمة تمييز دبي بأن ((من المقرر في ضوء المادة (38) من قانون المعاملات التجارية أن يستثنى التاجر الذي يستخدم في تنظيم عملياته التجارية الحاسب وغيره من الأجهزة التقنية الحديثة من أحكام المواد (26، 27، 28، 29) من القانون،…… وتعد المعلومات المستقاة من هذه الأجهزة وغيرها من الأساليب الحديثة دفاتر تجارية))(17).

5-قانون جمهورية مصر العربية:

لم يشر المشرع المصري صراحة في قانون التجارة رقم (17) لسنة 1999 إلى جواز استخدام الحاسب الألي في تنظيم الدفاتر التجارية،ولكن الفقرة (5) من المادة (25) من القانون ذاته تنص على أنه:((يجوز بقرار من الوزير المختص وضع أحكام خاصة بتنظيم الدفاتر التجارية التي تستعملها البنوك أو الشركات التي يعينها القرار)).وبالرغم من أن النص لم يورد عبارة استخدام الحاسب الآلي في تنظيم الدفاتر التجارية إلا أن البعض ذهب إلى أن النص يجيز للمصارف والشركات استخدام الحاسب الآلي في تنظيم دفاترها التجارية وذلك على وفق الضوابط التي يحددها القرار المذكور(18).

6- قانون المملكة الأردنية الهاشمية:

أصدر المشرع الأردني قانون البنوك رقم (28) لسنة 2000، وقد قضت المادة (92) من القانون ذاته أن تعفى المصارف التي تستخدم في تنظيم عملياتها المالية الحاسب الآلي أو غيره من الأجهزة التقنية الحديثة من تنظيم الدفاتر التجارية التي يقتضيها قانون التجارة، وتعتبر البيانات والمعلومات المستقاة من تلك الأجهزة أو غيرها من الأساليب الحديثة بمثابة دفاتر تجارية.

__________________

1- وسيم شفيق الحجار، الإثبات الإلكتروني، دار صادر للنشر، بيروت، 2002، ص94 .

2- الدليل التشريعي لقانون الاونسترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية، منشورات الأمم المتحدة، النسخة العربية، نيويورك، 1996، ص 26.

3- المرجع نفسه، ص33.

4- البند (أ) من الفقرة (3) من المادة (8) من القانون النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية لعام 1996.

5- الدليل التشريعي لقانون الاونسترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية، ص38-39.

6- مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الاونكتاد)، التجارة الإلكترونية – اعتبارات قانونية، منشور ضمن كتاب التجارة الإلكترونية والخدمات المصرفية والمالية عبر الإنترنيت، اتحاد المصارف العربية، بيروت، 2000، ص163-164.

7- المرجع نفسه، ص164 .

8- وسيم شفيق الحجار، المرجع السابق، ص55-56 .

9- المرجع نفسه، ص107 .

10- د. طوني ميشيل عيسى، التنظيم القانون لشبكة الإنترنيت، الطبعة الأولى، دار صادر للنشر، بيروت، 2001، ص354 .

11- د. هلال عبد اللاه أحمد، حجية المخرجات الكمبيوترية في المواد الجنائية، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 1997ص54-55 .

12- المرجع نفسه، ص55-56 .

13- د. طوني ميشيل عيسى، المرجع السابق، ص334 .

14- قرار محكمة التمييز اللبنانية المرقم (4) الصادر بتاريخ 6 شباط 2001، أشار إليه وسيم شفيق الحجار، المرجع السابق، ص28 .

15- د. محمد حسن الجبر، القانون التجاري السعودي، الطبعة الرابعة ، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، 1996، ص121-122 .

16- د. ناجي عبد المؤمن، ملاحظات حول حجية الدفاتر التجارية في ظل انتشار الكمبيوتر في قانون المعاملات التجارية الإماراتي وقانون التجارة المصري، بحث مقدم إلى مؤتمر القانون والكمبيوتر والإنترنيت، جامعة الإمارات العربية المتحدة، 1-3/5/2000، ص9 وما بعدها.

17- الطعن رقم (96) لسنة 1995 – الجلسة المنعقدة في 22/10/1995، مشار إليه في المرجع نفسه، ص21 .

18- د.ناجي عبد المؤمن، المرجع السابق، ص14.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .