عدم دستورية التشكيل الحالي لمجلس تأديب المحامين

الدعوى رقم 160 لسنة 33 ق “دستورية” جلسة 2 / 3 / 2019

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من مارس سنة 2019م، الموافق الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار، والدكتور عادل عمر شريف، وبولس فهمى إسكندر، ومحمود محمـد غنيم، والدكتور محمـد عماد النجار، والدكتور طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى:
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 160 لسنة 33 قضائية “دستورية”.

المقامة من
يوسف كامل إبراهيم
ضــــد
1- رئيس المجلس الأعلى للقـوات المسلحـة، بصفته القائـم بإدارة شئون البلاد(سابقًا)
2- رئيس الجمهوريـة
3- رئيس مجلس الــوزراء
4- رئيس مجلس النواب
5- وزيـــر العـدل
6- رئيس محكمة استئناف القاهرة، بصفته رئيس المجلس القضائي المؤقت الذي يتولى اختصاصات نقيب المحامين طبقًا لنص المادة 135 مكرر من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983.

الإجراءات
بتاريخ التاسع عشر من سبتمبر سنة 2011، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نصى المادتين (107، 116) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، وسقوط المواد (108، 109، 110، 111، 112، 113، 114، 115، 117، 118، 119) من هذا القانون لكونها مترتبة على هاتين المادتين.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى – وهو يمتهن المحاماة – كان قد أُحيل إلى مجلس تأديب المحامين، في الدعوى رقم 23 لسنة 2008 “تأديب محامين”، بناءً على طلب مجلس النقابة العامة، على إثر التحقيق الذd تم معه بمعرفة لجنة الشكاوى بنقابة المحامين الفرعية بالقاهرة، في الشكويين رقمي 427، 428 لسنة 2007، المقدمتين ضده من السيدتين/ نادية وفوزية عبدالحميد الطنانى، لقيامه بتجاوز حدود الوكالة الصادرة له منهما، في دعوى صحة ونفاذ عقد بيع مصنع آل إليهما بالميراث، لصالح شقيقهما. وإذ انتهت لجنة الشكاوى إلى صحة ما جاء بمضمون الشكويين، ارتأت إحالة الأمر إلى مجلس النقابة العامة لاتخاذ ما يراه حيال المدعى، فقرر مجلس النقابة إحالته إلى مجلس تأديب المحامين المنصوص عليه في المادة (107) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، لمخالفته لنصوص المواد (62، 63، 105، 107) من قانون المحاماة سالف الذكر، وطلب من النائب العام بتاريخ 8/12/2007، إحالة المشكو في حقه إلى مجلس تأديب المحامين، فقرر النائب العام بتاريخ 16/12/2007، إحالته إليه. وبجلسة 4/9/2011، مثل المدعى أمام مجلس التأديب، ودفع بعدم دستورية نصي المادتين (107، 116) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، وسقوط المواد المترتبة عليهما، وبعد أن قدر مجلس التأديب جدية الدفع، صرح له بالطعن بعدم الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.

وحيث إن المادة (102) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 تنص على أن “ترفع النيابة الدعوى التأديبية من تلقاء نفسها أو متى طلب ذلك مجلس النقابة أو رئيس محكمة النقض أو رئيس المحكمة الإدارية العليا أو رئيس محكمة استئناف أو رئيس محكمة القضاء الإداري أو رئيس محكمة ابتدائية أو رئيس محكمة إدارية”.
وتنص المادة (105) منه على أن “يشكل مجلس النقابة الفرعية سنويًّا لجنة أو أكثر من بين أعضائه لتحقيق الشكاوى التي تقدم ضد المحامين أو تحال إلى المجلس من النقابة فإذا رأت اللجنة فيها ما يستوجب المؤاخذة، وقعت عقوبة الإنذار أو أحالت الأمــــر إلى مجلس النقابة العامة إذا رأت توقيع عقوبـة أشد وإلا حفظت الشكوى،…”.

وتنص المادة (107) من القانون ذاته على أن “يكون تأديب المحامين من اختصاص مجلس يشكل من رئيس محكمة استئناف القاهرة أو من ينوب عنه ومن اثنين من مستشاري المحكمة المذكورة تعينهما جمعيتها العمومية كل سنة ومن عضوين من أعضاء مجلس النقابة يختار أحدهما المحامي المرفوعة عليه الدعوى التأديبية ويختار الآخر مجلس النقابة”.

وتنص المادة (116) منه أيضًا على أن “للنيابة العامة وللمحامي المحكوم عليه حق الطعن في القرارات الصادرة من مجلس التأديب المنصوص عليه في المادة (107) وذلك خلال خمسة عشر يومًا بالنسبة إلى النيابة من تاريخ صدور القرار وبالنسبة إلى المحامي من تاريخ إعلانه بالقرار أو تسلمه صورته.
ويفصل في هذا الطعن مجلس يؤلف من أربعة من مستشاري محكمة النقض تعينهم جمعيتها العمومية كل سنة ومن النقيب أو وكيل النقابة وعضوين من مجلس النقابة.
وللمحامي الذي رفعت عليه الدعوى التأديبية أن يختار أحد هذين العضوين.
ولا يجوز أن يشترك في المجلس أحد أعضاء مجلس التأديب الذى أصدر القرار المطعون عليه.
والقرار الذي يصدر يكون نهائيًّا”.

وحيث إن نص المادة (30) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 قد أوجب لقبول الدعوى الدستورية أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى البيانات الجوهرية التي تنبئ عن جدية الدعوى ويتحدد بها موضوعها، والتي حددتها في بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته، والنص الدستوري المدعى بمخالفته، وأوجه المخالفة.
وحيث إن مناعى المدعى التي ضمنها صحيفة دعواه المعروضة قد انصبت على عبارة “ومن عضوين من أعضاء مجلس النقابة” الواردة بالمادة (107) من قانون المحاماة المشار إليه، وعبارة “ومن النقيب أو وكيل النقابة” الواردة بالفقرة الأولى من المادة (116) من هذا القانون، دون باقي أحكام هذين النصين، والتي لم يبين المدعى بصحيفة دعواه أوجه مخالفتها لأحكام الدستور، وهي من البيانات الجوهرية التى تطلبها نص المادة (30) من قانون هذه المحكمة، والتي تُعد شرطًا لقبول الدعوى بالنسبة لها، الأمر الذى يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لهذه الأحكام، فيما جاوز العبارتين المشار إليهما.

وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة فيها، استنادًا إلى أن المدعى قد أسس دعواه على مصلحة نظرية بحته، فإن هذا الدفع غير سديد، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرًا في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، وأن المصلحة في الدعوى كما تتوافر إذا كانت لصاحبها فيها مصلحة قائمة يقرها القانون، فإن مصلحته المحتملة بشأنها تكفى لقبولها.

لما كان ذلك، وكانت رحى النزاع في الدعوى الموضوعية تدور حول إحالة المدعى إلى مجلس تأديب المحامين، بناء على طلب مجلس نقابة المحامين، لمعاقبته عما أسند إليه من مخالفات مخلة بواجبات مهنته، ومن ثم فإن مصلحته الشخصية المباشرة تكون متحققة في الطعن على ما تضمنه نصا المادتين (107) و(116) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، من أن يشترك في مجلس تأديب المحامين، بدرجتيه، أعضاء من مجلس نقابة المحامين الذى طلب رفع الدعوى التأديبية، لما للقضاء في دستوريتهما من أثر وانعكاس على صحة تشكيل مجلس التأديب الذى يحاكم أمامه المدعى، عما نسب إليه من مخالفات، وصلاحية هذا المجلس في مساءلته عنها، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدفع المشار إليه.

وحيث إن المدعى ينعى على النصين المطعون فيهما – محددين في النطاق آنف الذكر – مخالفتهما لنصوص المواد (21، 22، 46، 47) من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس سنة 2011، المقابلين للمواد (97، 98، 184، 186) من الدستور الحالي، تأسيسًا على أن ما تضمنه تشكيل مجلس تأديب المحامين – بدرجتيه – من عناصر غير قضائية من أعضاء مجلس نقابة المحامين يُخل بمبدأ وجوب محاكمة الشخص أمام قاضيه الطبيعي، وكفالة حقي التقاضي والدفاع، وأن سبق طلب هؤلاء الأعضاء من النيابة العامة رفع الدعوى التأديبية ضد المدعى، جعل منهم خصمًا وحكمًا في الوقت ذاته، مما يُخل بضمانة الحيدة والتجرد، ويخالف مبدأ استقلال القضاء.

وحيث إن من المقرر أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به وحمايته من الخروج على أحكامه، وإن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وعلى ذلك فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصين المطعون فيهما اللذين طبقا على النزاع الموضوعي، ومازالا قائمين ومعمولاً بأحكامهما، وذلك من خلال الدستور الحالي الصادر بتاريخ 18/1/2014، باعتباره الوثيقة الدستورية الحاكمة للنزاع المطروح.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن التمييز بين الأعمال القضائية وبين غيرها من الأعمال التي تلتبس بها، إنما يقوم على مجموعة من العناصر قد لا تتحدد بها ضوابط هذا التمييز على وجه قطعي، ولكنها تعين على إبراز الخصائص الرئيسية للعمل القضائي ولما يُعد جهة قضاء، ومن بينها أن إسباغ الصفة القضائية على أعمال أية جهة عهد إليها المشرع بالفصل في نزاع معين يفترض أن يكون اختصاص هذه الجهة محددًا بقانون وليس بأداة تشريعية أدنى، وأن يغلب على تشكيلها العنصر القضائي الذى يلزم أن تتوافر في أعضائه ضمانات الكفاية والحيدة والاستقلال، وأن يعهد إليها المشرع بسلطة الفصل في خصومة بقرارات حاسمة لا تخضع لمراجعة أية سلطة غير قضائية، دونما إخلال بالضمانات القضائية الرئيسية التي لا يجوز النزول عنها، والتي تقوم في جوهرها على إتاحة الفرص المتكافئة لتحقيق دفاع أطرافها، وتمحيص ادعاءاتهم على ضوء قاعدة قانونية نص عليها المشرع سلفًا، ليكون القرار الصادر في النزاع مؤكدًا للحقيقة القانونية، مبلورًا لمضمونها في مجال الحقوق المدعى بها أو المتنازع عليها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المحامون يعاونون السلطة القضائية في القيام بمهامها، وذلك في إطار خصوصية مهنة المحاماة التي تنفرد بذاتية عن أية مهنة أخرى، حيث يرتبط قيامها وازدهارها بالوجود الفعلي لمعنى العدالة، ولا يكتمل الأداء القضائي الصحيح إلا بنهوضها برسالتها على الوجه الصحيح، بما يجعلها أحد جناحي القضاء الذى تستقر به الشرعية وتستظل به الحقوق والحريات، ومن ثم فإن إخلالهم بواجبات مهنتهم إنما ينعكس على الوظيفة القضائية، فيعوق سيرها على الوجه المرجو ويعرقل انضباطها، وبهذه المثابة، فقد أوكل المشرع لمجلس تأديب المحامين بدرجتيه – كسلطة تأديب – بتشكيله الذى يغلب عليه العنصر القضائي الاختصاص بالفصل في الخصومة التأديبية، المطروحة عليه، في ضوء قواعد إجرائية وموضوعية محددة، مقيمًا منه هيئة ذات اختصاص قضائي، تختص بالفصل فيما عهد إليها به من الفصل في دعاوى تأديب المحامين.

وحيث إن ضمانة الحيدة – في النطاق الذى تطرحه الدعوى المعروضة – إنما تتصـل أساسًا بما إذا كان يجـوز لبعض أعضاء مجلس تأديب المحامين – بدرجتيه – أن يفصلوا في منازعة تأديبية سبق أن أبدوا رأيًّا فيها أو اتخذوا موقفًا منها، إذ في ضوء ذلك، يتم حسم أمر دستورية تشكيل مجلس التأديب المشار إليه.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن استقلال السلطة القضائية المنصوص عليه في المادة (184) من الدستور، وإن كان لازمًا لضمان موضوعية الخضوع للقانون، ولحصول من يلوذون بها على الترضية القضائية التي يطلبونها عند وقوع عدوان على حقوقهم وحرياتهم، إلا أن حيدتها عنصر فاعل في صون رسالتها لا تقل شأنًا عن استقلالها بما يؤكد تكاملهما، ذلك أن استقلال السلطة القضائية، يعنى أن تعمل بعيدًا عن أشكال التأثير التي توهن عزائم رجالها، فيميلون معها عن الحق إغواءً وإرغامًا، ترغيبًا وترهيبًا، فإذا كان انصرافهم عن إنفاذ الحق تحاملاً من جانبهم على أحد الخصوم، وانحيازًا لغيره، كان ذلك منافيًا لضمانة التحرر عند الفصل في الخصومة القضائية، ولحقيقة أن العمل القضائي لا يجوز أن يثير ظلالاً قاتمة حول حيدته، فلا يطمئن إليه متقاضون داخلهم الريب فيه بعد أن صار نائيًا عن القيم الرفيعة للوظيفة القضائية، يؤيد ذلك:-

أولاً : أن إعلان المبادئ الأساسية في شأن استقلال القضاء التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقراريها الصادرين في 29/1/1985 و13/12/1985، يؤكد بوضوح أن المنازعات التي تدخل في اختصاص السلطة القضائية، ينبغي الفصل فيها بطريقة محايدة، وعلى ضوء وقائعها ووفقًا لحكم القانون بشأنها، مع تجرد قضاتها من عوامل التأثر أو التحريض، وكذلك من كل صور الضغوط أو التهديد أو التدخل غير المشروع – مباشرًا كان أم غير مباشر – وأيًّا كان مصدرها أو سببها.
ثانيًا : أن استقلال السلطة القضائية وحيدتها ضمانتان تنصبان معًا على إدارة العدالة بما يكفل فعاليتها، وهما بذلك متلازمتان. وإذا جاز القول – وهو صحيح – بأن الخصومة القضائية لا يستقيم الفصل فيها حقًّا وعدلاً إذا خالطتها عوامل تؤثر في موضوعية القرار الصادر بشأنها، فقد صار أمرًا مقضيًّا أن تتعادل ضمانتا استقلال السلطة القضائية وحيدتها في مجال اتصالهما بالفصل في الحقوق انتصافًا، لتكون لهما معًا القيمة الدستورية ذاتها فلا تعلو إحداهما على الأخرى أو تجبها، بل تتضاممان تكاملاً وتتكافآن قدرًا.
ثالثًا: أن ضمانة الفصل إنصافًا في المنازعات على اختلافها وفق نص المادة (96) من الدستور، تمتد بالضرورة إلى كل خصومة قضائية، أيًّا كانت طبيعة موضوعها جنائيًّا كان أم مدنيًّا أو تأديبيًّا إذ أن التحقيق في هذه الخصومات وحسمها إنما يتعين إسناده إلى جهة قضاء أو هيئة قضائية منحها القانون اختصاص الفصل فيها بعد أن كفل استقلالها وحيدتها وأحاط الحكم الصادر فيها بضمانات التقاضي التي يندرج تحتها حق كل خصم في عرض دعواه وطرح أدلتها، والرد على ما يعارضها على ضوء فرص يتكافأ أطرافها، ليكون تشكيلها وقواعد تنظيمها وطبيعة النظم المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها عملاً، محددًا للعدالة مفهومًا تقدميًّا يلتئم مع المقاييس المعاصرة للدول المتحضرة.

وحيث إن حق التقاضي المنصوص عليه في المادة (97) من الدستور مؤداه: أن لكل خصومة – في نهاية مطافها – حلاً منصفًا يمثل الترضية القضائية التي يقتضيها رد العدوان على الحقوق المدعى بها، وتفترض هذه الترضية أن يكون مضمونها موافقًا لأحكام الدستور، وهى لا تكون كذلك إذا كان تقريرها عائدًا إلى جهة أو هيئة تفتقر إلى استقلالها أو حيدتها أو هما معًا، ذلك أن هاتين الضمانتين وهما الحيدة والاستقلال – وقد فرضهما الدستور على ما تقدم – يُعدان من مكونات هذا الحق، وأحد عناصره الجوهرية، التي لا قيام له بدونها، لتغدو كفالتهما قيدًا على السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيمه ممارسة حق التقاضي، والتي وضع لها الدستور في المادة (92) منه قيدًا عامًا، يحكـم تلك السلطة، بألا يمس ما يقره في هذا الشأن أصل الحق أو جوهره، وبذلك يعتبر مساس التنظيم الذى يسنه المشرع، أو مصادرته لهاتين الضمانتين، مساسًا بجوهر حق التقاضي، ومن ثم يلحق البطلان كل تنظيم تشريعي للخصومة القضائية يتضمن إهدارًا لهما على أى وجه.

وحيث إن إخلال أحد المحامين بواجبات مهنته أو خروجه على مقتضياتها يعتبر مخالفة تأديبية مؤاخذ عليها قانونًا، ولإسنادها إليه يتعين أن يكون مسبوقًا بتحقيق متكامل، وكلما استكمل التحقيق عناصره، وكان واشيًا بأن للتهمة معينها من الأوراق، كان عرضه لازمًا على الجهة التي أولاها المشرع مسئولية الفصل فيه، والذي تُعد حيدتها واستقلالها مفترضًا أوليًّا فيها، وشرط لمشروعيتها من الوجهة الدستورية، ولازم ذلك ألا يكون بين أعضائها من اتصـــل بإجـراء سابق على توليها لمهامها سواء كان تحقيقًا أو اتهامًا.
وحيث إن الفصل في الدعوى التأديبية المقامة ضد المدعى باعتباره محاميًا معقود بنصي المادتين (107، 116) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 لمجلس تأديب المحامين، بدرجتيه، باعتباره هيئة ذات اختصاص قضائي على نحو ما تقدم، يشارك فيه أعضاء من مجلس نقابة المحامين، الذى يدخل ضمن الجهات التي لها الحق طبقًا لنص المادة (102) منه في طلب رفع هذه الدعوى، وهي الحالة التي تنطبق في شأن المدعى، وكان الأصل ألا يشارك في المحاكمة التأديبية من طلب إقامتها أو سبق أن جال ببصـره فيها، إذ يجمع هؤلاء الأعضاء بذلك بين سلطتي الاتهام والمحاكمة، بما يخل بضمانة الحيدة، التي لا يجوز إسقاطها عن أحد المتقاضين، لتسعهم جميعًا على تباينهم، فمن ثم يضحى نصا المادتين (107) و(116)، في حدود النطاق المتقدم، مخالفين لأحكام المواد (92، 94، 96، 97، 184، 186) من الدستور.

فلهــذه الأسبــاب
حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنه نصا المادتين (107) و(116) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، من أن يشترك في مجلس تأديب المحامين، بدرجتيه، أعضاء من مجلس نقابة المحامين الذي طلب رفع الدعوى التأديبية، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .