دستورية تصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة

القضية رقم 57 لسنة 4 ق “دستورية” جلسة 6 / 2 / 1993
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 6 فبراير سنة 1993 الموافق 14 شعبان سنة 1413 هـــ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : الدكتور محمد ابراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين اعضاء
وحضور السيد المستشار/ محمد خيرى طه عبد المطلب النجار رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيده بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 57 لسنة 4 قضائية دستورية
المقامة من
1 – السيده / ماريا انجلو كوتا ريللى
2 – السيد / قسطنطين انجلو كوتاريللى
3 – السيد / اسبيريدون انجلو كوتا ريللى
ضد
1 – السيد / رئيس الجمهورية
2 – السيد / رئيس جهاز تصفية الحراسات
3 – السيد / مدير عام ادارة الاموال التى آلت الى الدولة
4 – السيد / وزير المالية
5 – السيد / نائب رئيس الوزارء للشؤن المالية والاقتصادية
6 – السيد / رئيس الوزراء
” الإجراءات “
بتاريخ 18 مارس سنة 1982 أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا طالبين الحكم بعدم دستورية القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 الخاص بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة دفاع طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى أو رفضها.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
” المحكمة “
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة .
حيث أن الوقائع-على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعين ومورثهم كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 629 لسنة 27 قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى ضد المدعى عليهم بطلب الحكم بانعدام أمر رئيس الجمهورية رقم 140 لسنة 1960 وذلك فيما تضمنه من فرض الحراسة على ممتلكات المدعين ومورثهم مع ما يترتب على ذلك من آثار. وبجلسة 24 يونيه سنة 1980 قضت محكمة القضاء الإدارى بقبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار. وقد طعن المدعى عليهم فى هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا وقيد الطعن برقم 1573 لسنة 26 قضائية إدارية “عليا”، إلا أنه أحيل إلى محكمة القيم تنفيذاً لأحكام القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة حيث قيد برقم 118 لسنة 2 قضائية “قيم”. وقد دفع المدعون أمام محكمة القيم بعدم دستورية هذا القرار بقانون. فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى وحددت للمدعين شهراً لإقامة الدعوى الدستورية . وبتاريخ 18 مارس سنة 1982 أودع المدعون قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا صحيفة الدعوى الماثلة ، وطالبوا فى ختامها الحكم بعدم دستورية ذلك القرار بقانون.
وحيث إن قوام الدعوى الماثلة رد اعتداء قال المدعون – وهم من غير المواطنين –بوقوعه على أموالهم وممتلكاتهم بالمخالفة للدستور، فإن اختصاص هذه المحكمة بنظرها- ووفقاً لما جرى عليه قضاؤها- يعتبر أمراً ثابتاً لا نزاع فيه، ذلك أن الدستور أفرد بابه الرابع للقواعد التى صاغها في مجال سيادة القانون، وهى قواعد تتكامل فيما بينها ويندرج تحتها نص المادة الثامنة والستين التى كفل بها حق التقاضي للناس كافة ، دالاً بذلك على أن التزام الدولة بضمان هذا الحق هو فرع من واجبها فى الخضوع للقانون، ومؤكداً بمضمونه جانبا من أبعاد سيادة القانون التى جعلها أساساً للحكم فى الدولة على ما تنص عليه المادتان الرابعة والستون والخامسة والستون، وإذا كان الدستور قد أقام من استقلال القضاء وحصانته ضمانين أساسيين لحماية الحقوق والحريات، فقد أضحى لازماً- وحق التقاضي هو المدخل إلى هذه الحماية – أن يكون هذا الحق مكفولاً بنص صريح فى الدستور كى لا تكون الحقوق والحريات التى نص عليها مجردة من وسيلة حمايتها، بل معززة بها لضمان فعاليتها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان الإلتزام الملقى على عاتق الدولة وفقاً لنص المادة الثامنة والستين من الدستور يقتضيها أن توفر لكل فرد-وطنياً كان أم أجنبياً- نفاذاً ميسراً إلى محاكمها بالإضافة إلى الحماية الواجبة للحقوق المقررة بتشريعاتها، وبمراعاة الضمانات الأساسية اللازمة لإدارة العدالة إدارة فعالة وفقاً لمستوياتها فى الدول المتحضرة ، كانت الحقوق التى تستمد وجودها من النصوص القانونية يلازمها بالضرورة – ومن أجل اقتضائها- طلب الحماية التى يكفلها الدستور أو المشرع لها باعتبار أن مجرد النفاذ إلى القضاء فى ذاته لا يعتبر كافياً لضمانها، وإنما يتعين أن يقترن هذا النفاذ دوماً بإزالة العوائق التى تحول دون تسوية الأوضاع الناشئة من العدوان عليها، وبوجه خاص ما يتخذ منها صورة الأشكال الإجرائية المعقدة ، كى توفر الدولة للخصومة فى نهاية مطافها حلاً منصفاً يقوم على حيدة المحكمة واستقلالها، ويضمن عدم استخدام التنظيم القضائى كأداة للتمييز ضد فئة بذاتها أو للتحامل عليها، وكانت هذه التسوية هى التى يعمد الخصم إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التى يطلبها لمواجهة الإخلال بالحقوق التى يدعيها، فإن هذه الترضية –وبافتراض مشروعيتها واتساقها مع أحكام الدستور- تندمج فى الحق فى التقاضى ، وتعتبر من متمماته لارتباطها بالغاية النهائية المقصودة منه برابطة وثيقة . وآية ذلك أن الخصومة القضائية لا تقام للدفاع عن مصلحة نظرية لا تتمحض عنها فائدة عملية ، ولكن غايتها طلب منفعة يقرها القانون، وتتحدد على ضوئها حقيقة المسألة المتنازع عليها بين أطرافها وحكم القانون بشأنها، وذلك هو ما أكدته هذه المحكمة بما جرى عليه قضاؤها من أن الدستور أفصح بنص المادة الثامنة والستين منه عن ضمان حق التقاضى كمبدأ دستورى أصيل مردداً بذلك ما قررته الدساتير السابقة ضمناً من كطفالة هذا الحق لكل فرد- وطنياً كان أو أجنبياً- باعتباره الوسيلة التى تكفل حماية الحقوق التى يتمتع بها قانوناً ورد العوان عليها.
وحيث إنه متى كان ذلك وكان من المقدر قانوناً أن للدولة بناء على ضرورة تفرضها أوضاعها أو تتطلبها إدارة علاقاتها الخارجية أو توجبها روابطها القومية أو غير ذلك من مصالحها الحيوية ، أن تفرض قيوداً فى شأن الأموال التى يجوز لغير مواطنيها تملكها أو أن تخرج فئة منها من دائرة الأموال التى يجوز لهم التعامل فيها سواء أكانت أموالاً منقولة أم عقارية ، فإن من الصحيح كذلك أن تداخل مصالح الدول، ونماء اتصالاتها الدولية وحتمية التعاون فيما بينها يلزمها بأن تعمل كل منها فى نطاق إقليمها على أن توفر الوسائل الإجرائية والقواعد الموضوعية التى يتمكن الأجنبى من خلالها من رد العدوان على حقوقه الثابتة وفقاً لنظمها القائمة . وهو ما قررته المادة الثامنة والستون من الدستور التى لا يجوز للدولة بموجبها أن تجحد على غير مواطنيها الحق فى اللجوء إلى قضائها للدفاع عن حقوقهم التى تكفلها القوانين الوطنية ، وإلا اعتبر إعراضها عن توفير هذه الحماية أو إغفالها لها، إنكاراً للعدالة التى تقوم به مسئوليتها الدولية ، ويوقعها فى حومة المخالفة الدستورية . ومتى كان ذلك، وكان المدعون – وهم من غير المواطنين- يستهدفون بدعواهم الموضوعية رد الأموال- التى يقولون باغتصابها بالمخالفة لأحكام الدستور، عيناً إليهم، وكان اكتسابهم ملكيتها وفقاً للقوانين المعمول بها وبمراعاة الأوضاع المقررة فيها أمراً لا نزاع فيه، فإن الحماية التى كفلتها المادة الرابعة والثلاثون من الدستور للحق فى الملكية تنسحب إليهم، ذلك أن حجبها عنهم أو تقييدها بما يخرجها عن الأغراض المقصودة منها، يكرس انتزاع أموالهم، ويعتبر إهدار لسند ملكيتها، وإسقاط للحقوق المتفرعة عنها، وإفراغاً للمادة الثامنة والستين من الدستور من محتواها.
وحيث إنه على ضوء ما تقدم، وكانت هذه المحكمة هى الجهة القضائية العليا التى اختصها الدستور والمشرع كلاهما بولاية الفصل فى المسائل الدستورية ، وليس ثمة جهة أخرى يمكن أن تنازعها هذا الاختصاص، أو أن تنتحله لنفسها، فإن الفصل فى المخالفة الدستورية المدعى بها. إنما يعود إلى هذه المحكمة دون غيرها.
وحيث إن المدعين ينعون على القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 بتصفية الأوضاع الناشئة عن الحراسة ، مخالفته أحكام المادتين (108، 147) من الدستور قولاً منهم أن الأصل فى السلطة التشريعية هو أن يتولاها مجلس الشعب، وأنه لا استثناء من ذلك إلا فى الحالتين المنصوص عليهما فى هاتين المادتين تخولان رئيس الجمهورية سلطة استثنائية يتعين أن يتقيد فى نطاق ممارستها بالحدود والقيود التى فرضها الدستور، وقد خلا القرار بقانون المطعون عليه من بيان سند إصداره من الناحية الدستورية ، وأنه حتى لو قيل بأنه صدر مستنداً إلى نص المادة (147) من الدستور، إلا أن عوار بطلانه مستفاد من انتفاء حالة الضرورة التى تبرر إصداره، ولا يزول هذا البطلان عنه بإقرار مجلس الشعب له، إذ لا تعدو الرقابة التى تباشرها السلطة التشريعية على القرار بقانون المطعون عليه أن تكون رقابة برلمانية مختلفة فى أهدافها ومنطلقاتها عن الرقابة القضائية ، ولا ينقلب القرار بقانون بعد إقراره، إلى قانون صادر عن السلطة التشريعية طبقاً للأوضاع الدستورية المعتادة ، وإنما يظل قراراً بقانون محملاً بعيوبه وعثراته التى لا يقيله منه إقرار السلطة التشريعية لمضمونه. ومن ثم يكون القرار بقانون المطعون عليه منطوياً على اغتصاب لولاية السلطة التشريعية ومن عدماً، هذا بالإضافة إلى أن أحكامه جميعاً تنطوى على رجعية فى آثارها لسريانها على ما وقع قبل العمل به، وكان ينبغى بالتالى أن يقرها مجلس الشعب بموافقة أغلبية أعضائه عملاً بنص المادة (187) من الدستور، وهو ما لم يتحقق فى واقعة النزاع الماثل.
وحيث إن المطاعن المتقدمة جميعها تندرج تحت المطاعن الشكلية التى جرى قضاء هذه المحكمة على أن مبناها مخالفة نص تشريعى للأوضاع التى تطلبها الدستور سواء فى ذلك ما كان منها متصلاً باقتراح النصوص التشريعية أو إقرارها أو إصدارها حال انعقاد السلطة التشريعية أم كان متعلقاً بالشروط التى يفرضها الدستور لممارسة رئيس الجمهورية الاختصاص بإصدارها فى غيبة السلطة التشريعية أو بتفويض منها، وكان البين من الأعمال التحضيرية للقرار بقانون المطعون عليه – وعلى ما قدرته هذه المحكمة بحكمها الصادر فى الدعويين رقمى 139، 140 لسنة 5 قضائية “دستورية ” والذى نشر فى الجريدة الرسمية بتاريخ 3 يوليو سنة 1986- أن القرار بقانون المطعون عليه صدر إستناداً إلى المادة (147) من الدستور، ملتزماً الحدود الضيقة التى تفرضها الطبيعة الاستثنائية لمباشرة رئيس الجمهورية الاختصاص بإصداره فى غيبة السلطة التشريعية ، وكان هذا القضاء نافياً لصدور هذا القرار بقانون أثناء انعقاد السلطة التشريعية بناء على تفويض منها فى الأحوال المنصوص عليها فى الكادة (108) من الدستور، فإن وجه النعى الذى أثاره المدعون فى شأن عدم استيفاء ذلك القرار بقانون لأوضاعه الشكلية ، يكون قد طرح على هذه المحكمة وكلمتها فيه قاطعة لا تحتمل تعقيباً أو تأويلاً. إذ كان ذلك، وكان ما قررته المحكمة الدستورية العليا فى الدعويين المشار إليهما- من توافر الأوضاع الشكلية التى تطلبها الدستور فى القرار بقانون المطعون عليه، يفيد تقصيها لكل مخالفة شكلية قد تكون عالقة بذلك القرار بقانون، وأنها محصتها بياناً لوجه الحق فيها، سواء كانت هذه المخالفة مستندة إلى انتفاء حالة الضرورة التى تبرر إصداره فى غيبة السلطة التشريعية ، أم كان مرجعها قاله إقرار آثاره الرجعية بغير الحصول على موافقة أغلبية أعضاء السلطة التشريعية على ما تنص عليه المادة (187) من الدستور “بافتراض انطباقها”. ذلك أن ما تقضى به هذه المحكمة من توافر الأوضاع الشكلية فى قرار بقانون عرض أمره عليها مؤداه: تحققها من انتفاء كل مخالفة لهذه الأوضاع أياً كان وجهها أو موضعها من النصوص الدستورية ، ولا يقتصر حكمها بالتالى –فى مبناه- على أوجه المخالفة الشكلية التى يكون المدعى قد عينها وحددها حصراً، ذلك أن هذه المحكمة – وعلى ما تقدم- إنما تجيل بصرها فى الأوضاع الشكلية التى تطلبها الدستور جميعها، منقبة عى أية مخالفة لأحكامها ليكون حكمها إما كاشفاً عن قيامها بالنص التشريعى المطعون عليه منذ صدوره، وإما نافياً لثبوتها فى كافة مظانها، ومقرراً بالتالى براءته منها، ومانعاً من العودة لإثارتها، وبغير ذلك لا تستقيم الحجية المطلقة التى أثبتها قانون هذه المحكمة لأحكامها فى المسائل الدستورية .
وحيث إن المدعين ينعون على المادة الثانية من القرار بقانون المطعون عليه مخالفتها لأحكام المواد (34، 35، 36، 40، 65، 68، 166، 178) من الدستور.
وحيث إن هذا النعى فى جميع أو جهه يندرج تحت المطاعن الموضوعية التى تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعى معين، لقاعدة فى الدستور من حيث محتواها الموضوعى ، وخروجه بالتالى على القيم التى ارتضتها الجماعة وضوابط حركتها والأسس التى تقوم عليها.
وحيث إنه بافتراض انطباق النص المطعون عليه على واقعة النزاع الراهنة فقد سبق أن قضى فى الدعويين رقمى 139، 140 لسنة 5 قضائية “دستورية “وفى الدعوى رقم 142 لسنة 5 قضائية “دستورية “- والتى يتضمن موضوع كل منها الطعن على المادة الثانية من القرار بقانون المشار إليه- بعدم دستورية مادته الثانية محل الطعن الماثل فيما نصت عليه “وذلك ما لم يكن قد تم بيعها …..” وبرفض ماعدا ذلك من طلبات. وقد نشر هذان الحكمان فى الجريدة الرسمية بتاريخ 3 يوليو سنة 1986. إذ كان ذلك، وكان المدعى قد نعى كذلك على المادة السادسة من القرار بقانون المطعون عليه مخالفتها للمادة (68) من الدستور، وكان قضاء هذه المحكمة فى الدعويين المشار إليهما، جاء جازماً كذلك بأن محكمة القيم المشكلة وفقاً للقانون رقم 95 لسنة 1980 هى القاضى الطبيعى فى مفهوم المادة (68) من الدستور بالنسبة إلى المنازعات المنصوص عليها فى المادة السادسة من القرار بقانون المطعون عليه، وهى دعاوى ومازعات الحراسة على أموال الأشخاص الطبيعيين وممتلكاتهم، وكذلك الأشخاص الاعتبارية . متى كان ذلك، وكان من القرر أن قضاء هذه المحكمة – فيما فصل فيه فى الدعاوى المتقدمة – سواء من ناحية العيوب الشكلية أو المطاعن الموضوعية ، إنما يحوز حجية مطلقة فى مواجهة الكافة ، وبالنسبة إلى الدولة بكامل سلطاتها وعلى امتداد تنظيماتها المختلفة ، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو السعى لنقضه من خلال إعادة طرحه على هذه المحكمة لمراجعته، ذلك أن الخصومة فى الدعوى الدستورية – وهى بطبيعتها من الدعاوى العينية – قوامها مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور تحرياً لتطابقها معها إعلاء للشرعية الدستورية ، ومن ثم تكون هذه النصوص ذاتها هى موضوع الدعوى الدستورية أو هى بالأحرى محلها، وإهدارها يقدر تهاترها مع أحكام الدستور، هى الغاية التى تبتغيها هذه الخصومة ، وقضاء المحكمة الدستورية العليا فى شأن تلك النصوص هو القاعدة الكاشفة عن حقيقة الأمر فى شأن صحتها أو بطلانها. ومن ثم لا يعتبر قضاء هذه المحكمة باستيفاء النص التشريعى المطعون عليه لأوضاعه الشكلية أو إنحرافه عنها، أو اتفاقه مع الأحكام الموضوعية فى الدستور أو مروقة منها، منصرفاً إلى من كان طرفاً فى الخصومة الدستورية دون سواه بل منسحباً إليه وإلى الأغيار كافة ، ومتعدياً إلى الدولة التى ألزمها الدستور فى المادة (65) منه بالخضوع للقانون وجعل من علوه عليها وانعقاد السيادة لأحكامه، قاعدة لنظامها ومحوراً لبناء أساس الحكم فيها، على ما تقضى به المادة (64) من الدستور، بما يردها عن التحلل من قضاء هذه المحكمة أو مجاوزة مضمونه، ويلزم كل شخص بالعمل على مقتضاه وضبط سلوكه وفقاً لفحواه. ذلك أن هذه المحكمة تستمد مباشرة من الدستور ولايتها فى مجال الرقابة الدستورية ومرجعها إلى أحكامه –وهو القانون الأعلى – فيما يصدر عنها من قضاء فى المسائل الدستورية التى تطرح عليها، وكلمتها فى شأن دلالة النصوص التى يضمها الدستور بين دفتيه هى القول الفصل، وضوابطها فى التأصيل ومناهجها فى التفسير، هى مدخلها إلى معايير من ضبطة تحقق لأحكام الدستور وحدتها العضوية ، وتكفل الإنحياز لقيم الجماعة فى مختلف مراحل تطورها. وليس التزامها بإنفاذ الأبعاد الكاملة للشرعية الدستورية إلا إرساء لحكم القانون فى مدارجه العليا وفاءً بالأمانة التى حملها الدستور بها، وعقد لها ناصية النهوض بتبعاتها، وكان حتماً أن يكون التقيد بأحكامها مطلقاً سارياً على الدولة والناس أجمعين وعلى قدم من المساواة الكاملة وهو ما أثبتته المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا. متى كان ذلك فإن الخصومة فى هذا الشق تكون غير مقبولة بعد أن حسمتها هذه المحكمة بأحكامها التى سلف بيانها.
وحيث إن المدعين ينعون على الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القرار بقانون المطعون عليه – التى تنص على أن يستمر تطبيق أحكام اتفاقيات التعويض المبرمة مع بعض الدول الأجنبية على رعايا هذه الدول الذين خضعوا لتدابير الحراسة المشار إليها فى المادة الأولى من هذا القانون – انطواءها على فرض الحراسة عليهم من جديد بعد ثبوت انعدام فرصها ابتداء، وعلى مصادرة لأموالهم وممتلكاتهم، ونزعاً لملكيتها لغير المنفعة العامة ، وتأميماً لها مجرداً من اعتبارات الصالح العام، وأن مؤداها أن يتم تعويضهم عن أموالهم وممتلكاتهم التى شملت تدابير الحراسة بغير حكم قضائى ، وفى غير الأحوال المبينة فى القانون، وذلك كله بالمخالفة لأحكام المواد (34، 35، 36) من الدستور. هذا بالإضافة إلى إخلالها بمبدأ المساواة المنصوص عليه فى المادة (40) منه، وذلك بما أقامته من تمييز بين من حصلوا على أحكام نهائية تقضى برد أموالهم السلبية إليهم، وبين من حصل على مجرد أحكام ابتدائية ، وإهدارها كذلك مبدأ الخضوع للقانون المقرر بالمادة (65) من الدستور، وتحصينها لتصرفات باطلة أجراها الحارس العام ممثلة فى بيعه أموال الخاضعين للحراسة إلى آخرين دون موافقتهم، وبغير تمكينهم من اللجوء إلى القضاء لطلب ردها عيناً بالمخالفة لنص المادة (68) من الدستور، وتعارضها كذلك ونص المادة (49) من قانون هذه المحكمة . وأضاف المدعون إلى ذلك أن الأصل فى الاتفاقيات المشار إليها فى الفقرة الأولى من المادة الثالثة المطعون عليها، هو أن تسرى أحكامها على من قبل الخضوع لها فى جملتها، فإذا اختار رعايا الدول الأجنبية المعاملون بهذه الاتفاقيات جانباً من أحكامها، دون غيره، تعين أن يكون سريانها فى حقهم مقيداً بما ارتضوه من أجزائها، دون نصوصها الأخرى التى أعربوا عن رغبتهم فى عدم الإلتزام بها، ومن ثم تكون أحكام تلك الاتفاقيات من طبيعة اختارية ، فما كان من أجزائها مقبولاً من جانبهم سرى فى حقهم، وما رفضوه من أحكامها أضحى غير نافذ فى شأن التعويض عن أموالهم وممتلكاتهم. وإذ كان المدعون قد طلبواً تعويضهم عن أموالهم وممتلكاتهم التى مستها قوانين التأميم دون تلك التى أخضعتها الدولة لتدابير الحراسة ، والتى اتخذ التعويض المقرر عنها شكل التعويض الرمزى ، وكان أقرب إلى المصادرة منه إلى التعويض، فقد تعين الرجوع إلى القاعدة العامة التى نصت عليها المادة الثانية من القرار بقانون المطعون عليه وتطبيق حكمها على أموالهم وممتلكاتهم التى سبق فرض الحراسة عليها، دون الفقرة الأولى من مادته الثالثة المطعون عليها.
وحيث إن النعى مردود أولاً بما سبق أن قررته هذه المادة فى 4 يونيه سنة 1988 فى الدعوى رقم 99 لسنة 4 قضائية “دستورية “، من أن البين من نص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القرار بقانون المطعون عليه “أنه لم يغير من المراكز القانونية لرعايا الدول الأجنبية الذين أبرمت مع دولهم اتفاقيات للتعويضات، بل قصد إلى استمرار سريان أحكامها على هؤلاء الرعايا بصريح نصه، وهى اتفاقيات لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقاً للأوضاع المقررة . ومن ثم تكون هذه الفقرة كاشفة عن الأصل العام فى التفسير الذى يقضى بعدم أعمال القواعد العامة فيما ورد بشأنه نص خاص، وأنه متى كان ذلك، وكان القرار بقانون المطعون عليه هو القانون العام فى شأن تصفية الأوضاع الناشئة عن الحراسة ، فإن إعما له يكون واجباً بالنسبة إلى جميع الحالات التى يحددها نطاق تطبيقه عدا ما استثنى بنص خاص، وأنه إذ كان المشرع قد تغيا بالفقرة الأولى من المادة الثالثة المطعون عليها- وعلى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقرار بقانون رقم 141 لسنة 1981- مجرد تأكيد سريان أحكام الاتفاقيات المشار إليها على رعايا الدول التى أبرمتها، فإن أحكامها تعد نصوصاً خاصة واجبة الأعمال فى نطاقها استثناء من القواعد العامة لتصفية الحراسات الصادر بها القانون المذكور. متى كان ذلك فإن الاتفاقيات المشار إليها فى الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القرار بقانون المطعون عليه تستقل بتحديد التعويض المستحق لرعايا الدول الأجنبية فى الحدود المبينة بها. ولا مجال لأعمال القواعد العامة التى أتى بها القرار بقانون المطعون عليه فى نطاقها، إذ الخاص يقيد العام، ومردود ثانياً بأن الأصل فى كل معاهدة دولية – إعما لاً لنص المادة (31) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التى تعتبر مصر طرفاً فيها، هو أنها ملزمة لأطرافها- كل فى نطاق إقليمه- ويتعين دوماً تفسير أحكامها فى إطار من حسن النية ووفقاً للمعنى المعتاد لعباراتها فى السياق الواردة فيه “وبما لا يخل بموضوع المعاهدة أو أغراضها”، وكان من المقرر كذلك أن المعاهدة الدولية تعتبر من وجهة نظر أولية كلاً لا ينقسم، ووحدة غير قابلة للتجزئة أساسها أن التكامل بين نصوصها كان من الأسس الجوهرية التى أدخلتها الدول أطرافها فى اعتبارها عند تصديقها على المعاهدة أو انضمامها إليها ودعاها إلى القبول بأحكامها والإلتزام بمضمونها. غير أن هذا الأصل يقيد منه ما دل عليه العمل بين الدول من أن المعاهدات الدولية فى تطورها الراهن لا تتناول بالضرورة أحكاماً مترابطة لا يجوز فصلها عن بعضها البعض، ولاترمى دوماً إلى معاملتها كوحدة عضوية لا انفصام فيها، ولكنها تواجه أحياناً تنظيماً أكثر تعقيداً موضوعه مصالح مختلفة متعددة جوانبها تستقل كل منها عن غيرها، ولا تنتظمها بالتالي وحدة تجمعها، وإنما تتمايز فى مضمونها والأغراض المقصودة من إرسائها عن بعضها البعض، بما يؤكد ذاتية النصوص المنظمة لكل منها، وانفرادها بخصائص مقصورة عليها متعلقة بها وحدها، ليؤول أمر النصوص- المن صرفة إلى كل مصلحة منها على حدة – إلى تنظيم خاص لموضوعها مما يقتضى ألا تعامل المعاهدة الدولية – فى هذه الفروض- كوحدة قائمة بذاتها متكاملة فى مجموع أحكامها، بل تثبت هذه الوحدة لكل جزء من أجزائها مستقلاً بذاتيته عن غيره، وبالتالي بكون مرد الأمر فى تجزئة نصوص المعاهدة أو القبول بها فى مجموعها، إلى إرادة الدول أطرافها محددة على ضوء ما تكون قد أولته من اعتبار لطبيعة وخصائص المسائل التى تتناولها بالتنظيم- وهو ما رددته اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، ذلك أن القاعدة الأولية فى نطاقها هى وحدة نصوص المعاهدة ، وهى وحدة عززتها الفقرة الثانية من المادة (44) منها وذلك فيما قررته من أن السند الذى تركن إليه إحدى الدول وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية – لنقض معاهدة دولية تكون طرفاً فيها أو للانسحاب منها أو لتعليق تنفيذها- لا يجوز الاحتجاج به وإثارته إلا بالنسبة إلى المعاهدة بأكملها. ومع ذلك إذا كان هذا السند منصرفاً إلى نصوص بذاتها متعلقاً بها وحدها، فإن أثره يقتصر عليها إذا كان ممكناً- فى مجال تطبيقها- فصلها عن بقية المعاهدة وبمراعاة شرطين، أولهما: ألا يكون قبول الدول الملتزمة بالمعاهدة للنصوص التى يراد فصلها عنها من الشروط الجوهرية لموافقتها على التقيد بالمعاهدة فى مجموع أحكامها، ثانيهما: ألا يكون المضى فى تنفيذ النصوص المتبقية من المعاهدة منطوياً على مجافة للعدالة .
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان البين من الرجوع إلى أحكام اتفاقية التعويضات المبرمة بين الحكومتين المصرية واليونانية – والتى لا ينازع الخصوم فى مضمونها أنها تتناول فى “موضوعها” تقرير التعويضات التى تدفعها حكومة مصر عن الأموال والحقوق والمصالح اليونانية التى مستها القوانين التى عددتها الاتفاقية فى مادتها الثانية سواء فى مجال التأميم أو فى نطاق تدابير الحراسة أو فى خصوص الإصلاح الزراعى . وقد حدد الطرفان المتعاقدان “مقاصدها وأغراضها” بأنها تتوخى إجراء تسوية نهائية مبرئة لذمة الحكومة المصرية – فور أدائها لتلك التعويضات على النحو المحدد بالاتفاقية – وذلك فى مواجهة أية مطالبة يقدمها اليونانيون الذين مستهم القوانين المشار إليها والناشئة عن تطبيقها فى حقهم، أو تكون مترتبة عليها. أما عن “نطاق التعويضات ومستحقيها وشروط استحقاقها” فقد فصلتها الاتفاقية فى مادتها الرابعة التى يبين منها أن الأشخاص الطبيعيين اليونانيين وكذلك الأشخاص المعنوية اليونانية يستحقون عن أموالهم وممتلكاتهم التعويض المقرر بالاتفاقية وفقاً لشروطها وبناء على طلب يقدم منهم أو منها فى حدود مبلغ إجمالى لا يجاوز 65% من قيمتها، وعلى أن تودع التعويضات فى حساب خاص لا يغل فائدة بقصد تحويلها إلى اليونان،. فإذا كان الأشخاص الطبيعيون اليونانيون مقيمين فى مصر، فإن قواعد التحويل المنصوص عليها فى الاتفاقية تسرى عليهم بمجرد حصولهم على صفة غير المقيم. وتنص الاتفاقية كذلك فى مادتها التاسعة على أن تشكل لجنة مشتركة لمراقبة تنفيذ الاتفاقية وضمان تطبيق أحكامها- عند الاقتضاء- على وجه مرض. متى كان ذلك، فإن أحكام الاتفاقية فى الحدود السالف بيانها تعتبر صفقة واحدة متكاملة العناصر، مترابطة الأجزاء، تتصل حلقاتها ولا تنفصل مكوناتها، ذلك أنها تعكس ما إرتأته الحكومتان المصرية واليونانية نطاقاً لتسوية شاملة ونهائية للتعويضات المستحقة للرعايا اليونانيين عن القوانين الصادرة فى شأنهم والمؤثرة فى مصالحهم سواء فى مجال التأميم أو تدابير الحراسة أو الإصلاح الزراعى ليحدد التعويض المقرر بها نطاق حقوقهم، وليكون التعويض الذى قررته بنصوصها منهياً لكل نزاع حول مقداره، ومبرئاً لذمة الحكومة المصرية فى مواجهة الحكومة اليونانية ورعاياها. وإذ كان من المقرر قانوناً أن المعاهدة الدولية يتعين تفسيرها فى إطار من حسن النية ، ووفقاً للمعنى المعتاد لعباراتها، فى السياق الواردة فيه، وبما لا يخل بموضوع المعاهدة أو يجاوز أغراضها، وكان إعمال الاتفاقية المصرية واليونانية كوحدة لا تقبل التجزئة تتكامل فى مجموع أحكامها هو الذى يعطيها الفاعلية ، ويكفل الوفاء بالأغراض المقصودة منها، فإن قالة جواز تبعيض أحكامها تكون فاقدة لسندها، منافية لما قصدته الدولتان المتعاقدتان من إبرامها، ومهدرة مفهوم التسوية الشاملة المحدد إطارها ومقدارها توقياً لإثارة أى نزاع جديد من حولها. وكذلك فإن ادعاء رعية يونانية بأن له أن يختار من أحكام الاتفاقية المصرية اليونانية ما يراه محققاً لمصلحته، إنما ينحل إلى تخويله الحق فى تعديل الاتفاقية الدولية ، ونقض الأسس التى تقوم عليها أو التغيير فيها، وتكملتها بوقاعد يختارها، وهو ما لا تملكه إلا الدولتان المتعاقدتان، وبتراضيهما معاً. ومردود ثالثاً بأن من المقرر وفقاً لقواعد القانون الدولى أن لكل دولة فى علاقتها بالدول الأخرى ، السلطة الكاملة التى تؤثر بها- ومن خلال المعاهدة الدولية التى تكون هى طرفاً فيها- فى نطاق الحقوق المقررة لمواطنيها سواء كان ذلك فى إطار حق الملكية أو فى مجال الحقوق الشخصية . وتعتبر هذه السلطة الكاملة موازية لحقها وواجبها فى أن توفر الحماية لمواطنيها وإن كانت الحقوق التى رتبتها المعاهدة الدولية وكذلك التزاماتها، لا تسرى إلا على الدول أطرافها فى العلاقة فيما بينها، ولا يعتبر التنظيم الوارد بها- وأياً كان مضمونه- منصرفاً إلى مواطنيها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت الاتفاقيات المشار إليها فى الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القرار بقانون المطعون عليه، لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقاً للأوضاع المقررة ، وكان لا تعارض بين نصوص الاتفاقية المصرية واليونانية وأحكام الدستور باعتبار أن ما قصدته الدولتان المتعاقدتان منها لا يعدو تقرير الأسس المعقولة لتعويض تتحمله الحكومة المصرية محدد مقداره بالاتفاق مع الحكومة اليونانية فى إطار من قواعد القانون الدولى العام، وعلى وجه يعتبر معه هذا التعويض تسوية نهائية لكل الأضرار الناشئة عن تطبيق القوانين المصرية – فى المجالات التى عينتها الاتفاقية وحددتها حصراً- على اليونانيين أو الأشخاص المعنوية اليونانية – فإن مناعي المدعين فى هذا الشق الأخير من الدعوى تكون مفتقرة لكل أساس قويم يحملها، ومتعيناً بالتالي رفضها.
و حيث ان النص المطعون عليه لا يتعارض مع اي حكم في الدستور من اوجه اخري .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعين المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .