قراءة في التكييف القانوني للشرط الجزائي .

الشرط الجزائي مُؤسس على إرادة الأطراف، وهو قد يكون بنداً في عقد الالتزام الأصلي (الذي يُستحق التعويض على أساسه)، أو أن يكون في عقد منفصل مُحلق بالالتزام الأصلي ولاحق عليه (المادة 223 مدني مصري؛ وبشرط أن يبرم هذا الاتفاق “اللاحق” قبل وقوع الضرر الذي يقدر الشرط الجزائي التعويض عنه، وذلك حتى لا يلتبس بالصُلح أو بالتجديد)، وفي الحالة الأولى يقوم الأطراف بتدعيم نصوص العقد الأصلي بتضمينه شرطاً جزائياً يُطبق في حالة عدم تنفيذه، أو حالة تنفيذه جزئياً، أو متأخراً.

وعلى هذا، فالشرط الجزائي يتميز بثلاث صفات هي أنه:

“اتفاقي” و “تبعي” و “تهديدي”. وما يهُمنا في هذا المقام هو صفة الشرط الجزائي “كالتزام تبعي”:

فالشرط الجزائي ليس هو السبب في استحقاق التعويض، فلا يتولد عنه التزام أصلي بالتعويض، ولكن يتولد عنه التزام تبعي بتقدير التعويض بمبلغ معين، وشروط استحقاق هذا الالتزام هي نفس شروط الالتزام الأصلي، وتكييفه القانوني هو أنه التـزام تابـع لا الـتزام أصيـل.([1])

وذلك لأن الشرط الجزائي يُبرم لضمان تنفيذ الالتزام الأصلي، فوجود الشرط الجزائي يفترض حتماً وجود التزام أصلي صحيح ويقع تابعاً له، ومنطق التبعية الذي يتلخص في أن: “الفرع يتبع الأصل” يقتضي أن يبطل الشرط الجزائي أو يُفسخ ببطلان الالتزام الأصلي أو فسخه. أما العكس فليس صحيحاً فبطلان الشرط الجزائي لا يترتب عليه بطلان الالتزام الأصلي.

هذا، وقد نصت المادة 1227 من القانون المدني الفرنسي على أن:

بطلان الالتزام الأصلي يسبب بطلان الشرط الجزائي. أما بطلان هذا الأخير فلا يسبب بطلان الالتزام الأصلي“. وهذا ما نصت عليه أيضاً المادة 673 من القانون المدني البرتغالي بنصها على أن: “بطلان العقد يؤدي إلى بطلان الشرط الجزائي، غير أن العكس غير صحيح”. وليس لهاتين المادتين مُقابل في القانون المدني المصري، ولكن حكمهما لا يعدو أن يكون تطبيقاً للقواعد العامة فيه. ذلك أن الشرط الجزائي يُقصد به تعويض الدائن عن الضرر الذي يصيبه من جراء عدم تنفيذ المدين للالتزام الأصلي، أو التأخر فيه، فإذا كان الالتزام الأصلي لم يقم أصلاً أو تقرر بطلانه أو فسخه، فلا محل لعدم التنفيذ أو التأخر فيه، وبالتالي لا محل لتوقيـع الشـرط الجزائـي.([2])

فالشرط الجزائي لا يتمتع بوجود خاص في معزل عن الالتزام الأصلي، لأن الشرط الجزائي التزام تابع للالتزام الأصلي، لذا يكون مصير الشرط الجزائي مرتبطاً بمصير الالتزام الأصلي، فلا يكون له وجود بدونه، كما أنه لا يبقى بعده، ذلك لأن الجزاء المخصص لضمان تنفيذ الالتزام الأصلي يصبح بدون غرض، إذا لم يكن للالتزام الأصلي وجود قانوني صحيح (إذا تقرر بطلانه أو فسخه).

وفي هذا الشأن يقول الفقيه الفرنسي “لوران”:

“يبرم الشرط الجزائي لضمان تنفيذ الالتزام الأصلي ولتعويض الدائن عن الضرر الذي يصيبه في حالة عدم قيام المدين بالتنفيذ، أو في حالة قيامه بالتنفيذ متأخراً، فهل المطلوب هو ضمان تنفيذ التزام باطل؟ وكيف يكون المدين ملتزماً بالتعويض لعدم تنفيذه التزاماً لم يكن ملتزماً به أصلاً لأنه باطل”.([3])

ويُقاس على البطلان، فسخ العقد المتضمن للالتزام الأصلي، لاتحاد العلة بين البطلان والفسخ، من حيث أن كل منهما يُعيد المُتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد ويجعل الالتزام الأصلي غير واجب النفاذ بل وغير موجود أصلاً.

ويقول السنهوري في هذا الصدد أنه:

“إذا كان الالتزام (الأصلي) باطلاً، كان الشرط الجزائي وهو التزام تابع باطلاً كذلك. فإذا عقد الالتزام الأصلي غير ذي أهلية أو غير ذي صفة، أو تعهد شخص بارتكاب جريمة وإلا دفع مبلغاً معيناً كشرط جزائي، كان كل من الالتزام الأصلي والشرط الجزائي باطلاً. ومثال ذلك أيضاً أن يتعهد شخص بألا يُطلق زوجته حتى لو خانت الأمانة الزوجية، وإلا دفع مبلغاً مُعيناً على سبيل التعويض لها، هذا الشرط الجزائي باطل، لأنه تابع لتعهد باطل لمُخالفته للنظام العام والآداب.([4])

ويقول الشيخ/ محمد علي التسخيري:

“الغرض من الشرط الجزائي أن يكون ضماناً للناس على العقود التي يبرمونها أو ما يلتزمون أو يتعهدون به ضمن العقود التي أبرموها مخافة نكول أحدهم عما عقد عليه أو التزم أو تعهد به، وعليه يكون الشرط الجزائي من حيث الصحة والنفوذ مرتبطا بذلك العقد أو الالتزام المُتفق عليه؛ فان كان العقد أو الالتزام المتضمن للشرط الجزائي صحيحا من حيث الأمور المعتبرة في صحتهما، كان الشرط الجزائي المُبتنى عليه نافذاً ومُستحقاً، وإلا فسوف يكون الشرط الجزائي باطلا ببطلان أصله؛ إذ ليس الشرط الجزائي إلا فرعاً من ذلك العقد أو الالتزام، وأن الفرع يتبع الأصل، فإذا كان الأصل غير مُعتبر وغير ملزم بشيء للطرفين المتعاقدين، كان الشرط الجزائي المُبتنى عليه غير مُعتبر قهرا وغير ملزم بشيء على المشروط عليه. وكذا يعتبر في صحة الشرط الجزائي ألا يكون مُستتبعاً لأمر باطل؛ كالربا، والقمار، وأكل المال بالباطل، وإلا فيكون باطلا؛ إذ ما يستلزم الباطل باطل. وعليه، فالضابط العام في صحة الشرط الجزائي هو: ألا يكون مُبتنياً على أمر باطل، ولا مُستتبعاً لما هو باطل، وأنه إذا كان كذلك، صح ونفذ ووجب الوفاء به وجوباً تكليفياً شرعياً؛ لما ذكر من أدلة وجوب الوفاء بالشرط وأن المؤمنين – أو المسلمين – عند شروطهم، مُضافاً إلى ما دل على وجوب الوفاء بالعقد بعد كون الشرط كجزء من العقد”.([5])

ولكن إذا كان الشرط الجزائي باطلاً، فلا يستتبع ذلك أن يكون الالتزام الأصلي باطلاً، لأن الشرط الجزائي تابع، فلا يتعلق به مصير الالتزام الأصلي. مثل ذلك أن يشترط الدائن المرتهن، كشرط جزائي إذا لم يستوف الدين عند حلوله، أن يبيع العين المرهونة دون إتباع الإجراءات الواجبة قانوناً أو أن يتملك العين، ففي هذه الحالة يكون الشرط الجزائي باطلاً دون أن يبطل الالتزام الأصلي. ومثال ذلك أيضاً أن يتعهد ممثل بألا يظهر على مسرح معين، وإلا التزم بأن يعيش في مكان مقفل طوال حياته، الشرط الجزائي في هذا الفرض باطل لمُخالفته للنظام العام إذ هو قيد خطير على الحرية الشخصية، ولكن الالتزام الأصلي صحيح، فيبقى الممثل ملتزماً بألا يظهر على المسرح المعين، فإن فعل كان مسئولاً عن التعويض، وتولى القاضي تقديره..

ويترتب على تبعية الشرط الجزائي أيضاً أن الدائن إذا أختار، عند إخلال المدين بالتزامه الأصلي، فسخ العقد بدلاً من المطالبة بتنفيذ الشرط الجزائي، سقط الالتزام الأصلي بمجرد فسخ العقد، وسقط معه الشرط الجزائي لأنه تابع له، ويطالب الدائن في هذه الحالة بالتعويضات التي يقدرها القاضي وفقاً للقواعد العامة، ولا يطالب بالتعويض المقدر في الشرط الجزائي”.([6])

وكذلك فكل الظروف والأوصاف التي تمس الالتزام الأصلي تمس الشرط الجزائي كذلك، فإذا كان الالتزام الأصلي مرتبطاً بأجل أو خاضعاً إلى شرط، فإن الشرط الجزائي لا يطبق إلا مع الالتزام الأصلي وذلك عند حلول الأجل أو تحقق الشرط. كما أنه لا يبدأ وجوده إلا مع الالتزام الأصلي إذا كان هذا الأخير خاضعاً لشرط واقف.([7])

وفي حالة انقضاء الالتزام الأصلي قبل توقيع الشرط الجزائي، كالوفاء أو بأي طريقة أخرى للأداء، فإن الشرط الجزائي ينقضي معه. وإذا اتفق الأطراف على تجديد الالتزام الأصلي فلا يجوز للدائن إذا أخل المدين بالالتزام الجديد المُطالبة بتوقيع الشرط الجزائي المنصوص عليه في الالتزام القديم، إلا إذا اتفق على ذلك مُسبقاً.([8])

وفي حالة فسخ العقد فإن الدائن إذا أختار عند عدم تنفيذ المدين لالتزامه الأصلي فسخ العقد فإن الفسخ يزيل الالتزام بأثر رجعي ويبطل بالتالي الشرط الجزائي.

وفي هذا الشأن يقول الفقيه الفرنسي “رادوان” أن:

“فسخ العقد بناء على طلب الدائن لعدم التنفيذ يستبعد تطبيق الشرط الجزائي الذي يزول بأثر رجعي مع العقد وتحدد التعويضات بواسطة القاضي”.([9])

وكذلك يقول الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري أن:

“الشرط الجزائي – كتعويض – لا يُعتبر التزاماً تخييرياً ولا التزاماً بديلاً، وإنما هو التزام تابع للالتزام الأصلي، وهو التزام مُعلق على شرط لأنه لا يُستحق إلا إذا أصبح تنفيذ الالتزام الأصلي مُستحيلاً بخطأ المدين.([10])

فالشرط الجزائي (كتعويض) لا يعتبر التزاماً تخييرياً([11])، لأن الدائن لا يستطيع أن يختار بين طلب تنفيذ الالتزام الأصلي أو التمسك بالشرط الجزائي، فهو لا يستطيع أن يطلب إلا تنفيذ الالتزام الأصلي فقط ما دام ممكناً. وكذلك المدين لا يملك الخيار بين تنفيذ الالتزام الأصلي أو إعمال الشرط الجزائي، فهو لا يستطيع إلا أن يعرض تنفيذ الالتزام الأصلي فقط ما دام ممكناً.

والشرط الجزائي (كتعويض) ليس بالتزام بدلي([12])، لأن المدين لا يملك أن يعدل عن تنفيذ الالتزام الأصلي إذا كان ممكناً إلى تنفيذ الشرط الجزائي كبديل عن الالتزام الأصلي([13]). وفي حالة استحالة تنفيذ الالتزام الأصلي – والتي تسقط هذا الالتزام – لا يترتب عليها انتقال الالتزام إلى الأداء البديل، بل ينقضي الالتزام نتيجة للاستحالة، ولو ظل الأداء البديل مُمكناً.([14])

وإذا أخل المدين بتنفيذ التزامه الأصلي، جاز للدائن أن يطلب من القضاء إلزام المدين بتنفيذ التزامه، سواء تنفيذاً عينياً (إن كان ذلك ممكناً) أو عن طريق التعويض – وهو ما يُعرف بـ “الوفاء بمُقابل” (Dation en paiement)، والذي تنظم أحكامه المادتان 350 و 351 من القانون المدني– وهنا تحديداً يكون مجال إعمال وتطبيق الشرط الجزائي.

أما إذا أخل المدين بتنفيذ التزامه الأصلي، فطلب الدائن فسخ العقد، وقضي له بذلك، فهنا يسقط الالتزام الأصلي ويسقط معه الشرط الجزائي لأنه تابع له، ويطالب الدائن في هذه الحالة بالتعويضات التي يقدرها القاضي وفقاً للقواعد العامة، ولا يُطالب بالتعويض المُقدر في الشرط الجزائي.([15])

فللدائن الذي أُجِيبَ إلى فسخ العقد أن يرجع بالتعويض على المدين إذا كان عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه راجعاً إلى خطئه، لإهمال أو تعمد، والتعويض هنا ينبني على المسئولية التقصيرية لا المسئولية العقدية. فإن العقد بعد أن يُفسخ لا يصلح أن يكون أساساً للتعويض، وإنما أساس التعويض هو خطأ المدين، ويُعتبر العقد هنا واقعة مادية لا عملاً قانونياً.([16])

وقد ساد هذا المفهوم لدى القضاء فحظي بالتطبيق. حيث تواترت أحكام محكمة النقض المصرية على أنه: “لا على الحكم إن هو لم يرد على ما تمسك به الطالب من دفاع يتعلق بالشرط الوارد بعقد الصلح لإعمال المادتين 223 و 224 من القانون المدني باعتباره شرطاً جزائياً متى كان الحكم قد قرر أن عقد الصلح ذاته المُتضمن هذا الشرط قد فسخ وانتهى الحكم إلى تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً في صدد الآثار القانونية المترتبة على هذا الفسخ”.([17])

فمن المبادئ القانونية التي أستقر عليها قضاء محكمة النقض المصرية أن:

“الشرط الجزائي التزام تابع للالتزام الأصلي إذ هو اتفاق على جزاء الإخلال بهذا الالتزام فإذا سقط الالتزام الأصلي بفسخ العقد سقط معه الشرط الجزائي، فلا يعتد بالتعويض المُقدر بمُقتضاه فإن استحق تعويض للدائن تولى القاضي تقديره وفقاً للقواعد العامة”.([18])

وقد تواترت أحكام محكمة النقض على الأخذ والتسليم بهذا المبدأ القانوني، حيث قضت بأن: “الشرط الجزائي – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – التزام تابع للالتزام الأصلي إذ هو اتفاق على جزاء الإخلال بهذا الالتزام، فإذا سقط الالتزام الأصلي بفسخ العقد سقط معه الشرط الجزائي ولا يقيد بالتعويض المقدر بمقتضاه، فإن استحق تعويض للدائن تولى القاضي تقديره وفقاً للقواعد العامة التي تجعل عبء إثبات الضرر وتحققه ومقداره على عاتـق الـدائـن”.([19])

وكذلك قضت محكمة النقض بأنه:

“للدائن الذي أجيب إلى فسخ عقده أن يرجع بالتعويض على المدين إذا كان عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه راجعاً إلى خطئه – بإهمال أو تعمد – وينبني التعويض على أساس المسئولية التقصيرية وليس على أحكام المسئولية العقدية، ذلك أن العقد بعد أن يُفسخ لا يصلح أساساً لطلب التعويض وإنما يكون أساسه هو خطأ المدين، وتخضع دعوى التعويض الناشئة عنه لقواعد المسئولية التقصيرية وللتقادم المسقط المنصوص عليه في المادة 172 من القانون المدني بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه المضرور بوقوع الضرر وبالشخص المسئول عنه”.([20])

وأيضاً قضت محكمة النقض بأنه:

“الشرط الجزائي – باعتباره تعويضاً اتفاقياً – هو التزام تابع لا التزام أصلي في العقد والقضاء بفسخه يرتب سقوط الالتزامات الأصلية فيسقط الالتزام التابع بسقوطها ويزول أثره ولا يصح الاستناد إلى المسئولية العقدية بعد فسخ العقد وزواله، ويكون الاستناد إن كان لذلك محل إلى أحكام المسئولية التقصيرية طبقاً للقواعد العامة”.([21])

وأخيراً – وليس أخراً – قضت محكمة النقض بأن:

“الشرط الجزائي الذي يتضمن تقديراً اتفاقياً للتعويض، التزام تابع للالتزام الأصلي إذ هو اتفاق على جزاء الإخلال به، فإذا سقط الالتزام الأصلي بفسخ العقد سقط معه الشرط الجزائي، ولا يُعتد بالتعويض المُقرر بمُقتضاه، فإذا استحق تعويض للدائن تولى القاضي تقديره وفقاً للقواعد العامة التي تحمل الدائن عبء إثبات الضرر وتحققه ومقداره”.([22])

هذا، ويتعرض الشرط الجزائي للسقوط بالتقادم في نفس الوقت الذي يسقط به الالتزام الأصلي.

كما أن قابلية الحكم القضائي للاستئناف يجب تحديدها بالنظر إلى قيمة الالتزام الأصلي، فإذا كانت أقل من النصاب لم يجز الطعن على الحكم بالاستئناف، ولو كانت قيمة الشرط الجزائي تعادل ذلك النصاب أو تزيد عليه.([23])

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .