القضاء ببطلان أو فسخ العقد بجميع بنوده – مقال قانوني .

“العقد” عبارة عن مجموعة بنود أو نصوص أو مواد مُتكاملة، والقضاء ببطلان أو بفسخ العقد، لا يعني بطلان أو فسخ بند وتنفيذ بند آخر في ذات العقد المقضي ببطلانه أو بفسخه، وإنما بطلان وفسخ العقد يعني بطلان وفسخ العقد كله بجميع بنوده، بما فيها البند المنصوص فيه على الشرط الجزائي.

الخيار بين الفسخ والتنفيذ (لا الجمع بينهما):

فإذا ما رفع الدائن دعوى الفسخ – لإخلال المدين بتنفيذ التزاماته – فإن الحكم بالفسخ لا يكون حتمياً، بل يكون هناك خيار بين الفسخ والتنفيذ، وهذا الخيار يكون لكل من الدائن والمدين والقاضي. وما يهمنا – في هذا المقام هو خيار الدائن – فللدائن بعد أن يرفع دعوى الفسخ له أن يعدل، قبل الحكم، عن طلب الفسخ إلى طلب التنفيذ، كما أنه إذا رفع دعوى بطلب تنفيذ العقد فله أن يعدل عنه إلى طلب الفسخ، على أنه لا يجوز الجمع بين الفسخ والتنفيذ في طلب واحد، كل هذا ما لم يكن قد نزل عن أحد الطلبين، ولا يُعتبر مُجرد رفع الدعوى بطلب منهما نزولاً منه عن الطلب الآخر.([24])

ولما كانت المادة 160 من القانون المدني المصري تنص على أنه:

“إذا فُسِخَ العقد أًعيدَ المُتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، فإذا استحال ذلك جاز الحكم بتعويض”.

ويُلاحظ أن هذا النص عام، يُبين ما يترتب على الفسخ من أثر، سواء كان الفسخ بحكم القاضي أو بحكم الاتفاق أو بحكم القانون، ويتبين من النص أيضاً أنه إذا حكم القاضي بفسخ العقد فإن العقد ينحل، لا من وقت النطق بالحكم فحسب، بل من وقت نشوء العقد، فالفسخ له أثر رجعي، ويُعتبر العقد المفسوخ كأن لم يكن، ويسقط أثره حتى في الماضي، وإذا كان هذا مفهوماً في الفسخ بحكم الاتفاق أو بحكم القانون، حيث يقتصر حكم القاضي على تقرير أن العقد مفسوخ ولا ينشئ الفسخ، فإنه أيضاً مفهوم في الفسخ بحكم القاضي ولو أن الحكم هنا منشئ للفسخ لا مُقرر له، ولا يوجد ما يمنع من أن يكون الحكم مُنشئاً للفسخ وأن يكون له أثر رجعي، فالحكم بالشفعة حكم منشئ ولكنه ينقل ملكية العقار المشفوع فيه من وقت البيع لا من وقت النطق بالحكم. والحكم بالفسخ له هذا الأثر فيما بين المُتعاقدين وبالنسبة للغير.([25])

وللدائن الذي أُجِيبَ إلى فسخ العقد أن يرجع بالتعويض على المدين إذا كان عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه راجعاً إلى خطئه، لإهمال أو تعمد، والتعويض هنا يبنى على المسئولية التقصيرية لا المسئولية العقدية، فإن العقد بعد أن يُفسخ لا يصلُح أن يكون أساساً للتعويض، وإنما أساس التعويض هو خطأ المدين، ويُعتبر العقد هنا واقعة مادية لا عملاً قانونياً.([26])

وقد تواتر قضاء محكمة النقض المصرية على أن:

“النص في المادة 160 من القانون المدني يدل – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – على أنه يترتب على فسخ عقد البيع انحلال العقد بأثر رجعي منذ نشوئه بحيث تعود العين المبيعة إلى البائع – بالحالة التي كانت عليها وقت التعاقد – وأن يرد إلى المُشتري ما دفعه من الثمن”.([27])

وكذلك الحال في حالة بطلان أو إبطال العقد، حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 142 من القانون المدني المصري على أنه: “في حالتي إبطال العقد وبطلانه يُعاد المُتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فإذا كان هذا مُستحيلاً جاز الحكم بتعويض عادل”.

ويتبين من ذلك أن العقد الباطل أو القابل للإبطال، إذا تقرر بطلانه، يُعتبر كأن لم يكن فيما بين المتعاقدين وبالنسبة إلى الغير. فإذا تقرر بطلان العقد زال كل أثر له، وأرجع كل شيء إلى أصله، وجاز الحكم بتعويض على أساس المسئولية التقصيرية لا المسئولية العقدية.([28])

وكذلك قد تواتر قضاء محكمة النقض المصرية في هذا الشأن على أنه:

“إذ كان الأثر المُترتب على بطلان العقد هو أن يُعاد المُتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد إلا أن يكون ذلك مُستحيلاً، وهو ما لازمه أن يمحو البطلان كل أثر للعقد، سواء كان هذا الأثر نتيجة اتفاق صريح أو ضمني بين عاقديه، وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى بطلان العقد وعودة طرفيه إلى ما كانا عليه قبل التعاقد بتسليم العين وما عليها من مبان للمطعون ضده مُقابل استحقاق الطاعن لما أودع على ذمته من تعويض فإنه لا يكون قد خالف القانون”.([29])

ومفاد ما تقدم، أنه يجوز للدائن أن يطالب إما بتنفيذ العقد، وفقاً لجميع بنوده، تنفيذاً عينياً أو تنفيذاً بمُقابل (عن طريق التعويض)؛ وإما أن يطلب الفسخ، فينفسخ العقد كله بكل بنوده، بما فيهم البند المنصوص فيه على الشرط الجزائي، وإن كان الدائن قد أصابه ضرر فيحق له الرجوع على المدين ولكن على أساس المسئولية التقصيرية لا المسئولية العقدية، فبعد أن يفسخ العقد لا يصلح أن يكون أساساً للتعويض.

مع الأخذ في الاعتبار أنه إذا طبقت محكمة الموضوع خطأً أحكام أحد نوعي المسئولية المدنية (العقدية أو التقصيرية) دون قواعد المسئولية الواجبة التطبيق، فإنها تكون قد خالفت القانون، إذ يتعين عليها أن تتقصى من تلقاء نفسها الحكم القانوني الصحيح المُنطبق على العلاقة بين طرفي التعويض وأن تنزله على الواقعة المطروحة عليها، لأن تحديد طبيعة المسئولية التي يتولد عنها حق المضرور في طلب التعويض يُعتبر مطروحاً عليها.([30])

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .