تسليم المجرمين Extradition نظام في علاقات الدول من مقتضاه ان تتخلى دولة عن شخص موجود على اقليمها لدولة أخرى بناء على طلبها لتتولى محاكمته عن جريمة منسوب إليه ارتكابها او لتنفذ فيه حكما صادر من محاكمها وذلك باعتبار ان هذه الدولة الأخيرة هي صاحبة الاختصاص الطبيعي او الافضل في تلك المحاكمة او ذلك التنفيذ. والغرض من تسليم المجرمين تفادي هرب المذنب من القصاص اذا ما لجأ الى دولة غير التي ارتكب الجريمة في اقليمها وكان من غير المستطاع محاكمته فيها. ذلك ان كثيرا ما يحدث ان يرتكب شخص جريمة في دولة ويفر الى أخرى هربا من العقاب. ولما كانت سلطة الدولة، في الاصل، لا تتعدى حدودها فلا تمتد إليه ما دام هو في ارض دولة أخرى. واذا كانت قوانين الدولة التي لجأ اليها الجاني لا تسمح بمحاكمته عن جريمته، فان ذلك يؤدي الى تخلصه من العقاب. لذلك جعل نظام تسليم المجرمين وسيلة لتفادي هذه النتيجة، وهكذا اصبح مظهرا من مظاهر تعاون الدول فيما بينها على مكافحة الجريمة.

مصادر احكام التسليم:-

ان نظام تسليم المجرمين من حيث هو كإجراء تقتضيه تنظيم ناحية معينة من علاقات الدول، بالرغم من كونه من المبادئ المسلم بها عند كافة الدول الحديثة، فانه ما زال من حيث احكامه وقواعده واثاره لا يجمعه قانون موحد عام تقبله الدول جميعا وتلتزم به، بل هو يخضع بصفة أصلية الى ما تقضى به المعاهدات المعقودة في هذا الشان بين الدول. وقد عقدت الجمهورية العراقية معاهدات في هذا الخصوص مع دول كثيرة كجمهورية مصر العربية والجمهورية العربية السورية والمملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية وتركيا وانكلترا والولايات المتحدة وغيرها. بل قد نظمت الجامعة العربية عام 1953 اتفاقية لتسليم المجرمين ودعت الدول العربية للانضمام اليها. وقد أقرها العراق وانضم اليها بالمصادقة عليها بالقانون رقم 53 لسنة 1956. وقد تنظم بعض الدول مسألة تسليم المجرمين بتشريع داخلي تسنه لهذا الغرض. وقد سلكت هذا الطريق كل من فرنسا وايطاليا وسويسرا وبلجيكا وهولندا وانكلترا وكذلك العراق، حيث صدر عام 1923 القانون رقم 21 لسنة 1923 المسمى بقانون (إعادة المجرمين). احتوى على الاحكام واجبة الاتباع بشان هذه المسالة في العراق. وعند انعدام المعاهدات بين الدول، وانعدام التشريع الداخلي المنظم لهذه المسالة كثيرا ما تقبل الدول العمل بنظام التسليم طبقا لما استقر عليه العرف الدولي في هذا الشان مع اشتراط المعاملة بالمقل. بل قد تقبل بعض الدول ذلك دون هذا الشرط. والراجح ان التسليم لا يكون واجبا على الدولة الا اذا ارتبطت مع الدولة طالبة التسليم بمعاهدة توجب ذلك.

أحكام التسليم :-

تتضمن احكام التسليم دراسة موانع التسليم واجراءاته ثم آثاره، وهو ما سنبينه تباعا

1.موانع التسليم

الاصل ان التسليم جائز ما لم يقم مانع يحول دونه. وقد يكون مرد المانع ذات الجريمة المراد التسليم من أجلها وقد يكون مرده ذات الشخص المراد تسليمه.

أولا – الجرائم التي لا يجوز التسليم من أجلها

هناك من الجرائم ما لا يجوز تسليم مرتكبها فيما اذا طلب تسليمه من الدولة التي هرب اليها بعد ارتكابه للجريمة. وهذه الجرائم هي

أ – الجرائم السياسية والجرائم العسكرية البحتة / لا يجوز تسليم مرتكب الجريمة السياسية او الجريمة العسكرية البحتة. وعدم التسليم فيها، وخاصة الجرائم السياسية : من المبادئ التي نصت عليها المعاهدات المعقودة بين الدول بهذا الشان بل كثيرا ما نصت عليه القوانين الداخلية او الدساتير. فقد نصت المادة السادسة من معاهدة تسليم المجرمين المعقودة بين مصر والعراق عام 1931 بأنه لا يسمح بالتسليم من اجل جريمة سياسية او من اجل فعل يعتبر جريمة في نظر القوانين العسكرية فقط). كما نصت المادة الرابعة والثلاثين من الدستور المؤقت للجمهورية العراقية الصادر عام 1970 في الفقرة (ب) بانه (لا يجوز تسليم اللاجئين السياسيين) والعلة في ذلك ترجع، فيما يتعلق بالجرائم السياسية، الى بعض الاعتبارات التي تحمل على معاملة المجرم السياسي معاملة خاصة ممتازة، فضلا عن ان القول بامكان التسليم يعطي للدولة المطلوب منها التسليم فرصة للتدخل في الشؤون السياسية للدولة طالبة التسليم. كما انها ترجع فيما يتعلق بالجرائم العسكرية البحتة كجريمة الفرار من الجندية او جريمة عدم الطاعة، الى ما تلحظه الدولة المطلوب منها التسليم عادة في اجابة طلب التسليم من ضرورة ان تكون لها مصلحة ما في ذلك. وهذا الاعتبار فيما يبدو لا يصدق على الجرائم العسكرية البحتة لأنها لا تنم حتما عن نزعة اجرامية لدى مرتكبها. وتقدير كون الجريمة سياسية متروك للدولة المطلوب اليها التسليم (1).

ب – الجرائم التي لا يكون معاقبا عليها بمقتضى قانون الدولتين / يشترط لأجل تسليم لامجرم ان يكون ما اقترفه من اثم معاقبا عليه في آن واحد بمقتضى قانون الدولة التي تطلب التسليم وقانون الدولة المطلوب منها التسليم. فان كان هذا الفعل غير معاقب عليه بمقتضى احد هذين القانونين فانه لا يجوز تسليم مرتكبه. وقد نصت المعاهدة العراقية المصرية سالفة الذكر على ذلك في المادة الثانية بقولها /.

(لا يسمح بالتسليم ما لم يكن الشخص المطلوب تسليمه متهما في جريمة او مدانا او محكوما عليه بالحبس لمدة سنة واحدة او بعقوبة اشد من ذلك عن جريمة معاقب عليها بموجب قوانين كلتا الدولتين بالحبس لمدة سنة واحدة او بعقوبة اشد من ذلك (2).

والعلة هي انه ليس للدولة المطلوب منها التسليم في الغالب مصلحة مؤكدة في اجابة طلب التسليم اذا كانت الجريمة المطلوب التسليم من أجلها لا وجود لها في تشريعها.

جـ – الجرائم التي لا تبلغ درجة معينة من الجسامة / يشترط لاجل تسليم المجرم ان تكون الجريمة التي ارتكبها على جانب من الجسامة والخطورة يعينها القانون. فان لم تبلغها فلا يجوز التسليم فيها. وقد أخذت المعاهدة العراقية المصرية آنفة الذكر بهذا الشرط حيث نصت في مادتها الثانية على عدم جواز التسليم في الجرائم التي تكون عقوبتها الحبس اقل من سنة في قوانين الدولتين (3). وعلة ذلك هي ان الجرائم التافهة ليس لها من الخطورة ما يبرر الاجراءات والنفقات التي يتطلبها التسليم عادة.

ثانياً – الاشخاص الذين لا يجوز تسليمهم

هناك بعض الاشخاص، ولصفة خاصة بهم، لا يجوز تسليمهم، فيما اذا طلبوا من الدولة التي لجأوا اليها. وهؤلاء الاشخاص هم /

أ – رعايا الدولة المطلوب منها التسليم / لا يجوز للدولة المطلوب منها التسليم ان تسلم رعاياها فيما اذا طلب منهم تسليمهم. وهذا مبدأ متبع لدى غالبية الدول وكثيرا ما ينص عليه في المعاهدات او في التشريعات الداخلية الخاصة بتسليم المجرمين. وقد نصت عليه المعاهدة العراقية المصرية في المادة السابعة قائلة (لا يجوز التسليم في حالة ما اذا كان الشخص احد رعايا الدولة المطلوبة منها التسليم)(4). وعلة ذلك ترجع الى احتفاظ الدولة بكرامتها والى الحذر من عدم عدالة القضاء الأجنبي نحو رعاياها. غير ان هناك اتجاها حديثا نحو التخلي عن هذا المبدأ لانه لا يقوم الا على عامل الأنانية والتشكيك في قضاء الدولة التي تطالب بالتسليم بالإضافة الى انه لا يجوز للدولة حماية رعاياها المجرمين من القضاء الطبيعي المختص بمحاكمتهم / حيث حدثت الجريمة وحيث توجد معالمها ويسهل اثبات الحقيقة فيها.

ب – الاجانب الخاضعون بالنسبة للجريمة التسليم من أجلها لقضاء الدولة المطلوب منها التسليم / لا يجوز للدولة المطلوب منها التسليم ان تسلم من يخضع من الاجانب بالنسبة للجريمة المطلوب التسليم من أجلها، لقضائها. وقد اقرت المعاهدة العراقية المصرية ذلك في المادة الرابعة قائلة (لا يسمح بالتسليم اذا كان الشخص المطلوب تسليمه قد سبقت محاكمته عن الجريمة التي طلب تسليمه من أجلها فبرئ او عوقب او كان باقيا تحت المحاكمة في القطر الذي قدم إليه طلب التسليم (5). وعلة ذلك هي ان لا خوف من افلات المجرم من العقاب ما دام انه سيحاكم على كل حال.

جـ – المتمتعون بالاعفاء القضائي كرؤساء الدول والمعتمدون السياسيون ومن في حكمهم. فلا يجوز تسليمهم اذا ما ارتكب احدهم جريمة في اقليم دولة لا يخضع لقضائها ثم لجأ الى دولة أخرى فطلبته الدولة الأولى من الثانية. لان محاكمته فيها غير جائزة (6).

د – الارقاء الهاربون . لا يجوز تسليم الرقيق الهارب سواء كان قد هرب استردادا لحريته او تخلصا من المسؤولية عن جريمة ارتكبها بوصفه رقيق للخلاص من الرق. وهو مبدأ تقليدي تبرره عوامل الإنسانية والحماية نحو الرقيق. اما الجرائم الأخرى العادية فيجوز تسليمهم من أجلها بشرط ان تضمن لهم حريتهم (7).

2.اجراءات التسليم

يعتبر التسليم عملا من أعمال السيادة (الحكم). وعلى ذلك فالسلطة المختصة بطلبه هي السلطة التنفيذية. وتقدم الدولة طالبة التسليم طلبها الى الدولة المطلوب منها التسليم بالطريق الدبلوماسي. ويكون هذا الطلب مشفوعا بجميع الوثائق والمستندات التي تساعد على البت فيه سواء كان هذا البت بالقبول ام بالرفض تبعا للتحقق من توفر شروط التسليم او عدم توفرها. اما السلطة المختصة في الفصل بطلب التسليم والبت فيه فانها تختلف باختلاف الدول. ففي إنكلترا وفرنسا وايطاليا تفصل في ذلك السلطة القضائية. بينما في جمهورية مصر العربية والعراق واسبانيا والبرتغال تفصل فيه السلطة التنفيذية. اما في بلجيكا فان هذا الأمر يعرض على جهة قضائية غير ان رايها استشاري يجوز للمحكومة ان تأخذ به او تعرض عنه. وفي حالة ما اذا تقدمت طلبات من عدة دول بشان تسليم احد المجرمين او المتهمين من اجل نفس الجريمة تكون الاولوية في التسليم للدولة التي اضرت الجريمة بمصالحها، ثم للدولة التي ارتكبت الجريمة في ارضها ثم للدولة التي ينتمي اليها المطلوب تسليمه. اما اذا كانت طلبات التسليم خاصة بجرائم مختلفة فتكون الاولوية للدولة التي طلبت التسليم قبل غيرها (8).

3.آثار التسليم

ان المبدأ الذي يحكم نظام التسليم المجرمين من حيث الاثار المترتبة عليه هو مبدأ (تخصيص التسليم). ومقتضى هذا المبدأ. ان اثر التسليم يقتصر على الجريمة التي حصل من أجلها التسليم. مما يعني انه لا يجوز للدولة التي تسلمت المجرم ان تحاكمه او تنفذ عقوبة الا عن الجريمة التي سلم من أجلها. اما غيرها من الجرائم الأخرى التي ارتكبها قبل تسليمه ولم يشملها طلب التسليم فانه يعتبر بالنسبة لها وكأنه غائبا عن اقليم الدولة التي تسلمته. وبالتالي فليس لها ان تحاكمه عنها الا بعد اتفاق جديد مع الدولة التي سلمته، او اتاحة الفرصة له بالخروج من ارض الدولة المسلم اليها ولم يستفد منها وقد حددت المادة (14) من الاتفاقية المعقودة بين دول الجامعة العربية هذه المدة بثلاثين يوما. والحكمة من قصر أثر التسليم على الجريمة التي حصل من أجلها هي الاحتياط لما قد يحدث من التحايل على التسليم في جريمة أخرى. وقد اخذ العراق بهذا المبدأ حيث نصت عليه المعاهدة العراقية المصرية في المادة الثالثة بقولها / (لا يحاكم الشخص الذي تم تسليمه الا عن الجريمة التي قدمة طلب التسليم من أجلها او عن الأفعال التي لها علاقة بتلك الجريمة ولم تظهر الا بعد اجراء التسليم) فاذا حكم ببراءته من تلك التهم فيجب ان لا يقبض عليه او يحاكم عن أية جريمة أخرى الا اذا كان قد ارتكب تلك الجريمة بعد التسليم في القطر الذي سلم إليه او اذا كان قد اتيحت له أولا فرصة وتسهيلات ومعقولة لأجل العودة الى القطر الذي سلمه فلم يستفد منها (9).

___________________________

1-انظر المادة الرابعة من اتفاقية تسليم المجرمين المعقودة بين دول الجامعة العربية.

2-انظر بنفس المعنى المادة السادسة من اتفاقية الجامعة مارة الذكر.

3-انظر بنفس المعنى المادة الثالثة من اتفاقية الجامعة مارة الذكر.

4-انظر بنفس المعنى المادة السابعة من اتفاقية الجامعة مارة الذكر.

5-انظر بنفس المعنى المادة الخامسة من اتفاقية الجامعة مارة الذكر.

6-ومع ذلك يجوز تسليم الممثل السياسي الى دولته فقط لتتولى محاكمته وفقا لما تقتضي به قوانينها الخاصة.

7-انظر جارو : المرجع السابق، ج1 ن 217.

8-انظر المادة (12) من اتفاقية الجامعة.

9-انظر بنفس المعنى المادة (14) من اتفاقية الجامعة.

المؤلف : علي حسين خلف + سلطان عبد القادر الشاوي
الكتاب أو المصدر : المبادئ العامة في قانون العقوبات

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .