انظمة التنفيذ في القانون

الفرع الأول : نظام المحضرين

أولا: مفهوم نظام المحضرين

يقصد بهذا النظام أن يتقدم طالب التنفيذ بطلبه إلى المحضر القضائي الذي ينهض التنفيذ الأحكام والأوامر القضائية، ويتولى إجراءاته من بدايتها إلى نهايتها دون أن يتوقف ذلك على إذن من القاضي ودون رقابة قضائية على الإجراءات، ولا يعني الأخذ بنظام المحضرين استبعاد كل دور للقضاء في مجال التنفيذ)1) بل يبقى الفصل في منازعات التنفيذ من إختصاص القضاء، وسوف ندرس هذا النظام على ضوء الأحكام التي وردت في القانون الفرنسي باعتباره التشريع الذي اجتهد في تنظيم وتطوير هذه المهنة (2)، وكذلك هو الأصل الذي استمدت منه باقي التشريعات الأخرى هذا النظام (3)، حيث ظهر النظام بصفة واضحة في فرنسا غداة قيام الجمهورية الثانية وذلك بموجب المرسوم الصادر بتاريخ 24 جوان 1818 (4)، الذي قنن الأوضاع التي كانت سائدة قبل الثورة باعتبارها هي التي جعلت المحضر معاونا حقيقيا من أعوان العدالة، وحصرت وظيفته بالأساس في اتخاذ الإجراءات اللازمة نحو تنفيذ الأحكام التي تصدرها هيئات العدالة.

ثانيا: المركز القانوني للمحضر القضائي

فالمحضر القضائي هو موظف عام (5)، تنحصر مهمته قانونا بإعلان الأوراق القضائية وٕاجراء التنفيذ الجبري للسندات التنفيذية في حدود القانون، بناء على طلب صاحب التنفيذ دون أن يتوقف ذلك على إذن من القاضي ودون رقابة قضائية على الإجراءات، وله أن يستعين بالقوة العمومية عند الإقتضاء (6)، وذلك ما يستخلص من المادة 12 من قانون تنظيم مهنة المحضر(7). وفي ظل هذا النظام يعتبر المحضر ممثلا للسلطة العامة ووكيلا عن طالب التنفيذ)8) إلا أن هناك من يذهب بالقول أن المحضر لا يعد وكيلا عن طالب التنفيذ فهو لا يمثل الخصم، ولا يعمل من أجل المصلحة الخاصة، وٕانما من أجل المصلحة العامة في الحماية التنفيذية (9).

الفرع الثاني: نظام قاضي التنفيذ

أولا: مفهوم نظام قاضي التنفيذ.

يقتضي هذا النظام تخصيص دائرة من دوائر القضاء يرأسها قاض متخصص يعاونه عدد من الموظفين يتولون القيام بكافة أعمال التنفيذ، ويختص هذا القاضي بأمرين أساسيين هما، أولا الإشراف على كافة إجراءات التنفيذ، وثانيا الفصل في كافة المنازعات المتعلقة به، ويجري التنفيذ في ظل هذا النظام من بدايته حتى نهايته تحت إشراف القضاء(10)، والفقه الإجرائي الحديث يرى أن هذا النظام يعد إنعكاسا للفكر الذي يسعى نحو إبراز وتأكيد دور القضاء في التنفيذ الجبري، باعتبار أن التنفيذ هو المرحلة الأخيرة من مراحل الحماية القضائية للحقوق(11)، الأمر الذي جعل أغلب التشريعات الحديثة تأخذ به ومنها بالخصوص التشريع المصري والفرنسي.

أ- في القانون المصري: لقد عرف هذا النظام بموجب المادة 274 مرافعات منه (12) ،حيث تم تخصيص هيئة قضائية في كل محكمة تكلف أساسا بالإشراف على جميع إجراءات شؤون التنفيذ والاختصاص دون غيرها بالفصل في جميع منازعات التنفيذ الموضوعية والوقتية طبقا للمادة 275 من المرافعات المصري)13)، حيث يفصل في منازعات التنفيذ الموضوعية بحكم موضوعي، ويفصل في منازعات التنفيذ الوقتية بحكم وقتي بوصفه قاضيا للأمور المستعجلة (14)

ب- وفي القانون الفرنسي(15) ، يلاحظ أن المشرع الفرنسي قد جعل من قاضي التنفيذ الشخص الأساسي لإصلاح قانون التنفيذ، ويمارس تلك الوظيفة رئيس محكمة المرافعة الكبرى(16)، ويمكن له أن يفوض اختصاصاته إلى أحد قضاة المحكمة، وأسندت له بالأسا س الاختصاصات التالية:

*الإشراف على جميع إجراءات التنفيذ، حيث يراقب الإجراءات التنفيذية التي يقوم بها المحضر القضائي(17).

*الفصل في جميع إشكالات التنفيذ، وله إتخاذ أي إجراء تحفظي، ويرجع له في حالة صعوبة التنفيذ.

*الفصل في طلبات التعويض عن الأضرار الناجمة بسبب إجراءات التنفيذ.

*يختص بمنح مهلة الميسرة طبقا للمادة 1244 ف 1 من القانون المدني الفرنسي إذا توافرت حالة الاستعجال(18).

ثانيا: مبررات الأخذ بنظام قاضي التنفيذ

هناك عدة مبررات أساسية تبرز أهمية هذا النظام وتؤيد فكرة الأخذ به، نعرضها فيما يلي:

أ- يعمل هذا النظام إلى جمع مسائل التنفيذ أمام قاض واحد، بمعنى توحيد الإشراف والإختصاص فيما يتعلق بالتنفيذ القضائي، الأمر الذي يسهل للمتقاضين معرفة هذا القاضي واللجوء إليه بسهولة بدلا من نظر مسائل التنفيذ أمام عدة قضاة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تيسير الإجراءات وتنسيقها تفاديا من تناقض الأحكا م )19).

ب-رقابة إجراءات التنفيذ، حيث يقوم القاضي بمتابعة التنفيذ ورقابة أعمال القائمين بالتنفيذ في كل مراحله وٕاتخاذ ما يلزم من تدابير خاصة بالتنفيذ، كما يختص بالفصل في جميع منازعات التنفيذ الموضوعية والوقتية(20).

ج- ومع ذلك فإن الدول التي أخذت بهذا النظام، قد إستبقت أو أنشأت عدد كاف من معاوني قاضي التنفيذ وهم بالأساس المحضرين ومأموري التنفيذ.

فالمشرع المصري إستبقى على نظام المحضرين وٕاحتفظ لهم بكل اختصاصاتهم في مجال التنفيذ وهو ما سار عليه القانون الفرنسي، بينما القانون السوري إستبقى المحضرين وأسند إليهم أعمال الإعلان، وأسند إلى مأموري التنفيذ أعمال التنفيذ، وهناك من الدول لاتعرف المحضرين كالقانون العراقي واللبناني (21)، أما الجزائر لقد عرفت هذا النظام في بداية التسعينات ولكن سرعان ما تم التخلي عليه ليحل محله نظام المحضرين(22).

___________________

1- نبيل عمر، أحمد هندي: التنفيذ الجبري، قواعده وٕاجراءاته، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية 2002 ، ص 321 ، وكذلك عزمي عبد الفتاح: قواعد التنفيذ الجبري في قانون المرافعات المصري”، مجلة التحكيم والقانون مركز الدكتور عادل خيري للقانون والتحكيم القاهرة، العدد السادس، سنة 1999 ، ص 47.

2- عزمي عبد الفتاح نظام قاضي التنفيذ، د راسة تحليلية إنتقادية مقارنة، رسالة مقدمة للحصول على الدكتوراه في الحقوق، جامعة عين شمس، كلية الحقوق سنة 1977 ، ص21.

3- وفعلا أخذت الجزائر بنظام المحضرين القضائيين ونظمته في بادئ الأمر بموجب قانون 91-3المورخ في 8 جانفي 1991 ثم بموجب القانون 6-3 المؤرخ في 20 فيفري 2006 المتضمن تنظيم مهنة المحضر القضائي.

4- -وتمت تسميتهم لأول مرة بمحضرين العدالة « les huissiers de justice » انظر عزمي عبد الفتاح: قواعد التنفيذ الجبري،ص 48.

5- في فرنسا لا يعد المحضر موظف عام بينما شخص مكلف بخدمة عامة، أنظر: عزمي عبد الفتاح: قواعد التنفيذ الجبري، ص .48

6- عمارة بلغيث: التنفيذ الجبري وٕاشكالاته، دارسة تحليلية مقارنة لطرق التنفيذ وٕاجراءءته ومنازعاته، دار العلوم، الحجار . عنابة 2004 ، ص 38

7- أنظر المادة 12 ف 2 من قانون 6-3 المؤرخ في 20 فيفري 2006 المتضمن تنظيم مهنة المحضر في الجزائر

8- مروك نصر الدين: طرق التنفيذ في المواد المدنية، دار هومة للطباعة ، ص 35.

9- عزمي عبد الفتاح: قواعد التنفيذ الجبري، والنشر، الجزائر 2005 ص 53.

10- نيبل إسماعيل عمر: إشكالات التنفيذ في المواد المدنية والتجارية، الطبعة الأولى، منشأة المعارف، الإسكندرية 1982 ، ص . 127 ، وكذلك محمد حسنين: طرق التنفيذ في قانون الإجراءات المدنية الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1982 ، ص 22 ، وجدي راغب: النظرية العامة للتنفيذ القضائي في قانون المرافعات المدنية والتجارية، دار الفكر العربي، الطبعة الثانية القاهرة 1973 ، ص 246

11- عزمي عبد الفتاح: ” قواعد التنفيذ الجبري في قانون المرافعات المصري”، مجلة التحكيم والقانون مركز الدكتور عادل خيري . للقانون والتحكيم القاهرة، العدد السادس، سنة 1999 ، ص 15

12- تنص المادة 274 من قانون رقم 13 لسنة 1968 المتعلق بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري على ما يلي: ” يجري التنفيذ تحت إشراف قاضي التنفيذ يندب في مقر كل محكمة جزئية من بين قضاة المحكمة الإبتدائية ويعاونه في ذلك عدد كافي من المحضرين وتتبع أمامه الإجراءات المقررة أمام المحكمة الجزئية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك”.

13- وعلى ذلك المادة 275 م ا رفعات مصري بقولها” يختص قاضي التنفيذ دون غيره بالفصل في جميع منازعات التنفيذ الموضوعية والوقتية أيا كانت قيمتها، كما يختص بإصدار الق ا ر ا رت والأوامر المتعلقة بالتنفيذ، ويفصل قاضي التنفيذ في منازعات التنفيذ الوقتية بوصفه قاضيا للأمور المستعجلة”.

14- معوض عبد التواب: الوسيط في قضاء الأمور المستعجلة وقضاء التنفيذ، الطبعة الثالثة، منشأة المعارف، الإسكندرية 1995. ص 89 ، وكذلك نبيل إسماعيل عمر: لتنفيذ الجبري في النظام القضائي السعودي”. مجلة الإدارة العامة، معهد الإدارة ، ص 153

15- النظام القانوني الفرنسي عرف لأول مرة هذا النظام بموجب قانون 05 جويلية 1972 ، لكنه لم يدخل حيز التنفيذ العملي لعدم صدور النصوص التنظيمية له، وبقى الأمر كذلك إلى غاية صدور قانون 09 جويلية 1991 المتعلق بالتنظيم القضائي أنظر في ذلك. لحسين بن شيخ : مقدمات التنفيذ الجبري” بحث منشور بمج ة ل بحوث في القانون، دار هومة للطباعة والنشر ، ص 214 Jean Vincent et jacques Prévault :OP ،Cit،P 8

16- حيث تنص المادة 07 من قانون 91-650 المؤرخ في 09 جويلية 1991 المعدل والمتمم لقانون الإجراءات المدنية الفرنسي على

que le fonction de juge de l’exécution sont exercées par le président du Tribunal de grand :

instance »، Voir :Miccheline landraud : le juge de l’exécution et autre juges ، Dalloz 2000،P 150.

17- فالمحضر يقوم بعرض ملف التنفيذ على القاضي عقب كل إجراء، ويتلقى منه التوجيهات، ويأخذ رايه بشأن كل صعوبة تطرأ له أثناء التنفيذ. أنظر Jean Vincent et jacques Prévault :OP ،Cit،P 31

18- أنظر: لحسين بن شيخ: المرجع السابق، ص 214

– عزمي عبد الفتاح: قواعد التنفيذ، ص 127

Jean Vincent et jacques Prévault Op .Cit. P 09.

19- عمارة بلغيث: المرجع السابق، ص 36 . وكذلك عزمي عبد الفتاح: المقال السابق، ص 19

20- عمارة بلغيث: المرجع السابق، ص 37 وكذلك السيد صاوي: المرجع السابق، ص 142 ، وبوشهدان عبد العالي: المرجع السابق، Jean Vincent et jacques Prévault Op.Cit .PP -5 . ص 52

21- عزمي عبد الفتاح: قواعد التنفيذ، ص 46

22- عمارة بلغيث: المرجع السابق: ص 36

أهمية الأحكام القضائية في مجال التنفيذ في القانون

تعتبر الأحكام القضائية (1)، أهم السندات التنفيذية وأقواها تأكيدا للحق وأكثرها شيوعا في الحياة العملية(2)، ذلك أنها تصدر بضمانات لا تبلغه غيرها من السندات التنفيذية الأخرى، لأنها كأحكام ملزمة تصدر بعد تحقيق كامل في نزاع بين طرفين بعد الإطلاع على أدلتهما، ومراجعتها عن طريق السماح بإمكانية الطعن فيها، الأمر الذي يضمن لا محالة عدالتها(3). والمشرع عند تنظيم قواعد تنفيذ الأحكام قد راعى التوفيق بين إعتبارين، هما مصلحة المحكوم عليه التي تقتضي أن المحكوم له لا يقدم على التنفيذ في مواجهته إلا إذا بلغ الحكم درجة من القوة والاستقرار، ومصلحة المحكوم له التي تقتضي في بعض الحالات الإسراع بتنفيذ الحكم فور صدوره، ومن هنا تم وضع شروط يلزم توافرها في الحكم حتى يمكن تنفيذه جبرا ، يتعلق الشرط الأول بمضمون الحكم حيث يتعين أن يكون حكم إلزام (4)، ويتعلق الشرط الثاني بالوصف الإجرائي للحكم حيث يجب أن يكون الحكم نهائيا وهذه هي القاعدة، إلا أنه يجوز تنفيذ الحكم ولو لم يكن نهائيا إذا كان مشمولا بالنفاذ المعجل، وهذا هو الاستثناء.

_______________

1- عبارة الأحكام القضائية واسعة فهي تشمل أحكام المحاكم الابتدائية وقرارات المجالس القضائية، والمحكمة العليا، وأوامر المحاكم والمجالس، وكذا قرارات المحاكم الإدارية ومجلس الدولة.

2- وجدي شفيق فرج المحامي: الموسوعة القضائية الحديثة في صيغ الدعاوى والعقود والتشريعات القانونية، المجلد الأول، دار محمود للنشر والتوزيع، القاهرة (الطبعة بدون تاريخ)، ص 257.

3- أنظر: – عزمي عبد الفتاح: قواعد التنفيذ، ص 276.

– الطيب برادة: التنفيذ الجبري في التشريع المغربي بين النظرية والتطبيق، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط 1988 ، ص 77.

– محمد حسنين: طرق التنفيذ في قانون الإجراءات المدنية الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1982 ، ص 43.

4- أنظر: – لحسين بن شيخ: مقدمات التنفيذ الجبري” بحث منشور بمجلة بحوث في القانون ، دار هومة للطباعة والنشر

. الج ا زئر 2003 ، ص 217

– عزمي عبد الفتاح: قواعد التنفيذ الجبري في قانون المرافعات المصري، دار النهضة العربية، القاهرة 2001 ص 177.

– محمد حسنين: طرق التنفيذ، ص43.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .