فيما يتعلق بحق الاجانب بممارسة المهن والحرف ، فأن المعاملة بالمثل ، شأنها في ذلك ، شأن المعاملة بالمثل اللازمة لممارسة الاجانب لحق العمل ، تلعب الدور نفسه فيما يتعلق بتنظيم ممارستها من قبل الاجانب . ومن هذه المهن او الحرف على سبيل المثال : التجارة ، المحاماة ، الطب ، الصيدلة ، والخ … من المهن والحرف الكثيرة . فهنا نرى المشرع المصري ، يشترط تحقق مبدأ المعاملة بالمثل كشرط عام لممارسة الاجانب لأغلب الحرف والمهن الحرة في مصر فعل سبيل المثال ، بالنسبة لمهنة المحاماة ، يستلزم قانون المحاماة المصري رقم (61) لسنة 1968 ، فيمن يدرج اسمه بجدول المحامين المصري ، ان يكون مصري الجنسية او متمتعاً بجنسية احدى الدول العربية بشرط المعاملة بالمثل(1). ونلاحظ هنا ان المشرع المصري لم يورد قيد المعاملة بالمثل ، بالنسبة للأجانب بشكل عام ، بل قصره على رعايا الدول العربية فقط أي انه اجاز لرعايا الدول العربية فقط بممارسة مهنة المحاماة في مصر وذلك اذا كانت دولهم تعامل المصريين بالمثل ، ولكنه اشترط ايضاً الى جانب المعاملة بالمثل أن يكون ترافع المحامين العرب امام المحاكم المصرية في الدرجة المقابلة للدرجة المقررين للمرافعة فيها في بلدانهم وذلك بشرط الاشتراك مع محام مصري ، وبأذن خاص من مجلس نقابة المحامين(2).

أما الاجانب من غير رعايا الدول العربية ، فمنعهم المشرع المصري من ممارسة المحاماة سواء اتحققت المعاملة بالمثل ام لا . وبالنسبة لمهنة الطب ، فقد اشترط قانون مزاولة مهنة الطب المصري رقم 415 لسنة 1954 ، ان يكون الطبيب مصري الجنسية ، ومع ذلك يجوز للأجنبي مزاولة مهنة الطب في مصر في جميع الاحوال ، اذا كان قانون الدولة التي ينتمي اليها هذا الاجنبي يجيز للمصريين مزاولة هذه المهنة بها(3). أي شرط المعاملة التشريعية بالمثل(4). نلاحظ هنا ، بأن المشرع المصري ، قد خص المعاملة بالمثل هنا على الاجانب بشكل عام على عكس الحالة السابقة والتي خص بها رعايا الدول العربية فقط . وكذلك نهج المشرع المصري النهج نفسه بالنسبة لمهن الصيدلة وطب الاسنان والطب البيطري. فقد اشترط القانون 127 لسنة 1955 بشأن مهنة الصيدلة ، ان يكون من يزاولها مصري الجنسية او من بلد تجيز قوانينه للمصريين الاشتغال بها . أي مبدأ المعاملة التشريعية بالمثل ، وذلك باستثناء الاجانب الذين التحقوا بالجامعات المصرية قبل العمل بهذا القانون(5).

والامر نفسه بالنسبة لمهنة طب الاسنان ، حيث استلزم القانون رقم (537) لسنة 1954 بشأن مهنة طب الاسنان ، فيمن يمارس مهنة طب الاسنان في مصر ان يكون مصرياً ، ومع ذلك يجوز للأجانب بصفة عامة ممارسة المهنة دون التقيد بالشروط المنصوص عليها في القانون المذكور وذلك بشرط المعاملة التشريعية بالمثل ، أي شرط ان يكون قانون الدولة التي يتبعها الاجنبي يسمح للأطباء المصريين بممارسة مهنة طب الاسنان هناك(6). والحكم نفسه ايضاً يطبق بشأن ممارسة الاجانب لمهنة الطب البيطري في مصر، بموجب القانون رقم 416 لسنة 1954 ، أي شرط تحقق مبدأ المعاملة التشريعية بالمثل(7). أما المشرع العراقي ، فأن موقفه لم يختلف عن موقف المشرع المصري ، بل سار معه في نفس المسار ، من تقييد ممارسة الاجانب لبعض الحرف والمهن في العراق على تحقق مبدأ المعاملة بالمثل . فبالنسبة لمهنة المحاماة ، اشترط قانون المحاماة العراقي رقم (173) لسنة 1965 والمعدل بالقانون المرقم (15) لسنة 1997 ، تحقق مبدأ المعاملة بالمثل ، فيما يتعلق بترافع المحامين العرب (حصراً) امام المحاكم العراقية ، حيث نصت الفقرة (أ) من المادة الثالثة من هذا القانون على انه : (يحق للمحامي المنتسب لاحدى نقابات المحامين في الاقطار العربية ان يترافع في ” قضايا معينة ” اما محاكم العراق في الدرجة المقابلة بعد التثبت من استمراره على ممارسة المحاماة ، شرط المقابلة بالمثل وموافقة النقيب …) . وكذلك بالنسبة لمزاولة مهنة الطب في العراق ، حيث اجازت المادة (45) من قانون نقابة الاطباء العراقي رقم (81) لسنة 1984 ، للعرب والاجانب بمزاولة مهنة الطب في العراق – شرط ان لا يكونوا قد حرموا من حق الممارسة في بلادهم بسبب اساءتهم للمهنة – وممن تعامل بلادهم العراق بالمثل .

ولم يحدد المشرع العراقي فيما اذا كانت هذه المعاملة تتحقق دبلوماسياً ام تشريعياً ام فعلياً . ونفس هذا الامر بالنسبة لمهنة طب الاسنان ، حيث اشترط قانون نقابة اطباء الاسنان رقم 446 لسنة 1987 ، ان يكون عضو النقابة عراقي الجنسية ، اما العرب والاجانب فيجوز قبول انتسابهم ، شرط ان لا يكونوا قد حرموا من حق الممارسة في بلادهم بسبب اساءتهم للمهنة ، وممن تعامل بلادهم العراق بالمثل. دون ان يحدد كذلك الكيفية التي تتحقق فيها مبدأ المعاملة بالمثل ، من دبلوماسية او تشريعية ام فعلية. اما بالنسبة لمهنة الصيدلة ، فأن المشرع العراقي منع الاجانب من مزاولة هذه المهنة وبغض النظر عن تحقق مبدأ المعاملة بالمثل من عدمه ، وبموجب قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 444 لسنة 1984 والمعدل بالقانون المرقم (27) لسنة 1996 ، وعلى خلاف المشرع المصري الذي اخضع امكانية ممارسة الاجانب لهذه المهنة على مبدأ المعاملة بالمثل ايضاً . ولا ندري ما الحكمة من وراء عدم اشتراط المشرع العراقي لمبدأ المعاملة بالمثل بالنسبة لمزاولة هذه المهنة دون المهن الطبية الاخرى والتي اشترط لممارستها تحقق مبدأ المعاملة بالمثل .

وقد حدا المشرع الاردني حدو المشرعين المصري والعراقي ، باشتراطه تحقق مبدأ المعاملة بالمثل ، كشرط للجواز للاجانب بممارسة بعض المهن في المملكة الاردنية ، فعلى سبيل المثال ، نصت المادة الثانية عشر من قانون نقابة المهندسين الاردنيين رقم 15 لسنة 1972 ، بالجواز للمهندسين من رعايا الدول العربية حق ممارسة المهنة في المملكة الاردنية ، بعد ان تتوفر مجموعة من الشروط لذلك ومن بين هذه الشروط ، شرط المعاملة بالمثل(8). يلاحظ ، ان المشرع الاردني ، قد اجاز لرعايا الدول العربية فقط ، من ممارسة مهنة الهندسة في الاردن – وعلى اساس المعاملة التشريعية بالمثل – دون الاجانب من جنسيات غير عربية . كذلك بالنسبة لمهنة الطب ، فقد اجاز قانون نقابة الاطباء الاردني رقم (13) لسنة 1972 ، لغير الاردنيين بممارسة مهنة الطب في الاردن ، ولكن بعد تحقق شرط المعاملة بالمثل ، ونصت على ذلك المادة الثامنة من القانون المذكور ، باستثنائها الاطباء غير الاردنيين الذين يحق لهم بممارسة المهنة في الاردن ، وهؤلاء الاطباء ، هم (9):-

1-الاطباء العرب ، اذا كانوا مسجلين في نقابة الاطباء لأي بلد عربي ومرخصين للعمل فيه ، بشرط المعاملة بالمثل .

2-الاطباء الاجانب ، اذا كانوا مرخصين للممارسة في بلادهم وبشرط المعاملة بالمثل. وبذلك يكون المشرع الاردني ، قد اجاز للاطباء العرب والاجانب بممارسة الطب في الاردن – على اساس المعاملة بالمثل – عكس الحالة السابقة ، والتي حصر جواز ممارستها لرعايا الدول العربية دون الاجانب غير العرب .

وساد نفس هذا الاتجاه في القانون الفرنسي ، حيث اشترط مبدأ المعاملة التشريعية بالمثل كشرط للاجازة للاجنبي بممارسة سائر الانشطة المهنية في فرنسا ، وذلك بموجب القانون الصادر في 17 حزيران 1938 ، والذي حظر على الاجانب بممارسة أي نشاط صناعي او تجاري او حرفي في فرنسا ، اذا لم يتم السماح للفرنسيين بأن يمارسوا النشاط نفسه او الحرفة نفسها ، في دول هؤلاء الاجانب ، وذلك بان يتضمن القانون الاجنبي لنص مشابه قابل التطبيق على الفرنسيين ، دون ان يتطلب الامر وجود معاهدة تمنح هذا القانون صفة الالتزام الدولي(10).

__________________

[1]- د. عوض الله شيبه الحمد السيد ، مصدر سابق ، ص251 ؛ وانظر في ذلك ايضاً : د. ابراهيم احمد إبراهيم ، مصدر سابق ، ص160.

2- د. احمد ابو الوفا ، المرافعات المدنية والتجارية ، ط13 ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1980 ، ص100.

3- د. ابراهيم احمد ابراهيم ، مصدر سابق ، ص160.

4- د. محمد كمال فهمي ، مصدر سابق ، ص307.

5- راجع : د. عوض الله شيبه الحمد سيد ، مصدر سابق ، ص552 ؛ وانظر ايضاً : د. محمد كمال فهمي، مصدر سابق ، ص107.

6- د. ابراهيم احمد ابراهيم ، مصدر سابق ، ص167 ؛ وانظر أيضاً : د. هشام علي صادق ، الجنسية والموطن ومركز الاجانب ، مصدر سابق ، ص287.

7- د. ابراهيم احمد ابراهيم ، مصدر سابق ، ص161 .

8- والشروط التي حددتها المادة (12) من قانون نقابة المهندسين الاردني ، هي :

أ- ان تتوافر فيه الشروط المنصوص عليها في الفقرات ب ، ج ، د من المادة العاشرة .

ب-ان يكون قد مارس المهنة خمس سنوات على الاقل بعد تخرجه .

ج-ان تسمح قوانين بلادهم للمهندسين الاردنيين بمزاولة المهنة فيها .

د-ان يتقيد بقوانين النقابة .

راجع : د. جابر ابراهيم الراوي ، القانون الدولي الخاص في احكام مركز الاجانب في القانون الاردني، مصدر سابق ، ص151 .

9- راجع : نفس المصدر اعلاه ، ص151 .

-10 Henri Batiffol، Droit international Prive، Tom I ،Op. Cit.، pp. 221-222.

المؤلف : مراد صائب محمود البياتي
الكتاب أو المصدر : مبدأ المعاملة بالمثل في مجال المركز القانوني للأجانب
الجزء والصفحة : ص114-118

اعادة نشر بواسطة محاماة نت