معظم تشريعات الدول الحاضرة اعترفت للأجانب بحق تلقي الاموال من الوطنيين عن طريق الميراث والوصية ، غير ان هذا الحق لما كان له من صلة بالمسائل المالية التي تتعلق بالثروة الوطنية العامة ، بوصفها من وسائل انتقال ملكية الاموال ، كان من حق كل دولة ان تتدخل في تنظيم التوارث بين الاجانب والوطنيين ، بحيث لا تجيز خروج شيء من ثروتها الى الوارثين الاجانب دون ان تضمن دخول ما يقابله من الباب نفسه ، مشترطة بذلك تحقق مبدأ المعاملة بالمثل كشرط لاستحقاق الوارث او الموصى له الاجنبي ، لنصيبه من الارث او المال الموصى به(1). وقد تبنى كل من القانون المصري والعراقي والفرنسي ، وقوانين دول اخرى(2). مبدأ المعاملة بالمثل ، كشرط لصحة تلقي الاجانب الاموال عن طريق الميراث والوصية . فبالنسبة للقانون المصري ، نصت المادة (6) من قانون المواريث المصري رقم 77 لسنة 1943 ، على انه : (لا توارث بين مسلم وغير مسلم ، ويتوارث غير المصريين بعضهم من بعض ، واختلاف الدارين لا يمنع من الارث بين المسلمين ولا يمنع بين غير المسلمين الا اذا كانت شريعة الدار الاجنبية تمنع من توريث الاجنبي عنها) . يلاحظ ان المشرع المصري قد أعتد بمبدأ هام من مبادئ الشريعة الاسلامية الغراء ، الا وهو (لا توارث بين مسلم وغير مسلم) ، استناداً الى الحديث المروي عن اسامة بن زيدt عن النبي e انه قال : (لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم)(3). وما رواه ابو داود عن النبيe انه قال : (لا يتوارث اهل ملتين شتى)(4) . والمتضح من النص ، ان المشرع المصري قد حصر حالة التوارث في حالتين:

الحالة الاولى – اذا كان التوارث بين مصري مسلم واجنبي مسلم ، أجاز المشرع المصري التوارث في هذه الحالة دون ان يعلق ذلك على مبدأ المعاملة بالمثل ، على خلاف القانون العراقي وبقية القوانين الاخرى.

احالة الثانية – اذا كان التوارث بين مصري غير مسلم واجنبي غير مسلم ، ففي هذه الحالة ، علق المشرع المصري صحة التوارث على تحقق شرط المعاملة التشريعية بالمثل ، بين القانون المصري وقانون الدولة الاجنبية التي ينتمي اليها الاجنبي(5).

حيث يجب على القاضي المصري في هذه الحالة ان يرجع الى قوانين الدولة التي ينتمي اليها الوارث الاجنبي ، ليتأكد بنصوص قانونية ، من ان القوانين في ذلك البلد الاجنبي لا تمنع الاجانب من الميراث لديها ، ومتى ما تسنى له التأكد من ان قوانين تلك الدولة الاجنبية لا تحرم الوارثين الاجانب بشكل عام او الوارثين المصريين بشكل خاص من حصصهم الارثية من الاموال الموجودة لديها، اتيح عندئذٍ للقاضي المصري ان يمنح الحق ذاته لرعايا تلك الدولة الاجنبية الموجودة لديها ، تأسيساً على مبدأ المعاملة التشريعية بالمثل . اما بالنسبة للوصية ، فان المشرع المصري قد اعتنق مبدأ المعاملة التشريعية بالمثل في هذا الصدد ايضاً ، فقضى بعدم جواز الايصاء اذا كان الموصى له غير مسلم تابع لبلد غير اسلامي يمنع قانونها الايصاء لمثل الموصي(6). وقد نصت على ذلك المادة التاسعة من قانون الوصية المصري رقم 71 لسنة 1946 بقولها : (تصح الوصية مع اختلاف الدين والملة وتصح مع اختلاف الدارين ما لم يكن الموصي تابعاً لبلد اسلامي والموصى له غير مسلم تابع لبلد غير اسلامي تمنع شريعته من الوصية لمثل الموصي) . نستنتج مما تقدم ، ان المشرع المصري عند اشتراطه لمبدأ المعاملة بالمثل، سواء في الميراث ام في الوصية ، لم يقرر اية تفرقة بين العقارات والمنقولات فيما يتعلق بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل ، حيث ان هذه المعاملة تطبق سواء اكان المال محل الارث ام الوصية عقاراً ام منقولاً . اما بالنسبة لموقف المشرع العراقي من مبدأ المعاملة بالمثل في مسائل الميراث والوصية ، فأنه بدوره أيضاً اخضع مكنة تمتع الاجنبي بحق الارث والوصية على مبدأ المعاملة بالمثل .

فبالنسبة للميراث ، نصت المادة (22) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 ، على انه : (أ- اختلاف الجنسية غير مانع من الارث في الاموال المنقولة والعقارات ، غير ان العراقي لا يرثه من الاجانب الا من كان قانون دولته يورث العراقي منه) . والمعاملة التشريعية بالمثل التي اشترطها المشرع العراقي ، كشرط لتمتع الاجنبي بحق الارث في العراق ، تشمل العقارات والمنقولات كما يتضح من نص المادة، وبالنسبة للعقار ، فأن المادة (188) من قانون التسجيل العقاري العراقي ، نصت بدورها أيضاً على مبدأ المعاملة كشرط لتسجيل العقار باسم الوارث الاجنبي في العراق(7). حيث نصت هذه المادة على انه :- (يجوز تسجيل العقار باسم الوارث الاجنبي من مورث عراقي استناداً لمبدأ المقابلة بالمثل ، الا انه يخضع تسجيل الارث باسم الاجنبي الى القيود القانونية المفروضة على تملك الاجنبي للعقار في العراق) . وبذلك فأن الطائفة نفسها من العقارات التي تدخل في نطاق المعاملة عند تملك الاجنبي للعقار في العراق بغير طريق الارث ، بموجب قانون تملك الاجنبي للعقار رقم 38 لسنة 1961 ، تدخل ايضاً في نطاق المعاملة بالمثل فيما يتعلق بتملك الاجنبي للعقار عن طريق الارث . اما بالنسبة للوصية ، فقد اشترط المشرع العراقي تحقق مبدأ المعاملة بالمثل ايضاً لصحة وصية العراقي لأجنبي ، فلم يجز المشرع العراقي صحة الوصية الصادرة من موصي عراقي لموصى له اجنبي الا اذا كانت الدولة التي ينتمي اليها الموصى له تجيز مثل هذا الحق ايضاً للعراقيين في اقليمها . وقد نصت على ذلك المادة (71) من قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم (188) لسنة 1959 المعدل ، بقولها : (تصح الوصية بالمنقول فقط مع اختلاف الدين وتصح به مع اختلاف الجنسية بشرط المقابلة بالمثل) .

وبذلك فأن المشرع العراقي قد عدّ المعاملة بالمثل احدى الشروط الموضوعية اللازمة لصحة الوصية الصادرة عن الموصي العراقي للموصى له الاجنبي(8) والتي هي عبارة عن الشروط الجوهرية او الاساسية التي يجب توافرها جميعاً ، بحيث اذا تخلف شرط واحد منها لأدى ذلك الى بطلان التصرف(9). ويتضح من النص السابق ، ان المعاملة بالمثل تشترط لصحة الوصية في الاموال المنقولة فقط ، وذلك اذا كانت الدولة التي ينتمي اليها الموصى له الاجنبي تجيز الوصية للعراقيين في الاموال المنقولة. اما العقارات ، فلم يجز المشرع العراقي صحة الوصية فيها ، وبالتالي فانها لا تدخل في نطاق المعاملة بالمثل في الوصية(10). على عكس موقف المشرع المصري والذي لم يفرق في هذا الصدد ، بين المنقولات والعقارات. ونحن نؤيد الاتجاه الذي سلكه المشرع العراقي ، ونعتقد بأنه كان موفقاً في موقفه بخصوص اجازة صحة الوصية لأجنبي في المنقولات فقط دون العقارات . وذلك بسبب ان العقار جزء لا يتجزأ من اقليم الدولة السياسي ، وركن مهم من اركان الكيان الاقتصادي للدولة ، وتمليكها للأجانب منحة غالية جداً ، بحيث يجب ان يحاط بجميع الضمانات لمصلحة الدولة ومواطنيها ، الامر الذي قد لا يتحقق فيما لو اجيز للأفراد التصرف به للأجانب بارادتهم المنفردة ، وخاصة ان الانسان معرض ان يغرر به او ان يكره على القيام بتصرف قانوني معين بشتى وسائل الضغط او التهديد ، الامر الذي يعود بمردود سلبي وخطير ، سواء في النواحي السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية. اما بالنسبة لموقف القانون الفرنسي ، فنرى ان حق الأجنبي بالميراث والوصية في فرنسا يخضع لحكم المادة (11) من القانون المدني الفرنسي المشار اليه سابقاً ، والتي اشترطت المعاملة الدبلوماسية بالمثل كشرط عام لتمتع الاجنبي بجميع الحقوق الخاصة في فرنسا ، ومن ضمن هذه الحقوق بلا شك ، حق الميراث والوصية . يبقى بعد ذلك تساؤلاً حول (المحل) الذي يتحقق به مبدأ المعاملة بالمثل في مسائل الميراث والوصية ، هل هي بالحق ام بالمقدار ؟(11) .

بتعبير أوضح ، هل يشترط لتحقق المعاملة بالمثل كشرط لتمتع الاجنبي بحقه في الميراث او الوصية ان تنص قوانين الدولة التي ينتمي اليها الاجنبي على حق الاجانب لديها بالميراث او الوصية بشكل عام ، وعلى الرغم من وجود اختلاف في مقدار المال الذي يجوز الايصاء به او في مقدار الحصص الارثية التي يقررها قانون كل من الدولتين لرعايا الاخرى ؟ ام انه يجب ان تتحقق المعاملة بالمثل في مقدار المال الموصى به او مقدار الحصص الارثية للوارث في كل دولة ؟ في الواقع ان المسألة هي مسألة تفسير للنص من اجل ابراز النية الحقيقة للمشرع من وراء الأخذ بمبدأ المعاملة بالمثل في هذا الخصوص . ونحن نتفق مع البعض(12) بأن نية المشرع تتجه غالباً الى جعل المعاملة بالمثل في هذا الخصوص تتحقق في مقدار الحصص الارثية او في مقدار المال الموصى به، بحيث يجب الرجوع الى قانون الدولة الاجنبية لمعرفة مقدار المال الجائز للإيصاء به للأجنبي او مقدار الحصة الارثية التي تجيزها للأجانب ، وفي ضوء ذلك المقدار يتم تفعيل مبدأ المعاملة بالمثل ، بحيث لا يعطى الوارث او الموصى له الاجنبي الا بمقدار الحصة التي تجيزها قوانين دولته للوارثين او الموصى لهم الاجانب في اقليمها . ” عليه فأن على القاضي العراقي عند تعرفه على الورثة الذين يشير اليهم قانون دولة المورث (القانون العراقي) ، ان يتحقق من الاحكام التي يتضمنها قانون كل وارث، وما تمنحه هذه الاحكام للوارث العراقي من حقوق ، وعلى هذا الاساس يبني المعاملة بالمثل ، بحيث لا يعطي الوارث الاجنبي الا مقدار الحصص التي تمنحها قوانين دولته للوارث العراقي”(13). وتحقيقاً للغرض نفسه ، تدخل المشرع الفرنسي ، لمصلحة الوارث الفرنسي حمايةً له من القوانين الاجنبية التي تمنع اشراك المواطن الفرنسي كلياً او جزئياً في التركة لسبب ما ، فنص المادة (2) من قانون 14 تموز لسنة 1819 ، على انه(14): (عندما توزع احدى التركات بين اجانب وفرنسيين ، يستقطع هؤلاء ، من الاموال الكائنة في فرنسا ، حصة توازي قيمة حصتهم في الاموال الكائنة في الخارج والتي يحرمون منها لسبب ما استناداً الى العرف او القوانين المحلية). مما لا شك فيه ، ان المشرع الفرنسي قد قرر ( حق الاستقطاع )(15) هذا على اساس المعاملة بالمثل وذلك لغرض تحقيق نوع من المساواة في محل الارث بين الاجانب والفرنسيين .

____________________

[1]- حامد مصطفى ، مصدر سابق ، ص161.

2- على سبيل المثال ، المادة (836) من القانون المدني السوري التي نصت على : ” لا يمنح الاجنبي حق الارث في العقارات الا اذا كانت قوانين بلاده تمنح مثل ذلك للسوريين” . راجع : د. جابر جاد عبد الرحمن ، القانون الدولي الخاص العربي ، ج3 ، معهد الدراسات العربية العالية ، 1960 ، ص287 ؛ والمادة (876) من نفس القانون التي نصت على : ” لا يمنح الاجنبي حق الاستفادة من الوصية العقارية الا اذا كانت قوانين بلاده تمنح مثل ذلك للسوريين ” وكذلك المادة (1) من القانون اللبناني الخاص بالتوارث بين مختلفي الجنسيات ، والتي نصت على : ” … يحق لرعايا الدول الاجنبية ان يرثوا عن اللبنانيين اموالهم المنقولة والثابتة بشرط ان تكون قوانين بلادهم تمنح اللبنانيين الحق نفسه”؛ وكذلك ما نصت عليه المادة (8) من قانون الارث لغير المحمديين اللبناني ، من انه (اختلاف الجنسية لا يمنع التوارث بين اللبنانيين والاجانب الا اذا كانت شريعة الاجنبي تمنع توريث اللبنانيين ، واذا كانت شريعة الاجنبي تحد من حق الارث فلا يرث الاجنبي الا بما اجازته الشريعة الاجنبية للبنانيين) .

3- الحديث اخرجه الامام البخاري في صحيحه ، في كتاب الفرائض ، (26) باب لايرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم ، الحديث 6764 في صفحة 1197 ، عن اسامة بن زيد t .

4- الحديث اخرجه ابو داود في سننه عن عبد الله بن عمرو t ، في كتاب الفرائض ، باب هل يرث المسلم الكافر ، الحديث 2911 ، ص125-126 .

5- د. محمد كمال فهمي ، مصدر سابق ، ص203 .

6- د. عوض الله شيبة الحمد سيد ، مصدر سابق ، ص271.

7- د. ممدوح عبد الكريم حافظ ، القانون الدولي الخاص وفق القانونين العراقي والمقارن ، مصدر سابق ، ص234.

8- د. ممدوح عبد الكريم حافظ ، القانون الدولي الخاص والمقارن ، مصدر سابق ، ص101 .

9- والشروط الموضوعية للوصية هي :-

1-توفر الاهلية اللازمة عند محرر الوصية وفقاً لقانونه الشخصي .

2-عدم وجود عيب في الارادة ، مثل الاكراه والاستغلال والغلط .

3-المال التي تجوز فيه الوصية .

4-الحصة او النسبة التي تجوز بها الوصية .

5-اهلية الموصى له بقبول الوصية .

6-عدم وجود سبب من اسباب الحرمان من الوصية ، كالقتل مثلاً .

7-شرط تحقق مبدأ المعاملة بالمثل ، سواء كانت بناءاً على معاهدة دولية ام التشريع . راجع : د. ممدوح عبد الكريم حافظ ، القانون الدولي الخاص والمقارن ، مصدر سابق ، ص101.

0[1]- انظر : علاء الدين خروفة ، شرح قانون الاحوال الشخصية العراقي ، ج2 ، مطبعة المعارف ، بغداد ، 1963 ، ص334. وفي نفس المعنى . انظر : محمد شفيق العاني ، احكام الأحوال الشخصية في العراق ، معهد البحوث والدراسات العربية ، 1970 ، ص154.

1[1]- د. سامي بديع منصور ود. عكاشة محمد عبد العال ، مصدر سابق ، ص293.

2[1]- المصدر اعلاه ، ص295 ؛ ود. عبد الواحد كرم، مصدر سابق ، ص55.

3[1]- د. عبد الواحد كرم ، المصدر السابق ، ص55.

4[1]- راجع : د. سامي بديع منصور ود. عكاشة محمد عبد العال ، مصدر سابق ، ص295.

5[1]- المصدر نفسه ، ص295 .

المؤلف : مراد صائب محمود البياتي
الكتاب أو المصدر : مبدأ المعاملة بالمثل في مجال المركز القانوني للأجانب
الجزء والصفحة : ص100-107

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .