منازعة تنفيذ حكم جنايات وقضاء عسكري

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 8 مايو سنة 2005م الموافق 29 من ربيع الأول سنة 1426هـ.
برئاسة السيد المستشار / ممدوح مرعي رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين ومحمد عبدالقادر عبدالله وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي والسيد عبدالمنعم حشيش.
وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسين أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 10 لسنة26 قضائية “تنازع”
المقامة من
الرائد / مجدي رشاد سعد الدين الضبع
ضد
1- السيد المستشار رئيس محكمة جنايات جنوب القاهرة
2- السيد العميد رئيس المحكمة العسكرية العليا

الإجراءات
بتاريخ السابع من يوليو سنة2004، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بفض التناقض بين الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة بتاريـخ 28/6/2003 في الجناية رقم7606 لسنة2001 المعادي والحكم الصادر في القضية رقم2708 لسنة2001 عسكرية غرب القاهرة، وبصفة مؤقتة وقف تنفيذ الحكم الأول.
وبتاريخ 30/8/2004 أمر المستشار رئيس المحكمة بوقف تنفيذ الحكم الأول.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة ..
حيث أن الوقائع ـ على ما تبين من صحيفة الدعوى، وسائر الأوراق ـ تتحصل في أن النيابة العسكرية كانت قد اتهمت المدعي في القضية رقم2708 لسنة2001 جنح عسكرية غرب القاهرة بأنه بتاريخ 9/9/2000، 21/8/2001، 27/8/2001

أولاً: بدد منقولات الزوجية المبينة وصفاً وقيمة بالأوراق والمملوكة للمجني عليها هالة رشاد محمد والمسلمة إليه على سبيل عارية الاستعمال بأن اختلسها لنفسه بنية تملكها إضراراً بمالكتها على النحو المبين

بالأوراق.

ثانياً: ضرب عمداً كلاً من المجني عليهما عايدة أحمد فرغلي ومصطفى أحمد فرغلي بأن قام بجذب الأولى من ذراعها ودفعها لتصطدم بالحائط ثم قام بدفع الثاني من أعلى درجات السلم ثم ركله في قدمه فأحدث بهما الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية.

ثالثاً: سب علانيةً كلاً من المجني عليهم هالة رشاد محمد وعايدة أحمد فرغلي ومصطفى أحمد فرغلي بأن وجه إليهم الألفاظ المبينة بالأوراق والتي تتضمن خدش الشرف والاعتبار. رابعاً: تعدى بالإيذاء الخفيف على المجني عليها هالة رشاد محمد. وطلبت النيابة العسكرية عقابه بالمـواد (171، 241/1، 242/1، 341، 377) من قانون العقوبات.
وبتاريخ 26/12/2001 قضت المحكمة العسكرية بمعاقبته بغرامة ثلاثمائة جنيه عن التهمة الثانية وببراءته من التهمتين الثالثة والرابعة، وبعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها عن التهمة الأولى، ولم يتم التصديق على الحكم، ثم أعيدت محاكمة المدعي أمام دائرة أخرى، فقضت بتاريخ 30/4/2002 ببراءة المدعي من التهمة الأولى، وبمعاقبته بغرامة ألف جنيه عن التهم الثلاث الأخيرة، فتقدم المدعي بالتماس إعادة النظر في الحكم الأخير، حيث قرر الضابط المصدق إلغاء الحكم بإدانة المدعي عن التهم الثلاث الأخيرة وإعادة محاكمته أمام دائرة أخرى، حيث قضت بتاريخ 21/11/2002 ببراءته من الاتهام، كما باشرت النيابة العامة تحقيقاً في ذات الواقعة، انتهت إلي تقديم المدعي إلي محكمة جنايات القاهرة في الجناية رقم7606 لسنة2001 المعادي المقيدة برقم4496 لسنة2002 كلي جنوب القاهرة،

متهمة إياه بأنه في يوم 27/8/2001 بدائرة قسم المعادي محافظة القاهرة ضرب عمداً مصطفى أحمد فرغلي بأن تعدى عليه بجذبه وطرحه أرضاً فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الطب الشرعي والتي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة تقدر بحوالي 15% وطليت عقابه بالمادة (240/1) من قانون العقوبات، فقضت تلك المحكمة بمعاقبته حضورياً بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وإذ ارتأى المدعي وقوع تناقض بين الحكم الصادر من المحكمة العسكرية العليا ببراءته من التهم المسندة إليه، وبين الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة والمشار إليهما آنفاً، بما يتعذر معه تنفيذهما معاً، فقد أقام الدعوى الماثلة ابتغاء فض هذا التناقض.

وحيث أنه من المقرر ـ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ أن مناط قبول طلب الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين طبقاً للبند ثالثاً من المادة”25″ من قانون المحكمة العسكرية العليا الصادر بالقانون رقم48 لسنة1979،

هو أن يكون أحد الحكمين صادراً من أية جهة من جهات القضاء أو من هيئة ذات اختصاص قضائي، والآخر من جهة أخرى منها، وأن يكونا قد حسما النزاع وتناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معاً، بما مفاده أن يكون الحكمان قد اتحدا موضوعاً، والمقصود بذلك ـ في القضايا الجنائية ـ وحدة الواقع أو وحدة الأفعال الإجرامية في كلا الحكمين، وأن المعيار الذي يتخذ أساساً لوحدة الواقعة في هذه الحالة، هو عناصر هذه الواقعة من سلوك ونتيجة وعلاقة سببية بينهما، وما تحوطها من ملابسات كما فصل فيها الحكمان، وتحدد صورة الواقعة لا بحسب صورتها في قرار الاتهام، ولكن بحسب الظروف التي رأت المحكمة أنها الصورة الصحيحة،

فمحكمة الموضوع وهي تفصل في الدعوى غير مقيدة بالواقعة في نطاقها الضيق المرسوم في وصف التهمة المحالة إليها، بل من واجبها النظر في الواقعة على حقيقته، وأن تنزل عليها الوصف القانوني الصحيح لها، ولا يهم بعد ذلك أن تكون المحكمة قد فصلت في تلك الصورة على وجه صحيح أم لا، طالما كان في مكنتها ذلك، ومن المقرر ـ كذلك ـ أن الاختلاف الناتج في تدرج النتيجة الإجرامية لا يعد مغايرة في الواقعة، ومن ثم فلا عبرة في وحدة الواقعة بالوصف القانوني المعطى لها،

سواء كان الحكمان قد صدر كل منهما صحيحاً مطابقاً للقانون أم انطوى أحدهما ـ أو كلاهما ـ على خطأ في تطبيق القانون على الواقعة، متى كان ذلك، وكان البين من الصورة الرسمية للحكمين المشار إليهما آنفاً، أن المحكمة العسكرية العليا قضت بتاريخ 21/11/2002 في القضية رقم2708 لسنة2001 جنح عسكرية غرب القاهرة ببراءة المدعي من جميع الاتهامات المسندة إليه ومن بينها اتهامه بجنحة ضرب المجني عليه مصطفى أحمد فرغلي بتاريخ 27/8/2001 والمعاقب عليها بمقتضى المادة “241/1” عقوبات،

بينما الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة بتاريخ 28/6/2003 بإدانة المدعي عن ذات الواقعة ولكن بوصف آخر معاقب عليه بعقوبة الجناية بمقتضى المادة “240/1” عقوبات، بعد أن استقرت إصابة المجني عليه وأسفر عنها تخلف عاهة مستديمة، ومن ثم فإن هذين الحكمين يكونان قد اتحدا موضوعاً وغدا إنفاذ قضائهما معاً متعذراً، وبالتالي في مناط التناقض يكون متحققاً، ولا يؤثر في هذا النظر أن يكون الحكمان ـ أو أحدهما ـ قد أخطأ في إسباغ الوصف القانوني الصحيح على الواقعة موضوع الاتهام، خاصةً وأن تصحيح هذا الخطأ هو مما يخرج عن حدود ولاية هذه المحكمة ولا شأن لها به.

وحيث أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المفاضلة التي تجريها المحكمة بين الحكمين النهائيين المتناقضين لتحدد على ضوئها أيهما أحق بالاعتداد به عند التنفيذ، إنما يتم على أساس ما قرره المشرع من قواعد لتوزيع الولاية بين جهات القضاء المختلفة.

وحيث أن المادة “4” من قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة1996 المعدلة بالقانون رقم46 لسنة1979 تنص على أن “يخضع لأحكام هذا القانون: 1- ضباط القوات المسلحة الرئيسية والفرعية والإضافية … 2- … 3- ….، كما تنص المادة السابعة من القانون ذاته على أن: “تسري أحكام هذا القانون أيضاً على ما يأتي: 1- كافة الجرائم التي ترتكب من أو ضد الأشخاص الخاضعين لأحكامه متى وقعت بسبب تأديتهم أعمال وظيفتهم. 2- كافة الجرائم التي ترتكب من الأشخاص الخاضعين لأحكامه إذا لم يكن فيها شريك أو مساهم من غير الخاضعين لأحكام هذا القانون”، ومفاد ذلك أن القضاء العسكري يختص وحده بمحاكمة ضباط القوات المسلحة عن كافة الجرائم إذا لم يكن فيها شريك أو مساهم من غير الخاضعين لقانون الأحكام العسكرية.

وحيث أنه متى كان ذلك، وكان الحكم الصادر من القضاء العادي قد قضى بإدانة المدعي ـ وهو ضابط بالقوات المسلحة، عن تهمة الضرب المسندة إليه، ودون أن يكون معه شريك أو مساهم في الجريمة، فإنه يكون قد سلب اختصاصاً مقرراً للقضاء العسكري، ومن ثم يكون الحكم الصادر من الجهة الأخيرة هو الأحق بالاعتداد به.
فلهذه الأسباب
حكمــت المحكمــة بالاعــتداد بالحكم الصادر من المحكمة العسكرية بتاريخ 21/11/2002 في القضية رقم2708 لسنة2001 جنح عسكرية غرب القاهرة، دون الحكم الصادر بتاريخ 28/6/2003 من محكمة جنايات القاهرة في الجناية رقم7606 لسنة2001 المعادي المقيدة برقم 4496 لسنة2002 كلي جنوب القاهرة