حجية القرائن القانونية

ليست القرينة القانونية الا حجة يقيمها المشرع، فاذا لم يقم الدليل بوجه عام على صحة هذه الحجة، فهي لا تعدو ان تكون احتمالا يصح فيه الخطأ في بعض الأحوال، لذلك يكون الاصل جواز اقامة الدليل العكسي لنفي القرينة، فيما عدا الأحوال التي ينص فيها القانون صراحة على عدم جواز ذلك، والأحوال التي تؤسس فيها القرينة على النظام العام (1). وعندما نقول، بالامكان اثبات خلاف القرينة القانونية، فليس معنى ذلك اثبات عكس القرينة التي قررها المشرع بوصفها قاعدة تشريعية او مناقشة الاستنباط الذي قرره المشرع بوجه عام بقصد اظهار عدم صحته، مما يوحي بان ذلك اعتراض على القاعدة التي قررها المشرع، ان يؤدي الأمر بنا الى نسخ النص القانوني الذي اقام القرينة القانونية، لذلك يقصد بأثبات خلاف القرينة القانونية، اثبات خلاف الحالة الخاصة التي يكون الخصم بصددها، اي عدم مطابقتها للواقع في القضية المطروحة في النزاع، والتي يتمسك احد الخصمين بتلك القرينة، كما ان للخصم الذي يحتج عليه بالقرينة القانونية، ان ينازع أيضاً في توفر الشروط التي يتطلبها القانون لقيامها، وان يدحض أدلة خصمه في هذا الشأن (2). فلا يجوز للمحكمة ان تأخذ بالقرينة القانونية الا بعد ان تسمح للخصم اثبات خلافها، فان لم يفعل، او عجز عن ذلك، ففي هذه الحالة لا يكون للمحكمة محيد من الاخذ بها، وليس لها حق تقدير مطابقتها للواقع من عدمه (3).

والقرينة القانونية البسيطة يمكن اثبات خلافها بإقرار من تقررت القرينة لمصلحته او بنكوله عن اليمين، وكذلك بالكتابة او بمبدأ الثبوت بالكتابة معزز بالشهادة او القرائن القضائية. واذا استخدمت القرينة البسيطة في اثبات واقعة مادية او تصرف قانوني لا تزيد قيمته على خمسة الاف ديناراً، فيمكن اثبات عكسها بالشهادة او بالقرائن القضائية، اما اذا كانت قيمة التصرف تزيد على خمسة الاف دينارا او كان التصرف غير محدد القيمة، فان البعض يرى جواز اثبات عكس القرينة القانونية بالشهادة او بالقرائن القضائية في جميع الحالات، لان القرينة تنقض بقرينة مثلها، وذلك استنادا الى مبدأ المساواة في الاثبات، ومقتضاه ما يجوز اثباته بقرينة يجوز نفيه بقرينة، اذ انه ليس من المساواة والعدل في شيء ان نعفي خصما من الاثبات بناء على قرينة قانونية غير قاطعة، ونحرم خصمه من اثبات ما ينقض هذه القرينة بجميع الطرق بما فيها الشهادة، والقرائن القضائية (4). في حين يرى البعض الآخر، أنه لا يجوز اثبات خلاف القرينة القانونية البسيطة بالشهادة او القرائن القضائية، الا في الحالات التي يجوز فيها الاثبات بهذين الطريقين من طرق الاثبات، لأنه متى تقرر ان القرينة القانونية تعفي من الاثبات، ترتب على ذلك ان من تقررت لمصلحته هذه القرينة، يعتبر انه قدم اثباتا كاملا على ما يدعيه، وكانت النتيجة ان الخصم الاخر أصبح هو المكلف بالإثبات فعليه ان يعارض الدليل بالدليل، وان يفعل وفقا للقواعد العامة في الاثبات، لان القانون لم ينص على شيء يخالف هذه القواعد في هذه المسألة (5). اما القرينة القانونية القاطعة فهي اما قرائن تتعلق بالنظام العام، تستهدف حماية المصلحة العامة، وهذه القرائن لا يجوز دحضها بأي دليل عكسي، سواء كان اقرار او يمينا، لان هذين الطريقين من طرق الاثبات لا يجوز قبولهما فيما هو يعد من النظام العام، فيبقى الحكم قرينة قاطعة على ما قضى به، حتى لو أقر من صدر الحكم لمصلحته بأنه حكم خاطئ (6). او قرائن لا تتعلق بالنظام العام وقد وضعت لحماية مصلحة خاصة وهذه تقبل اثبات العكس بالإقرار واليمين وعلى هذا نصت المادة 101 من قانون الاثبات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ج3 ص418.

2-السنهوري، فقرة 338 ص925. حسين المؤمن ج4 ص107 – 108.

3-مرقس، اصول الاثبات، فقرة 287 ص122.

4-مرقس، من طرق الاثبات ج3 فقرة 289 ص118. أحمد نشأت فقرة 745 ص304. السنهوري ج2 فقرة 339 ص672 ويشير الى مؤلفه الموجز فقرة 702 ثم عدل عن هذا الرأي الى الرأي الاخير.

5-السنهوري، فقرة 339 ص682. النداوي، دور الحاكم المدني ص391.

6-مرقس، اصول الاثبات، فقرة 288 ص125.

حجية المعاينة

يعد الاثبات بالمعاينة من الادلة المباشرة ويقتصر على الوقائع المادية، ويعتبر من اهم طرق اثباتها فالاثبات به لا يكون الا حيث يجوز الاثبات بالشهادة، لان الدليل الكتابي متعذر وجوده بشكل مباشر في الوقائع المادية، ومع ذلك يجوز الاستعانة بالكتابة للاستدلال على ثبوت هذه الوقائع (1) وللمحكمة ان تتخذ من تقرير المعاينة سببا لحكمها (م 131 – اثبات) اما احتجاج الخصم بوجود نقص او عيب في محضر الكشف، فيجب ابداؤه لدى محكمة الموضوع فاذا لم يتمسك الخصم بشيء في صدده وناقش في موضوعه كان ذلك اسقاطا منه لحقه في هذا الدفع (2). ولا شك ان المحكمة من عدم بيان المحكمة لرأيها الخاص وانطباعاتها عن المعاينة في المحضر، ترجع الى ان جميع ما يثبت في المحضر يعد دليلا قائما في الدعوى ويتحتم على المحكمة ان تقول كلمتها فيه عند اعداد قرار الحكم (3). واخيراً لابد من الاشارة الى الخلاف الذي ثار بين الفقهاء حول ما اذا كانت المعاينة تعد طريقاً من طرق الاثبات ام أنها من الاجراءات العامة التي تخدم مختلف طرق الاثبات ولا تعد طريقاً للاثبات قائما بذاتها (4). ولدى الرجوع الى قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 يتبين ان المشرع خصص الفصل السابع لاحكام المعاينة ضمن الباب الثاني المعنون (طرق الاثبات) وبذلك حسم المشرع العراقي كون المعاينة طريقا من طرق الاثبات، ومن ثم للمحكمة ان تتخذ من تقرير المعاينة سبباً لحكمها، (م 131 – اثبات).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-حسين المؤمن ج1 ص74. مرقس، من طرق الاثبات، ج3 فقرة 225 ص286.

2-حسين المؤمن ج4 ص269.

3-العبودي، أحكام ص396.

4-الدكتور عبد الوهاب العشماوي، اجراءات الاثبات في المواد المدنية والتجارية، القاهرة 1985 ص210.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .