إن أجرة المثل في عقد الإيجار هي أجرة عين مماثلة للعين المؤجرة التي يراد تقدير أجرتها سواء كانت العين المؤجرة من الأشياء المثلية أو من الأشياء القيمية(1) ، وبناءاً على ذلك إذا كانت العين المؤجرة من العقارات فلا بد من الأخذ بنظر الاعتبار جميع المواصفات التي يتسم بها ذلك العقار مثال ذلك حالته ومساحته ودرجة عمرانه والأجور السائدة للعقارات الأخرى في المنطقة التي يقع فيها وهكذا ، ويتولى القاضي تحديد أجرة المثل مستعيناً برأي أهل الخبرة(2) ، وذلك من خلال إجراء الكشف على موقع العين المؤجرة والإطلاع على محتوياتها ومشتملاتها والمزايا الملازمة لها من قدم البناء وحداثته ومن قربه أو بعده من قلب المدنية ومن توافر الهاتف من عدمه وما شاكل ، وهذا ما أشارت إليه محكمة التمييز العراقية بقولها (يجب ان يراعى في تقدير أجرة مثل القطعة موقعها وقربها من المدينة والمحاصيل التي يمكن زراعتها فيها)(3) . وان على قاضي الموضوع ان يستأنس ببدلات الإيجار للعقارات المماثلة في الرقعة المكانية التي تقع فيها العين المؤجرة ، إذ ان تحديد مسألة التماثل بين العين المؤجرة والعقارات الأخرى من مسائل الواقع التي تستقل فيها محكمة الموضوع وهذا ما قضت به محكمة النقض المصرية بقولها (ان تقدير التماثل بين الشقة المؤجرة وشقة المثل من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع متى كان استخلاصه سائغاً ومؤدياً إلى النتيجة)(4) ، وعلى المحكمة ان تأخذ بعين الاعتبار ما تحتويه العين المؤجرة من خدمات وملحقات فان وجدت فروقاً بين العين المؤجرة والعين المماثلة لها فينبغي عليها تقدير هذه الفروق ومراعاتها عند تحديد أجرة المثل وهذا ما قضت به محكمة النقض المصرية بقولها (لمحكمة الموضوع سلطة تقدير التماثل بين شقة النزاع وعين المثل مع مراعاة الفروق المؤثرة على تحديد الأجرة)(5) وان على قاضي الموضوع ان يستأنس مسترشداً بالأجرة المحددة في عقود الإيجار السابقة للأعيان المماثلة أو في عقود الإيجار السابقة للعين المؤجرة نفسها أو في عقود الإيجار اللاحقة للعين المؤجرة ذاتها والتي أبرمت بعد عقد الإيجار موضوع النزاع(6) . وعلى هذا فان مسألة تحديد أجرة المثل من المسائل النسبية التي يختلف تقديرها باختلاف الأزمنة والأمكنة ويعزى سبب ذلك إلى اختلاف المعايير التي من خلالها يتم التوصل إلى أجرة المثل الحقيقية وعلى القاضي ان يراعي عند قيامه في تحديد أجرة المثل ما إذا كانت التشريعات الخاصة (الاستثنائية) قد وضعت حداً أقصى للأجرة أم لا . قبل الانتهاء من هذا الموضوع بقي سؤال مهم لابد من طرحه هنا وهو ما هو الزمان والمكان الذي تقدر فيهما أجرة المثل ؟ للإجابة على هذا السؤال نقول لتحديد أجرة المثل ينبغي علينا ان نحدد الوقت الذي يرجع إليه في تحديد أجرة المثل والمكان الذي تقدر فيه . فبالنسبة للوقت الذي تحدد فيه أجرة المثل فلا توجد أية مشكلة بالنسبة للزمان الذي يعتمد عليه في تحديد أجرة المثل وذلك لان أغلبية شراح القانون(7) اتفقوا على ان الوقت الذي تقدر فيه أجرة المثل هو الوقت الذي تم فيه إبرام عقد الإيجار وليس هو الوقت الذي يتم فيه تقدير الأجرة، الا إنهم اختلفوا حول المكان الذي يجب ان تقدر فيه أجرة المثل ولهم في ذلك أربعة آراء :

الرأي الأول:

يذهب بعض شراح القانون (8) إلى ان المكان الذي تقدر فيه أجرة المثل هو المكان الذي توجد فيه العين المؤجرة إذا كانت من العقارات ، والمكان الذي ابرم فيه عقد الإيجار إذا كانت العين المؤجرة من المنقولات، هذا ما اتجهت إليه محكمة التمييز العراقية بقولها (ان أجرة المثل تحددها المحكمة … في مكان الشيء المؤجر إذا كان عقاراً أو مكان العقد إذا كان المأجور منقولاً) (9) .

الرأي الثاني :

ويرى من قال به(10) ان المكان الذي تقدر فيه أجرة المثل هو المكان الذي توجد فيه العين المؤجرة إذا كان عقاراً ، ومكان تسليم المنقول إذا كانت العين المؤجرة منقولاً ، وبذلك فان هذا الرأي لا يتقاطع من الرأي الأول الا بالنسبة للمنقول إذ ان الرأي الأول يرى ان المكان الذي تقدر فيه أجرة المثل هو المكان الذي ابرم فيه العقد وهذا الرأي يرى بأنه المكان الذي يتم تسليم المنقول فيه .

الرأي الثالث:

قال به احد شراح القانون(11) ويرى ان المكان الذي يتم فيه تقدير أجرة المثل هو المكان الذي ابرم فيه عقد الإيجار ويستوي الأمر في ذلك إذا كانت العين المؤجرة من العقارات أو من المنقولات.

الرأي الرابع:

قال به احد شراح القانون(12) ويرى ان مسألة تحديد المكان الذي تقدر فيه أجرة المثل تستلزم الرجوع إلى القواعد العامة التي تقضي بان الأجرة تقابل الانتفاع فيجب ان يكون تقديرها بحسب الجاري أو ما يجري عليه العمل في مكان الانتفاع ، فبالنسبة للعقارات لا توجد أية صعوبة في تحديد مكان الانتفاع بها وذلك لان هذا المكان هو المكان الذي تقع فيه ، أما بالنسبة للمنقولات فيصعب تحديد مكان الانتفاع بها وذلك لأنه قد يكون مكان إبرام العقد أو قد يكون مكان تسليمها بوصفه المكان الذي يبدأ فيه الانتفاع لان المنقول لا يكون ثابتاً في مكان محدد . بعد الانتهاء من موقف الفقه القانوني من مسألة تحديد المكان الذي يعول عليه في تحديد أجرة المثل بقي علينا ان نتطرق إلى موقف القوانين المدنية من هذه الآراء ، إذ ان اغلب القوانين المدنية لم تعالج هذه المسألة بنصوص صريحة وبذلك فإنها أحالت هذا الموضوع إلى ما تقضي به القواعد العامة وهذا يعني أنها أخذت بالرأي الرابع ولكن هنالك بعض التشريعات المدنية قد أشارت إلى هذا الموضوع بنصوص صريحة إذ نص الفصل (634) من قانون الالتزامات والعقود المغربي على انه (إذا لم يحدد المتعاقدان الأجرة افترض أنهما قد قبلا أجرة المثل في مكان العقد …) ، ونص الفصل (736) من مجلة الالتزامات والعقود التونسية على انه (إذا لم يعين المتعاقدان مقدار الكراء حملا على أنهما اعتمدا بعد ذلك كراء المثل في محل العقد …) . أما بالنسبة لأجرة المثل في الفقه الإسلامي فان الفقهاء المسلمين اتفقوا(13) على أنها الأجرة التي يقدرها أهل الخبرة السالمون عن الغرض، وينظر في تقدير أجرة المثل في إجارة الأشياء إلى أمرين الأول إلى المنفعة المعادلة بمنفعة العين المؤجرة وما يبذل مقابلها من عوض والثاني إلى زمان الإجارة ومكانها . وينظر في تقدير أجرة المثل في إجارة الأشخاص إلى أمرين الأول إلى شخص مماثل للأجير في العمل المعقود عليه وما يعطى مقابله من عوض ، والثاني إلى زمان الإجارة ومكانها . فإذا اختلفت أجرة المثل بين الناس فيؤخذ الوسط ، وتثبت أجرة المثل في إقرار المدعى عليه كما لو ادعى المدعي ان أجرة المثل مئة ألف دينار ، فاقر المدعى عليه بذلك ، وتثبت أجرة المثل أيضاً عند النكول عن حلف اليمين كما لو ادعى المدعي ان أجرة المثل هي خمسون ألف دينار وقال المدعى عليه أنها ثلاثون ألف دينار ، إلا ان المدعي عجز عن إثبات ذلك ففي هذه الحالة يحلف المدعى عليه اليمين بان أجرة المثل ليست خمسين ألف دينار فإذا نكل عن حلف اليمين حكم عليه بالخمسين ألف دينار (14).

_____________________

1- د. الونداوي ، مصدر سابق ، ص 85 . د. العطار ، مصدر سابق ، ص 94 . د. بدر جاسم يعقوب ، مصدر سابق ، ص 67 . د. عصمت عبد المجيد ، شرح احكام عقد الايجار ، مصدر سابق ، ص 66 .

2- هذا ما قضت به محكمة التمييز العراقية في احد قراراتها الذي جاء فيه (ان اجرة المثل تحددها المحكمة مستعينة برأي اهل الخبرة …) ، تمييز مدني عراقي بتاريخ 12/12/1968 . انظر: قضاء محكمة التمييز ، مج 5 ، بلا سنة طبع، ص186 .

3- القرار رقم 112/ موسعة اولى/ 1989 بتاريخ 28/8/ 1989 . ابراهيم المشاهدي من قضاء محكمة التمييز – قسم القانون المدني والقوانين الخاصة ، ج8 ، دار الكتب والوثائق ، مطبعة جعفر ، بغداد ، 2002 ، ص 18 .

4- نقض مدني مصري بتاريخ 7 / 6 / 1987 . المستشار انور طلبه ، عقد الإيجار في ضوء قضاء النقض، مصدر سابق ، ص 275 .

5- نقض مدني مصري بتاريخ 12/4/1978 . أنور طلبة ، المصدر نفسه ، ص 276 .

6- د. السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني، مصدر سابق ، مج1، ج6، ص171. د.السنهوري ، شرح القانون المدني في العقود ، مصدر سابق ، ص 177 . د. سمير عبد السيد تناغو ، مصدر سابق ، ص 86 . د. محمد لبيب شنب ، مصدر سابق ، ص 34 . د. العطار ، مصدر سابق ، ص 94 . أ.د. الجمال ، الإيجار ، مصدر سابق ، ص99. أ.د. رمضان ابو السعود ، العقود المسماة ، مصدر سابق ، ص 262 . د. بدر جاسم يعقوب ، مصدر سابق ، ص 67 . د. كمال قاسم ثروت ، مصدر سابق ، ص 85 . د. الفضلي ، الوجيز في العقود المدنية ، مصدر سابق ، ص 226 . د. الفضلي ، الوجيز في شرح أحكام عقد الإيجار ، مصدر سابق ، ص 25. د. عصمت عبد المجيد ، شرح أحكام عقد الإيجار ، مصدر سابق ، ص 66 .

7- د. السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، المصدر السابق ، مج 1 ، ج6 ، ص 170. د.سليمان مرقس ، مصدر سابق ، ص 152 . د. تناغو ، المصدر السابق ، ص 86 . د. عبد الفتاح عبد الباقي ، مصدر سابق ، ص 105 . أ.د. الجمال ، الإيجار ، المصدر السابق ، ص99. د. بدر جاسم يعقوب ، المصدر السابق ، ص 67 . أ.د. رمضان أبو السعود ، العقود المسماة ، المصدر السابق ، ص 226 . د. العامري ، مصدر سابق ، ص 228 . د. الفضلي ، الوجيز في العقود المدنية ، المصدر السابق ، ص 226 . د. الفضلي ، الوجيز في شرح أحكام عقد الإيجار ، المصدر السابق ، ص 25 .

8- د. كمال قاسم ثروت ، مصدر سابق ، ص 86 . د. محمد لبيب شنب ، مصدر سابق ، ص 34. د. العامري ، مصدر سابق ، ص 238 . د. الفضلي ، الوجيز في العقود المدنية ، مصدر سابق ، ص 226. د. الفضلي ، الوجيز في شرح احكام عقد الايجار ، مصدر سابق ، ص 25.

9- قرار محكمة التمييز بتاريخ 11 / 11/ 1968. انظر: قضاء محكمة التمييز ، مصدر سابق،
مج 5 ، ص 191.

10- د. الصراف ، مصدر سابق ، ص 346 .

11- د. توفيق حسن فرج ، مصدر سابق ، ص 165 .

12- أ.د. الجمال ، الايجار ، مصدر سابق ، ص 99 .

13- السرخسي ، مصدر سابق ، ج6 ، ص 53 . موفق الدين بن قدامة ، مصدر سابق ، ج5 ، ص 17. المواق ، مصدر سابق ، ج5 ، ص 228 . الهيتمي ، مصدر سابق ، ج2 ، ص 444 . احمد بن يحيى المرتضى ، مصدر سابق ، ج4 ، ص 61 . جعفر بن حسن الحلي ، مصدر سابق ، ج1 ، ص149 .

14- منير القاضي ، مصدر سابق ، ج1 ، ص 327.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .