المصادر الرسمية أو الإلزامية للقانون التجاري المصري :

يعتبر التشريع والعرف هما المصدرين الرسميين للقانون التجارى .

أ- التشريع:

يعتبر التشريع التجاري المصري الصادر فى ١٧ مايو ١٩٩٩ هو المصدر الأول للقانون التجارى المصرى والذى يتعين على القاضي تطبيق أحكامه على المنازعات التجارية، وعلى الأفراد معرفة أحكامه حتى لا تتعارض اتفاقاتهم والتزاماتهم مع أحكامه الأمرة . فقد صدر قانون التجارة المصرى الجديد تحت رقم ١٧ فى ١٧ مايو ١٩٩٩ وقد نص هذ القانون فى مادته الأولى على إلغاء قانون التجارة الصادر بالأمر العالى فى ١٣ من نوفمبر سنة ١٨٨٣ ، عدا الفصل الأول من الباب الثانى منه والخاص بشركات الأشخاص وألغى أيضاً نص المادة ٣٣٧ من قانون العقوبات اعتباراً من أول أكتوبر سنة ٢٠٠٠ كما ألغى كل حكم يتعارض مع أحكام هذ القانون الجديد ٠ وقد تم نشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية، ويعمل به اعتباراً من . أول أكتوبر سنة ١٩٩٩ وقد كان لزاماً على المشرع المصرى إصدار هذا قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ حتى يواكب ما يحدث الآن من تطور للمجتمع فى مجال الإصلاح الاقتصادى وإعادة البناء والتنمية، وحتى يلائم الواقع السياسى والاقتصادى السائد فى مصر، وخاصة بعد إصدار قانون التجارة البحرى رقم ٨ لسنة ١٩٩٠ ، وإصدار قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ ، فكان لزاماً على المشرع المصرى أن يستكمل إصلاح التشريع التجارى الذى هو من ركائز الإصلاح الاقتصادى، بإصدار القانون التجارى رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ . فما من شك أن الاقتصاد المصرى شهد تحولاً كبيراًَ مسايراً فى ذلك السياسات الدولية التى تتجه نحو اقتصاد السوق، وما استتبع ذلك من تحرر اقتصادى ترتب عليه مضاعفة حجم الاستثمارات ومضاعفة حجم التعاملات التجارية سواء بين المواطنين داخل الدولة أو بين المصريين والأجانب فى نطاق التجارة الدولية. لذلك كان لابد من مسايرة التحول الكبير الذى وقع للاقتصاد المصرى عن طريق إصلاح تشريعي يشمل كثيراً من القوانين المتعلقة بالتجارة لتهيئ المناخ الاقتصادى، إذ من غير المتصور جذب رؤوس أموال لدخول السوق المصرية إلا مع وجود تشريعات تساعد على تذليل الصعوبات الناشئة عنها . لذلك كان لزاماً إصدار قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ ، وقد نال هذا القانون نصيبه من تلك الصحوة التشريعية، إذ تنبه القائمون على وضعه إلى أن إصلاح التشريع التجارى من ركائز الإصلاح الاقتصادى، فكان لابد لها من مسايرة واقعة وما يقتضيه من سرعة الحركة وحساسيتها عند إعدادها لأحكامه . وقد استحدث القانون بعض الأحكام بشأن بعض الموضوعات التى إفرازها التطور بصفة عامة سواء كان تطوراً علمياً أو اقتصادياً، مثل عقد نقل التكنولوجيا، وعقد استيداع البضائع وعقد التوريد وعقد وكالة العقود، وتنظيم مسئولية المنتج عن الضرر الذى يحدثه الإنتاج، ومكافحة المنافسة غير المشروعة . وقد تنبه واضعوا قانون التجارة رقم ٧ لسنة ١٩٩٩ لأهمية الائتمان، خاصة فى العلاقات الاقتصادية والتجارية، لذلك قام المشرع بإعادة تنظيم بعض القواعد والنصوص المتعلقة بأدوات الائتمان، حيث أغفل التقنيين التجارى الملغى وضع تنظيم تشريعي لعمليات البنوك، مكتفياً بالإشارة في المادة الثانية منه على اعتبارها من قبيل الأعمال التجارية، وصدرت بعض التشريعات الخاصة بتنظيم البنوك وعلاقتها بالبنك المركزي، دون أن تتناول أدوات الائتمان وتنظيم العمليات المصرفية ذاتها، وقد قنن قانون التجارة الجديد هذه العمليات، وقد كان لزاماً أيضاً إعادة تنظيم القواعد والنصوص المتعلقة بالأوراق التجارية، حيث كانت القواعد القانونية التى تحكم الأوراق التجارية فى مصر قبل صدور قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ قاصرة على مواجهة التطور الحديث الذى لحق لهذه الوسائل ٠

الهيكل العام لقانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩

يحتوى القانون على ٧٢٢ مادة موزعة على خمسة أبواب على النحو التالى:

الباب الأول: التجارة بوجه عام:

ويعالج هذا الباب نظرية الأعمال التجارية والتاجر من حيث شروط اكتساب صفة التاجر والتزاماته مثل مسك الدفاتر التجارية والقيد فى السجل التجارى ثم نظم أحكام المتجر ) المحل التجارى(كما نظم الملامح العامة لسوق الأوراق المالية .

الباب الثاني: الالتزامات والعقود التجارية:

وضع المشرع نصوصاً بعنوان الأحكام العامة، تتضمن تنظيماً للمبادئ العامة للالتزامات التجارية وإثباتها، ثم عالج فى سبعة فصول أهم العقود التجارية، وهى عقد نقل التكنولوجيا، وعقد البيع التجارى، وعقد الرهن التجارى، وعقد الإيداع فى المستودعات العامة، وعقد الوكالة التجارية، وعقد السمسرة وعقد النقل ٠

الباب الثالث: عمليات البنوك:

عالج المشرع فى هذا الباب العمليات التى تعقدها البنوك مع عملائها وهى: وديعة النقود، وديعة الصكوك، تأجير الخزائن، رهن الأوراق التجارية، النقل المصرفى، والاعتماد العادى، والاعتماد المستندى، وخصم الأوراق التجارية، وخطاب الضمان، والحساب الجارى ٠

الباب الرابع: الأوراق التجارية:

قسم القانون هذا الباب إلى أربعة فصول، عالج فيها أحكام الكمبيالة والسند لأمر، والشيك، ووضع أحكاماً مشتركة للأوراق التجارية على اختلاف أنواعها ٠

الباب الخامس: الإفلاس والصلح الواقى منه:

نظم قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ هذا الموضوع فى عشرة فصول، فعرض لشهر الإفلاس، والأشخاص الذين يديرون التفليسة وآثار الإفلاس سواء بالنسبة إلى المدين أو بالنسبة إلى الدائن أو بالنسبة إلى أصحاب الديون المضمونة، ثم عالج إدارة التفليسة، وانتهاء التفليسة والإجراءات المختصرة للتفليسات الصغيرة، وإفلاس الشركات، ورد الاعتبار التجارى، والصلح الواقى من الإفلاس وجرائم الإفلاس ٠ هذا وقد تميز هذا القانون بسمات ومقدمات تجعله قادراً على مواجهة المتغيرات الجديدة ٠

أهم السمات والمقومات الرئيسية للقانون التجارى الجديد رقم ١٧لسنة ١٩٩٩.

١- الحفاظ على جوهر التقنين القديم مع استكمال مواطن النقص فيه وتحديثه تلافياً لزعزعة المعاملات المستقرة، وحفاظاً على المبادئ التى أقرها القضاء المصرى لفترة زادت عن قرن من الزمان ٠

٢- تحقيق وحدة القانون التجارى بجميع قواعده فى تقنين واحد ٠

٣- مراعاة ما يتفق مع تقاليد البلاد وعاداتها من مبادئ دون التقيد بنظريات أو مذاهب معينة ٠

٤- مراعاة الاتفاقات الدولية والأحكام التى جمعتها المنظمات الدولية المعنية بهذا الأمر ٠

٥- تبسيط الإجراءات حسبما تمليه طبيعة الأعمال التجارية ٠

٦- تحقيق قدر من المرونة يتمثل فى ترك بعض التفصيل للاجتهاد منعاً لتجميد النصوص وعدم مسايرتها للتطورات المنتظرة فى عصر يتميز بسرعة التطور إلى حد كبير ٠

٧- استحداث أحكام بشأن موضوعات تبينت الحاجة إلى تنظيمها بعد أن كانت محلاً للإغفال فى التقنين الملغى القديم والقوانين المكملة له ٠

٨- مسايرة التحول الكبير فى النظام الاقتصادى المصرى، وما لحق به من إصلاح اقتصادى شامل ٠

وقد جاء هذا القانون فى أبواب خمسة أولها يتناول التجارة بوجه عام ويحتوى على ٤٦ مادة، الباب الثانى يتناول الالتزامات والعقود التجارية من المادة ٤٧ إلى المادة ٢٩٩ ، والباب الثالث يتناول عمليات البنوك من المادة ٣٠٠ إلى المادة ٥٤٩ ، ويتناول الباب الخامس الإفلاس والصلح الواقى . منه من المادة ٥٥٠ حتى المادة ٧٧٢ أيضاً يعتبر مصدراً رسمياً للقانون التجارى التشريعات الفرعية التى

صدرت مكملة للقانون التجارى والتى لم يتناول أحكامها قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ ولم ينص على إلغائها .ويعتبر أيضاً القانون المدنى مصدراً رسمياً بحكم المعاملات التجارية فى حالة عدم وجود نص فى القانون التجارى والقوانين المكملة له، حيث يعتبر القانون المدنى هو الشريعة العامة التى ينظم جميع المعاملات، والتى يتعين الرجوع إليه لحسم النزاع المعروض فى حالة خلو التشريع التجارى من قواعد قانونية تحكم النزاع ٠ ويطبق القانون المدنى تلقائى فى حالة عدم وجود نص فى القانون التجارى إلا إذا وجد نص صريح فى القانون التجارى يمنع تطبيق القانون المدنى وفى حالة وجود تعارض بين نص تجارى ونص مدنى فى نفس القوة بأن كانا أمرين أو مفسرين وجب تغليب النص التجارى لأنه نص خاص والخاص يقيد العام ٠

ب- العرف والعادات التجارية:

رغم أنه تم تقنين القانون التجارى إلا أن العرف التجارى ما زال له دوراً هاماً فى الحياة التجارية، حيث يقوم بسداد وجه النقص فى التشريع التجارى حيث له دوراً مكملاً، كما أن له دوراً مفسراً أيضاً لأحكام القانون التجارى ٠ والعرف التجارى هو مجموعة الأحكام التى اعتاد التجار على تطبيقها على معاملاتهم مع شعورهم بإلزامها، فحتى يعتبر العرف مصدراً رسمياً للقانون التجارى لابد أن يتوافر فيه الركن المادى وهو الاعتياد والركن المعنوى وهو الشعور بالإلزام ٠ أما العادة التجارية فهى التى تحتوى على الركن المادى فقط دون الركن المعنى وهى تسمى عادة بالعادة الاتفاقية وهى ما اعتاده المتعاملون ودرجوا على اتباعه ولا يستبعد تطبيق العادة التجارية إلا بنص صريح في العقد أو جهل أحد طرفى العقد بمضمون هذه المادة(1)وثبوت العادات التجارية والتحقق من قيامها أو تفسيرها تعتبر من مسائل الواقع التى يستقل بها قاضى الموضوع(2) ولا رقابة عليه من محكمة النقض إلا حيث يحيد

عن إعمال حكم العادة التجارية التى ثبت لديه قيامها، وقد ثار خلاف حاد في الفقه قبل صدور قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ حول ترتيب مصادر القانون التجارى الرسمية، فإذا حدث تعارض بين نصوص القانون المدنى والعرف التجارى أو بين اتفاقات الأفراد وقواعد القانون التجاري فأيهما يطبق، ولقد حسم قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ هذا الأمر حيث نص فى المادة الثانية منه على أن “تسرى على المواد التجارية أحكام الاتفاق بين المتعاقدين، فإذا لم يوجد هذا الاتفاق، سرت نصوص هذا القانون أو غيره من القوانين المتعلقة بالمواد التجارية، ثم قواعد العرف التجارى والعادات التجارية، فإذا لم يوجد عرف تجارى أو عادة تجارية وجب تطبيق أحكام القانون المدنى ولا يجوز تطبيق الاتفاقات بين المتعاقدين، أو قواعد العرف التجارى أو العادات التجارية متى تعارضت مع النظام العام فى مصر” . يتضح من ذلك أن القواعد الأمرة المتعلقة بالنظام العام فى مصر تأتى على رأس قائمة المصادر الرسمية للقانون التجارى سواء جاءت هذه النصوص فى القانون التجارى أو القوانين المكملة له أو القانون المدني، ثم يأتي بعد ذلك الاتفاقات بين المتعاقدين والتى لا تتعارض مع النظام العام في مصر، ثم يأتى بعد ذلك النصوص التجارية المفسرة، ثم يأتي بعد ذلك العرف والعادات التجارية التى لا تتعارض مع النظام العام فى مصر، ثم النصوص المدنية المفسرة . وبناء على ما سبق يمكن ترتيب مصادر القانون التجاري على الوجه التالى:

١-النصوص الأمرة فى التشريع التجارى .

٢- النصوص الأمرة فى القوانين المكملة للقانون التجارى .

٣- النصوص الأمرة فى التشريع المدنى .

٤- اتفاقات المتعاقدين الخاصة الصريحة التى لا تتعارض مع النظام العام فى مصر.

٥- النصوص المفسرة فى القانون التجارى.

٦- النصوص المفسرة فى القوانين المكملة للقانون التجارى ٠

٧- العرف التجارى الذى لا يتعارض مع النظام العام فى مصر ٠

٨- العادة التجارية التى لا تتعارض مع النظام العام فى مصر ٠

٩- النصوص المفسرة فى القانون المدنى.

______________

1- أبو زيد رضوان – مبادئ القانون التجاري – ١٩٩٧ ص ٥ .

2- نقص في٢٩ رسمي ١٩٧٦ مجموعة أحكام النقض من ٢٧ ، ص ٧٨٨ والطعن رقم ١٥٤١ لسنة ٥٠ ق جلسة14/4/1986.

المصادر التفسيرية الاستثنائية للقانون التجاري :

يعتبر القضاء والفقه من المصادر التفسيرية للقانون التجارى .

أ- القضاء:

يقصد بالقضاء كمصدر تفسيري للقانون التجارى مجموعة المبادئ التى أقرتها المحاكم فى أحكامها، وتعتبر هذه المبادئ من المصادر التفسيرية التى يسترشد بها القاضي عند صدور الأحكام ووضع الحلول للمنازعات التى ليس لها حل فى نص قنوني أو عرفي .ومبادئ القضاء لا تقيد القاضي وإنما هي استثنائية له فقط، حيث يجوز للقاضي العدول عن أحد هذه المبادئ والأخذ بقاعدة أخرى، ورغم ذلك لا يجب أن نغفل الدور الهام الذى لعبه القضاء فى مجال القانون التجارى خاصة فى بعض المجالات مثل نظرية الشركة الفعلية والحساب الجاري والإفلاس الفعلي . فالقاضي هو الذى يقوم بتطبيق قواعد القانون التجارى وتفسيرها فى ضوء العقود والالتزامات والاتفاقات التى تبرم فى مجال البيئة التجارية، فيستطيع أن يضع يده على العيوب التى تشوب النص، كما أن القضاء التجارى يلعب دوراً هاماً فى تحديد العادات والأعراف المتبعة فى مجال المعاملات التجارية .

ب- الفقه:

يعتبر الفقه وأراء شراح القانون التجارى من المصادر غير الإلزامية للقانون التجارى، حيث يجوز للقاضي الاسترشاد بهذه الآراء أو شرح نصوص القانون التجارى، ولكنه غير ملزم بإتباع رأى معين، ومما لا شك فيه أن المؤلفات القانونية والأبحاث والتعليق على الأحكام لها دور هام في فهم أحكام القانون التجارى خاصة عندما يصدر تشريع جديد . فقد ساهم الفقه فى تفسير القواعد التشريعية وبيان عيوبها، كما أن الفقه يلعب دوراً بارزاً فى إثبات القاعدة العرفية حيث يقوم بتفسير تلك القواعد وتأصيلها وصياغتها حتى تقدم إلى المشرع فى صورة اقتراحات أو مشروعات قوانين ٠ وتعتبر العقود التجارية من أهم المجالات التى لعب الفقه فيها دوراً حتى قام المشرع فى قانون التجارة الجديد بتضمين أغلب هذه العقود، مسترشدا آراء الفقهاء فى هذا الشأن .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .