اولاً/ حرية الاقامة : ويقصد بها حرية الفرد في اختيار المكان الذي يقيم فيه على وفق القانون :

وقد تضمن الدستور المصري في المادة (50)منه هذه الحرية بقولها(لايجوز ان تحظر على اي مواطن الاقامة في جهة معينة ولا ان يلتزم بالاقامة في مكان معين الا في الاحوال المبينة في القانون )،كما نصت المادة (51) منه على ان (لايجوز ابعاد اي مواطن عن البلاد او منعه من العودة اليها)واتساقا مع هذا السياق جاءت المادة (44)من دستور جمهورية العراق النافذ ببنديها مؤكدة حرية العراقي بالسكن داخل العراق وخارجه وعدم جواز نفيه او ابعاده او حرمانه من العودة الى الوطن. فاذا كان من الثابت والمقرر حرية الفرد في ان يقيم في المكان الذي يرغب فيه فان من الثابت ايضا ان هذه الحرية تقتصر على المواطنين من دون ان تمتد الى الاجانب اذ ان اختصاص الدولة في ابعاد الاجانب ثابت ايضا ومرتبط بواجبها في صيانة كيانها ومجتمعها من كل خطر يتهدده وقد قضت محكمة القضاء الاداري المصرية في هذا الصدد بأنه( اذا كان الثابت ان تقارير رجال المباحث وما حواه الملف من اوراق وتحريات تقطع بان المدعية ذات خطر على الاداب العامة وانها تتستر تحت ثياب المربيات للدخول الى المنازل والعائلات ، وفي ذلك خطورة بالغة على الاداب العامة ،فان ذلك يخول الوزارة اختصاص ابعادها …….. ومن ثم لاتثريب عليها اذا اصدرت قرارها بابعاد المدعية لخطورتها على الاداب العامة وخلا قرارها من التعسف في استعمال السلطة ……. ولاعبرة بما تحتج به المدعية من انها حصلت على تجديد الاقامة …..لان تجديد الاقامة لايسقط اختصاص الحكومة في ابعاد الاجنبي الذي يقوم به سبب من اسباب الابعاد ….. تلك الاسباب الماسة بكيان الدولة في امنها او اقتصادها او ادابها العامة……(1))، كما ذهبت المحكمة في حكم ثان لها بانه (….. متى كان الثابت من الاسباب التي بني عليها قرار الابعاد …. ان ادارة بوليس الاداب هي التي طلبت ابعاد المدعي لما ثبت لديها من انه اعد منزلا للدعارة السرية …… وان حكم البراءة …. لاينفي عن المدعي خطورته على الاداب العامة وانها صيانة لهذه الاداب طلبت ابعاده عن البلاد ،ومن ثم يكون قرار الابعاد قد بني على اسباب جدية مستمدة من اصول استنتجها وتوصلت اليها مستهدفة تحقيق مصلحة عامة ….. فهذا قرار صحيح حصين من كل الغاء ….(2)).

ويتضح من ذلك بان سوء سيرة الاجنبي يعد من الاسباب التي تبرر ابعاده وبذلك فاذا كانت المدعية قد اتخذت من دور البغاء حرفة لها ومرتزقا كان ذلك مبررا لابعادها(3). وبعكس ذلك فان المحكمة نفسها ترى بان الابعاد يكون غير مشروع اذا لم يكن في وجود الاجنبي مايهدد الامن العام في الداخل او الخارج او مايهدد الاخلاق العامة او الصحة العامة او الاقتصاد القومي متوصلة في ذلك الى الغاء قرار الابعاد المطعون فيه(4). وفي العراق اشترطت الفقرة (2)من المادة الخامسة من قانون اقامة الاجانب رقم (118)لسنة 1978 المعدل لطلب سمة الدخول اليه عدم وجود مانع لسبب يتعلق بالصحة العامة او الامن او الاداب العامة او الاقتصاد ،كما اجازت المادة الخامسة عشرة للوزير او من يخوله ابعاد الاجنبي المقيم في العراق بصورة مشروعة اذا ثبت عدم استيفائه الشروط المنصوص عليها في المادة الخامسة او فقد احدها بعد دخوله. واختصاص الدولة في ابعاد كل اجنبي يهدد سلامتها يعد اصلا فاقامة الاجنبي باقليمها لا يرتب له عليها حقا دائما في الاستقرار باقليمهـا و اختصاص الدولـة فـي ذلك مستـمد مـن حقها في البقاء والمحافظة على كيانها(5). ونعتقد ان تهديد سلامة الدولة لايقتصر على تهديد امنها او صحتها بل يمتد ليشتمل على امور اخرى مثل تهديد الاخلاق العامة للمجتمع التي يعد المحافظة عليها احدى ركائز احتفاظ الدولة بطبيعتها الاجتماعية واستقلاليتها.

ثانياً/ حرية التنقل : ويقصد بها حرية الفرد في التنقل من مكان الى اخر والخروج من البلاد والعودة اليها من دون تقييد او منع الا على وفق القانون(6).

كما يمكن تعريفها بانها( حق الانتقال من مكان إلى آخر والخروج من البلاد والعودة اليها دون تقييد أو ضغط إلا وفقا للقانون ولأغراض المصلحة العامة(7)) وقد ضمنت المادة( 13)من الاعلان العالمي لحقوق الانسان بفقرتيها حق الفرد في حرية التنقل وفي اختيار محل اقامته ومغادرته لاي بلد والعودة اليه (8) ،كما ضمنت المادة (12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية هذه الحرية. وتكفل الدساتير عموما هذه الحرية فقد نصت المادة (44/اولا) من دستور جمهورية العراق النافذ على ان(للعراقي حرية التنقل والسفر والسكن داخل العراق وخارجه) كما نص الدستور السوري لسنة 1973 النافذ في الفقرة الثانية من المادة(33) منه على (2ـ لكل مواطن الحق بالتنقل في اراضي الدولة الا اذا منع من ذلك بحكم قضائي أوتنفيذا لقوانين الصحة والسلامة العامة(9))، لكن هذا لايمنع من وجود قانون ينظم هذه الحرية ويقيدها مادام يستهدف من ذلك المحافظة على النظام العام بمفهومه الواسع الذي يشمل حماية الاخلاق العامة. وتتعدد الاسباب التي قد تدعو بعض الدول الى منع سفر مواطنيها منها الخشية من حرمان البلد من الايدي العاملة او الخوف من انتقال رؤوس اموال كبيرة مع المواطنين المسافرين الى الخارج او الخشية من تحول المسافرين الى الخارج الى معارضين لنظام الحكم في البلد .

وتتفق معظم التشريعات على منح الادارة سلطة تقديرية في السماح للفرد بالسفر الى خارج البلد او الى داخله وقد قضى مجلس الدولة المصري بحق المواطن في السفر الى الخارج مادام انه لايؤثر على الامن العام للدولة ولايمكن ان تعد الشبهات سببا كافيا لمنع المواطن من السفر(10). ولكن هذا لايخل ايضا باختصاص الادارة في تقييد حرية السفر اذا كان ذلك يستهدف تحقيق النظام العام والسمعة الادبية للدولة بين الدول استنادا الى حقها في السيادة على اقليمها. وتجدر الاشارة في هذا المجال الى حكم محكمة القضاء الاداري المصرية الذي عد تصرف السلطة الادارية في الامتناع عن تجديد جواز شخص للسفر للخارج صحيحا مادام الثابت من الاوراق انه كان يصطحب معه فرقة موسيقية تسي الى سمعة مصر (11)، وكذلك اقرارها باختصاص الادارة في منع احدى المصريات من السفر للعمل في احدى الملاهي مادام ان الثابت انها ذات سمعة سيئة وفاقدة لكل القيم الاخلاقية(12) . وقد جرى العمل في العراق على منع البنت الباكر من السفر الى خارجه الا بوجود محرم معها مراعاة للاخلاق العامة السائدة في المجتمع المستمدة من الشريعة الاسلامية الغراء على الرغم من عدم وجود نص قانوني يقضي بذلك ونرى ان ذلك يثير صعوبات عملية خصوصا بالنسبة للمرأة المسؤولة التي لايمكن تصور منعها من السفر في مهمة رسمية او غير رسمية الا اذا اصطحبت معها محرما ولكننا نرى من الناحية القانونية ان ذلك يكون مقبولا في الدول التي تطبق الشريعة الاسلامية او ان تقاليدها واعرافها تقضي بذلك ولانعتقد ان العراق يندرج في قائمة تلك الدول، ولم نجد عندنا في العراق احكاما قضائية تؤكد اختصاص الادارة بذلك على الرغم من بحثنا الدؤوب عنها لاسباب متعددة منها تلف الاوليات او احتراقها او فقدانها بسبب الاحداث التي تلت احتلال العراق في 9/4/2003 مما تقدم يتضح ان اختصاص الادارة في تقييد حرية السفر حماية للاخلاق العامة للمجتمع وحفاظا على سمعة البلد ثابت لايحتاج الى نص يقرره او حكم يجيزه وان اثر هذا وذاك انما يقتصر على تاكيده وقد اقر القضاء المصري ذلك مادامت الادارة في تصرفها قد راعت قواعد المشروعية وغير مشوب بالتعسف.

____________________

1- ق.د في 30/1/1956 – ق 5700 – س8 – مجموعة السنة 10 – بند 152 – ص129 – نقلا عن فاروق عبد البر – الجزء الثاني –ص259.

2- ق.د في 27 /11/ 1956 ،ق678 – س9 – مجموعة السنة 11 – بند 42 – ص65 – نقلا عن فاروق عبد البر – الجزء الثاني – المصدر السابق – ص262 -263 ، وانظر كذلك حكم المحكمة الادارية العليا المصرية عند بحثها وجود الإقامة المؤقتة قضت بان:

(… الترخيص او عدم الترخيص للأجنبي بالإقامة ، ومد او عدم مد اقامته بعد ذلك هو على مقتضى المادة (9) من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 ، من المسائل التي تترخص الادارة في تقديرها بسلطة مطلقة ، في حدود ما تراه متفقا مع الصالح العام وليست سلطتها في هذا مقيدة بقيود او آثار قانونية فرضها القانون مقدما ، ومرد ذلك ان الدولة بحكم ما لها من سيادة إقليمية تتمتع بسلطة عامة وكاملة في تقدير مناسبات إقامة الأجنبي في أراضيها ، ولا تلتزم قانونا لا بالسماح له بالدخول فيها ولا بتمديد اقامته بها ، إلا اذا كانت تشريعاتها ترتب له حقا من هذا القبيل بحسب الاوضاع والشروط التي تقررها ، فان لم يوجد ، وجب عليه مغادرة البلاد مهما تكن الأعذار او الذرائع التي يتعلل بها بل حتى ولو لم يكن به سبب يدل على خطورته على الامن والاداب…).

حكمها في القضية رقم 753 لسنة 1ق ، الصادر بجلسة 7/4/1956 ،س1، ص657.نقلا عن احمد عبد العزيز الشيباني – مسؤولية الادارة عن اعمال الضبط الاداري في الظروف العادية في القانون اليمني (دراسة مقارنة)- اطروحة دكتوراه – كلية القانون – جامعة بغداد – 2005- ص205.

3- ق.د ق 622- س4 –في 6/2/1951 مجموعة السنة 5 – بند 129 ص566 ،وحكمها في 16/3/1953 – ق1611 – س5 – مجموعة السنة 7 -بند 401 – ص674 ،وحكمها في 24/11/1953 – ق 881 – س5 – مجموعة السنة 7 –بند 39 – ص145 – نقلا عن فاروق عبد البر – الجزء الاول – المصدر السابق – ص250.

4- ق.د في 23/3/1953 – ق1515 – س5 – مجموعة السنة 7 – بند 429 – ص729 – نقلا عن فاروق عبد البر – الجزء الاول – المصدر السابق – ص252.

5- حكم المحكمة الادارية العليا حكمها في 1/ 2/ 1964 – ق 555 – س7 – مجموعة ابو شادي – مبدا 146 –ص148 ،وحكمها في 7/ 4/1956 –ق 753 – س 2 – مجموعة ابو شادي – مبدا 147 – س149 ،وحكمها في 4/8/1956 –ق 1679 –س2 – مجموعة ابو شادي – مبدا 148 –ص 150 د.عصام عبد الوهاب البرزنجي – السلطة التقديرية للادارة والرقابة القضائية – دار النهضة العربية – القاهرة -1971- ص410 .

6- د. ثروت بدوي : النظم السياسية ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1975ص420 ،وبالمعنى نفسه انظر محمد مصطفى العقاربة – لوائح الضبط الاداري (فرنسا – مصر – الاردن)- رسالة ماجستير – كلية الدراسات العليا – جامعة الاردن – 1992- ص90.

7- د عبد الغني بسيوني، النظم السياسية- الدار الجامعية- 1985- ص390.

8- اعتمد هذا الاعلان ونشر بموجب قرار الجمعية العامة رقم 217 الف (د-3) في 10 كانون الاول 1948 / انظر د.محمود شريف بسيوني – الجزء الاول – المصدر السابق – ص27،وبالمضمون نفسه انظر المادتين(21،20) من الميثاق العربي لحقوق الانسان لسنة 1997.

9- الدستور منشور في مجموعة الدساتير العربية ودراسة مقارنة بمعايير الحقوق الدستورية الدولية – المصدر السابق – ص 472-499.

10- انظر حكم محكمة القضاء الاداري في القضية رقم (657)في 9/3/ 1953 -نقلا عن عبد الفتاح مراد : شرح الحريات العامة وتطبيقات المحاكم بشأنها ، الإسكندرية ، المكتب الجامعي الحديث ، 2002 – ص 40- 41.

11- حكمها الصادر عن الدائرة الاولى في القضية (1117) بجلسة 2/3/1955 – نقلا عن عبد الفتاح مراد – شرح الحريات العامة وتطبيقات المحاكم بشانه -المصدر السابق – ص42-43.

12- ق.د في 11/12/1956 –ق884- س10 – مجموعة السنة 11 – بند 54 – ص82 – نقلا عن فاروق عبد البر – الجزء الثاني – المصدر السابق – ص217 ،وبالسياق نفسه قرار المحكمة الادارية العليا في مصر في 11 فبراير(شباط) 1978 – نقلا عن محمد حسنين عبد العال – الرقابة القضائية على قرارات الضبط الاداري – ص61.

المؤلف : نجيب شكر محمود
الكتاب أو المصدر : سلطة الادارة في حماية الاخلاق العامة واثرها في الحريات العامة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .