اذا ما اعلنت الأحكام العرفية أو حالة الطوارئ فان هذا الاعلان يترتب عليه اثار عدة اهمها منح الجهة القائمة عليها سلطات واسعة تشكل مساسا بحقوق وحريات الافراد(1).

1. اختصاصات رئيس الدولة عند إعلان الأحكام العرفية :

باستقراء القوانين المنظمة للأحكام العرفية نجد انها لا تخرج في تنظيم السلطات المعطاة للسلطة القائمة على الأحكام العرفية عن الاختصاصات الاتية :

– تفتيش منازل المواطنين ليلاً أو نهاراً .

– ابعاد معتاد الاجرام والاشخاص الذين ليس لهم منازل في المناطق الخاضعة لنظام الأحكام العرفية .

– الامر بتسليم الاسلحة والذخائر والبحث عنها ومصادرتها.

– تحريم الاجتماعات واصدار النشرات التي يحتمل ان تثير الفوضى والاضطرابات .

هـ- احلال السلطة العسكرية محل السلطة المدنية لحفظ الامن والنظام العام وتستمر السلطة المدنية في ممارسة السلطات التي لم تسحبها منها السلطة العسكرية(2).

هذه مجمل الاختصاصات التي يمنحها قانون الأحكام العرفية الفرنسي للسلطة العسكرية ، أما بالنسبة لمرسوم الأحكام العرفية العراقي رقم 18 لسنة 1935 فانه قد اعطى للسلطة القائمة على الأحكام العرفية فضلاً عما سبق :

 – تحديد مواعيد فتح المحال العمومية واغلاقها سواء في الجهة التي اعلنت بها الأحكام العرفية أو في بعض النواحي أو الاحياء أو تبديل تلك المواعيد .

 – الأمر بمراقبة الرسائل البريدية والتلغرافية والتلفونية .

 – منع مرور الاشخاص والمركبات في اوقات معينة وفي مناطق معينة الا باذن خاص ، والاستيلاء على أية واسطة من وسائط النقل أو أي مصلحة عامة أو خاصة أو معمل أو مصنع أو محل صنايع أو أي عقار أو منقول ، وكذلك تكليف أي فرد بتأدية أي عمل من الأعمال (3).

ومما يلاحظ ان الأحكام العرفية لم تعلن في ظل دستور فرنسا لعام 1958 غير انها اعلنت خلال القرن العشرين خلال الحرب العالمية الأولى منذ عام 1914-1919 وكانت المرة الثانية خلال الحرب العالمية الثانية من عام 1939-1945 .(4) أما في ظل القانون الأساسي العراقي فان للادارة العرفية المتمثلة ( بالملك) العديد من الصلاحيات الواسعة جداً ، فنجد ان مرسوم الاحكام العرفية رقم 18لسنة 1935 قد اعطى للسلطة القائمة على الأحكام العرفية العديد من السلطات التشريعية والتنفيذية بل وحتى القضائية (5) ، فقد اجاز المرسوم لقائد القوات العسكرية ان يتخذ باعلان أو بأوامر كتابية أو شفوية جميع الإجراءات والتدابير المنصوص عليها في مرسوم الادارة العرفية ومنها احالة المواطنين إلى المحاكم العسكرية التي تنشأ خصيصاً لهذا الغرض وتسمى ( المجلس العرفي العسكري ) والمكون من ثلاثة ضباط من بينهم الرئيس وعضوان من الحكام (القضاة ) وقرارات هذا المجلس قطعية لايجوز التظلم منها ماخلا احكام الاعدام التي لابد من تصديق الملك عليها .(6) وقد أُعلنت الأحكام العرفية في العراق بصورة تكاد تكون مستمرة فهي قد اعلنت في فترات وامكنة متباينة ، واستمر اعلانها خلال العهد الجمهوري منذ 14تموز 1958حتى صدور قانون السلامة الوطنية رقم 4 لسنة 1956 (7).

2. اختصاصات رئيس الدولة عند إعلان حالة الطوارئ :

باستقراء القوانين المنظمة لحالة الطوارئ نجد انها لا تخرج في تنظيم هذه الاختصاصات عن الاتي :

 – وضع قيود على حرية الاشخاص في الاجتماع والانتقال والاقامة والمرور في اماكن أو اوقات معينة والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الامن والنظام العام والترخيص في تفتيش الاشخاص والاماكن دون التقيد بقانون الإجراءات الجنائية وتكليف أي شخص بتادية أي عمل من الاعمال .

 – مراقبة الرسائل والاتصالات أيا كان نوعها ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات المحلية والاجنبية والرسوم وجميع وسائل التعبير والدعاية والاعلان قبل نشرها ، وضبطها ومصادرتها وتعطيلها والغاء امتيازها واغلاق اماكن طبعها .

 – تحديد مواعيد فتح المحال والاماكن العامة واغلاقها .

 – الاستيلاء على أي منقول أو عقار والامر بفرض الحراسة على الشركات والمؤسسات وكلك تأجيل إداء الديون والالتزامات المستحقة على ما تستولي عليه أو على ما تفرض عليه الحراسة.

هـ-سحب تراخيص الاسلحة والذخائر أو المواد القابلة للانفجار والمفرقعات على اختلاف انواعها والامر بتسليمها وضبطها واغلاق مخازن الاسلحة .

و- اخلاء بعض المناطق أو عزلها ، وتنظيم وسائل النقل بجميع انواعها والاستيلاء عليها وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة .

 – احالة بعض الجرائم من محاكمها المختصة الى المحاكم العسكرية .(8)

ويلاحظ ان التدابير المخولة للسلطة القائمة على حالة الطوارئ في فرنسا تتصف بالسعة والشمول فهي تعطي صلاحيات عديدة لرئيس الدولة تمكنه من التدخل في جميع الميادين ولاسيما المجال المحتجز للقانون فهي تتناول موضوعات تمس الحقوق والحريات العامة للافراد وهذه الموضوعات لابد من تنظيمها بواسطة القانون وذلك لأن المادتين (34-37) من دستور 1958 قد تناولتا بالتحديد المجالات المخصصة للقانون حصراً وقصرت الحق في تنظيم الحقوق والحريات العامة على القانون وحده لذا فلا يكون للسلطة القائمة على الطوارئ تقييد هذه الحقوق والحريات الا بالقدر اللازم لمواجهة هذه الظروف غير العادية.(9) على ذلك فان سلطة رئيس الجمهورية في ظل هذه الظروف تعد سلطة واسعة وشاملة لجميع المجالات التشريعية والتنفيذية وهذا ما اثبته الواقع العملي ففي عام 1961 اعلنت حالة الاستعجال في فرنسا وذلك على أثر أحداث الجزائر في عهد الرئيس ((CH.DEGAULLE)) ، فقد استخدم رئيس الجمهورية جميع السلطات المخولة له في ظل قانون الاستعجال لعام 1955.(10) ، وقد أصدر في تلك الفترة العديد من القرارات منها القرار الصادر في 29 ابريل عام 1961 والذي يحتوي على المرسومين (395-396) المتعلقين باعلان وتطبيق حالة الاستعجال في جميع اقاليم واراضي فرنسا وكذلك القرار الصادر في 24 ابريل عام 1961 الذي تضمن بيان التدابير الواجب اتخاذها ضد الاشخاص الخطرين على الامن العام بسبب مساعدة المتمردين في الجزائر(11) ، وقد تضمن القرار نفسه – والذي صدر وفقا للمادة 16 من الدستور – مد حالة الاستعجال حتى صدور قرار جديد بشأنها وبذلك فقد ربطت حالة الاستعجال بانتهاء الظروف الاستثنائية التي حدثت في صفوف الجيش في الجزائر، وقد استمرت حالة الاستعجال حتى 29 سبتمبر عام 1961 حينما أصدر رئيس الجمهورية قرارين ، كان الأول منهما يخص انهاء تطبيق المادة (16) والثاني خاص بمد حالة الاستعجال حتى 15يوليو عام 1962 وقبل نهاية المدة المحددة لرفع حالة الاستعجال رأت الحكومة ضرورة الابقاء على تطبيق حالة الاستعجال إلى مدة اخرى وبمناسبة صدور القانون الاستفتائي في 13ابريل عام 1962 والخاص باستقلال الجزائر عن فرنسا تم مد حالة الاستعجال حتى 31مايو 1963، وهكذا عمد رئيس الدولة عن طريق هذا الاجراء الى سحب سلطة الغاء حالة الاستعجال عن طريق البرلمان ، وقد تم مد حالة الاستعجال الاخيرة بالنسبة للعاصمة باريس فقط ، وقد طبقت حالة الاستعجال مرة اخرى على اقليم كالدونيا الجديدة وذلك لمواجهة اعمال العنف والتخريب التي حدثت انذاك وذلك للمطالبة بالانفصال عن فرنسا وقد تم إعلان حالة الاستعجال من قبل المفوض الاعلى للجمهورية في 2 يناير عام 1985 والتي تم مدها حتى 30 يونيو 1985(12) ، هذا وقد تم إعلان حالة الاستعجال مرة ثالثة في ظل دستور 1958 الفرنسي وذلك في نوفمبر عام 2005 بسبب اعمال التخريب التي حدثت في الضواحي الباريسية التي نتجت عن سوء المعاملة المتمثلة بالتمييز العنصري بين المهاجرين إلى فرنسا والمواطنين الاصليين فضلاً عن تردي اوضاعهم الاقتصادية بصورة ملفتة للنظر(13)

وقد ترتب على هذه الاضطرابات الداخلية واعلان حالة الاستعجال اللجوء إلى الصلاحيات الاستثنائية فقد تم اعتقال ثلاثة الاف شخص وفرض حظر التجوال والقيام بعمليات التفتيش والمداهمات وكل ذلك تم بدون أوامر قضائية(14) ، لذا فقد شنت المنظمات الفرنسية العاملة في مجال حقوق الإنسان هجوماً حاداً على قرار الحكومة باللجوء إلى تطبيق القانون وسط مخاوف متزايدة من عسكرة المجتمع ومؤسساته (15) ، غير ان رئيس الجمهورية وصف هذه الإجراءات بانها مؤقتة تماماً وانه سيعمد إلى انهاء حالة الاستعجال قبل نهاية مدتها ، وبالفعل فقد عمدت الحكومة إلى الطلب من البرلمان انهاء حالة الاستعجال غداة تصريح رئيس الجمهورية ، وقد تم رفع حالة الاستعجال من قبل البرلمان قبل سبعة اسابيع من انتهاء مدتها، فقد كان البرلمان الفرنسي قد مد حالة الطوارئ لثلاثة اشهر حتى 21 فبراير(16) . أما بالنسبة لاحالة الجرائم التي تقع في المناطق التي تكون اعلنة حالة الاستعجال فيها فقد نظمتها المادة (12) من قانون الاستعجال وذلك بناء على مرسوم يصدر من مجلس الوزراء وفقا لتقرير وزارتي العدل والدفاع الوطني بالحاجة إلى تلك المحاكم غير ان قانون الإجراءات الجنائية الصادر في 21يوليو 1982 قيد في المادة (700) منه انشاء المحاكم العسكرية بصدور قرار من مجلس الوزراء بذلك ثم يصدر قرارا اخر باختصاصها بتلك الجرائم بناء على تقرير وزارتي العدل والدفاع الوطني بالحاجة إلى مثل هذه المحاكم ولا يكون ذلك الا في حالة إعلان الأحكام العرفية أو حالة الاستعجال والتعبئة العامة(17). وقد ذهب الفقه المصري ايضاً إلى انتقاد هذه السعة في الاختصاصات الممنوحة لرئيس الجمهورية (الحاكم العسكري ) فهذه السلطات قد وردت من دون أي تحديد أو تقييد فهي قد وردت في عبارات فضفاضة ذات تفسير واسع وقد وردت على سبيل المثال وهي تباشر بقرارات مكتوبة أو شفاها يكون لها قوة القانون ، وبموجبها يكون لرئيس الجمهورية سلطات استثنائية واسعة خصوصا فيما يتعلق في تقييد الحريات ولاسيما وان اغلبها يصدر بصورة شفوية يصعب اثباتها والطعن فيها ويكون لرئيس الجمهورية أو من ينوب عنه ان يستخدم هذه الاوامر الشفوية لاصدار قرارات بالقبض والاعتقال لمجرد الشبهة ، لذا فاغلب هذه التدابير والاجراءات التي يمارسها رئيس الجمهورية وفقا لقانون الطوارئ لا تتفق حتى مع نصوص الدستور، ولم يكتف المشرع بتلك السلطات الواسعة الممنوحة لرئيس الجمهورية فنص في المادة الثالثة من قانون الطوارئ على ان (( ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية توسيع دائرة الحقوق المبينة في الفقرة السابقة )) ، فاذا كان لرئيس الجمهورية بقرار منه ان يوسع دائرة اختصاصاته كان من الأولى النص على تضييقها طالما ان الظروف الزمانية والمكانية لا تستوجب توسعتها (18) ، فضلاً عن ذلك نجد ان رئيس الجمهورية في ظل قانون الطوارئ يعد سلطة قضائية ذات سلطة تقديرية فنجد إبتداءً ان رئيس الجمهورية يتمتع بصلاحية تشكيل المحاكم الاستثنائية وفي تحديد اختصاصاتها(19)، وله ايضا السلطة التقديرية في احالة الجرائم إلى القضاء العسكري ، فقد نصت المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 بان ((2- ولرئيس الجمهورية متى اعلنت حالة الطوارئ ان يحيل إلى القضاء العسكري أي من الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات أو أي قانون اخر))(20) ، وقد حدث الخلاف حول المقصود بلفظ ((الجرائم)) الوارد في النص السابق ، فقد ذهبت المحكمة العسكرية العليا في حكم لها عام 1992 إلى ان كلمة ((الجرائم)) الواردة في النص يتسع مدلولها ليشمل كل جريمة معاقبا عليها سواء كانت محدودة بنوعها تحديدا مجردا ام كانت معينة بذاتها بعد ارتكابها فعلا ، في حين ذهبت محكمة القضاء الاداري إلى تفسير اخر للفظ الوارد فقد فسرت كلمة (الجرائم ) الواردة بالمادة (6/2) على انها تشمل تلك الجرائم التي يكون المشرع قد حددها بنوعها تحديدا مجردا ، وامام هذا الخلاف احيل الامر على المحكمة الدستورية العليا لتفسير لفظ(( الجرائم)) الوارد في المادة (6/2)من قانون الأحكام العسكرية(21)، وقد اصدرت هذه المحكمة قرارها التفسيري في 23مايو 1993 بان عبارة ((اي من الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات أو أي قانون اخر الواردة في الفقرة الثانية من المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية يقصد بها الجرائم المحددة بنوعها تحديدا مجردا وكذلك الجرائم المعينة بذواتها بعد ارتكابها فعلا )) ، وقد اثار هذا الاتجاه للمحكمة الدستورية العليا حفيظة الفقه الدستوري وذهبوا إلى ان هذا التفسير لا يتفق مع مبدأ المساواة بين الأفراد لانه وفقا لهذا التفسير فانه يمكن لرئيس الجمهورية ان يحيل بعض الجرائم المرتكبة من بعض الاشخاص إلى القضاء العادي كما له ان يحيل الجرائم نفسها إذا ما ارتكبت من قبل اشخاص اخرين إلى القضاء العسكري ، فضلاً عن ان هذا التفسير ـ ومما لاشك فيه ـ يخالف التفسير الضيق للنصوص المقيدة للحريات العامة كما يخالف مبدأ المساواة أمام القضاء ، لذا فان اتجاه محكمة القضاء الاداري هو الاجدر بالاتباع (22) ، وبهذا يتضح ان جميع الاختصاصات المسندة الى رئيس الجمهورية في ظل حالة الطوارئ تتسم بالسعة والشمول وهي تصادر الحقوق والحريات الأساسية للافراد ، بل هي تتعارض مع جميع الضمانات الدستورية المقررة لحقوق الأفراد وحرياتهم، وكل هذا التقييد يتم دون مراعاة الأحكام الواردة في قانون الإجراءات الجنائية(23) ، فرئيس الجمهورية هو مصدر الإجراءات الجنائية في حالة الطوارئ .(24)

اما القانون الأساسي العراقي لعام 1925 فقد منح السلطة القائمة على حالة الطوارئ العديد من الصلاحيات الواسعة وتجلى ذلك بمرسوم الطوارئ رقم 1 لسنة 1956 فقد منح هذا المرسوم رئيس الوزراء حق استعمال جميع الصلاحيات الواردة فيه وذلك بالمادة الثانية منه بناءً على قرار يصدره مجلس الوزراء وله ان يصدر لهذا الغرض البيانات والاعلانات والاوامر والقرارات اللازمة لذلك ، وتشكل وفقا لهذا المرسوم محكمة خاصة تختص بالنظر بالجرائم المحالة اليها ، وتشكل هذه المحكمة من خمسة أعضاء يعينون بقرار من مجلس الوزراء وارادة ملكية على ان يكون من بينهم حاكمان من الصنف الأول من حكام المحاكم المدنية ، ويعين الاخرون من المدنيين والعسكريين بقرار من مجلس الوزراء ، وذلك بموجب المادة التاسعة من المرسوم ، ومع ذلك جوزت الفقرة الثالثة من المادة ذاتها ان تتالف هذه المحكمة من ثلاثة أعضاء فقط ، وقد اوجبت المادة العاشرة من المرسوم تشكيل محكمة تمييز تسمى محكمة التمييز الخاصة برئاسة أحد حكام محكمة التمييز وعضوية حاكمين منها أو من كبار الحكام واثنين من كبار الضباط والموظفين المدنيين تختص بتمييز الأحكام الصادرة من المحكمة الخاصة خلال عشرة ايام من تاريخ صدور قرار المحكمة ، أما احكام الاعدام فلابد من ارسالها فور صدورها إلى محكمة التمييز الخاصة ولا تنفذ الا بعد تصديقها من قبل الملك(25)، واذا ما علمنا بسلطة الملك تجاه مجلس الوزراء من حيث خضوع هذا المجلس له خضوعاً تاماً من حيث تعيينه واقالته …فان لرئيس الدولة (الملك) ان يمارس هذه الصلاحيات بصورة فعلية حتى وان لم ينص عليه المرسوم ، فضلاً عن ان جميع قرارات مجلس الوزراء لابد من عرضها على الملك للتصديق عليها وفقا للمادة (65) –وقد رأينا فيما سلف- السلطة التقديرية للملك تجاه هذه القرارات . وبصدور قانون السلامة الوطنية اصبح هو المنظم لحالة الطوارئ الجزئية والكلية ولم يعد هناك في التشريع العراقي ما يسمى بالاحكام العرفية وظل هذا القانون نافذا في ظل دستور 1970(26) ، وقد اعطى هذا القانون لرئيس الجمهورية العديد من الصلاحيات التي يمارسها عن طريق القرارات أو البيانات أو الاوامر التحريرية والتي تتولى قوات الامن والقوات المسلحة والدوائر المختصة تنفيذها(27) ، وهذه الاختصاصات المنصوص عليها في القانون جاءت بطبيعة الحال على قدر كبير من السعة لتكون سلطة تحكمية بيد رئيس الدولة الذي له ان يلجأ إلى حالة الطوارئ ولوحده ومن ثم استعمال هذه الاختصاصات المنصوص عليها في القانون ، هذا وقد اعطى القانون لرئيس الدولة اختصاص تشكيل محاكم امن الدولة بمرسوم يصدر منه ( محكمة امن الدولة ومحكمة تمييز امن الدولة ) (28) ، وهو الذي يحيل إلى هذه المحاكم الاستثنائية جميع الجرائم المنصوص عليها في الاوامر والبلاغات والبيانات والقرارات التي يصدرها هو أو من يخوله في ذلك ، وكذلك جميع الجرائم الماسة بامن الدولة الداخلي والخارجي والجرائم المخلة بالامن العام (29) ، وبذلك فان رئيس الدولة هو بالفعل مصدر جميع الإجراءات الجنائية بما يستتبع ذلك من فرض سيطرته على هذه الإجراءات وبالتالي تقييد الحريات العامة إلى اكبر قدر ممكن ولاسيما وان ممارسة جميع هذه السلطات لا يترتب عليها تقيده بالقواعد الواردة في قانون اصول المحاكمات الجزائية(30) .

ومع خطورة الاثار التي تترتب على إعلان حالة الطوارئ والتي يعد من اخطرها سلطة رئيس الدولة في اصدار الاوامر بالقبض على المواطنين واعتقالهم ، غير ان القانون لم يعط الضمانات الكافية التي تبيح للمقبوض عليه أو المعتقل الدفاع عن نفسه ، فهو لم ينص الا على حق المتهم في اختيار محاميه وحقه في الطعن بقرار قاضي التحقيق بتوقيفه(31) ، والملاحظ ان حالة الطوارئ قد الغيت بموجب المرسوم الجمهوري رقم 595 في 24/10/1970(32) ، ولم تكن حالة الطوارئ معلنة رسمياً في العراق خلال فترة الحرب العراقية الايرانية 1980-1988 ولم تعلن رسمياً كذلك خلال حرب الخليج الأولى عام 1991 على اثر غزو العراق لدولة الكويت(33) ، غير ان الاثار التي تترتب على إعلان حالة الطوارئ كانت مطبقة في العراق من الناحية الفعلية وذلك منذ صدور دستور 1970 حتى عام 2003 ، فرئيس الدولة كان يتمتع بجميع السلطات التنفيذية والتشريعية بل وحتى له التدخل في الميدان القضائي ، وهو بذلك قد ركز السلطة بين يديه من الناحية الفعلية بل والدستورية كذلك ، فالدستور كان رهنا بمشيئته يعدله كيفما يشاء ، فضلاً عن ذلك فالمحاكم الاستثنائية كانت متوفرة في العراق واخصها (محكمة الثورة) والتي انشئت بموجب قانون تعديل قانون معاقبة المتامرين رقم 4 لسنة 1964 ، والتي يرجع امر تكوينها واختصاصاتها وسير العمل فيها الى ارادة رئيس الدولة ، وهي تشكل من رئيس وعضوين من المدنيين والعسكريين ويجوز ان يكونوا من العسكريين باجمعهم ، فهيئة المحكمة وممثلو الادعاء العام يعينون بمرسوم جمهوري ، فضلاً عن ان لرئيس الجمهورية ان يحيل إلى هذه المحكمة اية جريمة اخرى – وذلك من دون التقيد بنوع هذه الجريمة وكذلك بدون وجود أي نص قانوني يحددها – وتنظر فضلاً عن ذلك بالعديد من الجرائم الاخر، فضلاً عن كل ذلك فان قرارات هذه المحكمة قطعية ولا يجوز الطعن فيها وهي تنفذ فورا ماعدا الأحكام الصادرة بالاعدام التي لابد من تصديق رئيس الدولة عليها والذي يملك تجاه الأحكام الصادرة منها سلطة الغاء الحكم الصادر واعادة القضية إلى المحكمة مجددا كما يملك سلطة ايقاف إجراءات التحقيق أو المحاكمة مؤقتا أو نهائيا في جميع ادوار التحقيق والمحاكمة(34) ، ولم تكن هذه المحكمة تراعي أياً من حقوق المتهم فنجد ان محامي الدفاع كان يطالب (باعدام) الموكل فضلاً عن صورية المحاكمة نفسها فالعديد من الأحكام التي صدرت بالاعدام لم تكن تستلزم سوى جلسة واحدة (35) .

وعلى ذلك نخلص ان الاثار الفعلية لحالة الطوارئ في ظل دستور 1970 كانت مطبقة فعلياً وان لم يتم الاعلان عنها رسميا ، وان عدم اعلانها رسميا يرجع إلى عدم الحاجة الفعلية لذلك بسبب ما يملكه رئيس الدولة من صلاحيات تشريعية وتنفيذية هامة فهو يصدر قرارات لها قوة القانون (م57/ج) فضلاً عن كونه رئيسا لمجلس قيادة الثورة – المنحل – الذي يملك سلطة تشريعية مطلقة بمقتضى المادة (42) .

_____________________

1- د. أحمد سلامة بدر : الاختصاص التشريعي لرئيس الدولة في النظام البرلماني، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 2003 ، ص625 .

2- تنظر المادتان (7 ، 9) من قانون الأحكام العرفية الفرنسي لعام 1849 ، د. محمد عبد الحميد أبو زيد : مدى سلطة الحاكم إزاء التشريعات الظنية والوضعية شرعاً وقانوناً ، ط2 ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1995 ، ص 198 . ومن القوانين الاخرى المنظمة للظروف الاستثنائية في فرنسا هي : قانون تنظيم الوطن وقت الحرب الصادر في عام 1938 ، قانون الدفاع الوطني الصادر في عام 1959 . ينظر: د. محمد الوكيل : حالة الطوارئ وسلطات الضبط الإداري ، ط2 ، القاهرة ، دار النهضة العربية، 2003 ، ص 262.

3- تنظر المادة (14) من المرسوم ، د. عثمان خليل عثمان : القانون الإداري ، بغداد ، مطبعة الأهالي ، 1939 – 1940 ، ص 312-313 .

4- د. أحمد فتحي سرور : القانون الجنائي الدستوري ، ط3 ، القاهرة ، دار الشروق، 2004 ،ص579 هامش رقم (1) وقد اعلنت الأحكام العرفية قبل ذلك في فرنسا ايضا فقد كانت المرة الأولى في ظل قانون 1849 عام 1852 لمدة شهرين وخمسة ايام وكانت الثانية في عام 1870 واستمرت لخمس سنوات وسبعة شهور ، لمزيد من التفاصيل ينظر: د. محمد الوكيل : المصدر السابق ، ص272-وما بعدها .

5- د. حامد مصطفى : مبادئ القانون الاداري العراقي ، بغداد ، شركة الطبع والنشر ، بلا سنة طبع ، ص338-339 ، سعدون عنتر الجنابي : أحكام الظروف الاستثنائية في التشريع العراقي ، بغداد ، دار الحرية للطباعة ، 1981 ، ص 146-148 .

6- د. عثمان خليل عثمان : القانون الاداري ، المصدر السابق ، ص 308 .

7- ينظر سعدون عنتر الجنابي : المصدر السابق ،ص130-132 ، 137-138 .

8- لقد نظم هذه الاختصاصات في فرنسا قانون الاستعجال لعام 1955 وذلك في المواد (5-13). لمزيد من التفاصيل ينظر: د. محمد عبد الحميد ابو زيد : مدى سلطة الحاكم إزاء التشريعات ، المصدر السابق ، ص 200 ، د. محمد الوكيل : المصدر السابق ،ص 281-283 ، وقد نظمت هذه الاختصاصات المادة (3) من قانون الطوارئ المصري رقم 162لسنة 1958، وفي ظل القانون الأساسي العراقي نظم هذه السلطات مرسوم الطوارئ رقم 1 لسنة 1956 ، ينظر سعدون عنتر الجنابي: المصدر السابق ،ص 146-147 وفي ظل دستور العراق لعام 1970 فان قانون السلامة الوطنية رقم 4 لعام 1965 هو المنظم لهذه السلطات وذلك في المادة (4 ) منه .

9- د. أحمد سلامة بدر : المصدر السابق ، ص 645 .

10- جابرييل ايه . الموند ، جي . بنجهام باويل : السياسات المقارنة في وقتنا الحاضر –نظرة عالمية- ، ترجمة هشام عبد الله ، مراجعة سمير نصار ، ط5 ، لبنان ، شركة الطبع والنشر اللبنانية ، 1998 ،ص334 .

11- د. أحمد سلامة بدر : الاختصاص التشريعي لرئيس الدولة في النظام البرلماني، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 2003 ص646 .

12- لمزيد من التفاصيل ينظر د. محمد الوكيل : المصدر السابق ،ص286- وما بعدها .

13- قانون الطوارئ يفجر جدلا واسعاً في الشارع الفرنسي http://www.aljazeera.net.

14- فرنسا ترفع حالة الطوارئ bbc.co.uk http://newsvote

15- قانون الطوارئ يفجر جدلا واسعا في الشارع الفرنسي، المصدر السابق http://www.aljazeera.net .

16- الحكومة الفرنسية تقرر انهاء حالة الطوارئ www.alwatan.com http://.

فرنسا ترفع حالة الطوارئ ، المصدر السابق http://newsvotebbc.co.

17- ينظر د. محمد الوكيل : المصدر السابق ، ص305-306 .

18- لمزيد من التفاصيل ينظر: د. رأفت فودة : الموازنات الدستورية لسلطات رئيس الجمهورية الاستثنائية في دستور 1971 ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 2000 ، ص479- وما بعدها ،د. محمد عبد الحميد أبو زيد : مدى سلطة الحاكم إزاء التشريعات الظنية والوضعية شرعاً وقانوناً ، ط2 ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1995 ، ص208-209، د. محمود أبو السعود حبيب : الاختصاص التشريعي لرئيس الدولة في الظروف الاستثنائية ، القاهرة ، دار الثقافة الجامعية ، 1990 ، ص299-302 ،د. محمد الوكيل : المصدر السابق ، ص364 وما بعدها ،د.احمدسلامة بدر:المصدر السابق،ص629– وما بعدها .

19- ينظر القانون رقم 105 لسنة 1980 الخاص بانشاء محاكم امن الدولة .

ومن القوانين التي نظمت الظروف الاستثنائية واعطت لرئيس الجمهوريةصلاحيات واسعة في مصر قانون الدفاع الوطني رقم 10 لسنة 1965 وقانون التعبئة العامة رقم 18 لسنة 1972 . ينظر: د. محمد الوكيل : المصدر السابق ، ص 263 . هامش رقم (569 ، 570) .

20- ينظر د. عبد الحميد الشواربي ، شريف جاد الله : شائبة عدم دستورية ومشروعية قرار إعلان ومد حالة الطوارئ والأوامر العسكرية ، الإسكندرية ، منشأة المعارف ، 2000، ص133.

21- ينظر د. أحمد فتحي سرور : القانون الجنائي الدستوري ، ط3 ، القاهرة ، دار الشروق، 2004 ، ص80.

22- د. يسرى محمد العصار : نظرية الضرورة في القانون الدستوري والتشريع الحكومي في فترات ايقاف الحياة النيابية ،القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1995،ص35ـ37 . د. عبد الحميد الشواربي ، شريف جاد الله : المصدر السابق ، ص108ـوما بعدها ،ص248 – وما بعدها .

23- د.مجدي أحمد فتح الله : حماية حقوق الإنسان اثناء ممارسة الاداء الضبطي في الظروف العادية والاستثنائية ، مجلة مركز بحوث الشرطة ، العدد (25) ، القاهرة ، 2004 ، ص123 .

24- د. أحمد فتحي سرور : المصدر السابق ، ص79 .

25- لمزيد من التفاصيل ينظر: عامر أحمد المختار : تنظيم سلطة الضبط الإداري في العراق ، بغداد ، 1975، ص 236 – 238 .

26- د. فاروق أحمد خماس : الرقابة على أعمال الإدارة ، الموصل ، جامعة الموصل ، 1988 ، ص50-51 .

ومن القوانين الاستثنائية الاخرى النافذة في ظل دستور 1970 : قانون الاستعانة الاضطرارية رقم 37 لسنة 1961 ، قانون الدفاع المدني رقم 64 لسنة 1978 ، قانون التعبئة العامة رقم 12 لسنة 1971، المادة 19 من قانون المحافظات رقم 159 سنة 1969، فضلاً عن الفقرة (ا) من المادة (42) من الدستور التي تخول مجلس قيادة الثورة (المنحل) جميع ما يراه مناسبا من التدابير والاجراءات لحفظ النظام العام وذلك من خلال اصدار القوانين والقرارات التي لها قوة القانون ، ينظر: د. علي محمد بدير واخرون : مصدر سابق ، ص329 – وما بعدها، د. خالد خليل الظاهر : المصدر السابق ، ص 96 – وما بعدها .

27- تنظر المواد (6-7) من القانون .

28- تنظر المواد (10-13) من القانون .

29- المادة (9) من القانون .

30- المادة (4) من القانون .

31- حميد حنون خالد الساعدي : الوظيفة التنفيذية لرئيس الدولة في النظام الرئاسي –دراسة مقارنة مع الدستور العراقي – ، أطروحة دكتوراه ، جامعة عين شمس ، كلية الحقوق ، 1981 ، ص 367.

32- د. سعيد حسب الله عبد الله : شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية ، الموصل ، دار الحكمة للطباعة والنشر 1990 ، ص248 .

33- فارس عبد الرحيم حاتم : حدود رقابة القضاء الاداري على القرارات التي لها قوة القانون ، رسالة ماجستير، جامعة بابل ، كلية القانون ، 2003 ، ص118 .

34- لمزيد من التفاصيل ينظر د. سعيد حسب الله عبد الله: شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية ، الموصل ، دار الحكمة للطباعة والنشر ، 1990 ، ص249- وما بعدها .

35- رياض العطار : جريمة التعذيب والافلات من العقاب في العراق ، ط1 ، بغداد ، منشورات الجمعية العراقية لحقوق الإنسان ، 2004 ، ص142، 145، 161.

المؤلف : علي سعد عمران
الكتاب أو المصدر : ظاهرة تقوية مركز رئيس الدولة في بعض النظم الدستورية

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .