الإفــراج الشــرطي فــي القــانون العــراقي

المحامية: منال داود العكيدي
يعرف فقهاء القانون الجنائي الافراج الشرطي على انه (طلاق سراح المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قبل انقضاء كل مدة عقوبته إطلاقا مقيداً بشروط تتمثل في التزامات تفرض عليه وتقيد حريته وتمثل كذلك في تعليق للحرية على الوفاء بهذه الالتزامات ) .

فاذا كانت غاية سلب حرية الجاني هي الوقاية من خطورته على المجتمع فليس من العدالة الاستمرار في تنفيذ العقوبة بعد ان ازيل الخلل الناتج عن الجريمة ولهذا السبب اخذت اغلب النظم القانونية بالافراج الشرطي او مايسمى ايضا بوقف الحكم النافذ .

وبحسب فقهاء القانون الجنائي فان الافراج الشرطي يحقق جملة من الاهداف والغايات اولها انه يحث المحكوم عليه على اتباع منهج صالح اثناء وجوده في المؤسسة العقابية تمهيدا لاندماجه في المنظومة المجتمعية فضلا عن انه اداة لتشجيع المحكوم عليه على الالتزام بالسلوك الحسن كما انه يخلص الدولة من عبئ اكتظاظ السجون بالنزلاء عن طريق اطلاق سراح المسجونين الذين صلح امرهم ولم يعودوا بحاجة الى عزلة عن المجتمع وهذا يوفر الكثير من الاموال على الخزينة العامة والتخفيف من الملاك الاداري الذي تتطلبه المؤسسة العقابية .

وترجع فكرة الافراج الشرطي الى اصل فرنسي ففي عام 1790 تقدم ميرابو بتقرير الى الجمعية الوطنية الفرنسية طالب فيها ادخال نظام الافراج الشرطي في قانون العقوبات الفرنسي باعتباره احدى وسائل الاصلاح للمؤسسة العقابية ، وفي عام 1874 قام القاضي الفرنسي (بونفيل دي مارسانجاني) بقيادة حملة واسعة مؤيدة لنظام الافراج الشرطي الى ان قامت الجمعية الوطنية بتبنيه ضمن نظام العقوبات الفرنسي في عام 1885.

وقد كان الافراج الشرطي موضع خلاف بين فقهاء القانون الجنائي من حيث تحديد طبيعته القانونية وتكييفه من الناحية العقابية فذهب اتجاه الى اعتبار الافراج الشرطي عملا اداريا لانه ينطوي على تعديل في المعاملة العقابية كي تلائم التطور الذي طرا على شخصية المحكوم عليه فهو اشبه بالنشاط الاداري الذي تمارسه الادارة وذهب اتجاه اخر الى انه يعد عملا قضائيا لانه يتضمن المساس بمدة العقوبة حيث انه يدخل تعديلا عليها كما انه ينطوي على مساس بالقوة التنفيذية .

وتكمن اهمية هذا الخلاف الى ان الراي الاول الذي يقضي باعتباره عملا اداريا يؤدي الى تخويل امره الى سلطة ادارية وهذا ما اخذ به التشريع الفرنسي الذي جعل قرار الافراج الشرطي من اختصاص وزير العدل استنادا الى المادة 730 من قانون الاجراءات الجنائية ، اما الراي الثاني فيذهب الى انه طالما ان الافراج الشرطي ينطوي على مساس بحكم قضائي اذن لايجوز ان يصدر من غير القضاء و هذا هو الراي الراجح من قبل الفقه والكثير من التشريعات الجنائية ومنها المشرع العراقي في الباب الرابع من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 والذي يقضي بجواز الافراج الشرطي على المحكوم عليه بعقوبة اصلية سالبة للحرية في حالة مضي ثلاثة ارباع مدة العقوبة اذا كان المحكوم عليه بالغا وثلثي المدة اذا كان المحكوم عليه حدثا وكان سلوكه اي المحكوم عليه حسنا اثناء فترة تنفيذ العقوبة وفي كل الاحوال فان قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي قد اشترط ان لا تقل المدة التي امضاها المحكوم عليه ستة اشهر وغاية ذلك هو ان يدرك المحكوم عليه اهمية الحرية وكم هو من الصعب سلبها .

وقد حدد المشرع العراقي مجموعة من الاستثناءات التي اذا توفرت لا يجوز تطبيق نظام الافراج الشرطي وهذه الاستثناءات هي (المجرم العائد اي المجرم الذي سبق ان حكم عليه نهائيا بجناية او جنحة وقبل مضي المدة ارتكب جناية اوجنحة مماثلة ،المحكوم عليه عن جريمة ضد امن الدولة الخارجي او جريمة تزييف العملة او الطوابع او السندات المالية الحكومية ،المحكوم عليه عن جريمة وقاع او لواط او اعتداء على عرض بدون الرضا او جريمة وقاع او اعتداء بغير تهديد او قوة او حيلة على عرض من لم يتم الثامنة عشرة من عمره او جريمة وقاع او لواط بالمحارم او جريمة التحريض على الفسق او الفجور،المحكوم عليه بالسجن عن جريمة اختلاس الاموال العامة اذا كان سبق ان حكم عليه بالسجن عن جريمة من نفس النوع او الحبس عن جريمتي اختلاس متعاقبتين او اكثر ، المحكوم عليه بالسجن عن جريمة سرقة اذا كان سبق ان حكم عليه بالسجن عن جريمة سرقة .

واستنادا الى قانون اصول المحاكمات الجزائية فان نظام الافراج الشرطي يسري على كل من حكم عليه بعقوبة سالبة للحرية وفق قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 ويستثنى من ذلك من صدرت بحقه عقوبة وفق احكام قانون العقوبات العسكري اما الجهة المتخصصة بالنظر في طلبات الافراج الشرطي هي محكمة الجنح التي يقع ضمن اختصاصها المكاني السجن او المؤسسة الاصلاحية (دائرة اصلاح الكبار و دائرة اصلاح الاحداث) ويتم ذلك بتقديم طلب من قبل المحكوم عليه اذا كان بالغا او من وليه او وصيه او احد اقاربه في حالة كونه حدثا واستنادا الى القانون رقم 9 لسنة 1992 اصبح تقديم الطلب وجوبيا على دائرة اصلاح الكبار او الاحداث وجوازيا بالنسبة للادعاء العام الى المحكمة المتخصصة لتطبيق نظام الافراج الشرطي حتى لو لم يقم المحكوم عليه بتقديم طلب بذلك .

فاذا صدر قرار من المحكمة المتخصصة بالافراج الشرطي للمحكوم عليه يخلى سبيله ويوقف تنفيذ مابقي من العقوبة الاصلية مدة التجربة حيث يتم تبليغ قرار الافراج الشرطي من قبل ادارة السجن الى المحكوم عليه ويتم تنبيهه في حالة ارتكاب جناية او جنحة عمدية او اخل بالشروط التي فرضتها المحكمة خلال مدة التجرية سيتم الغاء قرار الافراج الشرطي واعادة الحكوم عليه الى السجن اما اذا ردت المحكمة طلب الافراج لسبب موضوعي فانه لايجوز اعادة تقديم الطلب من جديد الا بعد مضي ثلاثة اشهر على قرار الرد ويجوز الطعن تمييزا بهذا القرار امام محكمة الجنايات التي يقع ضمن اختصاص اعمالها محكمة الجنح التي اصدرت قرار الرد والتي لها تصديق قرار الاخيرة او نقضه ويكون قرارها عندئذ نهائيا.