الضبط الإداري – ( أهدافه و وسائله و حدوده )

المحامية / منال داود العكيدي
يعرف الضبط الاداري على انه النشاط الذي تباشره الهيئات الادارية وتمس حريات الافراد ونشاطهم الخاص لغرض استتباب الامن وصيانة النظام العام واعادته الى الحالة التي كان عليها قبل ان يضطرب او يختل . وللنظام العام مفهوم محدد في فقه القانون الاداري فهو يشمل ثلاث موضوعات هي : الامن العام والسكينة العامة والصحة العامة .

وقد كان مجلس الدولة الفرنسي في بادئ الامر يقيم النظام العام على الناحية المادية الخارجية فقط والتي من شأنها تهديد امن المواطنين وصحتهم وسكينتهم ( فلا شأن للضبط الاداري بحالة المجتمع المعنوية او الروحية ولا شأن له بالافكار والعقائد التي تسود المجتمع ولو كانت ضارة بالنظام الاجتماعي باكمله) وفي 18 كانون الاول من عام 1959 اصدر مجلس الدولة الفرنسي حكما في قضية لوتيسيا اعترف فيها القضاء الاداري الفرنسي ولاول مرة لهيأة الضبط الاداري بحق استعمال صلاحيتها من اجل المحافظة على الاخلاق والاداب العامة بحيث انه قضى بصحة القرارات الصادرة من هيئات الضبط الاداري والتي تمنع عرض الافلام السينمائية الاباحية بسبب صفتها اللا اخلاقية .

وقد حسم المشرع العراقي هذا الموضوع واعتبر ان النظام العام المعنوي جزءا من النظام العام بالنص للمحافظة على النظام العام والاداب بموجب المادة 401 والتي تنص على معاقبة كل من اتى فعلا مخلا بالحياء والمادة 403 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1989 والتي تنص على معاقبة كل من استورد او اصدر او حاز او احرز او نقل بقصد الاستغلال او التوزيع كتابا او مطبوعات او كتابات اخرى او رسوما او افلاما او غير ذلك من الاشياء اذا كانت مخلة بالحياء او الاداب العامة .

وبناء على ذلك فان النظام العام وفقا للراي الراجح في القانون ينصرف الى عدة اهداف او اغراض هي : الامن العام والذي يقصد به اطمئنان الانسان على نفسه وماله من خطر الاعتداءات التي يمكن ان تقع عليه ويتحقق ذلك عن طريق اتخاذ اجراءات معينة لمنع اي فعل من شأنه الحاق ضرر بالغير سواء كان ذلك بفعل الانسان كمنع الجرائم التي تقع على الاشخاص ام الاموال ودرء الفتن والاضطرابات او عن الاشياء كهدم المنازل الايلة للسقوط او بسبب اخطار الطبيعة كاتخاذ التدابير اللازمة لمجابهة اخطار الفيضانات والزلازل .

اما الهدف الثاني فهو الصحة العامة التي تتمثل في حماية المواطنين من الامراض والاوبئة ومنع انتشارها واعداد حملات التلقيح ومراقبة الاغذية وفرض القيود الصحية على المحال العامة واعداد المياه الصالحة للشرب والعمل على حماية البيئة من التلوث والمحافظة على الصحة العامة يخول هيئات الضبط الاداري تقييد حرية الانتفاع بالملك تحقيقا لاغراض صحية .

ويتعلق الهدف الثالث بالسكينة العامة التي يقصد بها المحافظة على الهدوء والسكون في الطرق والاماكن العامة لكي لايتعرض المواطنون لمضايقات الغير في اوقات الراحة ويتحقق ذلك بمنع كل ما من شأنه اقلاق راحة الناس كمنع الضوضاء ومكبرات الصوت واطلاق العيارات النارية في المناسبات وكذلك الاصوات المنبعثة من الباعة المتجولين او المتسولين .

اما الهدف الرابع فهو الاداب العامة والاخلاق ويقصد به المحافظة على القيم الادبية والاخلاقية لانها ربما تكون سببا في الاخلال بالنظام العام .

وتمارس هيئات الضبط الاداري هذه الاهداف من خلال الوسائل القانونية والتي هي عبارة عن قرارات ادارية يلتزم الافراد بها وهي اما ان تكون عبارة عن انظمة وتعليمات : وهي قواعد عامة موضوعية مجردة تضعها هيئات الضبط الاداري وتقيد بها بعض اوجه النشاط الفردي في سبيل تحقيق غاية محدودة وهي المحافظة على النظام العام ويتعرض من يخالفها للعقوبة الجزائية مثل التعليمات المرورية والتعليمات الصحية الخاصة بمراقبة الاغذية والمحال العامة.

وقد تقوم هيئات الضبط الاداري بممارسة مهماتها في صيغة اوامر اونواهي او قد تكون في صورة رخصة تخص شخصاً معيناً او مجموعة اشخاص معينين بذواتهم ويطلق عليها القرارات الفردية وهي تصدر عادة تطبيقا لاحكام القوانين والانظمة مثل الامر الصادر من السلطة البلدية لهدم منزل ايل للسقوط او القرار الصادر من السلطة الادارية بفض مظاهرة او تفريق اجتماع وهذه القرارات يجب ان تكون مستوفية لجميع قواعد المشروعية التي تحكم كل القرارت الادارية .

وقد تلجأ الهيئات الادارية الى استخدام القوة من اجل تحقيق اهداف الضبط الاداري وذلك في حالة اختلال النظام العام وتقوم بالتنفيذ الجبري للقرارات من دون الحصول على اذن سابق من القضاء وهذا الاجراء يعد من امتيازات القانون العام التي تتمتع بها الادارة وهذا الاجراء يعد استثناء من الاصل الذي يقتضي الحصول على حكم من القضاء لاستخدام القوة المادية ولكن في حالة الضرورة يجوز ذلك وكذا في الحالات التي يحددها القانون بناء على مقتضيات المصلحة العامة .

ومن الواضح ان ما تتمتع به هيئات الضبط الاداري قد يؤدي في حالات معينة الى المساس بحقوق وحريات الاشخاص فيظهر الصراع التقليدي بين السلطة والحرية لذا فان سلطات الضبط الاداري ليست مطلقة من دون حدود بل هي مقيدة بمجموعة من القيود تحقق بمجموعها عملية توازن بين سلطات الضبط الاداري الهادفة الى المحافظة على النظام العام وعدم اختلاله وبين مقتضيات حماية الحقوق والحريات ففي حالة الظروف الطبيعية تتقيد سلطات الضبط الاداري باحترام مبدأ المشروعية من ناحية وخضوعها لرقابة القضاء من جهة اخرى وبناء عليه فان مخالفة مبدأ المشروعية يؤدي الى بطلان اي تصرف او اجراء تتخذه الادارة .

كما ان القضاء يمارس الرقابة على القرارات والاجراءات التي تصدرها هيئات الضبط الاداري . اما في حالة وجود ظروف استثنائية مثل الحرب او الكوارث الطبيعية او انتشار وباء معين فان سلطات الضبط الاداري تتسع لمواجهة هذه الظروف وعندئذ فان رقابة القضاء تختلف عما تكون عليه في الظروف الطبيعية . وهناك الكثير من النصوص التشريعية في القانون العراقي التي تعالج الظروف الاستثنائية مثل قانون السلامة الوطنية وقانون التعبئة رقم 12 لسنة 1971 وقانون الدفاع المدني رقم 64 لسنة 1978 وقانون الاستعانة الاضطرارية رقم 37 لسنة 1961 .