التعاقد بالمزايدة:

والتعاقد عن طريق المزايدة، في الفقه الإسلامي جائز قضاءً ولا غبار عليه ديانةً، وعلى الأخص بالنسبة إلى البيع، حيث سمي (بيع المزايدة) أو (بيع من يزيد)، وذلك ما لم تكن المزايدة صورية، قُصد بها التواطؤ على رفع الثمن، وقد أطلق فقهاء المسلمين على المزاد الصوري الذي ابتُغي به التواطؤ على رفع الثمن (النجش).

وتُرسي المادة (78)، في فقراتها الأربع القواعد العامة التي يقوم عليها التعاقد عن طريق المزايدة، وهي – بين النزعتين اللتين قامتا في الفكر القانوني بصدد هذا النوع من التعاقد – تنحو منحى النزعة التي ترى الإيجاب في العطاء الذي يتقدم به المتزايد، تاركةً النزعة التي ترى الإيجاب متمثلاً في الإعداد للمزاد وفتحه، فالإعداد للمزاد أو حتى فتحه لا يعدو أن يكون من قبيل الدعوة إلى التعاقد، وفي ذلك يتمشى المشروع مع قانون التجارة الكويتي (المادة 114)، والقانون المصري (المادة 99)، والقانون السوري (المادة 100)، والقانون الليبي (المادة 99)، والقانون العراقي (المادة 89)، والقانون الأردني (المادة 103)، كما يتفق مع ما يقول به الفقه الإسلامي.

وعطاء المتزايد – وإن اعتبر إيجابًا – إلا أن صاحبه يبقى ملتزمًا به إلى حين تقدم متزايد آخر بعطاء أفضل، أو إلى أن يُقفل المزاد، دون أن يُرسى على أحد إذا كان عطاؤه هو الأفضل، وهذا ما تقرره الفقرة الأولى، وهو حكم يتفق مع ما يقول به الفقه الإسلامي، الذي يرى في مجموعه، وقوع عطاء المتزايد ملزمًا لصاحبه فترة من الزمن، خلافًا للأصل العام الذي يقوم على منح الموجب خيار الرجوع في إيجابه. وهذا الحكم الذي تقرره الفقرة الأولى يتمشى في الغالب من الأمر مع قصد المتعاقدين. فمن يتقدم بعطائه دون تحفظ، يريد بذلك بالضرورة أن يبقى عطاؤه قائمًا، ويظل ملتزمًا به إلى أن يتقدم متزايد آخر بعطاء يفوقه، أو إلى أن يُرسى المزاد عليه إذا كان عطاؤه هو أفضل عطاء، ثم إن هذا الحكم لا يعدو أن يكون تطبيقًا للأصل العام الذي سبق للمشروع أن قرره في المادة (41) منه والذي مؤداه أن يقع الإيجاب ملزمًا، إذا اقترن بميعاد للقبول. فإذا كان من الممكن لهذا الميعاد أن يجيء صريحًا، فإنه قد يستخلص دلالة من الظروف.

فإذا تقدم متزايد آخر بعطاء يزيد على عطاء من سبقه، سقط العطاء السابق، لمضي الفترة التي حددها صاحبة لقيامه، من غير أن يلحقه قبول، فإن كان عطاء المتزايد هو الأفضل وبالتالي الأخير، بقي وحده يتربص القبول، فإن أُرسي المزاد على صاحبه اعتُبر ذلك قبولاً، وتم العقد، أما إذا قُفل المزاد، دون أن يرسى عليه، سقط عطاؤه لفوات ميعاده أيضًا من غير أن يلحقه قبول. وتقضي الفقرة الثانية بأنه لا يمنع من سقوط العطاء بعطاء أفضل منه أن يقع هذا العطاء الأخير باطلاً، كما إذا تقدم من مجنون أو من شخص يمنعه القانون من المزايدة، كعمال القضاء ونحوهم، أو أن يرفض العطاء الأفضل وهذا الحكم يتمشى تمامًا مع قصد المتزايد الذي يرتضي بالتقدم بعطائه، أن يظل عطاؤه هذا قائمًا فترة من الزمن، تتحدد بالتقدم من غيره بعطاء أكبر منه بغض النظر عن قيمة هذا العطاء الآخر في ذاته أو عن مصيره.

وتعرض الفقرة الثالثة لتحديد القبول الذي ينعقد به العقد، ويتمثل هذا القبول في إرساء المزاد ممن يتولاه، فلا ينعقد العقد لمجرد أن يتمثل العطاء هو الأفضل أو الأوحد. وإنما يلزم أن يلحقه قبول، وهو ما يجيء في صورة إرساء المزاد وليس ثمة ما يمنع متولي المزاد من عدم قبول عطاء المتزايد، ولو كان هو الأفضل أو الأوحد، دون إخلال بما عساه أن يتحمل به من مسؤولية، وفقًا للقواعد العامة، إن تمثل رفض إرساء المزاد خطأ، كما إذا وقع دون مبرر معقول، وإن جرت عادة الكثيرين على مواجهة هذه الحالة بتضمين قائمة المزاد شرطًا يقضي بأن لمتوليه الحق في رفض إرسائه على المتزايد ذي العطاء الأفضل دون إبداء الأسباب.

وتستطرد الفقرة الثالثة، فتقرر استثناءً للحكم الذي يقضي بقيام العقد بإرساء المزاد، في حالة وجوب المصادقة على إرسائه من شخص معين أو هيئة معلومة، وهذا شائع في المزايدات وعلى الأخص في المزايدات التي تقوم في شأن أموال ومشروعات الدولة أو غيرها من الأشخاص المعنوية العامة، وتقضي الفقرة الثالثة بعدم تمام العقد، في هذه الحالة، إلا بصدور المصادقة ممن يملكها، وإن ردت تاريخ انعقاد العقد عند حصولها التي تاريخ رسو المزاد. وتأتي الفقرة الرابعة لتتحفظ في شأن الأحكام التي أوردتها الفقرات السابقة عليها، بقولها أنها لا تسري في الأحوال التي ينص القانون على خلافها أو يظهر أن المتعاقدين قد قصدا حكمًا مغايرًا لما تقضي به.

والمادة (78) مستوحاة من القانون المصري (المادة 99) وغيره من القوانين العربية الأخرى التي استوحته، ومن بينها قانون التجارة الكويتي (المادة 114)، وهي مع ذلك تتضمن تعديلاً كبيرًا في الصياغة والمضمون، اقتضته الملاءمة التشريعية. وتعرض المادة (79) لصورة خاصة من المزايدات، وهي تلك التي لا تتم علنًا، بحيث يعرف المتزايد العطاءات المقدمة من غيره، وإنما تقدم فيها العطاءات، بحيث لا يعرفها المتزايدون الآخرون. وهذه هي الصورة التي جرى عرف التعاقد على أن يطلق عليها: المزايدات أو المناقصات داخل مظروفات، والمناقصة ما هي إلا مزايدة، ولكن لا في رفع المقابل الذي يعرضه المتزايد في نظير ما سوف يأخذ وإنما في الإقلال من المقابل الذي يرتضي أن يأخذه في نظير ما سوف يعطيه.

وتسري على المزايدات أو المناقصات داخل مظروفات الأحكام العامة التي تسري على المزايدات المنصوص عليها في المادة (78)، ويُستثنى من ذلك ما تعلق بالوقت الذي يبقى فيه العطاء قائمًا يلتزم به صاحبه، فالعطاء في المزايدات داخل مظروفات يظل ملزمًا لصاحبه، حتى يبت متولي المزاد فيه مع غيره من العطاءات الأخرى، دون نظر إلى قيمته بالنسبة إلى قيمة غيره. فهو لا يسقط إذا اتضح أن ثمة عطاء أفضل منه، ويكون لمتولي المزاد أن يقبل العطاء الذي يراه له أفضل، دون أن يكون ملزمًا بالضرورة بقبول العطاء الأكبر في المزايدة، أو الأقل في المناقصة، وذلك ما لم يقضِ القانون، في حالة خاصة بغيره أو يتضح أن المتعاقدين قد قصدا خلافه. ونص المادة (79) مستحدَث، ومع ذلك فحكمه متفق تمامًا مع ما يجري العمل عليه، وهو من بعد يتمشى مع قصد المتعاقدين.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .