مبدأ الرقابة على دستورية القوانين :

وفقاً لمبدأ تدرج القواعد القانونية، فإن القوانين الدستورية تكون أسمى مرتبة من القوانين العادية. وعلى أساس ذلك فإن على القوانين العادية عدم مخالفة القاعدة الدستورية بأي إلغاء أو تعديل. فيتطلب أن تكون القوانين العادية متفقة مع مضمون الدستور فإذا خالفت الدستور فإنها تصبح غير دستورية(1). وإن مبدأ الرقابة على دستورية القوانين يشهد انتشاراً واضحاً في الدساتير الحديثة ولاسيما بعد أن ثبت أن هذا الأسلوب يعد ضمانة من ضمانات الحرية وضرورة من ضرورات كفالة احترام الدستور وعلوه، وعاملاً هاماً من عوامل حماية مبدأ سيادة القانون. لذلك فإن لضمان التزام المشرع باحترام النصوص الدستورية كان لابد من وسيلة للطعن بعدم دستورية القانون ويتم ذلك بالرقابة على دستورية القوانين(2).

وبما أن معظم دساتير الدول تنص على تقرير الملكية الخاصة وحريتها صراحةً وعدم جواز نزعها إلا لمقتضيات المصلحة العامة وبتعويض عادل(3). لذلك فإن القوانين التي تتجاوز مثل هذه النصوص الدستورية سواء أكان بعدم تحديد التعويض العادل أم بنزع الملكية الخاصة لغرض شخصي ليس له علاقة بالمنفعة العامة. وإنما تقوم بانتهاك مبدأ دستورية القوانين في الوقت ذاته. فيتضح لنا مما سبق أن مبدأ دستورية القوانين يعد ضمانة هامة لحق الملكية الخاصة وذلك عن طريق الرقابة على دستورية القوانين(4).

_______________________

1- د. محمود محمد حافظ – الوجيز في القانون الدستوري – ط3 – الناشر دار النهضة العربية – القاهرة – 1999 – ص64. وأنظر كذلك د. ميلود المهذبي و د. ابراهيم أبو خزام – مصدر سابق – ص365. وأنظر كذلك د. عبد الفتاح بدور – نطاق سياسة التفويض في الاختصاص التشريعي – المجلة المصرية للعلوم الساسية – العدد 4 – 1964 – ص122.

2- د. إحسان حميد المفرجي د. كطران زغير نعمة د. رعد ناجي الجدة – النظرية العامة في القانون والنظام الدستوري في العراق – بغداد – 1990 – ص171. وأنظر كذلك د. سعد عصفور – مصدر سابق – ص162. وأنظر كذلك د. سعاد الشرقاوي – مصدر سابق – ص342.

3- المعنى ذاته نجده في نص المادة (32) ( 34) من مشروع الدستور العراقي لسنة 1990.

4- د. عبد الرزاق السنهوري – مصدر سابق – ص635.

المقصود بالرقابة على دستورية القوانين :

يقصد بالرقابة على دستورية القوانين، إخضاع القانون الصادر من السلطة التشريعية لنوع من الرقابة من قبل جهاز مستقل للتأكد عن مدى موافقة هذا القانون للمبادئ الواردة في الدستور(1). لما كان مبدأ الرقابة على دستورية القوانين ضمانة من ضمانات الحرية، وضرورة من ضرورات كفالة احترام الدستور وعلوه، ووسيلةً لحماية مبدأ سيادة القانون. لذلك فإن لضمان التزام المشرع باحترام النصوص الدستورية كان لابد من وسيلة للطعن بعدم دستورية القانون. ويتم ذلك بالرقابة على دستورية القوانين(2). وتكون الرقابة على دستورية القوانين إما رقابة سياسية وإما رقابة قضائية. والذي يهمنا في هذا الموضوع الرقابة القضائية. لذلك يكون تطرقنا إلى الرقابة السياسية مدخلاً للموضوع حسب وعلى النحو الآتي:

أولاً: الرقابة السياسية.

وتعني الرقابة السياسية: قيام هيئة سياسية بالتحقق من مدى مطابقة أحكام القانون بالدستور، غالباً ما تنص الدساتير على كيفية تشكيل هذه الهيئة السياسية(3). والرقابة السياسية هي رقابة وقائية، لأنها تمارس مهامها قبل صدور القانون، فهي تحول دون صدور القانون المخالف للدستور. فهي تتخلص من عدم دستورية القانون قبل وقوعها. فهي بذلك تتأكد من أن السلطة التشريعية لم تتجاوز اختصاصها المرسوم لها في الدستور(4). ومن أهم الدول التي أخذت بالرقابة السياسية، دساتير الدول الاشتراكية، مثل دستور الاتحاد السوفيتي (سابقاً) لعام (1977)، ودستور بلغاريا لعام (1947)، ودستور الصين الشعبية لعام (1954)، والدستور الفرنسي لسنة (1958)، (دستور الجمهورية الخامسة)، والدستور السوري النافذ لعام (1973)، والدستور الجزائري لعام (1989).

ثانياً: الرقابة القضائية.

ويقصد بالرقابة القضائية لدستورية القوانين: تلك التي تتولى القيام بها هيئة قضائية تختص بالنظر في مدى مطابقة القانون بالدستور(5). وتختلف هذه الرقابة من بلد لآخر وفقاً لطبيعة النظام السياسي السائد. لذلك تبدو هذه الرقابة غير ذات جدوى عندما تمارس في ظل نظام استبدادي، حيث تكون مهمة صنع القوانين، وممارسة المظاهر المهمة من السلطة من اختصاص الدكتاتور(6). ولقد برز دور الرقابة القضائية على دستورية القوانين في العصر الحديث، وتعزى أسباب ذلك إلى أن الرقابة القضائية تضمن معالجة دستورية القوانين بروح قانونية خالصة، فيبحث القاضي وبحكم وظيفته مدى مطابقة القانون بالدستور. كما أن قيام القاضي بالرقابة سوف يخضعها للإجراءات القضائية بما تحمله من ضمانات، مثل الحياد، والمواجهة، وتسبيب الأحكام. كما أنه نتيجة للتدخل المتزايد من جانب الدولة بعد القضاء على المذاهب الفردية الحرة، وظهور المذاهب الاشتراكية والاجتماعية. كان لابد للدولة من أن تزود بالسلطة للقيام بأعبائها الجديدة، لذلك صار تفويضها بالسلطات أمراً مطرداً(7). وبما أن الرقابة القضائية على دستورية القوانين تهدف إلى إلغاء التجاوزات من قبل السلطة التشريعية، تلك التي تشكل خرقاً دستورياً. وهي – بلا شك – ضمانة للحقوق والحريات التي سجلها الدستور. لذلك فقد نصت عليها أغلب الدساتير الجامدة، ويعد النص على الرقابة القضائية على دستورية القوانين في الدساتير الجامدة ضمانة أكيدة لتطبيقها لأن الدستور الجامد يحدد طريقة تعديله. فإذا صدر قانون عادي مخالف له، فهذا يعني أن المشرع العادي قد قام بتعديل الدستور بغير الطرق المحددة. وهذا لا يجوز دستورياً وفقاً لمبدأ سمو الدستور. أما في الدساتير المرنة فنادراً ما تثار هذه المسالة، لأن القانون العادي يعد القانون الأعلى في الدولة(8).وهذا يعني أن مجرد النص على حق الملكية الخاصة في الدستور الجامد يعد ضمانة هامة لهذا الحق. ومن نتائج مبدأ سمو الدستور مبدأ تدرج القواعد القانونية. وهو يعني أن الدستور أعلى قاعدة قانونية في الدولة يجب أن تخضع لأحكامه بقية القواعد القانونية. ويتبع ذلك عدم جواز مخالفة أية قاعدة قانونية لحكم ورد في الدستور. وإلا عد هذا التشريع غير دستوري(9). فالدولة القانونية إذن ذات الدستور الجامد، والتي تؤكد مبدأ سمو الدستور، وتدرج القواعد القانونية لا يمكن للسلطة التشريعية أن تصدر تشريعاً يتعارض مع حكم في الدستور وإلا تعرض مثل هذا التشريع للطعن عن طريق القضاء. وكان من نتائج ازدياد تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، قيامها بإصدار الكثير من التشريعات المنظمة لحياة المجتمع، منها ما يمس حقوق الأفراد وحرياتهم، ومنها حقهم في الملكية الخاصة. مما دعا إلى عدم الاكتفاء بالنص على أن حق الملكية الخاصة حق أصيل لكل فرد، وإنما أن يكون هناك بالضرورة من الضمانات ما يكفل احترام هذا الحق من جانب سلطات الدولة، حيث تمارس الاختصاصات التي خوله إياها الدستور، وتكون الوسيلة لذلك عن طريق رقابة القوانين التي أصدرتها السلطة التشريعية. وتعد الرقابة القضائية على دستورية القوانين من أفضل أنواع الرقابات وأوفاها لحماية حق الملكية الخاصة. إذ أن الدستور ينيط هذه الوظيفة على عاتق جهة مستقلة تفصل في الخصومات التي ترفع إليها وفقاً لقواعد وإجراءات لا مثيل لها في أنواع الرقابات الأخرى(10).

________________________

1- د. محمد سعيد مجذوب – مصدر سابق – ص 138.

2- إسماعيل ميرزة – دراسة مقارنة للدستور الليبي مع دساتير الدول العربية الأخرى – دار صادر – منشورات الجامعة الليبية – 1969 – ص 378. وأنظر كذلك د. محمود محمد حافظ – مصدر سابق – ص 64.

3- يتم تشكيل هذه الهيئة إما عن طريق التعيين سواء من قبل الحكومة أو البرلمان. وإما عن طريق الانتخاب وقد يتم اختيار أعضاء هيئة الرقابة من قبل هيئة الرقابة ذاتها. د. إحسان حميد المفرجي د. كطران زغير نعمة د. رعد ناجي الجدة – مصدر سابق – ص 171 و ص172.

4- د. عبد الفتاح حسن – مبادئ النظام الدستوري في الكويت – دار النهضة العربية لبنان – 1968 – ص70. وأنظر كذلك د. محمد آل ياسين – القانون الدستوري والنظم السياسية – ( ب. م) – (ب. ت) – ص76.

5- سعيد أبو الشعير – القانون الدستوري والنظم السياسية المعاصرة – ج1 – ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر – (ب. ت) – ص 175.

6- د. علي سبتي محمد – وسائل حماية المشروعية – دار واسط للطباعة والنشر والتوزيع – بغداد – 1985 – ص46.

7- د. زهير المظفر – مصدر سابق – ص 198. وأنظر كذلك د. محمود عاطف البنا – مصدر سابق – ص119.

8- د. ميلود المهذبي د. ابراهيم أبو خزام – مصدر سابق – ص366.

9- د. زهير مظفر – مصدر سابق – ص 195.

10- د. فؤاد العطار – كفالة حق التقاضي – مقال منشور في مجلة العلوم القانونية الاقتصادية – العدد الثاني – السنة الأولى – القاهرة – 1959 – ص629.

المؤلف : اكرم فالح احمد الصواف
الكتاب أو المصدر : الحماية الدستورية والقانونية لحق الملكية الخاصة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .